بقلم: محمود حسونة
(ليالي سعودية مصرية).. عنوان فني لمضمون أبعد من الفن، مضمون يحمل العديد من الرسائل إلى كل من يهمه الأمر، رسائل أن التنسيق بين مصر والسعودية ليس سياسياً فقط، ولكنه يمتد إلى مجالات مختلفة ومنها الفن.
وأن الحرب الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي بين بعض الأفراد من البلدين هى حرب لا تعني المؤسسات الرسمية، بعض من يخوضونها لديهم أجنداتهم ومطامعهم والبعض الآخر من باب الغيرة على وطنه.
يريد أن يراه بلا منافس، في زمن تتنافس فيه جميع الدول بما في ذلك الأشقاء، المهم أن يكون التنافس شريفاً، ولا يسرق شقيق حقوق شقيقه، ولا يتآمر شقيق على شقيقه، ولا يتربص شقيق بشقيقه، وإلا فإن الاخوة بينهما ستكون زيف وخداع، والكلام السياسي سيكون معسولاً.
من حق المملكة العربية السعودية أن تخلق لنفسها مساحة مؤثرة على خريطة الفن، غناءً وسينما ودراما ومسرح وتشكيل وغير ذلك، ومن حق مصر أن تتباهى بأنها أرض المواهب والابداع، وأن تعتز بمسيرتها الفنية، وأن تدعم كل ما يعيد إلى قوتها الناعمة تأثيرها خارج الحدود.
التعاون بين المملكة ومصر يمكن أن يحقق لكل منهما أهدافه، المهم أن يكون تعاوناً قائماً على الشفافية والوضوح وليس على الخداع.
هيئة الترفيه السعودية أثبتت خلال السنوات الأخيرة أنها صانعة المهرجانات الكبرى والأقدر على استقطاب النجوم من أي بقعة على الكوكب، وأنها الأمهر في استخدام الاضاءة والمؤثرات لتحقيق الابهار.
والفنانون المصريون يؤكدون دائماً أنهم الأقدر على صناعة أعمال جماهيرية تتغلغل في الوجدان العربي، يتعرضون لهزات أحياناً ولكنهم سرعان ما يتعافون ويعودون أكثر قوة وإبداعا.
والقاهرة أثبتت عبر التاريخ أنها حاضنة الفنانين والمبدعين وأن من يريد تحقيق الشهرة عربياً فلا بد أن يحط رحاله في القاهرة، وهو ما يحدث منذ انطلاق صناعة السينما والفن في مصر وحتى اليوم.
منذ جاءها من الرواد (روزاليوسف وجورج أبيض وآسيا داغر ونجيب الريحاني واستيفان روستي وأسمهان وأنور وجدي وصباح وفريد الأطرش) وغيرهم.
دعم (ليالي السعودية المصرية)
ولاتزال حتى اليوم جاذبة للكثير من فناني المشرق والمغرب العربي، فكل هؤلاء نسينا أنهم غير مصريين لأن الجمهور هنا يتعامل مع أي فنان اختار أن ينخرط في مصر ويتألق من خلال فنها، على أنه مصري أصيل.
اليوم، السعودية تجيد التنظيم والاستقطاب والتسويق، ومصر مليئة بالمواهب التي تحتاج إلى رعاية وتوجيه ودعم وتمويل، و(ليالي السعودية المصرية)، كنا نتمناها (مصرية سعودية) تقديراً لكونها صاحبة التاريخ والمجد في هذا المجال).
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: محاكمة (تركي آل شيخ)!
يمكنها أن تحقق للطرفين الكثير والكثير، بل ويمكنها أن تساهم في تحليق الفن العربي عالياً والوصول به إلى العالمية، وتساهم أيضاً في إيجاد قنوات لهذه الأمة قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي.
السعودية احتضنت خلال الأشهر الماضية فنانين من مختلف الدول العربية وكرمت رموزاً وأقامت حفلات ومنحت جوائز وأضاءت مسارح ورعت أفلام وأنتجت مسرحيات ونظمت مهرجانات ناجحة.
وكل ذلك من خلال هيئة الترفيه التي يرأسها المستشار (تركي آل شيخ)، الذي أصبح بمثابة (سيد الفن العربي)، وهو ما أكدته الليلة الأولى من (ليالي سعودية مصرية)، والتي أقيمت في دار الأوبرا المصرية الأحد الماضي.
شاهدنا حالة الترحيب والامتنان له من النجوم المصريين، كان يتحرك بينهم والكل ينتظر منه سلاماً أو نظرة رضا، وهذا حق له فهو الرجل الذي فكر في (ليالي السعودية المصرية).
ونفذ بسرعة غير مسبوقة، وهو صاحب الفضل في جمع هذه الكوكبة من الفنانين تحت سقف واحد، هو الذي يحرص الفنانون على تلبية دعوته ويعتذرون عن ارتباطاتهم حتى ينالون شرف اللقاء والسلام أملاً في ديمومة التعاون والتعامل.
كثير من المهرجانات والحفلات تنظمها مصر الرسمية وغير الرسمية على مدار العام، ولكن لم يستطع أي مهرجان مصري جمع هذا العدد من الفنانين تحت سقفه وفي ليلة واحدة بما في ذلك مهرجان القاهرة السينمائي بتاريخه الطويل وسمعته الدولية.
(ليالي السعودية المصرية) الأولى
ومهرجانات السينما والمسرح والدراما والأغنية الكثيرة التي نظمتها وتنظمها مصر، ودار الأوبرا المصرية التي استضافت (ليالي السعودية المصرية) الأولى، تنظم الكثير من الحفلات وتستضيف العديد من المناسبات ولكن لم يجتمع بين جدرانها من قبل هذا العدد من النجوم.
والفضل في ذلك يعود لتأثير (تركي آل شيخ)، وليس لأحد سواه، ورغم اختلافنا مع الرجل والتعبير عن ذلك في مقالات سابقة، إلا أننا لا ننكر إصرار (آل شيخ) على تنفيذ مشاريعه وتحويل الأحلام إلى حقائق ورإرادته ترك بصمة مؤثرة على الفنانين وعلى الفن.
لم نشاهد من قبل عمرو دياب سوى على المسرح، وفي (ليالي السعودية المصرية) الأولى شاهدناه لأول مرة جالساً في مقاعد المتفرجين، كما شاهدنا الكثير والكثير من نجوم الغناء والسينما والفن.
شاهدناهم يصفقون ويدندنون مع (محمد منير وشيرين عبدالوهاب وماجد المهندس) وينتشون مع موسيقى عمر خيرت ويستمتعون بأداء ريهام عبدالحكيم.
لم نشاهد نجوماً يقدمون نجوماً سوى في حفلات جوي أووردز السعودية، وحفلات ليالي الرياض، وحفل الليلة الأولى السعودية المصرية.
لم نشاهد الكنج محمد منير يغني وذراعه في الجبس متحدياً آلامه ومعتزاً بمجئيه من المستشفى إلى خشبة المسرح سوى في هذا الحفل.
مشاهد كثيرة شاهدناها لأول مرة في (ليالي السعودية المصرية) الناجحة فنياً، ينقص تنظيمها بعض اللمسات الإخراجية، ولعل السبب هو سرعة التنفيذ بعد اتخاذ القرار وقبل أن يغادر تركي آل الشيخ القاهرة.
كما كانت الليلة مليئة بالمفاجآت، أهمها تصالح متخاصمين وتجاور متنافسين واتفاق على مشاريع وعقد صفقات، الكل تجاوز عن الصغائر، في ليلة جاء إليها الجميع محملاً بأمل كبير في أن تساهم الشراكة الفنية المصرية السعودية في تحقيق الأحلام المؤجلة لتنقل الفن العربي إلى موقعه المستحق على الخريطة العالمية.
mahmoudhassouna2020@gmail.com