في الذكرى الأربعين لوفاة (عماد حمدي).. سر زيارة الشعراوي له!
كتب: أحمد السماحي
نحيي غدا الأحد القادم 28 يناير الذكرى الأربعين لرحيل فتى الشاشة الأول (عماد حمدي)، الذي تعلمنا منه الحب يوما في (بين الأطلال) و(إني راحلة).
وأفلام أخرى مثل: (أثار على الرمال، موعد مع السعادة، شاطئ الذكريات، موعد غرام) وغيرها، في هذه الأفلام كان (عماد حمدي) فارسا نبيلا، ومحبا نادرا، ونبضا صادقا.
فضلا عن تمتعه بإحساس مرهف، يسمو بالمشاعر ويرقى بالإنسان إلى كل الصفات الطيبة التى خلقه الله عليها.
(عماد حمدي).. فارس الأحلام
كان (عماد حمدي) يثير مشاعر الشفقة ويدفع الجمهور إلى التعاطف الشديد معه، لأنه يرى في سلوك بطله على الشاشة نبلا غريبا لايراه في الواقع ويتمناه في قلبه.
لهذا وجد فيه شباب الأربعينات والخمسينات برومانسيته وصوته الرخيم الهادئ وقوامه الطويل الممشوق، وتكوينه النفسي الهادئ نموذج البطل المثالي.
ووجدت فيه الصبايا والفتيات فارس أحلامهن النبيل، ووجد فيه صناع السينما فارسا جديدا من فرسان الغرام.
لهذا سارع عدد كبير من المنتجين والمخرجين والمؤلفين يدقون باب النجم الجديد (عماد حمدي)، فبعد تقديمه لفيلمه الأول (السوق السوداء).
إقرأ أيضا : شادية وعماد حمدي حب وزواج أفسدته الغيرة
ورغم تعرض الفيلم لمشكلة مع الرقابة إلا أن صيت (عماد حمدي) كفتى أول ذاع وانتشر بين صناع السينما فأقبلوا عليه ليقدم عددا كبيرا من الأفلام السينمائية.
لم يقدم مثلها أحد إلا (فريد شوقي) حيث قدم حوالي 400 فيلما سينمائيا، هذا غير الأعمال الدرامية والمسرحية والإذاعية.
أول هذه الأفلام كان (السوق السوداء) عام 1945، وآخرها فيلم (سواق الأتوبيس) عام 1982، وما بينهم كان رصيده الفني الذي خاض من خلاله كل مجالات الفن.
(عماد حمدي) والجحود والنكران
رغم كل ما قدمه (عماد حمدي) للفن لكنه عانى في آواخر أيامه من الوحدة، وقلة الوفاء، وابتعاد الأصدقاء عنه، أصبحت الحياة قاسية بالنسبة له، حياة بلا أصدقاء، ولا أحباء، ولا زملاء.
ولم يعد التليفون يدق كما كان في أيام المجد والنجاح والصحة والعافية، لم يعد أحد يسأل أو يهتم به سوى صوت الفنانة مديحة يسري، وصوت الفنانة شادية.
كانت شادية، ومديحة، صوتان حنونان وحيدان يسألان عنه فيشعر (عماد حمدي) بأن الدنيا مازال فيها خير، وأن الوفاء لم يمت كما يقولون كما ذكر للناقدة الكبيرة (إيريس نظمي) في مذكراته معاها.
(عماد حمدي)..عدت يا يوم مولدي
بمناسبة الذكرى الأربعين لفتى الشاشة الأول (عماد حمدي)، نتوقف عند سر زيارة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي له كما ذكره في مذكراته مع الناقدة (إيريس نظمي) حيث يقول (عماد حمدي) :
قبل أيام من عيد ميلادي الـ 70 كنت أعاني من الاكتئاب الحاد، خاصة بعد رحيل أخي التوأم (عبدالرحمن) وفي يوم يوم عيد ميلادي الـ 70 زارني مجموعة كبيرة من أصدقائي النجوم.
وهم المنتج المعروف مطيع زايد، الكاتب الصحفي لويس جرجس وزوجتة الفنانة سناء جميل، سهير رمزي ووالدتها، أنور عبد الله وزوجته سعاد حسين، يوسف شعبان.
والكاتب الصحفي مفيد فوزي، الذي كان يحمل في يده جهاز تسجيل، وبعد دخول الضيوف الأربعين دخل أربعة رجال يحملون تورته كبيرة وخروفا مشويا وأنواعاً من الأطعمة.
وحتي الملاعق والشوك والسكاكين أحضرها معهم الضيوف الذين لم أكن انتظرهم، ولأن المقاعد لم تكن كافية فقد جلس أغلبهم علي الأرض، التفوا حولي فبددوا وحدتي.
وفرت الكآبة هاربة من جلسة الأحبة، وتبادلت ابتسامة مع ابني (نادر)، كنا أربعة فقط ضمن احتفالنا الهاديء المتواضع (نادر) وزوجته وأمه وزوجتي الأولى (فتحية شريف).
وحفيدي (عماد) الذي جاءت بعده حفيدتي (مريم) التي ولدت في 7 يناير فسميتها باسم السيدة العذراء مريم.
(عماد حمدي) وزيارة الشيخ الشعراوي
يستكمل (عماد حمدي) ذكرياته فيقول: لم تكد تمر أيام قليلة حتى جاءت المفاجأة الثانية التى لم أكن أتصورها، حيث دق جرس الباب، ولم يخطر ببالي أبدا أن يكون القادم هو الشيخ متولي الشعراوي!.
وبقيت مذهولا للحظات، ولا أدري ما أقول، وكأني لا أجد الكلمات التى تسعفني في الترحيب بالعالم الجليل الذي لا أعرف كيف جاء إلى بيتي، حيث إنني لم أتشرف بلقائه من قبل.
وعادة لا يلتقي رجال الدين برجال الفن، وآخر ضيف ينتظره الفنان هو رجل الدين، فللأسف هناك فكرة خاطئة في أذهان الناس عن الفنانيين، يتصوروننا نعيش فقط يومنا.
وننشغل فقط بالحفلات والسهرات التى قد تكون ماجنة، ولا نفكر في الخالق عز وجل، ويتصورون أيضا أن حياتنا كلها أخطاء، وهذه طبعا فكرة ليست دقيقة تماما، فالفنان يخطئ مثل كل البشر.
ويصحح أخطاءه أيضا مثل كل البشر، الفنان مثل كل إنسان له قلب عامر بالخير، وبالإيمان، بل أن الفنان أكثر من غيره في حاجة إلى رحمة الله وغفرانه، فحياتنا العجيبة وظروف عملنا الأعجب.
والصدمات والعبر والدروس التى نجسدها في الأعمال الفنية تقرب الفنان صاحب القلب الطيب من ربه، وتجعله ميالا أكثر لفعل الخير، وغالبا ما تنتهي حياة الفنان بالأعتكاف.
واعتزال الحياة والابتعاد عن الناس، والتقرب إلى الله، وهناك فنانون عرفوا بطيبة قلوبهم وبتقواهم وورعهم، أقول على سبيل المثال وليس الحصر الفنان الكبير (عبدالوارث عسر)، الذي كان مثالا للتقوى والورع.
ويضيف (عماد حمدي): جلس الشيخ متولي الشعراوي ومن معه، وأنا أنظر إلى وجهه وابتسامته الودودة، وكأني أحلم، مد لي يده ثم قبلني، وحاولت أن أتكلم أن أقول شيئا فقلت : أهلا سيدنا الشيخ.
وكانت زوجتي الأولى (فتحية شريف) أكثر مني دهشة، لكني لمحت على وجهها تعبير الفرح، أنها فخور بحضور الشيخ الجليل، وبسرعة أزال الشيخ الشعراوي جو الدهشة والرهبة بتعليقاته المرحه.
فوجدت أنه ليس عابسا ومتجهما مثل الآخرين بالعكس وجهه بشوش، وابتسامته لا تفارق شفتيه، وكلماته كانت البلسم الشافي لجروحي النفسية.
وفهمت من كلامه أنه قرأ في صحيقة (أخبار اليوم) إني أعاني من حالة اكتئاب بعد وفاة شقيقي التوأم، فقرر أن يأتي لزيارتي مع وزير الأوقاف الأسبق الأستاذ (طعيمه).
وأمام الشيخ الشعراوي لا يملك المرء إلا الإنصات، وأن يستمع وأن يأخذ العبرة، وبقيت أنصت إلى حديثه المحبب إلى النفس، حديث النفوس والإيمان، حديث الروح.
وملأت كلماته قلبي بالأمل، بل لن أكون مبالغا إذا ما قلت أن شعوري بالاكتئاب قد زال، وستظل كلماته تضيئ قلبي وروحي حتى رحيلي.