كتب: محمد حبوشة
ظني أن (دكة العبيد) أحد أهم إنتاجات الدراما السعودية في الفترة الأخيرة، وذلك بفضل إثارته جدلا كبيرة وردود أفعال إيجابية لما يقدمه المسلسل من قسوة وسحق لحرية الانسان وبيعه ومن ثم شراؤه.
أجمل ما في مسلسل (دكة العبيد) أنه يسلط الضوء على حدث مهم في تاريخ البشرية، ألا وهو العبودية من خلال خمس قصص تحصل بالتوازي في مناطق جغرافية مختلفة من العالم.
حيث تبدأ قصة (دكة العبيد) بجمع العبيد من ثم ترحيلهم وصولا إلى مصيرهم المحتوم، وخلال الرحلة يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والقسوة وسحق لإنسانيتهم ويعاملون وكأنهم حيوانات تضرب بالسياط لتعمل بقوة.
ويتم إيداعهم في (بنك العبيد)، هو المكان الذي يتم فيه عرض العبيد ليتم تداولهم وبيعهم للأشخاص الراغبين في شرائهم ووضعهم في أقفاص وتبادلهم كبضائع.
وقد انتشر هذا السوق منذ سنوات عديدة في الكثير من دول العالم، أي أن ما تقدمه الدراما السعودية الان واحدة من أعظم القصص الحقيقية التي توضح قساوة الإنسان ووحشيته حين يمتلك القوة والمال والسلطة.
لذا أعتبر أن مسلسل (دكة العبيد) نقلة نوعية في الدراما العربية بعد أن حققت حلقاته جزئيه الأول والثاني، ونسبة مشاهدة عالية جدا، كونه جاء بأحداث لم تتداولها الدراما العربية من قبل التي عودتنا أن تقدم لنا مشاكل اجتماعية من داخل العائلة.
لكن ما نشهده الآن هو قصة عالمية حدثت خلال القرن الثامن عشر في الكثير من دول العالم، حيث يضم ممثلون من كل العالم، والمسلسل من تأليف الكاتبة (هبة مشاري حمادة) وإخراج التونسي (الأسعد وسلاتي).
(دكة العبيد) عمل درامي مختلف
المسلسل يضم عددا كبيرا من الأبطال، أبرزهم (فايز بن جريس، العنود سعود، هاشم نجدي، نواف الظفيري، حنين تركستاني، نزار السليماني، سعيد القحطاني).
إلى جانب ممثلين عالميين منهم: (أبيكشا بوروال، سانتشي راي، آيشواريا شانكير، كاناك غارغ من الهند، شانون غاسكين، جانيك تشارلز، جاستينا بيوسا من بريطانيا، لورين إليس توماس من أستراليا، كريستوفر جوردون وأفانت سترانجل من كندا، ناتاشا شوفاني وجوي حلاق من لبنان).
ولهذا فإن (دكة العبيد) يمثل عملا دراميا مختلفا بكل المقاييس، حيث يشارك في البطولة ممثلون من العالم العربي والهند والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ووجوه فنية معروفة مثل (فايز بن جريس وهاشم نجدي، والهندية أبيكشا بوروال).
لذا فإن (دكة العبيد) من الأعمال الضخمة الذي يشارك فيه 200 ممثل و15 ألف من المجاميع تم تصوير جزء من العمل في مصر ولبنان وتونس وفق المعايير العالمية من حيث الصورة والملابس وحتى معايير كتابة السيناريو وطول الحلقات.
وهو ينتمي لنوعية الإنتاجات الضخمة، فقد قامت الجهة المنتجة بتصميم وبناء 4 موانئ و5 سفن تحاكي الزمن والأحداث، صورت مشاهد العمل في أكثر من 104 مواقع طبيعية مبهرة ضمن عدد من البلدان والمناطق الجغرافية.
ولأنه يتحدث عن قصص حدثت لشخصيات من مختلف الدول والثقافات، فقد تم تجهيز العمل بأزياء تعكس ثقافات المناطق التي تنتمي إليها الشخصيات في تلك الحقبة، فقد فاق عددها الـ 4700 زيا تم تصميمها خصيصا للأبطال والمجاميع التي رافقت العمل.
واستطاع مسلسل (دكة العبيد) مع أولى حلقاته أن يجذب اهتمام قطاع واسع من الجمهور، خصوصا بسبب قصصه المتنوعة التي تقع في أكثر مكان، وتحمل العديد من التفاصيل حول مسألة العبودية التي كانت تسيطر في القرون الماضية.
(حمادة).. أسلوب سردي مختلف
وتتسبب في التفريق بين البشر، وكعادتها نجحت (هبة مشاري حمادة) في تقديم هذه القضية بأسلوبها السردي المختلف والتي تنفرد به، كما أن قصصها في هذا العمل ظهرت بها بعض العوامل المشتركة مع أعمالها السابقة التي أيضا لاقت نجاحا كبيرا.
الحلقات الأولى من مسلسل (دكة العبيد) أعادت للأذهان الأسلوب التي حرصت الكاتبة (هبة مشاري حمادة) على تقدميه في العديد من أعمالها الدرامية في السنوات الماضية، وهي القصص المنفصلة المتصلة.
فتقدم الكاتبة الكويتية في (دكة العبيد) أكثر من قصة بداية من رحلة (ذيب) التاجر العربي الذي يلتقي بابنة المهراجا التي تختطف ويسعى لإنقاذها والبحث عنها، والتمهيد الذي شاهدناه كذلك لقصة تجمع ريحان و(إيزابيلا) ابنة الكولونيلالبريطاني.
وأيضا قصتين من قلب (القوقاز) وإفريقيا حول اختطاف البشر من أجل تحويلهم لعبيد والتجارة بهم.
القصص التي قدمتها (هبة مشاري) حمادة في مسلسل (دكة العبيد) رغم انفصال كل منها عن الآخر، لكنها تجتمع في خط وسياق واحد هو عالم العبودية والتفريق بين البشر على حسب اللون.
الثنائيات الواضحة بشكل كبير في مسلسل (دكة العبيد) تحمل العديد منها جوانب رومانسية، فالجميع بات منتظر قصة مختلفة سوف تجمع كل من (ذيب/ فايز بن جريس) و(لافاني/ أبيكشا بوروال).
وهى القصة الأبرز التي لفتت الأنظار حول ميلاد قصة حب من أول نظرة، جعلت (ذيب) يتمسك بالبحث عن (لافاني) التي تواجه مصير صعب بعد اختطافها.
الثنائيات حاضرة في (دكة العبيد)
نعم الثنائيات أيضا كانت حاضرة في المسلسل على مستوى القصص الأربعة الأخرى، وهو ما يذكر الجمهور بالثنائيات التي حصدت الاهتمام من جانب (هبة مشاري حمادة) في مسلسل (من شارع الهرم إلى)، وأيضا (دفعة القاهرة).
دائما ما تحرص (هبة مشاري حمادة) في كل عمل لها أن تقدم حالة من الغموض حول شخصية أو حدث معين، هو ما ظهر في أعمالها السابقة، وكان حاضرا بقوة في مسلسل (دكة العبيد).
وتحديدا في القصة التي تدور في الخط العربي، وظهر فيها (هاشم نجدي/ جلوي) أمام (العنود سعود/ رحمة) والذي ظل طوال الحلقات ينتظر الجمهور تطور هذا الخط من ناحية تفاصيله التي قد تحمل العديد من المفاجآت خصوصا بعد الكشف عن الجانب المظلم في هذه القصة.
ومن هنا أعتبر بأن المسلسل أنصف ذوي البشرة الداكنة، نعم أنصف (دكة العبيد) البشرة السوداء، فهناك بيض عبيد، لذا جاء هذا المسلسل جميل جدا، وهو الأمر الذي جعلني أتمنى أن يكون هناك جزء آخر ثالث ورابع حتى يتم إكمال جوانب القضية.
ولأن العالم في حالة تحول وتغير دائمة، ولكن ليس كل سرد منتشر هو انعكاس للحقيقة التاريخية بتجرد، لذلك نلمس وجهة النظر الاستشراقية عندما ننظر لماضينا القريب.
وذلك عبر منظور لاطالما رأى رجل الجزيرة العربي من العدسة الغربية المتحاملة التي تحصر الشخصيته العربية بسمات الهمجية التي يحركها الانتفاعية والإستغلالية وإنعدام الإنسانية.
خاصة عندما نفحص ملف تجارة العبيد متعدد الأوجه، وعلى الجانب الأخر تبرء نفسها من كل مشاهد التنكيل والقسوة الدموية، التي كانت عماد نهضة الأوروبية، ونتج عنها أمراض مجتمعية يتوسطها العنصرية التي خلفتها أفكار الاستعباد وسمو العرق الأبيض.
الجدير بالذكر في (دكة العبيد) هو أن تجارة العبيد المستحدثة قادها الغرب منذ القرن السابع عشر، وكانت تقوم على منطلق فكري إيمان وعقدي ديني يبرر العبودية بشتى أشكالها.
بدءا من قصة (حام) إبن (نوح) الذي لعنه الرب وأصبح أسود اللون بعد أن إختلس النظر ورأى عورة أبيه، وفيها الكثير من تعاليم الكتب السماوية المحرفة التي تصب في ترسيخ نفس الفكرة.
أهمية مسلسل (دكة العبيد)
صحيح أن عالمنا العربي وخاصة الجزيرة العربية لم تكن يوما أفلاطونية، بل كانت هناك مظالم وأحداث مأساوية، داخل مئات وآلاف القصص، التي تحكي عن خطف وإنقياد وإستعباد وتنكيل.
ولكن لم تكن القسوة ونزع الإنسانية مقبولة ومتعارف عليها حتر في فترة العبودية، وهنا تأتي أهمية مسلسل (دكة العبيد) التي تتبنى سرد واقعي ينظر للصورة بشمولية.
حيث أنها لا تتقاعس عن ذكر الصور السلبية والقصص المؤثرة التي يخوض أبطالها معاناة جسدية ونفسية عظيمة، والتي تبين ضعف بعض الأنفس ووحشيتها ولكن تقتصرها على إطارها الواقعي بلا مبالغة فلا تجمع وتطلي المجتع برمته.
وعلى الجانب الآخر تبين مدى نفاق الغرب الذي أنهى نظام العبودية في ذاك الحين، وأصبح يلقى الدروس الأخلاقية بغرور وترفع.
وضع الموسيقى التصويرية للعمل (سليم أرجون)، وصمّمت الملابس (ياسمين القاضي)، بينما نفذ الديكورات يحيى علام، وتولى مهمة المنتج المنفذ بدر الدين علوش، تحت إشراف المنتجين المنفذين صفاء أبو رزق وفراس دهني.
وقد جاء كل ذلك ضمن إنتاج ضخم تدور أحداثه بين 6 بلدان وصور في ثلاثة بلدان، وبُنيت 4 موانئ و5 سفن تحاكي المرحلة الزمنية، وصور العمل في أكثر من 100 موقع طبيعي مبهر ضمن عدد من البلدان والمناطق الجغرافية.
وتقع أحداث العمل خلال القرن التاسع عشر، ويروي خمس حكايات إنسانية تحدث بالتوازي لشخصيات تنتمي إلى مناطق جغرافية متباعدة، قبل أن تلتقي مصائر الأبطال الذين تجمعهم مأساة الوقوع أسرى العبودية في زمن راجت فيه تجارة الرقيق.
وفي النهاية لابد أن أشيد بهذا العمل التاريخي الذي تدور أحداثه في بداية القرن العشرين، ضمن قصة نحكي فيها عن سوق العبيد والرحلة التي يقومون بها، منذ لحظة اختطافهم حتى وصولهم إلى (دكة العبيد).
(دكة العبيد) عمل سعودي إنساني
وفي هذا الصدد لابد أن أؤكد أن (دكة العبيد) عمل سعودي إنساني عالمي، يحوي قصصا مؤثرة تحمل خطوطا متفرقة، منها الإفريقي، وكيف يجري اصطياد أبطاله في المركب التي ستأخذهم ومعاناتهم.
ثم الهندي والقصة التي تجمع بين الأميرة الهندية والتاجر السعودي، ثم القوقازي ورحلة البنات الثلاث اللواتي يجري اختطافهن، والخط البريطاني والخط العربي، الذي اهتمت بهما (هبة مشاري حمادة) عبر سيناريو محكم. الأركان
في (دكة العبيد) اختارت (هبة مشاري حمادة) فترة تاريخية حاسمة، وهي نهاية القرن الـ 19، عقب إلغاء تجارة الرقيق رسميا، واستمراره عمليا.
وهى الفترة نفسها التي اختارها (ستيفن سبيلبرج) في فيلمه Amistad، عام 1997، والتي اختارها ستيف ماكوين لفيلمه 12 Years a Slaveعام 2013.
كل من (سبيلبرج وماكوين)، ركزا على العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن هبة مشاري في (دكة العبيد) تسعى إلى رسم لوحة بانورامية للعالم كله انتصر فيها التاريخ على الحب!
وذلك من خلال 5 قصص، أو خطوط درامية تدور في مناطق متفرقة لشخصيات مختلفة، تعرض متجاورة ومتوازية، ومن هنا فإن (دكة العبيد) يتسم بالطموح الكبير، وهو إنجاز مهم نحو صنع دراما عربية عالمية بإمضاء سعودي.