(أشرف عبد الباقي).. (تامبي) المتمكن في (جولة أخيرة)
بقلم: محمد حبوشة
بدا لي (أشرف عبد الباقي) ممثل يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية.
كما أن (أشرف عبد الباقي) له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس و القدرة على التحليل النفسي للشخصية التي يلعبها، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا.
وقد لاحظت أن (أشرف عبد الباقي) يتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئته ويتقمص شخصية (تامبي) في مسلسل (جولة أخيرة) التي قدمها بعذوبة واحترافية عالية جدا .
ولأنه يمتاز بعقل وجسم نشيط، فقد ظهر هذا العقل والجسم النشيط الذي تكمن القوة الديناميكية لتكوين شخصية (تامبي) التي لعبها بإبداع منقطع النظير، بل ويختلف عن أدواره السابقة، حيث خلط بين التراجيديا والكوميديا الخفيفة.
كما يبدو واضحا للعيان أن (أشرف عبد الباقي) يخلص للدور الذي يؤديه، حيث عاش في مجتمع الدور و بإحساس صادق من خلال شخصية تامي)، بل إنه حاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان.
قوة التخيل والإعداد ساعدتا (أشرف عبد الباقي) على أن يصب كل أفكاره في دوره بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج ، ليثبت أنه الممثل الموهوب الذي يدرك الحياة حق الإدراك و يضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور والإحساس .
وذلك من خلال التعمق في كل لحظة من اللحظات تأدية شخصية (تامبي) بملامحها وحركاتها وحواراتها وإيماءاتها ونظراتها، ما يؤكد أنه يفهم تمثيل الإحساسات أو الانفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث ولا يحتاج إلى تصنعها والتكلف بتمثيلها .
(أشرف عبد الباقي) عاش (تامبي)
عاش (أشرف عبد الباقي) في شخصية (تامبي) التي يمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عن الشخصية الطيبة التي يمثلها، وهنا لا بد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها.
الذاكرة الانفعالية عند (أشرف عبد الباقي) تبدو لي هى قدره على استعادة شعور انفعالي لموقف معين، والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الشعور الانفعالي لأول مرة وبين أن يستعيد ذلك الشعور.
ففي المرة الأولى يكون الشعور حارا وصادقا، أما عندما يستعيده فيكون خفيفا وذلك لأن الانفعال تخف حدته مع مرور الزمن وإلا ظل من يعاني من الموقف، لذا بدا عند استعادة ذاكرته الانفعالية أنها تبعث بها تلك الحرارة التي شعرت بها لأول مرة.
التشخيص لدى (أشرف عبد الباقي) بل الفن كله، قائم على الإيهام والمحاكاة، والممثل المحترف هو الذى يستغرق وقتا قليلا فى تقمص الشخصية، ووقتا أقل فى الخروج منها.
لهذا فإن (أشرف عبد الباقي من أولئك الممثلين الذين يضغطون على أعصابهم عادة في لحظات التهييج والاستثارة، لذلك كان ضروريا في اللحظات ذات الأهمية الكبيرة أن يحرروا عضلاتهم من التوتر تحريرا تاما.
لابد أنك شعرت مثلي أن الفنان الكبير (أشرف عبدالباقى) تعامل مع مسلسل (جولة أخيرة)، وكأنها جولته الأولى وتجربته الجديدة فى عالم فني مختلف عما قدمه من قبل، وهذا ماعودنا عليه (أشرف عبدالباقى) طوال مسيرته الفنية من مفاجآت مذهلة.
(أشرف عبد الباقي) بدا لنا فى دور (تامبي) مدرب رياضة الـ (MMI) يتعامل مع تركيبة شخصية درامية اكثر تعقيدا عما قدمه فى السابق، وهذا ما جعله يتحمس لهذا الدور فى هذا العمل المختلف شكلا ومضمونا عن بقية الأعمال الفنية السابقة.
فهو لا يتعامل مع شخصية (تامبي) من واقع أنه مجرد بطل لبطل الحدوتة (شجيع) أو (أحمد السقا)، بل أنه تناولها من خلال العمق الإنسانى بكل تفاصيله النفسية والاجتماعية وحتى المرضية.
ورسم لها تاريخ حياة وبناء درامى يوضح كيف وصلت هذه الشخصية إلى ما آلت إليه طوال الأحداث ما بين الجدية والحدة والمشاعر الإنسانية الحنونة.
بين مدرب لرياضة عنيفة يعد صديقه البطل (السقا) لكى يعيده إلى حلبة المنافسة بكل قوة وعنف بعد توقفه طويلا، وبين مشكلة (ألزهايمر) فهو هنا يؤدى شخصية درامية مركبة حرفيا وصعبة وتحتاج لممثل يملك من الموهبة والأدوات الفنية.
ولعل هذا ما جعل (أشرف عبد الباقي) يتحكم ويسيطر على هذه الشخصية دراميا ويحولها من خيال على الورق إلى واقع من لحم ودم، وقد ما نجح مع جولته الجديدة فى مسلسل (جولة أخيرة).
(أشرف عبد الباقي).. وإمتاع المشاهد
حيث قدم فيه (أشرف عبد الباقي) إمتاع للمشاهد واستمتاع له هو شخصيا بدور وشخصية مركبة وعميقة التفاصيل تصل به إلى مرحلة نجاح وتطور فنى جديد.
لقد عهدنا )أشرف عبدالباقى( منذ بدايته وحياته الفنية عبارة عن جولات يكسب فيها ثم يخسر، ويظن البعض أنه سيتوارى بعيدا عن الأضواء، ولكنه سرعان مع يعود بجولة جديدة يكسب فيها بالقاضية ويظن الجميع انه سيستمر على قمة الحلبة الفنية.
ولكن فجأة يتعثر ويختفى ليس لأنه فاقد للموهبة بل على العكس هو فنان موهوب حتى الثمالة، ولكنه كثيرا مايفقد الحظ، ورغم ذلك لايفقد الامل فيعود بجولات جديدة ينجح ويتألق من خلالها.
ولنا أن نشرح أبعاد شخصية الممثل (أشرف عبد الباقى)، فمع بداياته أكد الجميع انه سيكون نجم الكوميديا القادم، خاصة بعد تحمس الجمهور له والبحث عن أى عمل يشارك فيه ليشاهدوه ليستمتعوا بما يقدمه من كوميديا جديدة ومختلفة عن سابقيه.
لدرجة أنه قيل وقتها أن (أشرف عبد الباقي) نجم كبير قلق من نجاحاته وما يقدمه من فن الضحك بشكل جديد ولغة فنية جديدة تتماشى مع لغة الجمهور الجديد من الشباب وقتها.
وظل يتطور ويتدرج من دور صغير إلى دور أكبر حتى حان وقت أن يصل الى دور البطولة المطلقة، وكان رهان الجمهور عليه كبير، حتى حدث الانقلاب الفنى وقتها مع فيلم (إسماعيلية رايح جاى) بطولة محمد فؤاد ومحمد هنيدى.
الذى حمل هو راية التجديد وفتح السكة لجيل (المضحكين الجدد) وقتها (هنيدى وعلاء ولى الدين – رحمه الله، أحمد آدم، هانى رمزى) ثم جاء بعده (محمد سعد، أحمد حلمى، كريم عبد العزيز، أحمد السق) وغيرهم من النجوم الشباب.
ولكن (أشرف عبد الباقى) رغم موهبته وحب الجمهور له وحماسهم له لم يحالفه الحظ فى أن يستمر مع هؤلاء النجوم، حيث قدم (أشيك واد فى روكسى) ولم يحقق نفس نجاحات زملائه الذين سبقوه بمسافة.
وحاول (أشرف عبد الباقي) تقديم أعمال أخرى مثل (رشة جريئة) الذى نجح ولكن ليس النجاح المبهر خاصة فى الإيرادات، وظن البعض أن (أشرف عبد الباقى) مسألة وقت وسيختفى أو سيكتفى بأدوار السنيد.
(أشرف عبد الباقي) لم يستسلم
ولكن (أشرف عبد الباقي) لم يستسلم قرر يخوض جولة فنية جديدة فقدم البرامج ثم اقتحم عالم التلفزيون، ويقدم (حكايات زوج معاصر) لينجح معه نجاحا مبهرا ثم يقدم (أبوضحكة جنان) قصة حياة الفنان الكبير الراحل اسماعيل ياسين.
ليعود إلى التألق من جديد، وما أن يعود للتراجع يقرر خوض جولة جديدة فاقتحم عالم (الست كوم) وهو مغامرة فنية جديدة لم يخوضها الكثير بعد فقدم أهم (ست كوم) فى الفن العربى وهو (راجل وست ستات)، ويستمر به لمدة 8 اجزاء كلها ناجحة.
وينجح معها (أشرف عبد الباقى) فى الحفاظ على نجوميته كبطل مطلق، وبعدها يقرر العودة الى السينما بـ (صياد اليمام، وعلى جنب ياسطى)، ولم يحالفه الحظ معهما مرة أخرى ويتراجع ويظن البعض أنه سيعود لدور السنيد.
ولكنه لم ييأس ويقدم (صاحب صاحبه) مع محمد هنيدى فى بطولة مشتركة، ونجح الفيلم، ولكن ليس النجاح المبهر، خاصة وأن هنيدى نفسه بدأت نجوميته فى التراجع، فابتعد (أشرف عبدالباقى).
بل أنه لم يبعد، فقط هى استراحة فنان يملك من الإرادة والذكاء طبعا بجانب الموهبة ما يجعله يعود من جديد وهذه المرة بـ (مسرح مصر) الفكرة التى كسرت الدنيا بالمعنى الحرفى للكلمة.
واستمر (أشرف عبد الباقي) لسنوات ناجحا متألقا بل ومسيطرا على (مسرح مصر) حرفيا، ومع الوقت والسنين بدأت الفكرة فى التراجع، خاصة وأن كل أبطال مسرح مصر من الشباب الجديد الذى اكتشفه (عبد الباقى)، وقدمه للجمهور أول مرة أصبحوا نجوما مشغولين بأعمالهم.
وحاول (أشرف عبد الباقي) بتجارب مسرحية أخرى جديدة بأبطال جدد ولكنها لم تحقق نفس نجاح مسرح مصر الذى كان له ظروفه الخاصة ووقته الذى لم يكن فيه المسرح المصرى فى احسن حالاته ولا الفن المصرى ككل الذى تأثر فيما بعد الثورات والقلاقل السياسية والاقتصادية.
كما أن نجوم الكوميدا نفسهم كبروا وأصبحوا لا يستطيعوا أن يتطوروا مع الزمن خاصة (هنيدى وسعد) فكان المتنفس الفنى الوحيد وقتها هو (مسرح مصر) بنجومه الشباب الجديد وبلغتهم الفنية التى يتحدث بها الجمهور الجديد.
تجارب (أشرف عبد الباقي)
وتأتى تجربة (أشرف عبد الباقي) في (جولة أخيرة) كمسلسل ولكنها الجولة الجديدة لأشرف عبدالباقى، ليقدم شكل ومضمون فنى جديد له ونقلة فنية جديدة ينتقل بها الى مرحلة اكثر نضجا فنيا وفكريا.
كتب الكثيرون عنه خلال الفترة الماضية أنه أعاد اكتشاف نفسه مرة أخرى، حيث أكد الجمهور والنقاد أن أداءه متميز بما يكشف عن أن (أشرف عبدالباقي) موهبة لا تنضب ولا تفقد بريقها مع مرور الزمن.
وأنه قادر على تجسيد كل الشخصيات بتميز بما يضيف إلى الأعمال التي يشارك بها، مؤكدين أن نجاحه في تجسيد شخصية (تامبي) في مسلسل (جولة أخيرة) الذي انتهى عرضه على منصة (أمازون) إلى الدرجة التي جعلت المشاهدين لا يشعرون أنه يمثل، فضلا عن خروجه من عباءة الكوميديا وتقديمه الدور بحرفية بالغة.
شخصية من لحم ودم
ويقول (أشرف عبد الباقي) عن تجربة (تمبي) في (جولة أخيرة): عندما قرأت السيناريو وجدت أن تركيبة الدور كلها جديدة سواء رياضة الـ (MMI)، أو مشكلة الزهايمر.
كما أني عندما قرأت وجدت أنها شخصية من لحم ودم، لها مواقفها وشخصيتها وموضوعها، فهي تركيبة جديدة بالنسبة لي لم أقدمها من قبل، له تفاصيله وحكاياته، بالإضافة إلي فكرة التعاون مع صديقي (أحمد السقا) فلقد تشاركنا معا في عملين ظهر خلالهما كضيف شرف وهما (رشة جريئة، وعلى جنب يا اسطى) فقط.
ويضيف (أشرف عبد الباقي) أنا أحب الفن وأحب ما أقدمه لجمهوري، فالمهم فيما نقدمه هو النتيجة، فالدور الجيد لا يقاس بمدى تأثيره وليس بحجمه ومساحته، فأنا أفضل الظهور بالقليل من المشاهد التي يترقبها الجمهور أفضل من الظهور بلا طعم لمجرد الظهور.
وأوضح (أشرف عبد الباقي): شخصة (تامبي) بالنسبة لي لم تكن شخصية سهلة، فلقد عكفت على صنع تاريخ لها، واستعنت برامي الجندي كمدرب للتمثيل، فلأول مرة أتعامل مع مدرب تمثيل بعد 38 سنة في المجال.
وكنت سعيد بالتعاون معه، حيث رسمنا تفاصيل الشخصية بالكامل طريقة كلامه ونقاط الضعف والقوة لديه إلى أن أصبح لدينا تامبي بكل تفاصيله.
وهذه المرة للأسف شخصية (تامبي) مختلفة تماما وبعيدة عن شخصيتي نهائيا، وكان رامي دائما متواجد بعد (بروفة) كل مشهد يساعدني علي أن أملك تفاصيل الشخصية، كما أن زوج ابنتي الوسطى مدرب ولاعب محترف رياضة الـ (MMI) القتالية.
وهو من عرفني بهذه اللعبة لأول مرة، وكنت أسأله عن أحكام اللعبة، وحينما عرض علي المسلسل كان لدي معلومات كافية، فشخصية (تامبي) هو مدرب (شجيع) الذي يقدمه أحمد السقا، ويسعى لإعادته إلى حلبة السباق من جديد.
جامعاً بين القوة بوصفه مدربا لرياضة عنيفة، والضعف سواء لخوفه على (شجيع) أو حيرته في رحلة البحث عن ابنه.
ويستطرد (أشرف عبد الباقي): على الرغم من أن الشخصية بعيدة عن الكوميديا ولكني أضفت لها ملمحا كوميديا، فـ (تامبي) شخصية طبيعية لها جانب إنساني ولكنها ليست كوميدية، ولكنها ثرية بملامح عديدة، كما أن الكوميديا نابعة من مواقف درامية.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لـ (أشرف عبد الباقي)، الفنان الذي برع في الكوميديا، وأثبت جدارته في التراجيدي في (جولة أخيرة)، كما لاننسى صانع نجوم من طراز رفيع في تجربته (مسرح مصر)، رغم بعض المآخذ عليها.