بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
بينما أعانى من نزلة برد تتصاعد حدتها – برغم الأدوية والمسكنات – تابعت أخبار صفقة (الحكومة) بخصوص (رأس الحكمة) ككل المصريين المهمومين بالشأن العام.
فهو لم يعد (عاما) بل باتت أخبار الاقتصاد زادا يوميا نتناوله بالرغم من مرارته، ونسأل يوميا عن أسعار (الأخضر) و(الأصفر) برغم عدم امتلاكنا للاثنين، ولكنهما يتحكمان في مائدة طعامنا ودولاب ملابسنا وموعد إيفائنا لأقساطنا أو حتى تغيير (جلدة حنفية).
بعد أن صار الحساب مع أى صاحب سلعة أو مقدم خدمة من أصعب الأمور، وعندما تجادله يسألك: انت عارف الدولار بقى بكام؟ ،حتى لو كانت السلعة لاعلاقة لها بالاستيراد كحزمة (بقدونس) !!
و يبدو أن المصريين قد اتفقوا ضمنيا على تعويض ارتفاع الأسعار التي تتسبب فيها (الحكومة) من جيوب بعضهم البعض، فالتاجر قد رفع سعر البضائع حتى التي استوردها رخيصة فهو لا يعلم متى يستورد غيرها.
فعوض الطبيب ذلك الارتفاع من جيوب المرضى، والمريض عوضها من جيب أولياء الأمور إن كان مدرسا أو صاحب تاكسى، ويستمر المسلسل بغير نهاية، ولا يسقط تحت الأقدام سوى الموظف أو صاحب المعاش فلا الزيادات كافية ولا الأسعار تتوقف عن التصاعد.
في النهاية جاءت صفقة (الحكومة) بحجم يقارب احتياطاتنا النقدية كلها (35 مليار دولار) تدفع كلها خلال ثلاث شهور، مما سينعش خزينة الدولة، ويطمئن البنك المركزى إلى التعويم الذى سيأتى برفع بسيط لسعر الدولار ما دام متوفرا في البنوك، وينتهى المسلسل اليومى لزيادة الأسعار خلال شهر أو اثنين على الأكثر.
وهنا ابتسمت في سعادة وشددت الغطاء لأنعم بنوم هادئ وأحلام سعيدة برغم آلام الجسد، وقررت إعطاء نفسى إجازة من متابعة الأخبار والأسعار حتى تمام الشفاء والحمد لله.
(الحكومة) وصندوق النقد الدولي
ولكن شيطانى رفض أن يتركنى، وبدأ في إلقاء أسئلته المحيرة والملغزة: لماذا تستمر (الحكومة) في مباحثاتها مع صندوق النقد الدولى وقد عقدت تلك الصفقة؟، قلت للشيطان أن المبلغ أصغر من حجم ديوننا الخارجية بل يصل بالكاد إلى 22 % منها.
أي أقل من ربعها، عدا الدين الداخلى الذى لا نعرف له رقما محددا، ولابد أن تسعى (الحكومة) في كافة الاتجاهات وتتحوط لكل الأمور.
اعتقدت أني أخرست الشيطان ولكنه سرعان ما قال: بالاستدانة من جديد؟، ثم ألقى في وجهى بسؤال آخر: ما معنى أن للإمارات وديعة بالبنك المركزى بمبلغ 11 مليار دولار ستخصم من مبلغ الصفقة؟
هل أصبح المبلغ الذى سيدخل للبنك المركزى، إذن 24 مليار دولار فقط؟، قلت للشيطان: حتى لو ذلك صحيح فالمبلغ كبير ومغرى وبارك الله فيما رزق.
لكن اللعين لم يتوقف وألقى بسؤاله الكبير: ومن يضمن أن (الحكومة) لن تتصرف في المبلغ كما تصرفت في مبالغ الديون السابقة ثم تعود للاستدانة؟
هنا قمت من مرقدى فزعا، و قفزت إلى ذهنى عشرات المشروعات التي توقفت بسبب عدم وجود الدولار، وتصورت حكومتنا وهى تقوم بتنفيذها كلها في وقت واحد – كما فعلت سابقا – ثم نفاجأ بعد قليل بأننا عدنا الى نفس النقطة ونقعد ملومين محسورين. صرخت: لأ حرام.
قضية حجر على (الحكومة)
تذكرت أن السيد الرئيس قد دعى إلى حوار وطنى اقتصادى منذ فترة، وأنه يعول على أن تخرج توصيات الحوار بأفكار جديدة ومختلفة لمعالجة طويلة لاقتصادنا.
فسألنى شيطانى كم مر من الوقت على تلك الدعوة؟، ولماذا لا نرى لها تحقيقا على أرض الواقع؟، قلت الظروف المحيطة والحروب المستعرة حولنا عطلت اتخاذ خطوات عقد الحوار.
لكن الشيطان ابتسم في خبث وسألنى: وأخبار الحوار الوطنى إيه؟، وما هى نتائجه؟ قلت في ثقة حتى لو انحسرت النتائج في الإفراج عن مجموعة من الناشطين فهذا يكفى، قال شيطانى: كان من الممكن أن يتم الإفراج دون حوار وجلسات و..
مضى الشيطان يملأ عقلى بالأسئلة التي بلا إجابات، و يملأ عقلى بالشكوك من جدوى الصفقة في ظل حكومة لاتعترف بفقه الأولويات، و تباطأت عن تنفيذ ما طلبه الرئيس من عقد جلسات للحوار كانت ستتعرض بالتأكيد لقضية عدم تحديد أولوياتنا والتي يستلزم تحديدها الآن إجماع وطنى.
ولكى أنهى هذا الحوار مع الشيطان وأستريح سألته: وما الحل؟، قال في ثقة أنه في حالة عدم عقد جلسات لذلك الحوار علينا أن نرفع قضية حجر على (الحكومة)، لنمنعها من إنفاق أموال تلك الصفقة إلا في الضرورى والعاجل، وأن يكون هناك إشراف شعبى أو برلماني فاعل وقوى على أوجه الصرف.
انتبهت على صوت ولدى وهو يوقظنى: بابا انت بتصرخ و انت نايم.
قلت له: أنا عاوز أرفع قضية حجر على (الحكومة).
نظر لى في شفقة وقال: انت حرارتك عالية ولازم تروح لدكتور!