بقلم: محمد حبوشة
حسنا فعلت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) برئاسة (عمرو الفقي)، عندما كلف الزميلة (علا الشافعي) مسئولة المحتوى الدرامي، في التفاوض مع أديب الدراما المصرية (محمد جلال عبد القوي) لعودته إلى حضن الدراما المصرية.
ربما كان البوست الذي كتبه (محمد جلال عبد القوي) قبل أسبوع – تقريبا – بمثابة صفعة قوية حركت المياه الراكدة، لصاحب (الغربة، المال والبنون، حضرة المتهم أبي، الرجل والحصان، نصف ربيع الآخر) وغيرها من روائع الدراما المصرية.
وللتذكير: كان (محمد جلال عبد القوي) كتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، في يوليو 2022، أطلق من خلاله نداء أظنه بمثابة صرخة مدوية تضع متخذي قرار صناعة الدراما المصرية في خانة المسئولية وتوخذ ضمائرهم الحية.
وذلك باعتبارهم الأولى برعاية جيل الشباب الحالي الذي يفتقد البوصلة، من خلال إنتاج درامي هادف يضرب المثل والقدوة ويظهر البطولة المصرية لسلفنا من الأباء والأجداد العظماء.
وفي الحقيقة، هذا ما ينبغي أن تكون عليه الدراما المصرية الحالية في ظل تحديات عصر جديد يضعنا على المحك، حيث يقول:
أعتقد أن الأمر بالدرجه الأولي يهم (الشركه المتحدة للخدمات الإعلامية) بالتحديد القائمين على أمر الدراما، ولا شك أنهم أحرص ما يكون على العودة بالدراما إلى مسارها الصحيح.
عود الريادة مع (محمد جلال عبد القوي)
قال (محمد جلال عبد القوي) وقتها: لاحظ الجميع هذا فيما عرض أخيرا أو معظمه، وحرصا مني كأحد صناع الدراما على عودتها لسابق عهدها ريادة، أعرض على أولي الأمر اقتراحا بعمل مسلسلين يتناولان شخصيتين مصريتين حتى النخاع جديرتان بالاحتفاء بهما وتقديمهما مثلين يحتذيا لشبابنا وشاباتنا، وما أحوجهما الآن للقدوة والمثل.
أعرف جيدا أن (محمد جلال عبد القوي) مازال في جعبة الكثير من الأعمال التي قدمها للشركة المتحدة منذ سنتين تقريبا، منها (زين الحسني)، حكاية البطل (سيد زكريا خليل)، و(علي إبراهيم – أبو الطب في مصر)، وهى الأعمال التي تعاقد عليها مع (المتحدة).
بعد هذا النداء الذي نكأ جرحا غائرا في جسد الدراما المصرية فتح لنا أسئلة مشروعة ومنها: لماذا لايدير صناع الدراما المصرية وعلى رأسهم (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) ظهورهم لكل هذا الغث الذي يقدمونه جنبا إلى جنب مع أعمال وطنية أظنها لفتت أنظار الشباب خلال المواسم الرمضانية الخمسة الماضية.
لقد سئمنا أعمال البلطجة (زلزال، نسر الصعيد، موسى، المشوار) وغيرها من أعمال اجتماعية تخاصم القيم والعادات والتقاليد وتجنح نحو السلبية والتشتت والضياع، وأعمال أكشن تقدم الهزل في أبشع صوره (نسل الأغراب).
وخيال علمي ساذج إلى حد الضحك علينا من جانب المنصات العالمية التي تخرج لسانها لنا كل يوم بجديدها البراق، فضلا عن كوميديا بلهاء تجنح في غالبيها نحو النطاعة والاستخفاف بعقولنا، ونحن الذين علمنا الشرق كله صناعة الدراما الهادفة.
إقرأ أيضا : نداء الكاتب المبدع (محمد جلال عبد القوي) إلى من يهمه الأمر !
لقد كان نداء الكاتب المبدع (محمد جلال عبد القوي) بمثابة صرخة عالية نحو الاتجاه نحو المسار الصحيح للدراما المصرية التي ينبغي أن تصحوا من غفوتها الحالية وتنتبه إلى أن الدراما أصبحت الآن تكتب التاريخ.
ويبدو أن (عمرو الفقي) والزميلة (علا الشافعي)، أدركا مؤخرا أننا نعيش صحوة معرفية وتنموية جديدة مع انطلاق (الجمهورية الجديدة) ينبغي أن تعتدل الدفة إلى نوعيات من الدراما تعتمد على سير الأبطال والعظماء.
أمثال (زين الحسني، سيد زكريا خليل، والدكتور علي إبراهيم)، وأضيف عليهم بطولات (رأس العش، إيلات، ملحمة البرث التي تحتوى بطولات لشهداء آخرين من رفاق أحمد منسي، جبل الحلال وملابسات القضاء على الإرهاب الأعمى، عملية الكربون الأسود).
وغير ذلك من بطولات سطرت على أرض سيناء تسجل في مجلدات تتوق لخروجها للنور في صورة أعمال تعيد الثقة لشبابنا الذي تفاعل مع (الاختيار) بصورة غير متوقعة.
مبادرة التواصل مع (محمد جلال عبد القوي)
ناهيك عن السجل الفرعوني الذي يسرد لنا بطولات نادرة لملوك ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر (مينا، أحمس، تحتمس، امنحتب، رمسيس الثاني)، وغيرهم، وملكات عظيمات مثل (نفرتيتي، حتسبشوت، إياحة حتب).
وغيرهن من ملكات سطرن أعظم البطولات المسجلة على جدران معابدنا الفرعونية، وفي عصرنا الحديث هناك شخصيات تستحق أن يتخد منها شبابنا المثل والقدوة في الاجتهاد والعصامية، مثل (سيد درويش، محمد عبد الوهاب، محمد علي، سعد زغلول، محمد فريد، طلعت حرب، سميرة موسى، شجرة الدر، محمد صلاح).
وغيرهم من رجال أعمال وطنيين، فضلا عن كم هائل الأدباء والمفكرين الذي أضاءوا مشاعل الثقافة المصرية بإبداعهم الحي.
ظني أن مبادرة التواصل مع أحد أهم صناع الدراما المصرية (محمد جلال عبد القوي) ينبغي أن تؤخذ في عين الاعتبار وعلى محمل الجد، فما أحوج شبابنا إلى القدوة والمثل في هذا الظرف التاريخي المهم الذي نعيشه حاليا في ظل إنجازات غير مسبوقة في التاريخ الحديث والمعاصر.
فليس أقل أن نربط الماضي بالحاضر في ثوب مختلف تماشيا مع فكر الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحرص على ذلك حرصا كبيرا في سبيل إثبات أن أحفاد الفراعنة يسيرون على هدى أجدادهم في البناء والتشيد وتحسين أحوال المعيشة، وكل ذلك بلاشك يجسد ملامح (الجمهورية الجديدة) التي نتطلع إليها.
(عبد القوي).. علامة فارقة
أرحب مجددا بعودة (محمد جلال عبد القوي) فهو ليس فقط صانع وجدان أجيال كثيرة بأعماله الدرامية فائقة الجودة، إنما هو أحد صناع المتعة التي قلما أن يجتمع لكاتب درامي أن يصنع وعيا ومتعة في نفس الوقت.
لذا فمسلسلاته التليفزيونية تعد نقاط فارقة في الدراما العربية، والشخصيات التي نحت ملامحها وصفاتها وأخلاقها على ورق تحولت بسحر قلمه عبر الشاشة الفضية إلى أيقونات راسخة في عقول المشاهد المصري والعربي.
ليس لصدقه الفني فحسب، بل لأنه أمين على القيم الدينية والأخلاقية، فهو يستشعر إيقاع المجتمع ويستطيع تصويره دون وعظ مباشر، وإنما عبر أداء درامي أقل ما يقال فيه أنه استشعر نبضات هذه الأمة من بداية تاريخها إلى وقتنا الحاضر.
إنه (محمد جلال عبد القوي) صاحب الأعمال التليفزيونية التي تعد أكبر شاهد على الأمانة العلمية والتاريخية والاجتماعية في العصر الحديث، فقد حفز الناس من خلال تلك المسلسلات على النقاش الساخن والمؤثر والانحياز الكامل لكل القيم الأخلاقية في المجتمع.
فـ (محمد جلال عبد القوي) الذي حارب تبدلها حينما أراد البعض ممن انحرفوا أن يبدلوها، وانحاز أيضا إلى العادات والتقاليد وإلى الأسرة المستقرة، حتى حينما كان يبدو له أو يلوح في الأفق تنافس هذا الاستقرار العائلي مع الحب.
كان ينحاز على الفور للحب حتى تستقر العائلة، لأن الحب من وجهة نظره هو السبيل إلى الأسرة المرتبطة، ولقد كان له السبق بأفكاره فهو الذي دق إنذارا كبير من سفر المصريين إلى الخارج دون أي ضوابط.
مشيرا إلى أن هذا السفر ربما يتوقعون أن يحمل إليهم السعادة، لكنه كان يحمل في طياته كثير من المشكلات الطارئة على البيئة الاجتماعية المصرية الطاردة لأفكار التطرف والانتهازية.
حين تقترب من (محمد جلال عبد القوي) أو تحدثه حتى تليفونيا في محاولة للدردشة حول شأن من الشئون أو تأخذ رأيه في قضية ما سرعان ما تلمس اعتزازًا كبيرا بالنفس، وأنفة يصحابها نوع من التعالي، فضلا عن كبرياء لاحدود له.
ربما يفسره البعض بأنه غرور أو نوع من الاختيال بالنفس والتعجرف في تعامله مع الناس، لكنه في الحقيقة عندما تقترب منه تجده كبرياء الكاتب المعجون بالموهبة.
إقرأ أيضا : (المتحدة) تستجيب لنداء الكاتب المبدع (محمد جلال عبد القوى)
ويبدو ذلك طبيعيا جدا فاعتداده بنفسه والحفاظ على كرامته جزء لا يتجزأ من شخصية صاحب مبادئ لا يتنازل عنها مهما تغير الزمن ومهما تبدلت الظروف من حوله.
وحتى مهما حاول البعض عرقلة مشاريعه الدرامية التي تنبض حبا وحيوية لتراب هذا الوطن الذي يعشقه منذ نعومة أظفاره وحتى اليوم ويرى أن مصر وطن كبير وأم حنون لكل الأقطار العربية شاء من شاء وأبى من أبى.
كان الصدق هو حصان طراودة الذي أوصل أعمال (عبد القوي) الذي أثرى الشاشة المصرية والعربية بمسلسلات تعد علامات بارزة وفارقة، وقدم (محمد جلال عبد القوي) قدم تجربة دينية تحسب له في سجل الدراما التاريخية والدينية من خلال مسلسل (موسى بن نصير).
صاحب (المال والبنون)
ولعل مسلسل (المال والبنون) بجزأيه، قد حظي هذا بجماهيرية كبيرة لعزفه على أوتار الحب والصراع بين أبناء العائلات في الحارة الشعبية، وقد أثبت من خلال الحلقات المشغولة بضمير حي أن الحب هو المفتاح الأول والآخير لتماسك العائلة.
وذلك وقت أن كان المجتمع المصري يعلى من شأن الحب على عكس ما يحدث الآن من أسباب كثيرة تدعو للفرقة والتشرزم.
في كل تلك الأعمال لـ (محمد جلال عبد القوي) تجده يضع قيم الشرف والنبل والمثل العليا في كفة، والمال والجاه والسلطان في الكفة الأخرى، ثم يضع عاطفة الحب في المنتصف، وقضايا الوطن وأحداثه الكبرى في الخلفية ثم يدير الصراع.
ولأنه كاتبا روائيا وشاعرا كبيرا ضل طريقه إلى عالم الأدب، فقد تفجرت ينابيع إبداعه في نهر فن شعبي جديد هو فن (الدراما التليفزيونية)، وأصبح من رواده الكبار، ببساطة لأنه يكتب الحوار بروح شعرية شفيفة عذبة، تفيض بروح صافية صوفية، بصيرة بمكامن الإحساس في الوجدان المصري، تعرف كيف ومتى تبَكي وتُبكي.
وهنالك ملمح مهم سوف تلحظه بمجرد مشاهدتك لمعظم أعمال (محمد جلال عبدد القوي)، وهو أنه شغوف بفكرة (العدالة)، يتطلع إلى القانون وأهله في رؤية رومانسية حالمة ترى طيور الخير المهاجرة لا تعود إلا إذا أنصفنا المظلوم.
رؤية تتطلع إلى قانون (عادل) له عقل بصير وقلب مضيء، فالعدالة فكرة تشغله دوما وتلح عليه بقوة، ومن لوازم تلك الفكرة ظهور الشعور الديني والروح الإيمانية بشكل لافت بالنظر في كل أعماله الدرامية التي تتحدث بلغة الشارع كما كان يحرص على ذلك.
إقرأ أيضا : أسامة كامل يكتب: محمد جلال عبد القوي .. السيناريست العظيم وأمي!
ورغم شدة ارتباط تلك الأنماط البشرية التي يحرص على وجودها في أعماله والتي تعنى بخصوصية الحياة المصرية وقضاياها إلا أن روح هذا المبدع وفنه الأصيل جعلا منها أنماطاً إنسانية عامة يمكن رؤيتها في كل زمان ومكان.
كما أن منزلة عاطفة (الحب) لدى (محمد جلال عبدالقوي) تظل حاضرة باعتباره صاحب نزعة رومانسية مرهفة الحس، شديدة الرقة، لكنها ليست مجرد رومانسية عاطفية فارغة، وإنما هي رومانسية اجتماعية ممتزجة برؤية واقعية بصيرة تعالج قضايا الواقع وتعلي من قيم الوطن.
وفي النهاية: ظني أن عودة (محمد جلال عبد القوي) إلى حضن الدراما المصرية من جديد، وفق التعاقد بين المتحدة للخدمات الإعلامية من خلال مسلسله (زين الحسنى) الذي سيبدأ به قريبا، يعد بادرة طيبة لتعيده بعد سنوات طويلة غاب فيها عن الشاشة التليفزيوينة.
فتحية تقدير واحترام على إصرار (عمرو الفقي)، و(علا الشافعي) على عودة (عبد القوي) إلى حضن الدراما، حتى نقطع الفرصة على من يصطادون في العكر بالإساءة للدراما المصرية في وقتنا الحالي الذي شهد موسما شتويا يشير إلى جودة المنتج الدرامي المصري بنوعيته الاجتماعية الفارقة.