بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
أصبح قلم (أبو السعود الإبياري) ترمومترا لتغيرات المجتمع.. يصب هذه التغييرات في قوالبه الذهبية أفلاما، ومسرحيات، مونولوجات، وديالوجات.
كان لـ (أبو السعود الإبياري) تأييد مطلق لثورة 1952 ويعتبرها كغالبية المصريين هي تتر النهاية لمفاسد الملكية وفقر الشعب، بل وصدق كما صدق غالبية المصريين وعود الثورة من انتهاء الطبقية و ترسيخ الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأن الرأس سترفع لفوق (لأنك مصري)، كان من أهم أعمدة العهد الناصرى الجديد تحقيق الزعامة القومية من جهة، وظهور عدو جديد متربص على الحدود بعد حرب 1948.
وكان لابد لتحقيق الركيزتين من صورة إعلامية مضيئة لجيش قوى.. واجتذاب الشباب إلى حياة الجندية التي كان ينفر منها بعد أن صبغتها فترات أسرة محمد على بالعبودية والقهر.
لم يكن هناك طريقا إلى قلوب الشباب أكثر من الكوميديا التي تقرن صورة الجندية بالسعادة و الضحكات خاصة و أن ناقل الرسائل هو نجم يصدقه القلب قبل العقل مثل إسماعيل ياسين.
دارت كل هذه الأفكار في البوتقة (الإبيارية) المشتعلة دائما في انتظار ما يلقى إليها لصهره وتحويله الى سبائك فنية.
إقرأ أيضا : اضحك كركر.. مع (أبو السعود الإبياري) والسعادة (4)
تلاقى ذلك مع الرغبة بل و الطلب الصريح من عبد الناصر إلى (أبو السعود الإبياري) و(إسماعيل ياسين) بتقديم سلسلة من الأفلام التي لها أن تحقق هذه الأهداف.
فعبد الناصر الذى يحلم بالزعامة القومية وتقديم نفسه في صورة بطل العرب يدرك جيدا ما للسينما المصرية من سطوة داخل كل عقل و بيت عربى.
وكان لابد من صورة لجيش قادر على الزود عن بلده، وعن البلدان الأخرى ما استقل منها من استعمار وما هو مايزال يحاول من خلال شهيقه الثورى أن ينزع من قلبه هذه الشوكة الغائرة.
كان تأييد (إسماعيل ياسين) لثورة يوليو فوريا بمجرد قيامها، و قد تبرع بمبلغ 2000 جنيها لدعم المجهود الحربى حصل بعده على خطاب شكر من جمال عبد الناصر، أصبح ياسين ابن إسماعيل صديقا شخصيا لأولاد عبد الناصر يذهبان إليهم سويا في بيته.
(أبو السعود الإبياري) و(اللص الشريف)
كتب (أبو السعود الإبياري) لإسماعيل ياسين في فيلم اللص الشريف منولوج (20 مليون و زيادة) ابتهاجا بانتهاء عهد الملك وترحيبا بعهد الجمهورية الجديدة، وقد تم تصويره راقصا وسط جموع من الشعب في ملابس تدل على كافة طوائف الشعب من فلاحين و موظفين و هو يغنى بينهم:
عشرين مليون و زيادة كانوا عايشين هنا أموات.. علشان حضرات السادة البهوات والباشاوات..
كان الفلاح اجري يا مشكاح لأجل اللي قاعد مرتاح.. وأبو كرش كبير عامل بانكير في أوروبا فشر سواح..
وما بعد سعادته سعادة.. أصله وجيه و ابن ذوات.. ووراه حضرات السادة البهوات والباشاوات..
الغني من دول كان قد القول كذا ألف وكذا فدان.. كان هو السيد والباقي عبيد وكلامه مالوش قولان..
سجن وترابيس أحرار محابيس.. والعجل أبيس نازل تهليس..
يسرق ويقولوا آمين.. يكفر ويقولوا آمين..
ويقولوا ده شيخ سجادة وولي وصاحب كرامات..
خدعوه حضرات السادة البهوات والباشاوات..
كان عهد فساد أسود وسواد على شعب أصيل وكريم.. و المولى أراد كان بالمرصاد وسمع شكوى المظاليم..
كان فرجه قريب وسميع ومجيب.. الجيش ونجيب عملوا الترتيب..
وبفضل المولي عليه .. سعدنا تم علي ايديه..
والشعب بقت له إرادة هدت كل الشنبات.. وبقينا كلنا سادة ولا بهوات ولا باشاوات..
عشرين مليون و زيادة.
إقرأ أيضا : اضحك كركر.. مع (أبو السعود الإبياري).. الخلاف مع بديعة (3)
كتب (أبو السعود الإبياري) لإسماعيل سلسلة (إسماعيل ياسين في..)، ليبدأها بـ (إسماعيل ياسين في الجيش).. حيث يعمل (إسماعيل) مندوبا للتجنيد في الحارة يذهب لاستدعاء الشباب.
لكنه يفاجا باسمه في الاستدعاء ليتجه مع اثنين من شباب الجيران إلى الجندية.. في الجيش تظهر للمرة الأولى شخصية (الشاويش عطية) – أشهر شاويش في السينما العربية – الذى يشرف على تدريب إسماعيل وأصدقائه.
لكنه يكتشف فجأة أنه يشاركه حب فتاة واحدة.. يعمل كلا منهما على لفت نظر الفتاة إليه.
(إسماعيل ياسين في الجيش)
يبدا (الشاويش عطية) في استخدام سلطاته الميرى للضغط على (إسماعيل) وإيقاعه في الأخطاء لينال عقوبات وجزاءات متوالية، بل وأمام الفتاة وضيوفها يهزأ به الشاويش عطية بإلقائه أوامر عسكرية إليه – معتدا المارش.
ولا يملك (إسماعيل) الملتزم طيب القلب إلا تنفيذ هذه الأوامر يسير (معتدا المارش) بين ضحكات وسخرية الضيوف و الشاويش.
لكن إسماعيل وأصدقائه يبداون في التصدي للشاويش عطية وإفشال خططه وكشف ألاعيبه أمام قياداته لتتم محاكمته وإنزال الرتبة عنه بتهمة استخدامها في أمور شخصية.. ترسيخا لمبدا العدالة.. ومحو صورة السلطة الغاشمة.
كان العرض الأول لفيلم (إسماعيل ياسين في الجيش) من تأليف (أبو السعود الإبياري) في سينما ديانا.. حضر العرض جمال عبد الناصر وسط ترحيب شعبى و مظاهرة حب جارفة.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: إضحك كركر مع (أبو السعود الإبياري).. (الست بديعة).. (2)
كانت فرقة موسيقى الجيش قد اصطفت بآلاتها وحماسها أمام السينما لتحية الرئيس.. في نهاية الفيلم علق عبد الناصر: إنه فيلم يشرف السينما المصرية.
من افيهات الفيلم التي تومض الآن في الذاكرة مشهد (إسماعيل) وسط الجنود في ميس الطعام منهمكا في تلذذ بالأكل – لإضفاء صورة لذة الطعام في الجيش – بينما (الشاويش عطية) ينادى ( ثاااابت)، فيكف كل الجنود عن الطعام عدا (إسماعيل ليوبخه الشاويش – لما أقول ثابت تبطل أكل يا عسكرى وتسمعنى.
إسماعيل مستمرا في الأكل في تلذذ – والنبى لو عبد الوهاب نفسه جانى دلوقت وقال لى سيب الكل دا واسمعنى مش سايبه برضه.
تم استغلال شخصية (الشاويش عطية) التي رسمها (أبو السعود الإبياري) في سلسلة الأفلام التالية، سواء مالم يكتبها (أبو السعود الإبياري) مثل (إسماعيل ياسين في الأسطول) لسيد بدير أو (إسماعيل ياسين في البوليس الحربى).
وقد عاود (أبو السعود الإبياري) استخدام الشخصية مرة أخرى عند كتابته لفيلم (إسماعيل ياسين في الطيران) الذى تدور أحداثه عن (إسماعيل الغندور) المنوليجست وتوأمه (حسين الغندور) مهندس بسلاح الطيران.
يبدأ (حسين) إجازة زواجه ليسافر إلى الإسكندرية، وقبل سفرة يزور (الشاويش عطية) في بيته ليجده حبيسا بغرفته ولا تمنحه زوجته الفرصة للخروج لشكها في زواجه من أخرى.
يطلب الشاويش من (حسين) أن ينام تحت الأغطية مكانه حتى يعود بعد ساعتين لكن زوجته تكتشف الملعوب ويعترف لها (حسين) بطلب (الشاويش عطية) الذى تظهر عليه علامات الشجار في اليوم التالى وهو ذاهب إلى الوحدة العسكرية متوعدا في غضب بالانتقام من (حسين).
فى نفس الوقت نتابع (إسماعيل) وهو يحاول التقدم لسهير التي تصارحه بأن فارس أحلامها طيار يرتدى بدلة الطيران.
يتذكر إسماعيل بدلة (حسين) التي تركها في البيت قبل ذهابه لأجازته فيرتديها، ويتم استدعاؤه هناك بتحريض من (الشاويش عطية) ليقطع عليه أجازته تكديرا له لفعلته معه لينال إسماعيل ما كان مقدرا لحسين.
ولا ننسى مشهد إسماعيل وهو جالس يدور على مروحة الهليكوبتر بينما قلب الشاويش الطيب ينفطر عليه و ينفجر باكيا.
(إسماعيل ياسين في جنينة الحيوان)
كما لاننسى مشهد خطيبته وأهلها وهم يتابعون استعراض إسماعيل بطائرته، وكوميديا الرعب التي صاحبت هذه الرحلة وأطاحت بقلب الشاويش عطيه الى وديان الموت.
واستمرارا لظاهرة اسم (إسماعيل ياسين) يكتب له (أبو السعود الإبياري) عام 1957 فيلم (إسماعيل ياسين في جنينة الحيوان) حيث (عصفور) العامل في الحديقة يقع في حب دلال التي تحب عادل في نفس الوقت التي تقع جارته وهيبة في حبه.
تحاول دلال استغلال طيبة عصفور (نلاحظ الاسم وارتباطه بحديقة الحيوان ومدلولاته في صفات الشخصية).. تطلب دلال من (عصفور) أن يقتل خطيبها (حشمت) وفي نيتها ذلك لتفرغ لحبيبها (عادل).
لكن (عصفور) يعتقد أن ذلك لحبها له.. في لحظة ضعف يدس (عصفور) لحشمت ثعبانا من الحديقة في فراشه، وبالفعل يذاع في اليوم التالى خبر مقتل (حشمت) فيؤنب (عصفور) ضميره.
ويدخل الى قفص الأسد طالبا منه أن يلتهمه، لكن الأسد يشيح بوجهه عنه في اللحظة التي يسارع الجيران إليه بخبر أن موت (حشمت) كان لزمة قلبية قبل وصل الثعبان إليه.
كذلك كتب له (أبو السعود الإبياري) فيلم (إسماعيل ياسين طرزان)، حيث يموت الأب (على الأسد) تاركا ثروة ضخمة ثلثها لعائلته وثلثيها لابنه التائه في غابات السودان منذ25 عاما (نمر).
وشرط حصول العائلة على نصيبها حصول (نمر) على ميراثه أولا ليضمن بحثهم عنه، بالفعل، وبعد مغامرات تصل العائلة إلى (نمر) الذى تحول الى طرزان ترافقه الفتاة (شيتا).
و يحضرونه إلى القاهرة ليوقع على حصوله على الميراث لكنهم يفاجئون بعدم قدرته على الكتابة، ويفشل الجميع في تعليمه عدا الفتاة صافى/ فيروز (بعد أن كبرت) التي تعمله الكتابة، وقد كتب لهما (أبو السعود الإبياري) ديالوج (ألف باء).
ويقع (إسماعيل) في براثن مكائد العائلة لاقتناص نصيبه من الثروة، لكن صافى تساعده في إحباط خططهم ويقتلون (شيتا) وسط الأحداث ليأخذ (نمر) صافى ويعود بها إلى الغابة بعيدا عن وحشية البشر!
رغم علاقة الحب المتبادلة بين (عبد الناصر) و(إسماعيل) الذى بادله حبا بفن داعم لسياساته وأحلامه بالزعامة من خلال كل القوى بما فيها القوى الناعمة.
غير أن (عبد الناصر) في آواخر الستينات أوعز بطلب إلى (إسماعيل ياسين) ان يرافق المشير اليمنى (عبد الله السلال) في رحلة علاجه الى مصر، وقد رقد خلالها في (مستشفى المواساة) بالإسكندرية.
وقد ألقى (إسماعيل) على (السلال) نكتة وصلت ألى الجهات المعنية، كان مغزاها تمنى الشعب لموت (عبد الناصر) مما أغضب (عبد الناصر) لتستمد مراكز قوتها من غضبه طاقتها وتبدأ في مهمتها متعددة الاتجاهات.
من ناحية وجد (إسماعيل) أن كل سيناريو يصل إليه وبمجرد موافقته عليه يختفى المنتج بالسيناريو دون عذر أو إبداء سبب.
من ناحية أخرى فوجئ (إسماعيل بالضرائب تطرق بابه مطالبة بمتأخرات هائلة، ليفاجا بعد أيام بأن كل رصيده البنكى الذى يبلغ 300 ألف جنيه قد تم سحبه مع الإبقاء على جنيهين فقط بعد أن حجزت الضرائب على أمواله.
وامتد التنكيل إلى وقف الدعم عن فرقته المسرحية المشتركة مع (أبو السعود الإبياري)، بل ومحوها بكاملها من سجلات التليفزيون، و لهذه الفرقة المسرحية قصة أخرى.