هيفاء وهبي.. قمر لبنان الذي يضيء عتمة ليل العرب !
بقلم: محمد حبوشة
(نصف جمالها من أرز لبنان والنصف الآخر من طمي النيل)، إنها (هيفاء وهبي) هكذا وصفها الزميل (أحمد السماحي) – قبل 24 عاما – في مجلة (الأهرام العربي) في بورتورية تحت عنوان (هيفاء وهبي.. انشطار نووي في الأنوثة العربية).
إنها غنوجة المسرح بلبنان (هيفاء وهبي)، فخلال السنوات الماضية التي اشتهرت بها لم أرها ترتكب إثما على الشاشات في أغانيها أو أفلامها أو مسلسلاتها، على الرغم مما يثار حولها من جدل دائم.
وهذا ليس جديدا فلقد صورت الأساطير المرأة بصورة متكرره على أنها كائن يسبب الدمار والخراب ويعيث فسادا أينما حل ووجد!، ومن ثم نالت (هيفاء وهبي) نصيبا من هذا التصور باعتبارها أكبر محرض على الإثارة في تاريخ العرب. كما براها كثيرون!
كما أن تلك الأساطير أبدعت في خلق كائنات غريبة ومخيفة تشبة النساء مثل (هيفاء وهبي) وأطلقو عليها تسميات مختلفة لكن هذا لا يمنع من وجود بعض الأساطير المنصفة للأنوثة، والتي صورت المرأة بصورة آلهة كما في أسطورة (عشتار) إلهة الخصب والجمال.
ولعل أسطورة (النداهة) أو (ليليث) المصرية من الأساطير الريفية المصرية التي شبهها البعض بـ (هيفاء وهبي)، حيث يزعم الفلاحون أنها امرأة جميلة جدا، وغريبة تظهر في الليالي الظلماء في الحقول لتنادي باسم شخص معين.
فيقوم هذا الشخص مسحورا ويتبع النداء إلى أن يصل إليها ثم يجدونه ميتا في اليوم التالي، هم في هذه الأسطورة يصورون جمال المرأة لعنة وكل من يركض خلف هذا الجمال ستحل بة الكوارث المميتة.
ثم حواء في العهد القديم والجديد مرافق لمعنى الخطيئة التي ألصقت بالمرأة، وبالرغم من أن القرآن برء حواء من فكرةِ الخطيئة وأشرك آدم في الغواية إلا أن الأدبيات العربية والإسلامية لا زالت مليئة بأفكار التوراة و الإنجيل حول الغواية (الخطيئة).
وفي أحد تفاسير (القرطبي)، أن (حواء) عبت كأسا من خمر الجنة لآدم، ومن ثم قامت بحركات إغراء – هى أقرب إلى المخيال الشعبي منها إلى الهالة الأسطورية التي تحيط بـ الفنانة – نصف المصرية ونصف اللبنانية – (هيفاء وهبي).
شجرة غواية (هيفاء وهبي)
ثم ما فتأت تعض على لحاء شجرة الغواية (المعرفة) حتى سال الدم من الشجرة و سيصبح هذا الدم فيما بعد رمزا للطمث الذي يذكر المرأة بخطيئتها الأبدية ويحملها تبعات جسدها – العورة .. الحرام.. المثير.. ناقصة عقل.. إلخ، حتى يومنا الحاضر.
يبدو بأن جهل الرجل بطبيعة ونفسية المرأة جعل من المرأة تتأرجح بين كفتين للتفسير المثولوجي، كفة الخير وكفة الشر، لكن كفة الشر كانت هى الغالبة كما يبدو لي من ملاحقة أعمال (هيفاء وهبي) ووصمها بإثارة الغريزة.
إن المجتمعات الذكورية هى التي كانت تصنف المرأة في خانة الشر المطلق على عكس المجتمعات الأنثوية (التي حكمت بواسطة نساء)، كانت تمثل المرأة كرمز وإلهة للخير والعطاء والخصب والجمال.
ومثال ذلك (عشتار وسميرميس) عند حضارة الرافديين وكذلك كرمت الحضارة الفرعونية المرأة وكانت المراة تشارك الرجل في كل نواحي حياتة، ونجد (أثينا) إلهة الحكمة والحرب، و(أفروديت إلهه الجمال عند الأغريق.
ظني أن أساس الأساطير التي تصور المرأة يعتمد أساسا على مدى ثقافة ووعي وتقاليد وأعراف هذه المجتمعات، لكن بصورة عامة نجد المجتمعات الذكورية تصنف المرأة دائما في خانة الشر على عكس المجتمعات المنفتحة والواعية والتي كانت تحكم من قبل نساء.
حظيت المرأة مثل (هيفاء وهبي) على مر العصور بمكانة مميزة في الفكر الإنساني القديم، واكتسبت صورتها عند الأمم المختلفة طابعا رمزيا يحمل جانبا من القداسة؛ إذ بدت حاضرة بشكل لافت في الكتب السماوية وأساطير العالم القديم.
(هيفاء وهبي).. و(عشتار)
ومن هنا فقد استلهمتها الحكايات وجعلت منها موضوعا شائقا يمتع القارئ، ويجعله يتفاعل مع بنيتها، ولا عجب في ذلك فالمرأة تجسيد لـ (عشتار) إلهة الحب والجنس ومتع الحياة، والتي تقترب (هيفاء وهبي) في كثير من صفاتها كأنثى جميلة تقدم فنا استعراضيا يصب في خانة المتعة.
ومن هذا المنطلق أخذت الليالي تغوص في بحر أسطورة المرأة، فشهرزاد المرأة الذكية التي مثلت إلهة المعرفة والحكمة، ظلت تقص قصصها حتى تشغل شهريار عن فعل القتل الرهيب، تماما كما تقدم (هيفاء وهبي) من استعرضات فنية.
ولعل أسلوب (شهرزاد) الذي زخر باستدعاء أساطير العالم القديم ولغتها الجذابة هو ما أبقاها على قيد الحياة، فهي بطلة بدفاعها عن الوجود الأنثوي، وبالتالي استمرار الحياة، وبامتلاكها قلب الملك وعقله وفكره الذي أضحى أسيرها.
كمت هو في حالة (هيفاء وهبي) التي اعتادت كفنانة استعراضية أن تؤدي اللوحات الفنية الموسيقية والراقصة، لكن لابد أن نلاحظ أنها تؤدي الأدوار شأنها شأن أية ممثلة عربية أو غربية.
تمكن أسطورة (هيفاء وهبي) أنا امرأة خلقت من غرور وطاقة حب ولادة، إنها امرأة تؤمن أنها لم تخلق لنفسها بل للعطاء والحب، ربما تبدو امرأة مغرورة بما تنثر من طيب على الناس بقلبها الطاهر المقدس.
نعم (هيفاء وهبي) امرأة تثير فيك الأسئلة رغم أنها أحيانا لا تملك أجوبة على هواك، ولكنها امرأة اختارت أن تكون مختلفة كي لا تضيع وسط تشابه النسخ، إمرأة لا يوجد للحقد مكان في قاموسها لأن أذيتها رحلت بلا رجعة.
وفي دستور كبرياءها وكرامتها أن أكبر وأقسى رد، هو خروجها من حياتك وتركك تصارع أنت وكبرياءك للأبد، امرأة إن أحرقتها جمعت شتات نفسها وعادت أقوى، وإن أغرقتها لرأيتها بحرا والبحر لا يغرق.
(هيفاء وهبي).. بذرة زهر
وحتى إن دفنتها أثبتت لك أنها بذرة زهر وعادت من جديد، امرأة أخذت من الخنساء فصاحتها ولباقتها وصبرها على البلاء، ومن (بلقيس) نزار رقتها وصدق عشقها، ومن (زنوبيا) قوتها وشجاعتها، ومن كليوباترا جاذبيتها وخيلائها.
أخذت (هيفاء وهبي) من الشمس دفئها وعطاءها، ومن القمر بياضه الناصع، امرأة ان كنت عليها متنمرا كانت في الثقة (نمرا وان) زدت عليها حقدا كانت في الهيبة اسدا.
(هيفاء وهبي) امرأة صعبة الافلات والاتلاف والالتفات، إنها سليلة الورد، فإذا قابلتها مرة ستظل عالقة في ذاكرتك مدى الحياة، إن أردتها طفلة كانت، فهي ترقص فرحا لقطعة شوكولاتة لذيذة.
وإن أردت (هيفاء وهبي) شابة صارخة الأنوثة أغرقتك عشقا وحبا وشعرا، وان اردتها حكيمة فقد وصلت لمبتغاك فهي كالجدات القديمات بالحكمة والشرف واحترام العادات والتقاليد.
إن لم تفهم شفراتها ستظل لاجئا عند حدود مملكتها، فكم كان عظيمت (جلال الدين الرومي)، عندما قال (هروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر، تألم حتى تشفى)، فهذه هى الوصفة التي أخذتها (هيفاء وهبي) كلما جرحت وصرت انزف قهرا فدموعي مرهم جراحي، فهنيئا لمن وهبهم الله تلك الهالة الوردية في حياتهم التي اسمها الملكة.
الكلام السابق في مناسبة تصدر (هيفاء وهبي) تريند تطبيق الفيديوهات الشهير يوتيوب بأحدث أغنياتها (وصلتلها) التي طرحتها قبل نحو أسبوعين عبر قناتها الرسمية وجميع المنصات الغنائية.
(هيفاء وهبي) تتصدر الترند
أغنية (هيفاء وهبي) قاربت الأغنية الـ 15 مليون مشاهدة حتى الآن، وهى من كلمات محمود عبدالله، وألحان الراحل محمد النادي، وتوزيع نور مكس ماستر سليمان دميانه.
وتقول كلماتها: وصلتها خلاص وضمنتها في صفك
فروحت راكنها في رفك تجيلك هي وانت اللي بقيت بتروح
بتعملها عشان هى عليك باقيه فاكرها ضعيفة ومش لاقية
نسيت انك وصلتها بطلوع الروح
فخد بالك دي قادرة تغيب وزي ما ماسكه فيك هتسيب
تبعد عادي وبتعاندك وميكونلكش فيها نصيب
لو المعلومة دي نقصاك أهي خلاص بقت عندك.
والسؤال الذي يلح على الآن: هل نحن أمة تكره الجمال؟، السبب الجوهري الذي يكمن خلف هذا السؤال هو حالة الكراهية والرفض التي تفشت في أوساط الناس لتلك القصيدة التي خطها الخالق بأنامله ساكبا فيها من السحر والإعجاز والجمال البديع هى (هيفاء وهبي ).
في سماء أمريكا بزغت (مارلين مونرو) جميلة الجميلات، جعل منها الأمريكيون أسطورة سحر جمالها العالم فخلدت في الذاكرة كأيقونة ورمز لايفنى مع الوقت.
ولو قيض لـ (هيفاء وهبي) أن تولد في مدينة كنيويورك أو ميامي وليس في بيروت، لهرعت إليها هوليود بكامراتها ومنتجيها وكل صناع الفن السابع راكعين على أقدامهم كي يستثمروا منجم الجمال والعذوبة الذي تمثله (هيفاء وهبي).
قرأت في خبر مؤخر عن قيام مجموعة من كارهي (هيفاء وهبي) بحملة تشهير ضدها، عجيب من الذي يكره القمر؟، (هيفاء وهبي) هى قمر لبنان الذي يضيء عتمة ليل العرب.
والتي أرى في جمالها شاعرية وفتنة هى سر الغواية الذي وضعه الله في الأنثى، هو ضعفها الجميل وسطوتها التي تفتن الخيال.
(هيفاء وهبي) نتاج فن تمازج التراب بماء القمر مع قطرات من ذهب الشمس، أغلب الظن بأن قطرة سالت من أصابع ملاك سماوي على الأرض فتشكل من شعاعها جسد امرأة اسمها (هيفاء وهبي).
الصباح يولد من عينيها
هيفاء وهبي).. الجمال في جنونه
ملامح وجهها توحي بطفولة ناضجة، بقمر شهواني وجمال نائم في غابة، جمالها كلما إلتهمته العيون يزداد جمالا، وهو يؤذي أحينا لفرط سطوعه، الجمال يفيض منها، يتدفق كما تتدفق الينابيع في قرى الخيال.
ليست الكتب من يروي ويخلد حاضرنا، هو الجمال (الهيفاوي) من يدون للآتين أساطير حياتنا، لو أرخت أزرار قميصها وشع القمران على صدرها وسال عريها على الأرض لنبتت الأقمار فيها.
في كل قطرة من عريها يتفتح نبع، ضحكتها ضحك الشلالات في الصيف وقامتها تقاس بقامة الضوء، حين تتفتح شفتاها يتفتح حقل من الزهور، وحين تزمهما تلتم وردة على أسرارها.
كلما أرنو للصباح أخال الصباح يولد من عينيها، والوقت واقف كالعبد بين يديها حتى تأخذ زينتها، لاحاجة لـ (هيفاء وهبي للتبرج، هل تتبرج الشمس؟ هى فقط تغسل وجهها بندى الصباح، حينها يبتكر الندى بياضه منها سارقا لمعة ألماس من خدها.
هى طفولة الورد، وهى أجمل ما أبدع الله من آيات جمال أرسلها كي يغوي الأرض فتغار منها لتنبت زهورا وبحيرات وغابات وتلال زنبق، هى الشفافية مختبئة في جسد.
ليست (هيفاء وهبي) بالجميلة، بل هي الجمال في لحظة الخلق الأولى، الجمال في جنونه وتحولاته وبراكينه ووداعته الآسرة، جمالها يثير رعشة في الجسد والروح.
ما حاجة (هيفاء وهبي) للغناء والتمثيل والظهور إلا كحاجة الشمس في الشروق كل صباح، مالها والغناء والعصافير في شعرها تنام؟.
ترقص (هيفاء وهبي) فيتحرك الحجر من مكانه، وتدوخ الجبال، وترقص على رقصتها الكواكب والأكوان، قالوا للجمال اسم سري وسحري حروفه الهاء والياء وألف تحتها همزة.
ليس النساء وحدهن من يشعرن بالغيرة من جمالها، الأشجار وأناث البجع وطائر البطريق وعرائس البحر التي صنعت أسطورتها على مشارف سن الأربعين لتصير أيقونة عربية ستظل تذكرها الأجيال.