بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
يدرك الكثيرون قيمة صناعة (السينما) على مر التاريخ وفي مصر علي الخصوص، فقد كانت من أوائل الدول التي اهتمت بها وأدرك مثقفوها أنها من أكثر قطاعات الابداع تأثيراً علي المجتمع لتنوعها.
فهي تقدم التاريخ والكوميديا والفلسفة لتنير العقول ويدرك المواطن بشكل سلس وعرض جذاب جذوره وفلسفة الحياة والوجود.
وقد تم استغلال تأثير عوالم (السينما) في الغرب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأدرك القادة والسياسيون والاقتصاديون دور (السينما)، وكيف تؤثر في مفاهيم الناس وساعدت الترجمة الي وصول مبتغاهم الي كل انحاء العالم.
وهل ننسي كيف أثرت أفلام (السينما) الأمريكيه عن الحرب العالمية الثانيه وتأكيد بسالة الجندي الأمريكي والانتقام من أي معتدي عليه كما حدث في (بيرل هاربر) مع اليابان وكيف كان الرد الأمريكي.
(السينما) تلعب دوراً جوهريا في عملية التنوير وأراها من أهم أولويات أي مدرك حقيقي لما يحدث حولنا، وقد قدمت (السينما) المصريه كثيراً من أعمال عظيمة خدمت التنوير وأحياناً السياحة.
لكن أطمع في المزيد ومزيد من تسليط الضوء على أعمال شديدة الرقي وأصابت الهدف في خدمة الوعي والسياحة من تلك الأفلام الفيلم العبقري (غرام في الكرنك).
إنه من أعظم الأفلام الاستعراضية المصرية لفرقة رضا التي يستطيع كل ناقد موضوعي ومنصف للإبداع الحقيقي أن يتفق عليها فيلم (غرام في الكرنك) للمبدع المظلوم (علي رضا) الذي أخرج أكثر من فيلم غلب عليه الشكل الاستعراضي.
فيلمان من علامات (السينما)
ولكن يبقي فيلمان هما من علامات (السينما) المصرية الاستعراضية هما (إجازة نصف السنة) والفيلم العبقري والمتكامل العناصر الفنية (غرام في الكرنك) لعلي رضا مخرج ومؤلف الفيلم الاستعراضي وسيناريو وحوار ( محمد عثمان ) وأكتب عنه.
فمنذ أول استعراض في مدخل محطة القطار وعظمة التكوينات والتشكيل بالراقصين وعظمة التصوير وحركة الكاميرا من أعلا لتظهر جمال التشكيل الحركي في بداية الفيلم إلى مشهد اختيار الراقصين.
وتقديم البطلة (فريدة فهمي) وهى ترقص على (المترونوم) ودخول الإيقاع طبلة، ثم الرق وبيانو ويدخل بطل الفرقة صلاح (محمود رضا) في استعراض بسيط لكن عبقري يشارك أمينه (فريدة فهمي).
وتتطور الأحداث فيوصي ابن عم البطل نجم الفرقة أن يحافظ عليها من شباب الفرقه وهنا يقرر (صلاح) أن يوقف مشاعره ويبتعد عن (أمينة)، وتلك أزمة الدراما رغم تعلقها به وتتصاعد الأحداث للتجهيز للعرض الكبير بين الآثار.
ومنذ الوصول إلى الأقصر فنجد استعراض الأقصر وعربات الحنطور واستخدام علي إسماعيل لخبطات الكاوبل (آلة نقر) فصيلة (البركشن) لتأكيد خطوات الحصان على أغنية (لقصربلدنا) دعوة وخدمة للسياحة.
واستعراض بديع ورقصات بين عربات الحنطور مع تشكيلات من الراقصين في تناسق وتصميم أكثر من رائع وغناء محمدالعزبي نوعية من شغل يعرف العاملون بـ (السينما) مدى صعوبته ونجاح علي رضا في تقديم صورة بصرية مبهجة متناسقة. ثم يأتي استعراض حتشبسوت بين الآثار العظيمة للمعبد ورقصة حلاوة شمسنا في ديكور عبقري رفيع المستوي يظهر قدرات الفرقة ثم انتصار الفن على بيروقراطية الموظف التي جسدها امين هنيدي.
ويبدأ تجهيز المسرح ويستغل الخشب بأطوله وتجهيزه وتقاطعاته في تنفيذ استعراض من أجمل ما قدم في (السينما) المصرية ولعب المونتاج العبقري لـ (رشيدة عبد السلام) فخلق ريتم مبهر في الاستعراضات و كذلك موسيقي علي إسماعيل.
فقد نجحت في عمل تنويعات موسيقية استخدمت فيها الإيقاعات مع التقطيع وحركة المنشار وكل مفردات أعمال النجارة لتجهيز المسرح في تقديم لوحة استعراضية شديدة إلابداع.
علي إسماعيل بموسيقاه وألحانه
وكان للقدير علي إسماعيل الفضل بموسيقاه وألحانه شديدة الأصالة، وهى تعزف بالأوركسترا لتصل لكل العالم موسيقي مصرية أصيلة في رداء عالمي فقد استخدام الايقاعات مع الفيولا والكمان والبيانو تجهيز.
إن علي إسماعيل يستحق أن يعاد اكتشاف أعماله العظيمة فهي خير تمثيل لمعنى الأصالة والمعاصرة، فقد جمع بمهنية رفيعة المستوى بين التيمات المصرية المحفورة في الوجدان والأصيلة وقدمها في شكل اوركسترالي عالمي مشرف ويصل لكل عشاق الموسيقى في كل انحاء المعمورة.
حين استعدت الفرقة للعرض الكبير امام الجمهور تحدث عقدة الفيلم ويصارح (صلاح أمينة) أنه لا يعترف بمشاعرها ويصدمها بمصارحتها أنه لا يحبها وما تشعر به هو محض وهم وخيال.
ويضيف أن كثيرآً من الراقصات بالفرقه تتوهم بحبه لهن لمجرد الاهتمام، وهنا تنطلق (أمينة) مصدومه حزينة ويُظهر العبقري (علي رضا) مشهد تركها لصلاح في توتالة تعبر عن ضياع (أمينة) وصدمتها.
ويؤكد ذلك أن يرمي (صلاح) بحصوة كانت في يده في البحيرة فتحدث دوامة مائية لتزيد من تأكيد مشاعر (صلاح) الحقيقية، وأن ما فعله هو لإرضاء ابن عمه ووعده له.
رغم حبه لأمينه التي تقررالعودة القاهرة ويشعر صلاح بالخطأ فالعرض الكبير أصبح في خطر، ويحاول رجب الماكير (عبد المنعم إبراهيم) ويصارح (أمينة بقصة (مصطفي ابن عم صلاح) الموهوم بحب (أمينة).
وتتعرض الفرقه لموقف سيئ ويحضر (صلاح) ويلتقي (مصطفى) ويعترف أنه كان يكذب عليه تأتي النهاية.
استعراض (البنت بيضة) بالتحطيب (رقص العصا)، ويذهب صلاح بالموتيسكل السريع لاحضار (أمينه ويترك البنات بالفرقه لتقديم استعرض (رقصة الكرنبة) وينطلق.
ولا يجدها ويعود ليجد (أمينة) قد عادت لترقص لتأكيد إحساس الفنان وتقديسه لفنه ويستعد (صلاح) لتقديم استعراض الحلم أثناء تقديم (أمينة) لرقصة (الحجالة) الأصيلة بالملابس البدوية ثم استعراض نوبي عبقري.
ويبداً تحقيق استعراض الحلم بعرض فردي من (صلاح)، وتدخل (أمينة معه) إنه الفن الجيد في بلد تميزت بالتاريخ العريق والإبداع، وينتهي الفيلم ويبقى في ذاكرة كل عشاق( السينما.
إنهاعبقرية وإبداع تستحقان كل التكريم والاحتفاء، كيف بالله عليكم أنه رغم ما حدث من تقدم في الإمكانات وكل مفردات الإبداع الفني من تجليات وحداثة لم نشاهد عمل استعراضي بتلك القيم والمهنية، مثل (غرام في الكرنك) ولا حتى (إجازة نصف السنة)!.. مصر تنطلق وتستحق.