بقلم: محمد حبوشة
شغلت مدينة (رأس الحكمة) المصرية، الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إثر (مزاعم) عن بيع المدينة، وسرعان ما نفته الحكومة، مع تأكيد رغبتها في تنمية المدينة بالشراكة مع كيانات عالمية ذات قدرة تمويلية.
ويعد الشريط الساحلي الممتد من منطقة الضبعة فى الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالى الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح، والمعروف بـ (رأس الحكمة) هى المنطقة الواعدة لمستقبل الاستثمار السياحي لمصر، وتدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
وبينما الإعلام المصري منشغل بعرض برومهات (مسلسلات رمضان)، لم يلتفت إلى توضيح أهمية وأبعاد أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، فلم يفسر للمواطن البسيط الإعلام التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري في كبوته الحالي.
كان ينبغي على الإعلام الغارق في العبث، شرح أبعاد إنشاء مدينة عالمية عملاقة على أرض الجمهورية الجديدة، بعدما تم توقيع عقد شراكة استثمارية بين مصر والإمارات لتنمية مدينة (رأس الحكمة) على الساحل الشمالي الغربي لمصر.
فمثلا لم يفسر لنا الإعلام المصري أن المدينة لم يتم بيعها، بل إن الأمر يتلخص في حق الانتفاع، وهو ما فعلته الإمارات العربية المتحدة مسبقا في مدينة دبي، وهنا أذكر قصة الشيخ (مكتوم) والد الشيخ محمد بن راشد حول حق الانتفاع.
فقد أطلق (الشيخ مكتوم) مشروع حق الانتفاع في دبي عندما أنشأ (خور دبي) وعندما سألوه: هل يصح أنت تبيع أرض الوطن للأجنبي، قال الرجل: وهل سيأخد الأجنبي هذه الأرض في نهاية التعاقد؟، إنه يستثمر في الصحراء ويترك استثماراته بعد أن ينتهى التعاقد.
وهذا يعكس ذكاء الرجل الذي وضع أسس للاستثمار في دبي، وبدورها ساهمت تلك الاستثمارات في دفع عجلة التنمية، وحول المدينة إلى صروح وأبنية وشركات جعلت من دبي اليوم قبلة للاستثمار في الشرق العربي.
(رأس الحكمة) في ميزان الإعلام
هل أدركت وسائل إعلامنا أن الشق الأول من مشروع (رأس الحكمة)، يتضمن استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 35 مليار دولار ستدخل إلى الدولة خلال شهرين، والشق الثاني سيكون على هيئة عوائد مستمرة حيث سيكون للدولة المصرية نحو 35% من أرباح المشروع؟
المشروع ياسادة يأتي في ضوء الجهود الحالية للدولة المصرية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ويضم منشآت سكنية وفندقية ومنطقة مال وأعمال وصناعات تكنولوجية ومارينا دولية لليخوت ومطار دولي.
كما يوفر ملايين فرصة عمل ويضع مصر على خريطة السياحة العالمية من خلال جذب نحو 8 مليون سائح إضافي يفدون إلى مصر مع اكتمال هذه المدينة العملاقة، ومن المتوقع أن يحقق المشروع الاستقرار النقدي للبلاد ويساهم في كبح جماح التضخم والقضاء على السوق الموازية للدولار.
الصفقة تمت من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، و (أبو ظبي التنموية القابضة) بدولة الامارات العربية المتحدة لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة (رأس الحكمة).
على وعى الإعلام المصري أن الاتفاقية الاستثنائية التاريخية وغير المسبوقة التى تم توقيعها ترسي آلية واضحة لأي استثمار أجنبي مباشر، يريد تكرار نفس النموذج لأنه يحقق استفادة مشتركة.
والمشروع يأتي بنفس الآلية التي تعتمد عليها الدولة، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مع جميع المطورين والقطاع الخاص، حيث يتم تخصيص قطعة أرض للمطور، وتحصل الدولة مقابلها على مقدم نقدي ويكون لها حصة من أرباح المشروع لتعظيم أصول الدولة.
(رأس الحكمة) ومخطط التنمية العمرانية
تنمية مدينة (رأس الحكمة تأتي) في إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052، الذي وضعته الدولة المصرية، وتم البدء في تنفيذه منذ بدء تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية، حيث تم العمل على هذا المشروع العملاق بهدف تنمية الدولة بأكملها وخلق وإنشاء (الجمهورية الجديدة).
الفكر الخاص بمشروع ومخطط التنمية العمرانية المتكاملة لمصر 2052، حدد منطقة الساحل الشمالي باعتبارها المنطقة الواعدة الأولى التي تستطيع أن تستوعب القدر الأكبر من الزيادة السكانية في مصر لما لها من إمكانات واعدة جدا.
تشمل أراضي على امتداد الساحل ذات ظروف مناخية وجغرافية ملائمة لأن تستوعب القدر الأكبر من السكان والتنمية.
الذي غاب عن إعلامنا أن المخطط يغير فكر تنمية الساحل الشمالي، حيث أوضح رئيس الوزراء: (نحن نتحدث عن تنمية مجتمعات عمرانية متكاملة) وليس (منتجعات سياحية صيفية).
المخطط حدد 4 مدن كمدن ذكية جديدة يتم إنشاؤها، و تستوعب ملايين السكان، وتخلق الملايين من فرص العمل للشباب المصري، وهي العلمين، رأس الحكمة، النجيلة، سيدي براني، جرجوب.
بالإضافة إلى مطروح والسلوم، ليكون هناك سلسلة من المدن الجديدة التي تمتلك بنية أساسية متطورة.
ولهذا السبب، قامت الدولة بإنشاء الطريق الساحلي الدولي ليضم 10 حارات في كل اتجاه، كما تقوم بتنفيذ القطار السريع الكهربائي فائق السرعة من السخنة وحتى السلوم.
الفكر كله ياسادة الإعلام الأعمى يهدف إلى خدمة دولة في المستقبل، (جمهورية جديدة) مخططة تخطيط علمي مدروس.
فالبنية الأساسية التي تعمل عليها الدولة حاليا تخدم من 50 إلى 100 سنة فى المستقبل.
ولذلك يتم التركيز على مشروعات البنية الأساسية الكبيرة، التي يتم تنميتها ومنها أيضا مشروع (الضبعة) الذي يهدف إلى توليد طاقة نظيفة لخدمة هذه المدن باعتبارها مدن مستدامة وخضراء.
ألم ينتبه خبراء الإعلام إلى أن رئيس الوزراء المصري شدد على أن مشروع مدينة (رأس الحكمة) هو (شراكة وليس بيع أصول) مشيرا إلى أن مصر ستحصل على “35 % من أرباح المشروع، بدلا من ترك القضية نهبا للشائعات والقيل والقال.
كان ينبغي على الإعلام أن يشرح للناس أن المشروع يعد الأضخم على الإطلاق، ويمثل مدينة كاملة عالمية على أعلى مستوى، وهى (رأس الحكمة الجديدة) التي ستصل مساحتها إلى 170.8 مليون متر مربع أي أكثر من 40 ألفًا و600 فدان.
مشروعات عملاقة في (رأس الحكمة)
والمشروع يضم أيضا منطقة حرة خدمية خاصة تحتوي على صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية لخدمة المدينة، حي مركزي للمال والأعمال، وسيتم إنشائه من أجل استقطاب الشركات العالمية لتكون موجودة في هذه المدينة.
وستحتوي المدينة على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية الموجودة في البحر المتوسط، كي تستفيد منها.
وخارج أرض المشروع، تم الاتفاق على أنه سيتم تطوير وإنشاء مطار دولي جنوب المدينة، حيث سيتم تخصيص قطعة أرض لوزارة الطيران المصرية.
ومن خلال استخدام قانون التزام المرافق العامة الذي يتم التعامل به في الدولة المصرية سيتم التعاقد مع شركة أبوظبي التنموية لتطوير وتنمية المطار، ويكون للدولة المصرية حصة من عوائد هذا المطار.
ومن المقرر أن تؤسس (شركة أبو ظبي التنموية القابضة)، شركة باسم (رأس الحكمة) لتكون شركة المشروع القائمة على تطويره، و ستكون شركة مساهمة مصرية.
وكل الاستثمارات التي سيتم ضخها سيتم تحويلها للجنيه المصري، وأن الشركات المصرية هى التي ستعمل في إنشاء وتطوير هذه المدينة الكبرى، بما في ذلك شركات المقاولات والتطوير العقاري والشركات اللوجستية.
كما أن المصانع المصرية هى التي ستكون مكلفة بتوفير المواد الخام، ومدخلات الانتاج ،الأمر الذي يوفر ملايين من فرص العمل التي ستتاح أثناء إنشاء المدينة وبعد إنشائها وتشغيلها للشباب المصري والشركات العاملة في قطاع المقاولات.
الصفقة التي تم إبرامها تتضمن شقين: جزء مالي يتم سداده كمقدم .. وجزء آخر عبارة عن حصة من أرباح المشروع طوال فترة تشغيله تخصص للدولة.
ويتضمن الاتفاق استثمارا أجنبيا مباشرا يدخل للدولة المصرية في غضون شهرين بإجمالي 35 مليار دولار، وسوف تقسم على دفعتين:
الأولى خلال أسبوع بإجمالي 15 مليار دولار، وستكون مقسمة إلى 10 مليارات دولار تأتي سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة إلى تنازل دولة الإمارات أو الحكومة الممثلة في (شركة أبوظبي القابضة) عن جزء من الودائع الموجودة بالبنك المركزي المصري.
والتي تمثل 11 مليار دولار، بحيث سيتم استخدام 5 مليارات منها في الدفعة الأولى، وسوف يتم تحويلها من دولار إلى جنيه مصري حتى يتم استخدامها من قبل شركة أبوظبي التنموية وشركة المشروع في إنشاء المشروع، ومن ثم، بهذا يدخل للدولة استثمار أجنبي مباشر بإجمالي 15 مليار دولار .
الدفعة الثانية، بعد شهرين من الدفعة الأولى بإجمالي 20 مليار دولار، عبارة عن 14 مليار دولار تأتي سيولة مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقي من الودائع الذي يمثل 6 مليارات دولار.
35 مليار دولار في (رأس الحكمة)
وبهذا يكون الـ 35 مليار دولار عبارة عن 24 مليار دولار سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري، لاستخدامها في تنمية المشروع .
سيكون للدولة المصرية 35% من أرباح المشروع، وهذا جزء فني تم عرضه بمنتهى الوضوح في الاتفاق طبقًا لشروط والتزامات محددة، ولاننسى أنه خلال شهرين، سيدخل 35 مليار دولار في الاقتصاد المصري لاستخدامها في حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة.
لقد ترك الإعلام المصري مع نهاية الأسبوع الماضي تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن بيع المدينة لمستثمرين عرب، متسائلين عن جدوى البيع؟، وهو ما أثار اللغط في الشارع المصري الذي يعاني من شائعات الإخوان والمتآمرين علينا.
لماذا لم تنتبه وسائل الإعلام المصري وخاصة المرئية منها إلى أن الدكتور مصطفى مدبولى أجاب على أسئلة مهمة ألحت على الرأى العام، خاصة على عدد من رجال الأعمال، عن أسباب الحكومة فى الوقوف بقوة وراء مشروع (رأس الحكمة).
وكانت إجابات الدكتور مدبولى صريحة فى بعض عباراتها، كما كانت ضمنية، وإن كانت غير خافية، حول معانٍ أخرى، فقد قال بالنص إنه، إضافة إلى أن المشروع هو الأضخم فى تاريخ الاستثمار فى مصر.
فإنه يأتى فى إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر عام 2052، الذى وضعته الدولة وتنفذه منذ تولى الرئيس السيسى رئاسة الجمهورية، بما يعنى أن الجانب الإماراتى لم يبذل جهداً فى إقناع الدولة بجدوى المشروع.
لأنه طرح ما خططت له الدولة بالفعل، وكان ينقصها المستثمر الجاد المستعد فورا لدفع حجم الأموال الضخم المطلوب للمشروع.
وأضاف أن تخطيط الدولة يسعى لتحقيق عدة أهداف وطنية مهمة، منها إعادة توزيع السكان فى مناطق جرى اختيارها، بعد دراسات دقيقة، أكدت الإمكانيات الواعدة للأرض الممتدة بطول الساحل، وملاءمة الظروف المناخية للمنطقة لاستيعاب القدر الأكبر من السكان.
وكان من أهم الأسباب التى كررها الدكتور مدبولى عدة مرات، فى كلمته القصيرة أثناء توقيع عقود مشروع (رأس الحكمة)، أهمية تغيير فكرة تنمية الساحل الشمالى عن طريق إنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة وليس منتجعات سياحية صيفية.
وألا يقتصر سكناها على الفئات الثرية، وإنما يراعى تخطيطها إتاحة الفرصة لكل الفئات الاجتماعية.
وأوضح نقطة مهمة ثار حولها لغط فى السوشيال ميديا، بإشاعة أن الدولة منحت مستثمرى مشروع (رأس الحكمة) استثناءات كبيرة لا توفرها لرجال الأعمال المصريين.
فقال إن الآلية المطبقة مع هذا المشروع، هى نفسها التى تتبعها الدولة مع كل المطورين العقاريين والقطاع الخاص، حيث تقوم الدولة بتخصيص أرض للمطور العقارى، وتتحصل على مقابل الأرض مقدما، ويكون لها أيضا حصة من أرباح المشروع من أجل تعظيم أصول الدولة.
وأكد مدبولي أن هذه الصفقة الكبرى، وغيرها، وما ستوفره من سيولة نقدية كبيرة من العملة الصعبة، ستسهم في استقرار سوق النقد الأجنبي، وتحسين الوضع الاقتصادي. مشيرا إلى أن الحكومة تعمل حاليا أيضا على إنهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما أن الحكومة مستمرة في إجراءاتها التي أقرتها وثيقة سياسة ملكية الدولة، من حيث تمكين القطاع الخاص، وزيادة فرص مشاركته في القطاعات التنموية.
وبعد كل مامضى لدى سؤال ملح في اللحظة الراهنة: أليس دور الإعلام هو التوعية والحث على التنمية، بدلا من عبث الانشغال بحروب وهمية لاجدوى حول نظرية المؤامرة، وهو ما كان من شأنه أن يطمئن المواطن إلى جدوى الاستثمار؟!