هامش
كانت.. كبيره في سنها..
قطة رقيقة.. في توب ملاك
أولادها.. فيهم منها..
والكل.. مش غاوي عراك
فجأه ظهر.. شيخ الغفر..
ومعاه عصابة مجرمة
طربوش.. و فوقه كوم عفر..
في سكة غامقة.. مضلمة
الخوف على القطه اتحفر..
في لحظة مرة مؤلمة
أكلت ولادها.. لأنها..
خافت عليهم.. م الهلاك
أثناء تجوالى في ساحة (المعتقل) بطرة.. يقابلنى أحد المحسوبين على التيار الإسلامى.. يبادرنى بعتاب حاد، لأنه علم أنى أزور (الهضيبى) في مرضه.. فالهضيبى من وجهة نظره كافرا ويسوق من الأدلة والبراهين من القرآن والسنة سوقا ناعما أحيانا.
وملوى العنق أحايين.. لينتهى الأمر بأنه الحق المطلق، ولا سبيل إلى التشكيك في قوله وحكمه، وبمجرد أن أغادره يلحق بى آخر.
كان يراقب لقائى بهذا الأخ في (المعتقل) ليعاتبنى على مخالطتى لهذا الأخ الكافر، ويسوق من الأدلة ما هو أقوى، ومن البراهين ما هو موقع بتوقيعات سماوية ونبوية باللغة العربية الفصحى، و تعطيش الجيم، فلا تملك أن تفتح فمك أمامها باعتراض، أو إنكار.
في كل جنبات (المعتقل) تراهم.. وإن لم تراهم سيرونك ويلاحقونك .. مجاميع ضخمة من (المكفراتية).. يكفرون كل شخص، وكل مذهب يغاير مذهب كل منهم .
يرفضون الصلاة جماعة وراء هذا الامام، حتى ولو كان الشيخ الجليل (محمد الغزالي) الذي كان معتقلا معنا، لأنه على مذهب آخر ومكفر لديهم.. يرفضون إلقاء السلام أو رده – حتى ولو لم يكن بأحسن منه – على شخص آخر، لأنه في مذهبهم كافر.. يرفضون استلام رواتبهم من الحكومة لأنها في مذهبهم حكومة كافرة.
كنت أتعجب لكون هذه العقليات المسيرة أصحابها ما بين أساتذة بالجامعات المختلفة وأصحاب مناصب علمية وإدارية عليا في مختلف المجالات، وقد اختص كل مذهب بصحيح الإسلام دونا عن غيره.
شكرى مصطفى في (المعتقل)
حتى أن شكرى مصطفى كان في (المعتقل) يطلق على زنزانته (سفينة الناجين)، وذهبت المغالاة ببعضهم أن صاغوا من الآذان ما يختلف عن المعهود، أو عن آذان المذاهب الأخرى.
بالمناسبة فقد كانت هذه المرة الأولى لـ (شكرى مصطفى) في (المعتقل)، حيث كان متعاطفا مع الإخوان المسلمين، وقد استمر في المعتقل حتى تم الافراج عنه معهم بعد وفاة عبد الناصر.
لكن مالاقاه من تعذيب في هذه الفترة جعل من هذه التجربة رحما لولادة أفكاره الجديدة التي كان محورها تكفير الحكومة وجاهلية المجتمع، والتي أنشا على أساسها جماعة التكفير و الهجرة التي كان معظم أفرادها ممن شاركوه المعتقل وتعذيبه، والتي انتهت عام 1977 بخطفهم وقتلهم لـ (الشيخ الذهبى) وزير الأوقاف.
استيقظت فجرا جديدا بالـ (المعتقل) على عقيرة تعلو بصياح هائل الشماتة والتشفى، مرددا: (في الصبح وقبل الأسحار.. خدعوه و سرقوا الرادار).
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: رائحة (الخبيزة).. (1)
كان ذلك بعد أن تردد في (الرداوي) التي أتوا بها من الخارج، ولا تعلم إدارة المعتقل عنها شيئا، والتي تبث بعضا من برامج الإذاعة الإسرائيليه نبأ سرقة الرادار المصرى من رأس غارب.
حيث تمكنت ثلاثة طائرات هليكوبترمع 66 من الجنود الإسرائيليين من تفكيك الرادار الروسى الضخم و ربطه إلى الهليكوبتر، والطيران به على ارتفاع منخفض.. عابرين به قناة السويس عائدين بغنيمتهم إلى صفوف قيادتهم.
في إحدى السهرات التليفزيونية تابعت الملحن (بليغ حمدى) وهو يملأ الشاشة بدخان سيجارته، ويعلن عن اكتشافه الجديد طالبة الكونسرتفوار (عفاف راضى) لتفاجئنى بصوتها وإحساسها البالغ أثناء أدائها لأغنية (ردوا السلام).
تعلقت جدا بهذا الصوت الجديد والمتميز في جوانب عدة، تمنيت أن أقابلها في يوم من الأيام القادمة إذا ما قدر لى الخروج من هذا القبو الضخم.
(عم عفيفى).. زميلي في (المعتقل)
أعرفكم الآن بـ (عم عفيفى).. زميلي في (المعتقل).. يعمل ساعاتى.. كان شغله الشاغل تسجيل أرقام القطارات التي تمر وتذييل كل رقم بموعد ذهابه وإيابه.. يتمدد نائما على جانبه أمام الدكتور محمد صفوت.. من أجل تدليك البروستاتا المتضخمة إلى حد كبير مما يسبب له احتباسا في البول .
والدكتور صفوت، كان أستاذا بالقصر العيني، أبلغ عنه أحد الزملاء بأنه يتكلم مع طلبته في السياسة، بعدها أحضروه مكبلا إلى طرة، وحينما كنا نذهب كل 6 أشهر إلى المحكمة كى يفرج عنا القاضي – كونه لم تثبت علينا تهمة وكوننا حصلنا مسبقا على البراءة.
كان (الدكتور صفوت) يصر على الذهاب معنا إلى المحكمة مرتديا بيجامة المعتقل ليصيح محتجا أمام القاضي – شوف يا حضرة القاضي: عبد الناصر بيعمل ايه في أساتذة الجامعة .
و لم يكن للقاضى أن (يشوف .. ولم يكن للدكتور صفوت إلا أن يعود ببيجامته، وفي جيبها الممزق وأزرارها المفقودة المزيد من إهانة الحراس، ورفض القاضي لتظلمه.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: (رائحة الخبيزة).. سيبى الفقير يا مصر يخرج بره
كان المخصص لنا من الزيارات الشهرية زيارة واحدة خاصة، و أربع زيارات سلكية، زارنى والدى بعد أن تمكن من استصدار تصريح من وزارة الداخلية، جائنى يصحبه صديقى (سامى متولي).
عاتبت أبى الحبيب لأنه لم يرسل لى نقودا من مرتبى الذى يصله من سوهاج زائد 50 في المية بدل غربة في (المعتقل)، والتي كانوا قد نفونى إليها، وحينما احتد عتابي بكى والدى، تدخل سامى – خلاص يا إبراهيم – هابعتلك أنا المبلغ اللي تحتاجه .
وحينما تمالكت غضبتى.. أكملت معاتبتى – يا ابه.. أنا الوحيد هنا اللي بياكل من أكل المعتقل.. أكل لو رميته للفراخ اللى بتربوها مش هتهوب ناحيته.. كله هنا بيشترى من الكانتين عشان يعرفوا يرموا عضمهم يا ابه .
زيارة أمي في (المعتقل)
وحينما حضرت والدتى في زيارة مع والدي بالـ (المعتقل)، وبمجرد أن طالعتها بوجهى استمرت تحدق في بأسى، ثم سقطت مغشيا عليها.. فشلت محاولاتنا في إفاقتها، هرع إلينا الدكتور صفوت يلحقه بعض الأطباء الآخرين من المعتقلين.
وبعد محاولات مضنية أفاقت.. كانت تلتفت باحثة عن وجهى لتنخرط في بكاء يتخلله ولولة ونحيب، حينما شاركها والدى البكاء تعجبت!
كيف لهذا الجبل أن يهتز ويبكى ؟، وعندما أصبح لي أولادا علمت أن للأب في الروح عين ثالثة كامنة مخصصة للبكاء.. لم أكن أراها امن قبل:
و..
المكفراتى
يا (مكفراتى) الكل.. دقنك خشنة..
رُد السلام يا أخ مش إخوانى.
يا (فظ).. من شكلك فى لحظة طفشنا..
وحلفنا ماهانفوت عليك من تانى.
……………………..
بتكفر الإخوان فى قلب
سجونهم..
وانت اللى كافر بالإله الواحد..
آدى القانون.. ما اقدرشى لحظة
يدينهم..
وانت الوحيد اللى انت ليهم جاحد.
……………………..
دقنك خلاص وصلت لِبَعد
(الصُرة)..
والفكر عندك كُله (صِفر)
و(جاهل )..
عمرك فى يوم أبدا ما تاخد
(بَصرة)..
ولا يوم سلامنا عليك يكون
بالساهل.
……………………..
يا مكفراتى هربت منك.. لكن..
جيتلى فى زنزانتى عشان تنصحنى.
(الجو) فى كل العنابر داكن..
وأنا لسه مش عايز رياح
تجرحنى.
……………………..
ياعم سيبك من كلام برانى..
إفتح كتاب الله هاتلقى خلاصك..
أنا مش شيوعى نهائى..
أو إخوانى..
ولا عمرى يوم أبدا هاكون من
ناسك.
……………………..
يا ( مكفراتى ).. إنت دينك
غيرنا..
رغم الصلا والصوم .. وحفض الآية..
طيرك لا يمكن يوم يلوف على
طيرنا..
ولا يوم هاشوفك جوه أى مراية
……………………..
إرحمنى من أفكار عبيطه ..
دنيئة..
واتركنى أكتب شعر عن أحوالى..
الكلمه لو واقعية.. تبقى مضيئة..
يا غريب فى فكرك جوه وضعى الحالى.
……………………..
إنت اللى كافر.. حتى كُفرك
واضح..
يابو الكلام مزروع فى أرض
الضلمة..
وحياة إله الكل.. فعلك فاضح..
ولا لك فى قاموس المبادئ كلمة
……………………..
حتى أدانك مختلف وكلامك..
حتى سلامك.. أو طريقة أكلك.
ويا الجميع فى السجن.. لك
إسلامك..
هاتخلى لون الضلمة يصبح أحلك.
……………………..
يا مكفراتى الكل.. هاتأخرنا..
ومفيش أمل أبدا تغيّر لونك
عمرك فى يوم أبدا ما هاتسخرنا..
لرياح شيطانى جوه بحر جنونك.
……………………..
قلت (المرتب) دا حرام على
جيبنا..
وان اللى مش وياك هايصبح
جاحد..
إزاى بحبل الجهل جاي تسحبنا..
واحنا بنسجد للإله الواحد
……………………..
إزاى تقوللى على الجميع مش
مؤمن..
إزاى تعيب فى شيوخ قلوبهم
طاهرة..
جوه السجون المُرة .. برضه
بتسجن..
كل اللى خالفك فى الفتاوى
العاهرة.
……………………..
يا مكفراتى بلاش تناقش قلبى..
بالنسبه لي.. إنت حاجه غريبة..
عمرى ما اسيبك لحظه تسجد
جنبى..
وانت القرف والجهل.. وانت
العيبة.
……………………..
شبشب قديم وعفار مع الجلابية..
ماشيين فى كل مكان وجوه
العنبر..
بتقول على الإخوان
(جيوش حرامية)
وتقول بأنك من إيمانهم أكبر.
……………………..
شوفتى يا مصر الخيبة ..
خيبة قويه..
(تكفير) و (هجرة) وكله شئ
تحتانى.
قومى انقذى الباقى من
(ابن رزيَّة)
قبل (السجين مظلوم) ما يصبح (جاني).
……………………..
من كتاب (مدد .. مدد)
سيرة ذاتيه لبلد