بقلم: محمود حسونة
(وبينا ميعاد)، مسلسل يكسر المألوف ويؤكد أن الدراما الهادفة الجيدة تفرض نفسها وتنال الإجماع الجماهيري بعد أن تحقق لمشاهديها المتعة البصرية والمتعة الوجدانية والإنعاش الفكري.
مسلسل ينضم إلى قائمة الأعمال التي تعلّم وتربي وتمتع وتحطم الكليشيهات المتداولة بين بعض صناع الفن الرديء وبعض النقاد بأن الفن ليس له رسالة وأن هدفه الأوحد هو الترفيه، والذين يزعجهم مصطلح الفن النظيف.
وكأن الفن مهمته تصدير القاذورات القيمية والأخلاقية والترويج للانفلات السلوكي وهدم الجدار الفاصل بين الحلال والحرام.
نعم (وبينا ميعاد) فن نظيف، راق، ممتع، رغم أنه مسلسل رومانسي أولاً، اجتماعي ثانياً، عائلي ثالثاً، مليء بالحب ومروّج له ومشجع عليه، والحب فيه هو الحب الذي ينشده كل إنسان يريد تكوين أسرة ويسعى للتحقق اجتماعياً وإنسانياً.
حب يدفع إلى النجاح المهني
حب يدفع إلى النجاح المهني ولا يقيد الإنسان إبداعياً، يطلق له العنان ليعبّر عن نفسه ويمد يده للآخر، حب للجنس الآخر واحترام له، وحب للأبناء واحتضان لهم، وحب بين الأخوة وتكامل بينهم.
وحب أخوي لمن فرضت الظروف عليهم مشاركتك في المسكن حتى لو كانوا من الجنس الآخر وليسوا أشقاء أو شقيقات لك، فالحب سلوك نكتسبه ونصنعه ونهذبه ونقاوم اعوجاجه وقت الحاجة.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (وبينا ميعاد).. الحب كلمة السر
الجزء الثاني من مسلسل (وبينا ميعاد) كسر المألوف عن الأجزاء الثانية من المسلسلات الناجحة، والتي تكون غالباً مجرد استغلال للنجاح، لتأتي باهتة الأحداث مشوهة الشخصيات مخلخلة البناء الدرامي، ولكن في هذا المسلسل وجد المشاهد نفسه أمام عمل متكامل أركان النجاح.
صحيح أن أحداث (وبينا ميعاد) بنيت على أحداث الجزء الأول، ولكنه قدم مضموناً متجدداً بعد زواج (نادية/ شيرين رضا) من حسن/ صبري فواز)، وانتقالها وبناتها الأربع للعيش معه وأبنائه الأربع.
ليصبح حسن بمثابة والد حقيقي للبنات وتصبح نادية بمثابة أم حقيقية للأولاد، بجانب ارتباط الأولاد والبنات بعلاقات احترام ودعم وأخوة، تحولت إلى حب معلن بين (علي/ يوسف الكدواني) و(أروى/ آية سليم) ومشاعر غير معلنة بين (طاهر/ أسامة الهادي) و(هند/ أميرة أديب).
علاقة أخوة حقيقية
وعلاقة أخوة حقيقية بين (مراد/ يوسف ابراهيم) و(ليلى/ تسنيم هاني)، وفي فلك هاتين الأسرتين اللتين تحولتا إلى أسرة واحدة تدور حكايات أسر أخرى تقدم كل منها نموذجاً من الواقع المصري ونمطاً للعلاقات الزوجية والعاطفية.
أسرة (رمزي/ مدحت صالح) و(شذا/ بسمة) وأسرة (إيهاب/ محمد مهران) و(هبة/ هاجر الشرنوبي)، وأسرة (يحيى/ محمد سليمان) و(فريدة/ وفاء صادق) وأسر أخرى. نماذج إنسانية مختلفة، بينهم الرجل الصادق في مشاعره، والأناني الخائن، والخائف من الانجاب، والرومانسي، والعقلاني، ونماذج أخرى نسائية متباينة الميول والمشاعر.
إقرأ أيضا : فضفة تفتح باب الرومانسية بين (صبرى فواز وشيرين رضا) في (وبينا ميعاد)!
الحب الصادق يترك ظلاله على حياة أي زوجين، ولذا فقد غيّر زواج حسن (المرن) ونادية (الحاسمة) من طباع كل منهما، وانعكس ذلك على حياة أولاد (حسن) وبنات (نادية)، وسبب للبعض منهم حالة من التيه نتيجة دخول مؤثرات جديدة على حياة كل منهم.
مايسترو هذا المسلسل (وبينا ميعاد)، والسبب الرئيسي وراء نجاحه هو مؤلفه ومخرجه (هاني كمال) الذي اختار استغلال موهبته الابداعية في التصدي لموجات التغريب الزاحفة على الأسرة المصرية من كل حدب وصوب.
من خلال تقديم أعمال تكرس للقيم الأصيلة التي كادت أن تندثر، فقدم (ولاد ناس) وكذلك (أبو العروسة) بأجزائه الثلاثة، وآخر أعماله (وبينا ميعاد)، وكلها أعمال تتمحور حول العلاقات داخل الأسرة وكيفية النجاة بها من الغزو المكثف على قيم الأصالة والشهامة والرجولة.
(هاني كمال) وهندسة مشاهد أعماله
(هاني كمال)، مهندس لديه القدرة على هندسة مشاهد أعماله بحيث تأتي على المقاس الصحيح، بلا ملل ولا مط ولا تطويل ولا ثرثرة، ويبدو أنه يرسم مشاهده قبل التصوير حتى لا يقع في خطايا الإخراج.
المتأمل لأبطال مسلسلي (هاني كمال) يجدهم جميعاً من نجوم الصف الثاني الموهوبين الذين لم ينالوا ما يستحقون، يعطيهم فرصتهم ويحرر نفسه من تدخلات نجوم الصف الأول، ولعل ذلك يعكس إيمانه بأن البطل الحقيقي في العمل الفني هو الكلمة، أو السيناريو والحوار.
فعندما يكون النص متميزاً والمخرج متمكناً فسوف يخرج العمل متميزاً وسيغزو عقول المشاهدين ويستميل مشاعرهم، وهو ما يعكس ثقة (هاني) في الكلمة التي يكتبها والمشهد الذي يخرجه والفنان الذي يختاره.
وهذا المسلسل جعل من (صبري فواز وشيرين رضا) نجمي صف أول، وأكد نجومية (مدحت صالح) في التمثيل كما الغناء، وأضاف إلى رصيد (بسمة ووفاء صادق). وأضاء على مواهب كل الشباب والشابات الذين شاركوا فيه، وجمع الأسرة بمختلف أبنائها وبناتها حول الشاشة بعد أن فرقتهم أعمال تدس السم في العسل.
(وبينا ميعاد)، مسلسل متميز يستحق المشاهدة وهدف جديد يحرزه هاني كمال في مرمى الدراما الهادفة، وإعجاب الناس به دليل على أن الجمهور يبحث عن الفن النظيف الراقي الذي يحمل رسالة ويمتع المشاهد في آن واحد.