بقلم: محمد حبوشة
عديدة هى مصادر الممثل لدى الفنان الراحل (فادي إبراهيم)، وذلك على مستوى التجربة الحياتية، والخبرة الثقافية، الخيال، الذاكرة، الرصد والملاحظة، ليثبت أن كل ممثل يحتاج إلى هذه المصادر، أو يبحث عن مصدره الخاص.
ولهذا فإن (فادي إبراهيم) كان يعزز طريقته فى الأداء ويثرى تجربته ويساهم فى تطوير إمكاناته وأدواته التعبيرية، هذه الأمور ستفيد الممثل فيما بعد، ويستطيع ان يربطها بالمشهد عند التنفيذ.
ولقد لاحظت من متابعتي للممثل (فادي إبراهيم) أنه لايستطيع أن يعزل نفسه عن المحيط، إنه يتأثر ويتفاعل مع ما يراه وما يحدث وما يزخر به الواقع من نماذج وعادات وسلوكيا.
وأبرز ما يميز الفنان الكبير (فادي إبراهيم) هى ردود الفعل التى عادة تكون عفوية وسريعة عند الفرد، لكنها عنده كممثل تصبح مدروسة وخاضعة للتحليل وذلك بالتركيز عليها وتمديدها ومنحها خاصية استثنائية.
الذاكرة من المصادر الأساسية عند (فادي إبراهيم) وكل ممثل محترف مثله يمتلك مخزونا يستخرج منه ما يحتاجه، انه يرصد الآخر بإمعان ثم يحتفظ بهذه الكينونة الأخرى فى ذاكرته.
وعندما تسنح الفرصة لاستثمارها أو الاستفادة منها فانه يستحضرها ويسبرها محللا كل مظاهرها وأفعالها وحركاتها، شيئا وشيئا تأخذ الشخصية التي يؤديها فى الامتلاء.
ملاحظة الآخر كان ديدن الممثل المحترف (فادي إبراهيم)، وهنا ليست غايتها المحاكاة فقط، وإنما هى وسيلة لحث وتحفيز المخيلة، وعن طريق المحاكاة يتحقق التصوير المقنع لسمات الشخصية.
وتؤكد على ما هو خارجى وليس ما هو باطنى، فالممثل لايستطيع أن يعبر عن مشاعره وعواطفه عن طريق محاكاة مشاعر وعواطف شخص آخر، وإنما هى جزء من ذاته من تكوينه وطبيعته.
وربما نلحظ أن (فادي إبراهيم) كان يعمد إلى دراسة الشخصية وتحليها بحيث يفهم التقنيات الضرورية ، ومن ثم يطلق الإمكانية الخلاقة بداخله، فالدراسة تعلمه كيف يشعروكيف يستخدم مخيلته وكيف يسبر الشعور.
طريقة (فادي إبراهيم) في التحضير
لكل ممثل طريقته فى التحضير للدور وإعداد نفسه لتجسيد الشخصية، لكن ثمة ممثلون مثل (فادي إبراهيم) لايكتفون بقبول الدور المرسوم كما هو فى النص بل يحللون الشخصية ويحاولون اكتشاف منبعها،خلفيتها، ثقافته، أسلوب حياتها، رغباتها، مخاوفها، دوافعها، ماضيها، حياتها العائلية.
وكان يهتم جدا بنوعية الملابس التى ترتديها، الأشياء التى تقتنيها، الأماكن التى ترتادها، حركاتها المميزة، طريقتها فى الكلام، وجهة نظرها فى امور عديدة.
حتى وإن لم يكن هذا متضمنا فى النص أو أنه مطروح عبر إيحاءات وإشارات عرضية، إن (فادي إبراهيم) كان يقومون بإجراء بحوث فى طبيعة وسلوك وعلاقات الشخصية، كي يصل إعماقها الداخلية.
عندما يتطلب الدور أن يؤدى (فادي إبراهيم) شخصية تاريخية مثلا، فيتعين عليه أن يتعرف على تلك المرحلة من خلال القراءة، ويمتلك معلومات عامة عن البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية.
كما أنه كان يهتم جيدا بدراسة العادات والطباع والملابس، وأن يحلل الصراعات والعلاقات السائدة آنذاك (الفترة التاريخية التي تعيشها الشخصية)، وفى كل الاحوال يسعى كي يثرى المعرفة بتشغيل المخيلة، فالمعرفة وحدها عنده لاتكفى.
من خلال ملاحظة أعماله المسرحية والتلفزيونية) كان (فادي إبراهيم) يسعى إلى التماهى والتطابق مع الدور، حتى وإن كان متعارضا مع ذاته الحقيقة، إنه يكيف ذاته ويلج الدور ليقطن فى الشخصية.
واثناء ذلك يقوم بتحويل نفسه ليس جسمانيا، كمظهر وانتحال حركى وصوتى، فحسب، بل أيضا ذهنيا وروحيا، بحيث يبدو مختلفا تماما في أدائه العذب.
يبلغ التحول مداه عند ممثل من نوع (فادي إبراهيم)، خارجيا (جسمانيا وداخليا)، روحيا إذ يمتزج بالشخصية حتى يصبح هو الشخصية وهو يمتلك طريقة فريدة فى الإعداد والتحضير والغوص فى أعماق الشخصية والنتائج التى يتوصل إليها غالبا ما تكون مدهشة ومثيرة وصادقة.
يتعين على الممثل أن يدع الشخصية تتعايش مع ذاته، أن تكون جزءا منه من كيانه، لا أن تكون غريبة وشاذة ومستقلة، ولعل الممثل (فادي إبراهيم) لايستطيع أن يكون صادقا ومقنعا فى دوره إن شعر بنفور أو كراهية للشخصية التى يؤديها.
(فادي إبراهيم) يحب شخصياته
فلابد أن يحب الشخصية أيا كانت، ولابد أن يشعر بأنها تمثل جانبا منه الظاهري أو الخفى، ربما لايشعر الممثل هنا بارتياح، أو لنقل بتماثل، مع شخصية شريرة – على سبيل المثال .
لكن هناك حتما جوانب مشتركة بين ذاته، وهذه الشخصية ربما ليس فى السلوك، لكن فى حركة ما، فكرة ما، طموح ما، اتصال حميمى بشىء ما، ولهذا كان يبدو ساحرا في أداء على نحو احترافي.
وينطلق هذا من أعماق الممثل (فادي إبراهيم) كونه مأهولا بالشخصيات، بالوجوه والأقنعة التي يؤديها، وعلى الممثل أو المخرج أو كليهما معا أن يكتشفا الوسيلة التى بها يمكن اطلاق راحها، إطلاق الطاقة الإبداعية الكامنة.
التمثيل عامة عند (فادي إبراهيم) يعني القدرة على الابتكار، الاعتماد على المخيلة وتوظيفها بشكل دائم، السعى المستمر لتطوير الأدوات والامكانات، لذا تراه مختلفا في أدائه من شخصية لأخرى.
وقد لاحظت من خلال متابعتي لمسيرته الفنية الناضجة، أنه لا يسطح الشخصية بل يعمقها ويؤكد على تعددية أبعادها، ومن هنا ينبع التنوع المدهش والصدق فى تجسيد الشخصيات التي يلعبها مسرحيا أةو تلفزيونيا.
كان رحمه الله، ممثل خلاق يشعر برغبة فى تحقيق اتصال مباشر وحقيقى مع الجمهور، وهذا الاتصال يتأسس فى المقام الأول على قدرته كممثل على إدهاش ومفاجأة الجمهور وهذه الخاصية لاتتحقق إلا إذا استطاع الممثل أن يدهش ويفاجئ نفسه أولا.
فالممثل الخلاق (فادي إبراهيم) لايحجم عن الأدوار الصعبة والمركبة والعنيفة، حتى وإن اقتضت جهدا وعناية ووقتا، إنه يوجد لنفسه لغة خاصة به، تتشكل مفرداتها من الحركة والايماءة والنبرة.
وهو لايعتمد فقط على التقنية، التى هى معرفة مكتسبة من الخبرة، ولكن بدرجة أكبر على الحدس والغريزة الارتجال ويراها عناصر ضرورية، ومع ذلك يبدو تلقائيا ومدروسا من جانبه.
(فادي إبراهيم) يمتلك المقومات الحيوية
شخصية الممثل (فادي إبراهيم) على خشبة المسرح ذات حضور مادى وتحمل عادة طابع الاستمرارية فى علاقتها بالزمان والمكان، كما أنها على اتصال اجتماعى مباشر.
ونظرا لأن (فادي إبراهيم) هو ممثل مسرحي بالأساس، فإنه يتميز بامتلاكه إحدى المقومات الحيوية والثمينة التى يحتاجها الممثل.. يعنى الجمهور، العلاقة هنا أكثر مباشرية وحميمية.
فبإمكان الممثل (فادي إبراهيم) أن يراقب ويتلقى ردود – فعل المتفرج، وعلى ضوء هذه الاستجابات يقوم باجراءات معينة: تعديل الأداء، تغيير الحوار، تصحيح الاخطاء.
لكن هذه العلاقة بالجمهور قد تصبح مرهقة ومخيفة إذا خضع الممثل لمطالب ورغبات الجمهور الذى وجهات نظره متباينة ومتعارضة وكذلك حالاته وأمزجته وأذواقه، لكنه كان يقفز فوق كل ذلك محلقا بأداء مختلف ومغاير.
الفنان (فادي إبراهيم) الذي غادرنا مترجلا عن صهود جواده، ممثل ومخرج لبناني ولد سنة 1956، وعندما كان في سن المراهقة تعرف على أسماء كبار الموسيقيين وإنجازات الموسيقى اللبنانية وتاريخها، ولكن الحرب جاءت على لبنان وسلبت كل ما هو جميل فيها من فن وثقافة موسيقية .
ومن هنا عبر عن أسفة لما وصل إليه الفن العربي وأن كل شئ أصبح عن طريق أجهزة الحاسب سهل ودون بذل أي مجهود فلن نجد الفن إلا في الزمن الجميل حيث أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم من كبار الفنانين.
(فادي إبراهيم) محب للفن الأصيل
كان (فادي إبراهيم) محب للفن الأصيل الذي تبذل مجهود من أجل الوصول إليه لكي يستطيع أن يصل إلى قلوب محبين هذا النوع من الفن الراقي .
بدايته الفنية سنة 1984 من خلال الظهور في العديد من المسلسلات اللبنانية والمصرية و السورية أيضا، من أهم الأعمال الذي شارك بها في مسلسلات (الأمين و المأمون).
نشأ (فادي إبراهيم) في (الحدث) ببيروت ورث عن عمه هواية الرسم فأحبها كثيرا، وأصبح يجيدها وقادر على الرسم بإبداع وطور منها حتى استطاع أن يرسم عن طريق ممارسة فن النحت .
أصبح فادي ممثلا، ولم يكن ذلك فى الحسبان لأنه كان يريد الالتحاق بالمدرسة الحربية وأن يصبح ظابط طيران، وبالفعل قدم طلب لتحقيق حلمه وطلبوا منه موافقة أهله.
لكن والدته رفضت ذلك ووقفت أمام تحقيق هذا الحلم والتحق بالطيران المدني، ولكنه لم يكمل في هذا المشوار أيضا فنصيبه اختار له طريق الفن والتمثيل.
عندما درس (فادي إبراهيم) في المدرسة خرج في فرقة كشافة كانت تقدم مسرحيات (الخبرية)، وانضم إلى فرقة (ناصر مخول) عام 1979، وشارك معه في (شانسونييه)، وانضم أيضا إلى مسرحية الأطفال تسمى (حكايات ستي أم فؤاد).
دخل (فادي إبراهيم) الفن بالمصادفة
وهنا ظهر دور المصادفة التي كونت نجمنا عن طريق جاره الفنان الراحل (إيلي صنيفر) وأصبح صديق والده، وفي يوم من الأيام طلب (إيلي) رؤية (فادي) وعرض عليه دور لشخصية أجنبية يدعى (جيمي جاك) الأمريكي، وذلك في مسلسل يسمى(الوحش).
وتم عرض (الوحش) في خمس حلقات، والمسلسل بطولة (صنيفر وآمال عفيش) ومن إخراج باسم نصر، كانت هذه أول تجربة له أمام كاميرات التلفزيون الذي ظهر فيه إحترافيته في التمثيل والفن.
فلم يكن اختياره منذ البداية، ولكنه أحب هذا المجال كثيرا وأصبح بارعا في تقديمه بالصور المناسبة لتفاعل الجمهور والمشاهدين معه.
لينتقل (فادي إبراهيم) بعد دور (جيمي جاك) إلى الكاتب (مروان نجار) لتقديم أعمال فنية قوية مثل (حياة كل بيت)، وظهر أيضا في إعلانات البطاريات تسمى (رايوفاك).
وهذا الإعلان حقق نجاح كبير جدا وجذب إنتباه المشاهدين إلى المنتج، وكان لذلك دورا في تحديد قرار (فادي) في الإستمرار في طريق الفن أو التوقف عند هذا الحد .
في فترة ما قدم فادي مجموعة من المسلسلات التي احتفظت في صميمها بتراث اللغة العربية والابتعاد عن أي لغة أخرى لتخليد هذه المسلسلات مع الأصول العربية.
(فادي إبراهيم و(رشيد علامة)
خلال رحلة (فادي إبراهيم) الفنية تقابل مع المنتج اللبناني الكبير (رشيد علامة)، المعروف عنه أنه رائد الإنتاج العربي، وشارك معه في بعض الأعمال الفنية وقام بتعليمه تلقين الحروف فأصبح فادي مولعا أكثر بالتمثيل.
وأصبح (فادي) يشتري كتب كثيرة عن الفن وطرق التمثيل ليحترف تقديم أدواره، ولم يتركه (رشيد) عند هذا الحد بل إعتبره إبنه الفني وقدم له فرصة كبيرة بطولة في أحد مسلسلاته وسانده كثيرا في مشواره الفني.
وقام بتعليمه كل ما يخص هذه المهنة و(فادي) يحبه كثيرا ويقدره وهذه من أجمل الأشياء أن تجد من يساندك في بداية طريقك الذي لم تتوقع أن يضعك فيه قدرك.
ظل (فادي إبراهيم) يسير وبقوة في اتجاه النجاح والنجومية ليقدم أقوي أعماله التي رفعت من شأنه وزاد نجاحه وكثر متابعينه، عندما شارك في مسلسل تم عرضه على مدار سنتين هم 1994 و1995.
وكان يعرض مرتين في الأسبوع حيث ظهر في شخصية ذات جبروت وقوة وجرائة شديدة في عمل يحاكي واقع حياتنا، ونجح العمل نجاح كبير جداً ووصلت الإعلانات عليه إلى 80 إعلانتا في الحلقة الواحدة.
توالت أعمال (فادي إبراهيم) في التليفزيون المسرح والسينما، وشارك في أعمال عربية مشتركة بين العام 1980 و1986.
(فادي إبراهيم) مترجم أفلام وثائقية
وكان يعمل إلى جانب التمثيل كمترجم لأفلام وثائقية لتلفزيون لبنان عمل أيضا كماكيير، وسافر إلى برلين للمشاركة في دورات للتجميل للمحترفين، كما خاض تجربة الإخراج في عملين.
وذاع صيت (فادي إبراهيم) من خلال مسلسلين عرضا على شاشة تلفزيون لبنان هما (نساء في العاصفة، العاصفة تهب مرتين).
وظل من عام 1995 حتى عام 1997 نجما تلفزيونيا بشخصية (نادر صباغ) وهو الاسم الذي لازمه طويلا وأدخله المسرح اللبناني بمسرحية (نادر مش قادر).
وتوالت أعماله على خشبة المسرح مع (مروان نجار) في مسرحية (لعب الفار)، ثم (عمتي نجيبة)، وقدم خارج لبنان مسرحية (عقد إيلين) للمخرج اللبناني الفرنسي (نبيل الأظن)، التي عرضت في 72 مدينة أوروبية على مدى 3 سنوات.
شارك (فادي إبراهيم) في عدة أفلام ومسلسلات، منها (الفاتحون، أرحل وحيدا، الموت القادم إلى الشرق، راشد ورجب، القربان، الجزيرة المحرمة، رياح الثورة، بين بيروت ودبي، فتيات للقتل، جذور، الانتفاضة، ليلة الذئاب، أسمهان ، الأدهم ، البوابة الثانية، فرقة ناجى عطا الله).
وشارك في مسلسلات (روبى، تحت الأرض، اتهام، علاقات خاصة، الزيبق، ، علاقات خاصة، اتهام، قصة حب، كيد النسا، روبي، العائدون، عنبر 6، رقصة المطر، الملكة نازلي، الوحش الجميل، خيوط في الهواء).
كما شارك في (الزمن الضائع، بارانويا، خرزة زرقا، رصيف الغرباء، عروس بيروت، ذات ليلة، لأنك حبيبي، ورود ممزقة، ابني، الطائر المكسور، الفاتحون، حكايتي).
دوره المميز في مسلسل (عشرين عشرين) ومشاركته في مشهد واحد في مسلسل (للموت) ومسلسل (التحدي.. سر)، أكدوا جميعا على موهبته الآسرة في الأداء الناعم المخلوط بالشر اللذيذ.
وحتى في عالم الرسوم المتحركة، كان لصوته (دوبلاج) شخصيات أحبها الكبار كما الصغار كـ (بيل وسباستيان، حكمة الأقزام، وادي الأمان، كليمونتين، سفينة المحبة).
أشهر أقوال (فادي إبراهيم):
** اشتريت كتبا وقرأتها، واشتغلت على نفسي حتى تمكنت من اكتساب المعرفة الكافية التي خولتني أن أسمح لنفسي بدخول المهنة.
** أحب الرسم والنحت كثيرا وأيضا أكتب للمسرح فأعتبرها هواية رغم أني قدمت أعمالا قليلة .
** أنا صبي بعد 4 بنات وطفولتي كانت رائعة، كان فيها فرح وكان في قيم وكان في أمان، وكان هناك جهل بمحل معين، ولكنها جميلة ومليئة بالبراءة أتمنى لو تعود هذه الحياة لأولادنا ويحزنني أنا نعود للوراء .
** المصريون والسوريّون يعرفون قيمتنا وليت التضامن الفني العربي ينعكس على السياسة.
** لا أريد أن أظلم كل المنتجين، بعضهم يبيعون أعمالهم للخارج ويوزعونها في الأسواق العربية، وأعمالهم تعرض على محطات غير محلية، مع أنه لم يعد هناك شيء اسمه محطة محلية.
** النصوص تغيرت وتطورت كثيرا، الأساس هنا الكلمة، ولا يمكننا أن نفعل شيئا بدون نص جميل وورق جيد ومحتوى قيم، نحن نأخذ النص ونبني عليه، نجمله ونطوره ونجعله حقيقياً، وهذا أمر مهم.
** لا شك أن الظروف ساعدت في ارتفاع نسبة مشاهدة الدراما، سابقا لم يكن الناس يهتمون بمشاهدة الدراما، واليوم هم يتابعون المسلسلات ويتعلقون بها ويكملون مشاهدتها.
** عندما يكون الممثل قادرا على العطاء، يمكن أن يغير في التركيبة، كما أن الصدق في أداء الشخصية يلغي فرضية استهلاك لصورته.
** عندما نجتمع كممثلين عرب ونقدم عملا نموذجيا، عندها نفوز معا، لأن الانجاز الذي يتحقق من التعاون هو توظيف للطاقات المختلفة والمتنوعة في مكان واحد وأمام كاميرا واحدة، وعندها خذ ما يطيب لك من إبداع.
** لا أحب أن أكون بعيدا عن لبنان، لكن السفر والعودة الى هنا نعم. لا أحب ولا أريد ترك لبنان، لقد تعلمنا فعلا أن نكون أوفياء لبلدنا حتى لا نخسره.
** لا أحب الشعور بالندم، كما أن محبة الناس زودتني بالقوة.. سأبقى متماسكاً وصلبا، من أجل من أحبوني. من أجلكم أنتم سأستمر.
(فادي إبراهيم).. دونجوان الشاشة الفضية
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لروح الفنان الراحل (فادي إبراهيم)، الذي برزت نجوميته في التسعينيات مع النهضة الدرامية الجديدة التي شهدها تلفزيون لبنان.
حتى اللحظة الأخيرة على سرير المرض، ظل (دون جوان الشاشة الفضية) محتفظا بابتسامته، حالما بالعودة إلى الساحة التي كانت الأحب إلى قلبه، سيرته سيرة ممثل عصامي، لم يدخل معهدا ولا جامعة، ولكنه كان نجما بالفطرة.
في تسعينيات القرن الماضي حين كان لبنان ينفض عنه غبار الدمار ومآسي الحرب الأهلية، شهدت الساحة ولادة نجم محبوب هو (فادي إبراهيم – 1956 – 2024).
ارتبط وجهه بتلك المرحلة التي كانت حبلى بأحلام إعادة الإعمار ومرحلة الازدهار واستعادة البلد موقعه الذي احتله في يوم من الأيام، وتمتع الممثل الراحل بكاريزما عالية تذكر بنجومية كبار الفنانين المخضرمين على رأسهم عبد المجيد مجذوب.
يومها، كانت البلاد تلتقط أنفاسها بعد حرب دموية، فأطل (فادي إبراهيم) على شاشة (تلفزيون لبنان) ليفتح وزملاؤه في التمثيل والكتابة ومجمل الصناعة صفحةً جديدة في كتاب الدراما التلفزيونية.
هكذا، لعب إبراهيم دورا في تغيير بوصلة الدراما المحلية بعد الحرب، مسخرا حضوره لتقدّمها وانتشالها من بين الأنقاض.
قبل أن يطرق باب التمثيل، كان شابا عصامياً، عمل في عدد من المجالات، فقد برع في عمله كخبير مكياج فني، ولاحقا قدم تجربة متواضعة في الإخراج، وعمل في الدوبلاج في (تلفزيون لبنان)، وأيضا كمضيف طيران.
لكن (أبو عمر) كما يلقب، تبع هواه في التمثيل، فأحبه حتى الرمق الأخير، وكانت محطات عدة مرت بها نجومية (فادي إبراهيم) الذي هزمه المرض بعد معاناة في المستشفى استمرت أشهرا، لم يكن جماله مكتشفا في الدراما التاريخية، بل إنه حقق نجوميته في المسلسلات الاجتماعية.
كان (فادي إبراهيم) متمكنا من أدواته ومهاراته، وعاصر كبار الفنانين اللبنانيين الذين عمل معهم من بينهم عبد المجيد مجذوب، وأحمد الزين، ومحمود سعيد، وسمير شمص وغيرهم.
رحم الله الفنان (فادي إبراهيم) رحمة واسعة، فقد كان (جنتلمان) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، كأنّه رجل في غير زمانه، ولعل أجمل ما في (فادي) كان إقباله على الحياة.
كما كان لديه قدرة خاصة على اختراق قلوب الناس من دون استئذان، من النادر أن نرى ممثلا يحبه الجميع، سواء كانوا أشخاصا عاديين أو فنانين، وهو ما ظهر في نعيه راحلا عن هذه الدنيا خلال الأيام القليلة الماضية.
هبّت العاصفة مرة أخيرة حاملة معها الممثل فادي إبراهيم (67 عاما) إلى مثواه الأخير، بعد مسيرة فنية استمرت أكثر من أربعة عقود طبعت أدواره خلالها في ذاكرة المشاهدين في لبنان والعالم العربي.