(فيروز) أشهر طفلة في السينما المصرية، وأصغر منتجة في العالم!
كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الثامنة لرحيل أشهر طفلة عرفتها السينما المصرية وهى (فيروز)، التى كان يمكن أن تمر مرور الكرام في حياتنا الفنية دون أن يشعر بها أحد، مثل كثيرين غيرها.
لولا موهبة النجم العبقري (أنور وجدي) في اكتشاف المواهب، والذي طبق – بعلم أو غير علم، الله أعلم – على اكتشافه الجديد (فيروز) كل أسس العلم في اكتشاف الموهوب ورعايته.
لأن عملية اكتشاف الموهوبين ورعايتهم مسؤولية مشتركة بين من لديه الموهبة، ومن يتحمل مسؤولية اكتشافها.
وكلما كانت البيئة مشجعة كان الاحتمال الأكبر على توهج الموهبة، وانتشارها سريعا، وكانت البيئة التى نشأت فيها الطفلة (فيروز) واسمها الحقيقي (بيروز آرتين كالفيان) مشجعة جدا.
مولد فيروز في أسرة فنية
حيث ولدت (فيروز) لأب أرمني، محب للفنون، وأم تمتلك صوتا جميلا، وكانت الأسرة مثل معظم الأسر في الأربعينات تقيم أمسيات فنية، فكنت تجد في كل أسرة طفل يعزف على آلة معينة، بينما آخر يغني، وثالث يكتب شعرا.
وكان منزل الخواجة (آرتين) مثل معظم البيوت المصرية، حيث كان يتردد على هذا المنزل الفنان السوري (إلياس مؤدب) صديق الخواجة (آرتين).
وفي إحدى الأمسيات الفنية كان (إلياس مؤدب) يعزف على آلة الكمان، ويغني ببعض الأغنيات الشهيرة، فسمع صوت الطفلة (فيروز) تردد ورائه بصوت عذب إحدى الأغنيات، فلفتت انتباهه.
وفي مرة ثانية كان يعزف ويغني فقامت الطفلة (فيروز) ورقصت على الموسيقى التي يعزفها (إلياس مؤدب)، وهنا شعر (مؤدب) أنه أمام موهبة حقيقية تحتاج فقط على تدريب لإبراز هذه الموهبة.
وحاول (إلياس مؤدب) تطوير موهبة (فيروز) فقام بتأليف وتلحين مونولوج لتغنيه وحدها، ولأنه كان يغني في ملهى (الأوبرج) طلب من والدها يوما أن يصطحب (فيروز) معه لتؤدي المونولوج في فقرته الغنائية.
الملك فاروق يعطي فيروز 50 جنية
وافق الأب، ويومها أثارت (فيروز) إعجاب الحضور، ولاقى مونولوجها نجاحاً باهراً، فقرر إدخالها مسابقة مواهب في ملهى (الأوبرج) الليلي حيث نجحت نجاحا باهرا أيضأ.
وحصلت على الجائزة الأولى في المسابقة، وقدرها خمسين جنيها، وسلمها لها (الملك فاروق) الذي كان واحدا من أشهر رواد ملهى (الأوبرج).
وبعد أن حصلت (فيروز) على قيمة الجائزة من الملك فاروق، ذاع صيتها في الوسط الفني، خاصة أن بعض العاملين في الوسط كانوا موجودين في الملهى وسمعوا وشاهدوا الطفلة الموهوبة.
المنتجين يدقون باب الخواجة (آرتين)
في اليوم التالي التف حول الخواجة (آرتين) والد الطفلة الموهوبة، المنتجون السينمائيون، فاختار الوالد من بينهم الفنان الشهير (أنور وجدي)، ليوقع معه عقد احتكار تتقاضى عنه ابنته ألف جنيه عن كل فيلم.
وبمجرد أن وضع أنور وجدي يده على الطفلة الموهوبة، حتى قدم لها كل الإمكانات ليصنع منها نجمة يستطيع بها أن ينافس النجوم الموجودة على الساحة، واهتم (أنور) بنجمته الجديدة اهتماما فاق الوصف.
وأخذها معه إلى منزله وعاشت مع النجمة الكبيرة ليلى مراد فترة قبل بداية تصوير فيلمها الأول (ياسمين)، ولأن إنتاج فيلم تقوم ببطولته طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها السبع سنوات مغامرة فنية.
إلا أن (أنور وجدي) قرر أن يدخل شريكا معه في الإنتاج، واتصل بالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب ليكون شريكه في إنتاج فيلم (ياسمين).
عبدالوهاب يرفض الإنتاج لـ (فيروز)
وافق عبدالوهاب على فكرة صديقه النجم العبقري المعجون بالفن، وطلب منه أن يرى الطفلة التى ستقوم ببطولة الفيلم.
وبالفعل اصطحب أنور وجدي طفلته أو مشروعه الجديد لكي تجلس مع الموسيقار الشهير محمد عبدالوهاب، وجلست الطفلة ذات الأعوام السبعة صامتة مبهورة برؤيتها محمد عبدالوهاب.
ولم تتحدث على الإطلاق، ونظر (عبدالوهاب) إلى الطفلة البريئة الصامتة، وقال لأنور وجدي في نهاية مقابتهما: (يا أنور أنتج لدي!.. يا راجل هو أنا مجنون، ولا لاقي فلوسي، دي متكلمتش كلمتين من أول ما قاعدنا!).
بيروز أصبحت (فيروز)
رفض عبدالوهاب مشاركة (أنور وجدي) إنتاج الفيلم لم يثن من عزيمة نجم السينما الشهير، بل زاده حماسا.
وبدأ يشتغل على موهبة الطفلة الصغيرة وينميها، وقرر تبديل حرف (الباء) في اسمها الى حرف (الفاء) فأصبح اسمها الجديد (فيروز).
وحتى يجذب الجمهور إلى فيلمه الجديد وبطلته الطفلة، استعان بنجوم الصف الأول ليقفوا بجانبها، من هؤلاء النجوم (مديحة يسري، زكي رستم).
فضلا عن بعض النجوم المحبوبيين من قبل الجمهور مثل (عبدالعزيز خليل، زينات صدقي، رياض القصبجي) وغيرهم.
كما أحضر لها مجموعة من الموسيقيين الرائعين الذين لحنوا لها أغنياتها في الفيلم مثل (محمود الشريف، منير مراد، محمد البكار).
فضلا عن مدربي الرقص الذين بذلوا مجهودا كبيرا في تدريب وصقل مواهب الطفلة الصغيرة.
إقرأ أيضا : سر زيارة (ليلى مراد وأنور وجدي) لـ (فيروز هانم) !
وفي أحد المشاهد كان من المفروض أن (تردح) لـ (زينات صدقي) فأحضر لها سيدة شعبية تعلمها (الردح).
لم يكتف الفنان المنتج الذكي بما فعله أثناء تصوير الفيلم، حيث فوجئ الجمهور في صباح يوم العرض بإعلان في الصحف المصرية يدعو كل أطفال مصر لحضور حفل العاشرة صباحا فى السينما لمشاهدة فيلم (ياسمين).
وبعدها ستقوم البطلة الصغيرة بتوزيع هدايا على الأطفال، بالفعل تم وضع مئات الهدايا بالسينما، وتم تعليق مئات البالونات في صالة السينما، وحضر مئات الأطفال مع أهلهم.
(فيروز) أصغر منتجة في العالم
حقق الفيلم نجاحا كاسحا، وكان حدث عام 1950 الفني، مما جعل الموسيقار محمد عبدالوهاب يندم على عدم مشاركة العبقري أنور وجدي إنتاج الفيلم.
وبدأ مشوار الطفلة المعجزة مع السينما الذي استمر لمدة عشر سنوات، قدمت خلالهم عشر أفلام، هي (ياسمين، فيروز هانم، صورة الزفاف، دهب، الحرمان، عصافير الجنة).
وأيضا أفلام (إسماعيل ياسين للبيع، وإسماعيل ياسين طرزان، أيامي السعيدة، بفكر في اللي ناسيني).
إقرأ أيضا : أنور وجدي يعيد البريق لـ”فيروز” فى “دهب”
ومن بين الأفلام التى قامت ببطولتها (فيروز) عام 1953 فيلم (الحرمان) الذي قامت بإنتاجه، وهى تقريبا في العاشرة من عمرها لتكون أصغر منتجة على مستوى العالم في الخمسينات.
بعد تقديمها لفيلمها الأخير (بفكر في اللي ناسيني) الذي عرض عام 1959، اعتزلت (فيروز) الفن وتزوجت من الفنان (بدر الدين جمجوم).
وعندما سألتها في حوار بيننا عن سر اعتزالها بعد أن أصبحت شابة قالت لي: (أنها وجدت أن التصفيق والتشجيع والأعجاب الذي كانت تسمعه وهى طفلة قل كثيرا عندما كبرت، فضلا عن حبها وعشقها للأسرة).
لذا فقد قررت إسدال الستائر على حياتها الفنية والتفرغ لأسرتها.
ورغم ظهور مئات الأطفال في السينما المصرية، لكن لم يحقق أحد حتى الآن نجاح، ولا نجومية (فيروز) هذه المعجزة التى نحيي اليوم الأيام الذكرى الثامنة لرحيلها، حيث رحلت عنا يوم 30 يناير 2016.