بقلم: بهاء الدين يوسف
لأيام طويلة قررت أن أحتفظ بإعجابي بإعلان ترويجي للسياحة في (قطر) يذاع بشكل مستمر على قنوات بي إن سبورتس الرياضية القطرية، خوفا من أن أكون سخرية الناس في مصر.
خصوصا أن الإعلان ناطق باللهجة الخليجية التي لا تبدو مستساغة بين المصريين رغم أن عشرات الآلاف منهم عاشوا بضعة سنوات على الأقل في دول خليجية.
لكن المفاجأة التي ألجمتني كانت عندما استمعت عمال المقهى الشعبي البسيط الذي اعتدت الجلوس فيه وهم يرددون كلمات الإعلان مثل (حيا الله من جانا) أو (جايلك على خالتي) على سبيل الدعابة مع بعض الزبائن الدائمين للمقهى.
وفكرت أن أكتب عن الاعلان وتصميمه الاحترافي الذي أمّن له أصداء واسعة خارج (قطر).
ثم تحول التفكير الى تصميم على الكتابة بعد أن شاهدت على إحدى الطرق السريعة إعلانا عن منتج جديد للكيك يتضمن صورة للفنان (حمدي الوزير) الذي يعتبره الكثيرون أشهر متحرش في مصر وبجوار الصورة عنوان عريض يقول (ليك في الكيك؟!
ثقافة التحرش للترويج
الإعلان بتصميمه وكلماته يتضمن إيحاءات ليست فقط جنسية فاضحة وواضحة، ولكنه يمثل تشجيعا للشباب والرجال المتحرشين على ممارسة المزيد من التحرش باعتبار أنه سلوك غير منبوذ اجتماعيا.
بدليل أن شركة إعلانات استعانت بفكرة تعتمد على ثقافة التحرش للترويج لمنتج لشركة أخرى وافقت على الإعلان ولم ير فيه مسؤولوها خدشا للحياء ولا تشجيعا للسلوك المنحرف.
الإعلان القطري البسيط في تصميمه العميق في معانيه، وهى بالمناسبة يمكن أن تتجاوز حدود الترويج السياحي لمن يريد البحث والتفكير فيما بين السطور، يظهر فيه رجل سعودي مع أسرته وهم متوجهين إلى (الدوحة) عاصمة (قطر) في إجازة ولقاء خالته القطرية.
يظهر الرجل في الإعلان وهو يعد خالته بأن يتناولوا الغداء معها فور وصولهم إلى (الدوحة)، لكنه لا يلتزم بوعده ويؤجل اللقاء إلى العشاء ثم إلى اليوم التالي، والذي بعده لأن أولاده يقضون أوقاتا ممتعة في (قطر) لدرجة انهم ليس لديهم وقت للزيارات العائلية.
لكن الرجل في آخر الإعلان يذهب لزيارة خالته التي تحييه بعبارة (حيا الله من جانا)، التي اتخذتها هيئة السياحة القطرية (سلوجان) لحملتها الترويجية لزيارة (قطر)، ويظهر في المشهد الأخير وهو يتفاخر بان مواعيده (أون تايم).
الإعلانات في بلدنا
بعيدا عن البحث فيما وراء سطور الإعلان الظاهرة التي تخص العلاقة بين بلدين شقيقين لادخل لنا بها، قارنت رغما عن رغبتي بين ذلك الإعلان وقبله إعلان اتصالات الاماراتية (كيفي) وغيرها من الاعلانات الخليجية والعربية وبين حال الإعلانات المصرية في السنوات الأخيرة التي تحولت إلى مسخ مشوه.
فلا شيء في الإعلانات في بلدنا يعكس فكرة ذكية أو معنى جميل بقدر ما أصبحت أغلب الإعلانات تلعب على إثارة الغرائز مثل إعلان الكيك (المؤسف).
أو حشر النجوم دون داع ومنحهم مئات الملايين دون وجود وجود تصور جديد للاستفادة منهم يخرج عن نطاق إعادة تقديم أغانيهم الشهيرة وربطها بالمنتج المعلن عنه (بالعافية) حتى لو لم يكن هناك علاقة واضحة.
قديما كنا ننبهر بأفكار الإعلانات رغم بساطتها المذهلة مثل أعلان (جانا ريري جانا)، أو اعلان الفنان الكوميدي الراحل محمد شوقي (أنا عنيد قوي بس لأول مرة دماغي تلين وبيعجبني نوع من أنواع التأمين) وإعلان (كوفرتينا).
ثم تطور الأمر مع ثورة (طارق نور) في ثمانينات القرن الماضي بإعلاناته التي يقال أن أغلب أفكارها مستوحاة من إعلانات أجنبية.
وربما لهذا كانت تتميز بالإبهار الذي لا يخرج عن الأخلاقيات العامة، رغم أنه كان من أوائل من اعتمدوا على إثارة المشاعر لدى المشاهدين، وقد تركت أغلب إعلاناته أثرا في المتلقين مثل إعلان (محمود ايه ده يا محمود)، ومزيل العرق (موم) وغيرها.
لماذا فشلنا إعلانيا؟!، وهل يمكن إدراج ذلك ضمن سلسلة الفشل في مجالات أخرى منها مثلا الإنتاج الدرامي الذي تراجع تأثيره بقوة في زمن الاحتكار المتواري؟!
هل المشكلة في عقليات منتجي الإعلانات التي باتت تخلو من أي لمسات ابداعية بحكم أن أغلب القائمين عليها والعاملين فيها من أصحاب الحظوة والثقة وليسوا من أهل الكفاءة؟!
هل المشكلة في التدني المتواصل والممنهج الأخلاق وثقافة المجتمع بحيث لجأ المعلنون إلى الأفكار المنحطة لاثارة انتباهه؟!، أم أن الإعلانات السيئة هى التي تساهم في إبراز أسوأ ما المجتمع من سلوكيات وعادات؟!