كتب: محمد حبوشة
تظل لدينا آفة الأخذ عن فورمات أجنبية مرضا استشرى مؤخرا في جسد الدراما العربية بصفة عامة، والدراما العربية بصفة خاصة، بعد أن استسهل بعض كتاب السيناريو فكرة تمصير أعمال عالمية بطريقة مشوهة في أفكارها ورؤاها مثل مسلسل (الخائن).
حيث لايملك غالبية هؤلاء قدرا من الوعى الذي يؤهلهم لاستلهام الأفكار وتحويلها إلى أعمال تتفق والسياق العام للمجتمع، وأذكر منها على سبيل المثال مسلسل (الخائن)، والذي ضربت فيه المؤلف عرض الحائط بكل القيم التي تربينا عليها.
ربما يستند غالبية كتاب الدراما الطويلة إلى تلجأ إلى عنصر الجرأة في التناول، وهنا لابد من وقفة معها ومع غيرها من مخربي عقول الشباب بدعوى الجرأة والتجديد على جناح ضرب القيم.
مسلسل (الخائن) تشكل أهم سلبياته، ذلك التطور الدرامي على مستوى القصة والسيناريو والحوار، والذي يواجه كثير من المعوقات مثل المط والتطويل.
مما أفقد المسلسل بالضرورة، عنصري الإثارة والإبهار المطلوبين دوما في أعمال يتم عرضها في مواسم مختلفة خارج الموسم الرمضاني، وهو الأمر الذي ينعكس سلبيا على جودة المنتج الدرامي في الآونة الأخيرة.
للأسف لجأ صناع (الخائن) هذه الدراما المطولة حاليا إلى أسلوب الـ (90 حلقة) فاضطروا إلى تطويل الأحداث على حساب الحبكة الدرامية، بشكل انعكس سلبا على حوار يبدو مملا في عالب الحلقات.
(الخائن).. أحداث راكدة
فضلا عن أحداث راكدة لا تشهد تطورا ملحوظا يمكنه أن يجذب الجمهور على النحو المطلوب، كما أننا نلاحظ عدم التطور في الأداء من فرط تكرار المشاهد في قلب ديكور ثابت لايبعث على الإثارة بقدر مايصيب المشاهد بالملل وركود الحركة.
نعم أعترف بأننا لم نصل بعد إلى مستوى الإبهار في الصورة وجودة الديكور والملابس الموجودة في الدراما التركية، لكننا أحيانا استمتعنا في (الخائن) بأداء خرافي لعدد كبير من الممثلين والممثلات.
يعتبر مسلسل (الخائن) من الأعمال الدرامية ذات المواضيع الرومانسية جذابة للجمهور، لكنه في الوقت نفسه لم يمتلك ما تغذي به حبكتها، ومن ثم فقد بريقه وأصبح مملا مع وضع خط النهاية المرتبكة وغير المنطقية التي لاتخضع للقيم.
هى لعبة أتقنها (الخائن) الذي يثير تساؤلات حول العقلانية في الحب، واختلاف مقوماته بين الأجيال القديمة والحديثة، ويتطرق في الوقت ذاته إلى سيطرة المنفعة المالية على العلاقات الإنسانية.
يمثل (الخائن) اتجاه فني جديد يركز على الإنتاج الرومانسي الذي شهد تناقصا في تقديمه على مدار السنوات الأخيرة لصالح الكوميديا والحركة، وحاول أن يتم تعويضه ببث الدراما الأجنبية التي لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المتحفظ، وتخلو من اهتماماته ومشكلاته المحلية.
ربما يمتاز (الخائن) ببناء شبكة عنكبوتية من الخيوط الدرامية، تمضي كل منها في مسارات تجمع بين الاختلاف والتشابك في الوقت ذاته، تؤكد جميعها حاجة البشر إلى التقبل الاجتماعي والحب بمختلف أشكاله.
حاول مؤلف (الخائن) تقديم بيان أخلاقي واضح يفيد بأن الثراء لا يحقق السعادة، ولا يضمن الاستقرار مهما كان فاحشا، فلم يضمن لغالبية أبطاله، ومعظمهم من الأغنياء، زواجا ناجحا أو اندماجا عاطفيا، رغم إقامتهم في قصور رحبة بحدائق غناء، وتنقلاتهم بين أرقى الأماكن في العالم.
يجنح مسلسل (الخائن) إلى إثارة أسئلة جدلية مثل أيهما أفضل الحب المحتكم لحسابات العقل، أم القادم من شرايين القلب مباشرة دون تفكير؟، وكيف يمكن للإنسان أن يعشق امرأة ويتزوجها ثم يتزوج بأخرى؟ ولماذا سادت المادة والمصلحة القلوب ووأدتا المشاعر؟
تدور أحداث (الخائن) حول الطبيبة (أسيل/ سلافة معمار)، التي تكتشف خيانة زوجها (سيف/ قيس شيخ نجيب)، وتحاول بشتى الطرق الإيقاع به والحصول على وثائق تؤكد فعل الخيانة.
بعد اكتشافها أنه رهن منزلهما الزوجي واشترى منزلا آخر لعشيقته التي تصغره بسنوات، وسحب وديعة مالية من المصرف مخصصة لدراسة ابنهما الجامعية.
قصة ممجوجة، وسيناريو بدائي يزدحم بعبارات عشوائية باللغة الإنكليزية، لا تشد من قدرة الإقناع بل تزيده ضعفا، كما أن اختيار التصوير في بيروت، أظهر فجوات كثيرة في السيناريو، لناحية القوانين المطبقة في البلاد.
(الخائن).. كرس الصراع
وعند محاولة مقارنة (الخائن) بالنسخة التركية، سنجد هناك إخفاقات لهذه الإنتاجات التي تصارع للفوز، لكنها تعجز عن تسجيل أي نقاط إضافية لصالح الدراما العربية، خصوصاً تلك المشتركة.
كرس (الخائن) الصراع الذي يقدم صورة نمطية عن المرأة العربية، التي مهما بلغت درجة ثقافتها أو نجاحها المهني فهي تظلّ بـ (نصف عقل)، ويغلب على شخصيتها الطابع المازوشي الهش، تشحنه مشاعر الغيرة والكراهية.
وما تخلفه من نمائم نسائية ومماحكات لا تنتهي، ومكائد وحيل عاطفية وافتعال مشاكل ورغبة عميقة بالانتقام والتشفي بين أطراف الصراع، في سبيل انتصار إحداهن على الأخرى بقلب الرجل الوسيم.
بعد عرض الحلقة 90 والأخيرة من مسلسل (الخائن) أصيب البعض من المتابعين بخيبة أمل من النهاية، حيث جاءت صادمة وغير متوقعة، بحسب قول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت نهاية المسلسل كالتالي:
تخرج (تيا) من مستشفى التأهيل وتصر على رؤية أسيل ويجري حديث مؤثر بينهما لتعتذر منها كونها هى من أنقذت حياتها.
تتنازل (تيا) عن القضية (ضد سيف) الذي يخرج من السجن ويفاجئ كل من قاطعه بفترة الحبس، ووسط احتفالات يزن وكنان بالتخرج، يفاجئهم بالحضور لكن يضطر أن يسمع كلام قاسي جدا من تيا، كما أنه يواجه (أسيل) وينصدم بجرأتها واصرارها على الانتقام.
تسافر (أسيل) وتتذكر بالطائرة المشهد الذي تابعناه في أول المسلسل في بيت (عماد زين/ جلال شموط) وأيضا لحظة محاولة سيف شنقها، وتقول: (قطعت بكتير شغلات صعبة وما استسلمت لآخذ حقي.. وتنتهي الحلقة!
مسلسل (الخائن) شهد ابتعادا عن الواقع ورسائل مشوهة، أعمال تصور بيئات غير عربية في محاولة لإسقاطها على المجتمع واستغلال نجاحها جماهيريا، حيث وجد فيه صناعها قوالب جاهزة لتسلية المشاهد أعدت نصوصها وأخرجت في وقت سابق فتعاملوا معها كتجارة وفق مبدأ جهد قليل وربح كثير.
(لخائن) الذي انطلق عرضه منذ بداية شهر (نوفمبر) وأثار حوله موجة كبيرة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فتصدر حديث المشاهدين الذي تأملوا به خيراً بسبب ضخامة أسماء فنانيه إلا أن ما لاقوه كان مخيباً للبعض من المشاهدين.
(الخائن).. دراما غير مشوقة
طرح (الخائن) في البداية على أنه دراما اجتماعية مشوقة تحمل رسالة هادفة عن واقع العلاقات الزوجية الطويلة الأمد التي يتخللها روتين الحياة اليومية، والضغوطات التي تتعرض لها المرأة عند خيانة زوجها لها، والآثار النفسية والعميقة التي تبقى آثارها عند الطفل بعد انفصال والديه.
لم ينجح المسلسل في إيصال بعض هذه الأمور بطريقة صحيحة وواقعية، من جانب آخر أخفق في تقديمها بشكل سليم، فحمل رسائل مشوهة عن المرأة وعكسها بصورة غير أخلاقية بعيدة تماما عن واقع مجتمعاتنا، كما حالة من المط والتطويل تدفعان إلى الملل.
فشاهدنا (أسيل) بمستوى رخيص جدا، وهى تقيم علاقة مع صديق زوجها وزوج صديقتها في الوقت نفسه بغية الانتقام منهما، فصور بذلك المرأة المغدورة كسلعة هشة وضعيفة تتخلى بسهولة عن كرامتها ومبادئها في سبيل تخفيف غضبها.
ونمط المرأة من خلال شخصياته النسائية المختلفة في قالب الحب والزواج وصور الرجل على أنه محور حياتها والشغل الشاغل الوحيد لها طوال اليوم لمراقبته والدخول في منافسة مع الأخريات من أجله.
كما لم يسلم الرجال من هذه الرسائل المشوهة فصورهم جميعا على أنهم خائنون باستثناء الشاب (سامر/ خالد شباط) الذي عاش حياته كمشرد بعد أن تخلت عنه والدته وكان يعنف زوجته باستمرار، هو الوحيد الذي سعى العمل إلى تحسين صورته فزين القبيح وقبح الجميل، ومرر خطاباته السامة بسلاسة في عقول الجماهير.
وعلى نسق العديد من الأعمال العربية التي قدمت سابقا في هذا السياق اتجه (الخائن) إلى الغلو في اللاواقعية من خلال عدة جوانب، أهمها المنازل الضخمة والسيارات الفارهة والثراء الفاحش التي تعيشه كل شخصيات العمل مهما كان عملها.
واستيقاظ الممثلات من الصباح الباكر بكامل أناقتهن يرتدين الملابس والكعب العالي طوال الوقت في منازلهن وشعرهن يبقى مصففا ليلا نهارا، كما لم يراعوا في هذه النقطة طبيعة الشخصيات التي تجسدها كل واحدة منهن.
وخاصة (أسيل) التي كان من المفترض أن تظهر بعملها بإطلالات أكثر بساطة لتناسب عملها كطبيبة، وهذا ما نجحت به النسخة التركية بشكل أكبر، فقدمت الطبيبة (آسيا) بصورة بعيدة عن التكلف.
وهذا تفصيل مهم يصب في صلب وعمق الشخصية ما كان يجب إغفاله، إضافة إلى الربط اللامنطقي بين الشخصيات والذي بدأ يتضح شيئا فشيئا مع تقدم الحلقات، وجعل العمل أشبه بالأفلام الهندية الغارقة في العشوائية وضرب القيم في مقتل.
براعة (خالد شباط) في الخائن)
ومع كل ما مضى من جانب فقد أظهر (الخائن) بعض الفنانين وخاصة الشباب والأطفال أداء متفردا في هذا العمل وقدموا شخصياتهم بمستوى عال من الدقة والبراعة.
وكان الفنان الشاب (خالد شباط) واحدا من هؤلاء الذين استطاعوا التحليق خارج سرب التقليد والمحاكاة، فجسد شخصية (سامر) المعقدة والممتلئة بالاضطرابات النفسية والاجتماعية بكل براعة معتمدا على رؤيته الخاصة لهذه الحالة فأظهر مجدداً موهبته الكبيرة التي نالت استحساناً جماهيريا واسعا.
أيضا من النقاط الإيجابية في (الخائن)، الجودة واللمسات الإخراجية الواضحة وتقنيات التصوير السنيمائية التي أشرف عليها كادر تركي.
هذا إضافة الى إتقان الممثلين لإدوارهم وتقمصهم للشخصيات مثل (ريتا حرب، جينا أبو زيد، تاتيانا مرعب، رولا بقسماطي، شربل زيادة، جلال شموط، إيلي متري، إبرهيم عون، طيف إبراهيم).
لكن أيا من كل ذلك لا ينقذ النص الذي كتبته بالنسخة العربية الكاتبة (عبير الصباح) حيث يبدو (أجوف) من دون تقديم أي إضافة حقيقية للنص التركي الأصلي، أو مراعاة لخصوصية البيئة العربية وجمهورها، حيث تبدو أجواء العمل (فضائية) بامتياز.
ويبقى أخطر مافي (الخائن) أنه يعيد إنتاج الخيانة الزوجية دراميا، فهي ثيمة، تناولتها السينما العربية، والدراما التلفزيونية من دون كلل، وأضافت (الغيرة) ومراحل الاشتعال فيها جاذبية خاصة لأحداث المسلسل.
وذلك على أثر توليد الأحداث الفرعية الساخنة القائمة على أرضية (الفعل ورد الفعل) بين الشخصيتين النسائيتين اللتين تتمحور حولهما الخيانة وتأثر الآخرين بهذه العملية.
في هذه الحالة، لايمكن الحديث نقديا عن المسلسل من بوابة سرديته وأحداثه رغم وجود فجوات ومبالغات وأخطاء، لكن لابد من البحث عن عوامل النجاح الأخرى التي أضفت على ترويجه معطيات ينبغي الوقوف عندها لأثرها الكبير على صناعة الدراما السورية والعربية.
(قيس شيخ نجيب، وسلافة معمار)
وأهمها (التمثيل)، لأنه الحامل القادر على تقديم رؤية السيناريو والإخراج في رؤية من هذا النوع، فقد نجح كل من (قيس شيخ نجيب، وسلافة معمار) في تجسيد شخصيتهما إلى حد كبير.
(قيس شيخ نجيب) فنان ناجح، وتمكن من تحقيق نجومية تستحق الاهتمام في حياته الفنية، وقد يكون تكرار المشاهد والعدد الكبير من الحلقات، أوحى بأنه يؤدي دورا عاديا، لكنه ملأ الدور بما يحتاجه، ونجاحه لايحتاج إلى تنبيه.
وكذلك الفنانة (سلافة معمار) النجمة المعروفة والممثلة القديرة التي حملت العمل بجدارة وقدمت الشخصية بأسلوب خرج عن لعبة (الضراير) في السرد، لكن ما أن ندقق في تركيب الشخصيات، ومسؤولية الممثل تجاهها حتى تفاجأ بثلاث شخصيات تستحق التنويه في أداء الممثل الذي قدمها أمام الكاميرا:
شخصية (سامر) التي لعبها الفنان النجم خالد شباط، وشخصية (تيا) التي لعبتها الفنانة مرام علي إضافة إلى شخصية (يزن) التي لعبها الفتى (قيس صبح)، وهيى شخصيات تفرض على الممثل التي يؤديها نضجا أكبر بكثير من مسألة الوقوف أمام الكاميرا وترديد الحوار برشاقة.
إضافة إلى (عزام الشبعان) الذي جسد شخصية (كنان الزين)، وأبدع في هذا الدور المستفز الذي يعكس حالة المراهق المتسلط والأناني والمدلل الذي لا يرضى بوجود منافس له فيسعى لتدبير المكائد لابن زوج أخته (يزن) قبل أن تجمعهما صداقة قوية.
نعم كان الممثل في مسلسل (الخائن) كان أحد أبرز عوامل النجاح بعد السخاء الإنتاجي الذي قدم سحرا في الصورة والمكان والملابس والإكسسوارات والمونتاج والإضاءة وغيرها من أدوات صناعة الدراما.