بقلم: مجدى صادق
يبدو أن آلة (تشيللو) أصبحت (ملهمة) الكثير من الأدباء والكتاب والمبدعين، بدءا من (غابريل آلون) حتى معالى المستشار (تركى آل شيخ).
وعلى الرغم من تباين واختلاف الأحداث إلا أنه تبقى الأوتار الأربعة لآلة (تشيللو) هى السحر الذى يمرق فى عروق المبدعين حين يحين وقتها للعزف!
لكن آلة (تشيللو) عند المستشار (تركى آل شيخ) أصبحت تمثل نوعا من الرعب الهيتشكوكى برموزه الغامضة وشبحه القابع بين (هوميروس وشكسبير وديستوفسكى) فى (الإخوة كرامازوف).
وهى تخفى فى داخلها سرا خطيرا بما تتسبب به من لعنات سواء لعازفها أو لمن حوله من الأحباء!!
شبح (تشيللو) الذى جسده (إبراهيم السمان)، وهو ممثل ومخرج مسرحى مصرى شارك كممثل فى مسلسل (أهل كايرو) وفيلم (اللعنة)، وأخرج مسرحيات منها (مسافر ليل) عن قصة لصلاح عبد الصبور.
فهو بعيد عن الصور النمطية للأشباح، لأنه يتجاوز التاريخ والمكان والزمان و يحضر ويمضى وفقا للحدث وفق جدليات من نوع الفانتازيا) الرمزية يحمل بعدا تراثيا فى البيئة العربية.
رواية (تشيللو).. وإبدع (تركي آل شيخ)
وتأتى رواية (تشيللو) أحد الإبدعات التى تحولت لفيلم سينمائئ هوليوودى بكل مقاييس السينما العالمية كأول فيلم سعودى ينطلق إلى العالمية، ليعرض أيضا فى سينمات العالم والمنصات السينمائية بعد أن ترجم الى 7 لغات عالمية.
ولأن فيلم (تشيللو) السينمائى من نوعية أفلام الرعب والغموض، لذا كان اختيار المخرج الأمريكى (دارين لين بوسمان – 11 يناير 1979) ابن كانساس، صاحب أفلام الرعب الشهيرة سلسلة أفلام (سو) ومسرحيات الرعب الموسيقية (ريبوا كرنفال الشيطان) لإخراج فيلم عازف (تشيللو) السعودى!
ومثلما قالت أحد أبطال الفيلم (إلهام علي)، وهى فنانة سعودية تجسد دور العشيقة (علياء) عبر حسابها على الإنستجرام: مستعدين لرعب يوتر الاعصاب، جاهزين لعمل مختلف بجميع المقاييس صنعناه بحب، فى حين وصف (بوسمان) تجربته فى (تشيللو) بـ (المذهلة)!
حتى كتابة الرواية لآل الشيخ جاءت كأنها كتابة سينمائية من خلال التقنيات السردية للأحداث على طريقة السيناريو وقطع المشاهد بشكل احترافى سينمائى، واستخدام (الفلاش باك) والحوارات المؤثرة والمفزعة فى آن.
وجاءت الرموز التى لجأ إليها وهى أحد وسائل السرد فى إضفاء المتعة والإثارة والتشويق حتى النهاية التراجيدية المؤلمة بانتحارعازف (تشيللو) ليوناردو بازينى، الذى عاش فى القرن الثامن عشر فى إيطاليا.
وهى الآلة التى أصبحت من (قدر) ناصر، الذي جسده الممثل السورى (سامر إسماعيل)، هذا الموهوب فى العزف على تلك الآله التى تحولت عذوبتها إلى عذابات كبرى!
(سامر إسماعيل).. بطل (تشيللو)
الممثل السورى (سامر إسماعيل)، بطل هذا العمل ممثل فوق العادة، صاحب شخصية (عمر بن الخطاب)، ودور (موسى) فى فيلم الخيال العلمى (المختارون).
لكن من مفاجآت هذا الفيلم وجود الممثل الهوليوودى (جيرمى جون إيرونز) الحائز على الاوسكار وجائزة (إيمى) مرتين و(الجولدن جلوب).
والذى قدم للسينما العالمية وهو إنجليزى الجنسية العديد من الأفلام، مثل (كازانوفا، والسحر 7) و(أنطونيو) فى (تاجر البندقية) و(سكار) فى (الأسد الملك)، و(إليزابيث)، وكلها علامات فى تاريخ السينما العالمية، ليؤدى فى عازف (تشيللو) دور (فرانشيسكو).
توليفة سينمائية معدة باقتدار جعل منها (منصة) لنجوم المملكة مثل (ميلا الزهراني/ سارة)، وهى ممثلة صاعدة وعارضة أزياء سعودية، و(إلهام علي/ علياء)، والشاب (مهند الحمدى/ عمر) صدبق (ناصر) بالفيلم.
وسط هذه الكوكبة السورية والكويتية (سعاد عبدالله/ هيا) ضيفة شرف، والإنجليزية والأمريكية للانطلاق والصعود إلى العالمية، بحثا عن مكانة مرموقة وسط إصرار المستشار (تركى آل شيخ) الوصول بصناعة السينما السعودية وهى القوة الناعمة إلى العالمية، وطرق أبواب هوليوود والتربع فيها!
الفيلم ليس فيلما سياسيا على غرار عازف (تشيللو) غابرييل آلون، إنما يحمل بعدا اجتماعيا ونفسيا وأيضا عقائديا، حيث الحبكة والصراع الدرامى للأحداث من خلال رموز توارى خلفها المخفى الميافيزيقى مثل كلمة (أوميتشيدا).
وهى كلمة مكتوبة بالايطالية نعنى قتل (!) لخلق أجواء من الرعب بتأطير اللقطة والغموض كخدع بصرية، أو مايسمى بـ (ماك جوفينز) على طريقة (ألفريد هتشكوك)، وكان (بوسمان) الامريكى ولد بشهور وأيام قبل وفاة (هيتشكوك) الساحر!
فالصراع يبدأ بامتلاك ناصر (تشيللو) أثريا تعود أصوله لعازف إيطالي (ملحوظة: مخترع التشيللو إيطالى يدعى أندريا أماتى) يتسبب فى انقلاب حياته رغم القهر الذى يعيشه والصراع الذى يتصاعد ويتأزم داخله وحياة من حوله!
فحلم (ناصر) الكبير فى أن يصبح عالميا، بعد أن ورث موهبة الموسيقى من والده، ليصبح مسؤولا عن أسرة بعد وفاة والده، مكونة من الام والأخت المكسورة (ليلى) التى ظلت بجانبه والوقوف على مسرح أمام الجمهور الأمريكى فى (أوركسترا نيويورك).
غسان مسعود و(تشيللو)
لكن هناك حلما آخر يسيطر عليه، وهى (علياء) العازفة عشيقته التى فارقها لقسوة حياته وظروفه الاجتماعية القاسية.
فمنذ أن ابتاع (ناصر) آلة (تشيللو) لاحظ الحروف الإيطالية المحفورة على جانب الآله، لكنه لم يعيريها أى اهتمام، فقط فى تلك الليلة التى أخذ يعزف فيها والدماء تقطر من يديه.
وحين انتهى من النهاية قبيل ذروة اللحن عندما انحتى الوتر أو يقطف، يهتز ويحرك الهواء حوله وينتج موجات لحنية عذبة، حتى وجد الحروف المحفورة على جانب الـ (تشيللو) وقد ارتوت بدمائه!
ياتى دور (صالح) أو الممثل السورى الهوليوودى (غسان مسعود)، صاحب الأدوار السينمائية الكبيرة مثل (صلاح الدين) فى فيلم (مملكة السماء).
وقد اختاره المخرج البريطانى (ريدلى سكوت) لدور جديد فى فيلمه (الخروج)، قصة النبى موسى، ودوره (الشيخ عبد الرحمن الكركوكى) فى فيلم (قراصنة الكاريبي) أمام نجوم عالميين، أمثال (أورلاندو بلو، وجونى كيث وجيفرى راش).
وهو من إنتاج (والت ديزني) للمخرج العالمى جود بادرسن، ويقدم (مسعود) فى الفيلم دور القرصان (أماند) أمير البحر الأسود!
(تشيللو) يمثل الحضارات القديمة منذ عبق التاريخ، حيث يظهر الآن فى أغاني البوب وموسيقى الروك، ربما (جوزيف بشارة) الملحن والممثل الأمريكى.
حيث كان أول عمل له كملحن فى فيلم (هدية يوسف) أو (جوزيفز جيفت)، وحصل على العديد من الجوائز العالمية.
وهو معروف بأنه مؤلف موسيقي أفلام الرعب والإثارة من قبل المخرجين (جون كاربنتر، وجوزيف زيتو)، والموسيقى لديه أشبه بالشعوذة أو مخلوق أسطورى خارق للطبيعة!
بينما كانت كاميرات (ماكسيم ألكسندر) واستخدامه لها حيث تتحرك لتحاكى شخصيات الفيلم وأحداثه الغامضة المثيرة.
حيث الإضاءة التى وظفت بطريقة احترافية مع الموسيقى التصويرية وتقنيات التشويق والإثارة والخدع البصرية، والحوار ذات البعد الفانتازى.
عليك مواصلة العزف
كل مرة تتوقف فيها عن العزف سأخذ منك واحدا
سلم نفسك لموسيقاك!
فيلم (تشيللو) تم تصويره فى المملكة بين (الرياض وضرما والعلا وبراغ عاصمة التشيك)، رغم أن الاعداد له استمر لمدة عامين فى سرية كاملة، بينما تم تصويره فى 8 أسابيع نجح (آل شيخ) أن يوظف أكثر من 200 سعودى فى كافة جوانب صناعة الفيلم.
(تشيللو) فيلم غير عادى، حيث يستعيد مجد أفلام الرعب الهتشكوكية، بل لاتقل جودته عن أكبر الأفلام فى هوليوود، مستعينا بأكبر شركة عالمية للجرافيكس.
يكتب المستشار (تركى آل شيخ) عبر سطور روايته التى ظهرت عام 2021، لايعرف (رومانو) كم دام هذا اللحن ليلتها، لكنه ذات فيه تمام فبدا له بلا بداية أو نهاية.
فقط حين ساد الصمت بعد أن انتهى، وجد (رومانو) أن دموعه تغرق وجهه، فلم يعرف أن كان لأنه سمع هذا اللحن أم لأنه انتهى!!
من هنا كانت نهاية الفيلم المثيرة للجدل، وعلامة استفهام كبيرة ترتسم أمام مشاهديه!