بقلم الدكتور: كمال زغلول
السماء في الحياة المصرية القديمة، تعد مسرح لأحداث الحياة الأبدية، فقد اعتقد المصريون القدماء أن مرحلة العبور للحياة الأبدية تحدث في (السماء)، وتصور المصري القديم.
(السماء) كأنها محيط من الماء، تبحر فيه السفن الخاصة بالمتوفيين، ولهذا سوف نجد السفينة والمركب علامات حسية داخل المجتمع المصري القديم.
وتنقسم هذه العلامات البحرية (السفن والمراكب) إلى علامات سماوية، وعلامات أرضية، والأرضية هى التي تبحر في النهر والبحار والمحيطات، أما السماوية؛ فهي التي تبحر في (السماء)، بين النجوم، والكواكب، والشمس، والقمر.
ولكن ما ماهية تلك العلامة، وكيف تكونت من خلال الفكر المصري القديم؟، ونعود إلي مدينة (الأمنتت) التي تعد المصدر الأساسي لموضوعات المسرح المصري القديم، لنعرف ما هي علامة السفينة.
إذ تذكر النصوص المصرية القديمة أن تلك المدينة غرقت في المحيط، (حيث أنه في لحظة غرق (الأمنتت) في أعماق المحيط، غادر الملك المسن (جب) وزوجته (نوت)، وأتباعهما.
وبعض البحارة جزيرتهم الأسطورية مستقلين سفينة ضخمة، وقديمة إلى حد ما، وتعرف هذه السفينة باسم (خبر).
وهكذا أقلت ثلاثة مراكب (أوزيريس) من ناحية وجب ونوت من ناحية، ثم (حورس) وأبنائه وخلصائه ، وهذه الثلاثية من القوارب المتمثلة في السفينة ، هي العناصر الثلاثة التي كونت العالم الذي تم خلقه.
وتتركب تلك العلامة الثلاثية من الجزء الروحاني (أو الإلهي) بهذا العالم، الذي يجسده أوزيريس، ثم الجزء الحاكم والثيوقراطي، ويمثله الملك الجديد حورس، وأخيرا الجزء البشري والدنيوي الذي يمثله الملك الشيخ جب (تجسيد الأرض).
وهذه الرمزية تعبر وجود عالم مكتمل، في اللحظة التي انمحى فيها العالم القديم محوا نهائيا في أعماق المحيط، ونلاحظ هنا أن علامة السفينة (التي يرمز لها بالثلاثة مراكب تعود بنا إلى عصر الطوفان، ونبي الله نوح عليه السلام، وبهذا يكون ظهور مصر في التاريخ ، بعد طوفان نوح مباشرة).
السفينة والناجون من الطوفان
ولذلك اعتبرها المصريون هى الأرض كل الأرض، واتخذوا من السفينة التي أبحرت بالناجين من الطوفان، مصدر لعلامات السفن والمراكب عندهم، وهذا راجع إلى حسية علامة السفينة التي ركبها سيدنا نوح مع أولاده والمؤمنين برسالته.
حيث أن السفينة علقت بذاكرة البشرية جمعاء، خاصة بعد الطوفان الذي أصاب الأرض وأغرقها، وكما سبق القول فإن المصريين كانوا على التوحيد التام، ثم انحرفوا بإضافة آلهة مزعومة.
ومن العلامة الأرضية للسفينة ننتقل إلى العلامة السماوية، وتصوير السماء على أنها محيط تبحر فيه السفن، وقد ذكرت علامة زورق الشمس في المسرحية المصرية القديم، عندما لدغ العقرب حورس.
وجاء تحوتي إلي إيزيس لنجدتها ، ومن حوار تحوتي ظهرت لك العلامة: (تحوتي): (ما وراءك يا إيزيس ، يأيتها الإلهة المجيدة التي تنطق بالحكمة، هل ثمة مكروه وقع لابنك حور الذى هو في حماية زورق الشمس..
لقد هبطت اليوم من الحرم الإلهي، ولسوف يقف القرص مكانه بالأمس، وليحتجبن النور وليكونن يومنا ليلا إلى أن يبرأ حور وينهض إلى أمه سالما).
وهنا يظهر أن الشمس التي أطلق عليه اسم (رع) تبحر في قارب، وهنا سوف نلاحظ كيف كون المصري القديم واحدة من المراكب السماوية، وهى علامة خاصة بالعالم الآخر، وتصور أبحارها في (السماء) كالتالي:
وهى مبحرة بالمتوفي أثناء الاثنتي عشرة ساعة ليلية، في الساعة الأولي يدخل: تسمى ساعة العبور، وعندها يدخل (رع) بمركبته تحت الأفق في أقصى الغرب.
الثانية: يتطهر رع خلالها ويستبدل مركبه بواحدة غيرها ليلية تصاحبها أربع مراكب أخري أي (الآفاق الأربعة).
الثالثة: يتم استقبال (رع) في مملكة أوزيريس بالترحيب.
الرابعة: منطقة دامسة الظلام خاصة بالإله (سوكر)، ولا يستطيع أن يرى رع أي شيء.
الخامسة: نفس المنطقة، ولكن تتحول مركبة رع إلي ثعبان، لكي تسير فوق الرمال، منطقة حالكة السواد، ولكن (رع) يخرج منها أكثر حيوية وشاب.
السادسة: يتراءى نهر ما لكي تبحر فيه مركبة (رع)، وتعبر منطقة يرقد بها جثمان أوزيريس، وفي هذا المكان توجد بعض الربات يمسكن بعين حورس، وتوجد به بعض الأرواح ترفرف في صورة طيور، وهنا تبدأ مسيرة رع نحو الحياة.
منطقة خطرة لمركب (رع)
السابعة: منطقة خطرة لمركب رع، فالثعبان أبو فيس يرقبه، واستطاع رع أن يلف من حوله، ولكن المياه في هذه المنطقة تنض ، وغير كافيه للإبحار، ولكن بمقدرة إيزيس أمكن التغلب على العراقيل بتلك المنطقة.
الثامنة: يقوم رع بعبور منطقة بها البشر، وتهلل للشمس التي لم يرونها منذ وقت بعيد، وأصواتهم مثل طنين النحل أو مواء القطط.
التاسعة: وقت الاسترخاء والراحة في تلك المنطقة، ويغادر مجدفي مركب رع مركبه متوجهون إلى مساكنهم في الكهوف الواقعة في العالم السفلي.
العاشرة: يصبح رع في غير حاجة للمساعدة، فإن تحوله قد بدأ بالفعل إنها الساعة التي يبدو فيها جعلا رمزا للمولد الجديد بجوار الشمس.
الحادية عشرة ك يتم الإنهاء كلية على أعداء أوزيريس وتدميرهم تماما، وتتجلى الحقائق، فقطعة الحبل التي كان يستعان بها حتى هذه اللحظة لجر المركب قد عادت إلى حقيقتها الفعلية، ثعبان ضخم.
الثانية عشر: في هذه اللحظة يتم التحول العظيم فرع يتخلى عن جسده في العالم السفلى، ويولد من جديد بالعالم السماوي في هيئة الجعل خبري.
وهكذا نرى رحلة مرب الشمس رع في العالم السفلي إلى أن تصل إلى العالم السماوي، وهكذا نكون قد تعرفنا على بعض العلامات الحسية التي ظهرت في المسرح القديم، في صورة صور ومراكب، ودلالتها الحسية.