وليد منصور : عمي (صلاح منصور) كان عبقريا، ولم يأخذ حقه من التكريم!
كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ (45) لرحيل أحد عمالقة الفن المصري، وهو الفنان الكبير (صلاح منصور)، الذي رحل عن حياتنا يوم 19 يناير عام 1979، ومرت مئويته في شهر مارس الماضي.
وبهذه المناسبة نتوقف مع (صلاح منصور) الذي صنع نجوميته عن جدارة واستحقاق على مهل شديد، وعلى نار هادئة، وبتخطيط إلهي كانت تتضمنه تركيبته الشخصية في الأساس.
(صلاح منصور) وعصر من الجمال
تواجد (صلاح منصور) في زمن فني يحتفي بالجمال في النساء والرجال، لهذا لم يشغل باله بالنجومية والبطولات المطلقة، بحكم شكله العادي الذي يشبه معظم الشباب المصري في الأربعينات.
وربما لو شغل (صلاح منصور) باله بالنجومية لكان كغيره من الأكفاء الذين سعوا إليها بكل الطرق فأدارت لهم ظهرها.
إقرأ أيضا : أحب (صلاح منصور) أن يطمئن على مصر، فأغضب (حسين كمال) وخرج المشهد صادقا
إنما المؤكد أن جينات النجومية بحكم موهبته التمثيلية الطاغية كانت مستترة، من خلال أدوار بسيطة وصغيرة ظهرت في العديد من أفلام نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات.
وعندما جاءت لموهبته الفرصة من خلال مجموعة متنوعة من الأدوار المختلفة التى قدمها مدت جسور التواصل بينه وبين جماهير الشعب المصري والعربي.
(صلاح منصور) والجمهور
كان الجمهور يخرج من صالة دور العرض سواء السينمائية أو المسرحية، وهو في ذهنه (صلاح منصور) الذي أثر فيه وجذبه بقوة موهبته.
وعلى مدى سنوات طويلة ونتيجة مثابرة دؤوبة صنع (صلاح منصور) أسطورته ومكانته في قلوب الجماهير العريضة، واتفقت علي حبه جميع الأهواء والمشارب.
لكن ماذا عن (صلاح منصور) الذي عرفناه كشرير في العديد من الأفلام السينمائية، ومليئ بالطيبة والحنان في كثير من المسلسلات الدرامية، ويجمع بين الشر والفهلوة والطيبة في أعماله المسرحية.
كيف كان (صلاح منصور) كإنسان مثلنا وراء كواليس الشهرة، وستائر النجومية؟!
لابد أن تعلونا دهشة عظيمة من شدة طيبة قلب هذا الرجل إلى حد البراءة، كما جمعتها من كثير من أصدقائه الفنانيين في المجلات القديمة، ومن خلال أحاديثه الصحفية القليلة.
وليد منصور يتحدث عن (صلاح منصور)
لكي نوضح الصورة أكثر دق (شهريار النجوم) باب المنتج الشهير وليد منصور ابن مخرجنا المسرحي المبدع (جمال منصور) شقيق صلاح منصور.
والذي أكد لـ (شهريار النجوم) أنه لا يستطيع أن يتحدث عن عمه كإنسان بشكل كاف، حيث إنه لم يقترب منه بحكم إقامته لفترة كبيرة مع والده في قطر.
كما أن عمه (صلاح منصور) رحل وهو تقريبا في السادسة من عمره، وبالتالي كان وقتها طفل ولا يستوعب ما يدور حوله.
وصرح منتج فيلم (كازابلانكا) أن لعمه (صلاح منصور) ثلاثة أشقاء عملوا جميعا بالفن أولهم والده المخرج (جمال منصور) الذي شغل فترة منصب مدير مسرح الطليعة.
وعمه المنتج المسرحي (محمد منصور شعلان)، الذي عرف بإسم (محمد شعلان) وأنتج العديد من المسرحيات، وعمه الثالث هو (حمدي منصور شعلان) الذي كان طيارا للرئيس الراحل حسني مبارك.
وأضاف منتج فيلم (تصبح على خير): أن عمه (صلاح منصور) انجب ولدين فقط رحلا مبكرا، وهما المنتج (مجدي منصور)، الذي رحل وهو في ريعان شبابه ولم يكمل الـ 47، والثاني هشام الذي رحل صغيرا بعد معاناة مع مرض (العته المنغولي).
(صلاح منصور) من أفضل 10 نجوم
أوضح منتج فيلم (من 30 سنة) أن عمه لم يأخذ حقه من التكريم ولم يحتف به أحد، خاصة في المهرجانات السينمائية والمسرحية الكثيرة الموجودة في مصر!.
رغم أن عمه (صلاح منصور) كان بشهادة كبار النقاد من عباقرة التمثيل في مصر، وحالة خاصة جدا، فضلا على أنه كان ملك الميكرفون حيث قدم العديد من الروائع التمثيلية والعالمية، والبرامج، والصور الغنائية، في الإذاعة المصرية.
وأضاف المنتج الشهير: كان عمي واحدا من أفضل 10 نجوم مروا في تاريخ السينما المصرية، لهذا فهو مندهش ومستغرب من عدم تكريمه حتى الآن في الوقت الذي كُرم في حياته في الملوك والرؤساء.
وعن عبقرية (صلاح منصور) ظهرت في أي أفلام قال وليد منصو : أفلام كثيرة صعب حصرها من ينسى له دور (العمدة عتمان) فى رائعة صلاح أبوسيف (الزوجة الثانية)، ودور (الأحدب) في فيلم (مع الذكريات)، كما يعتبر دور (الإمام أحمد) ملك اليمن فى فيلم (ثورة اليمن) واحدا من أهم أدواره.
وقدمه حسين كمال فى فيلمه (البوسطجى) وأطلق لموهبته العنان لتصبح هادرة كاسحة كالشلال فى واحد من أهم أدواره على الإطلاق، حيث جسد دور الأب الذى يمارس الفاحشة مع الخادمة، وعندما تخطئ ابنته يزرع فى صدرها السكين!.
ودور الضابط المغلوب على أمره فى فيلم (ثمن الحرية) إخراج نور الدمرداش، والرأسمالى الجشع فى فيلم (الأقمر)، ومساعد مدير المخابرات فى فيلم (وراء الشمس) إخراج محمد راضي.
والزوج المفروض على الجميلة الصغيرة فى فيلم (حكاية بنت اسمها مرمر)، وسواق اللورى فى فيلم (الشيطان الصغير).
و(سليمان ابن البقال) الندل الذى يغرر بالفتاة الدميمة (نفيسة)، ويتركها بخسة بعد أن أخذ غرضه منها في فيلم (بداية ونهاية) وغيرها الكثير من الأدوار المهمة.
(صلاح منصور) والتمثيل حتى الموت
تركنا المنتج الشهير (وليد منصور) وذهبنا إلى ذكريات الشاعر والكاتب الراحل عبدالله أحمد عبدالله الشهير بـ (ميكي ماوس) الذي عثرنا على شهادة نادرة له عن آخر زيارة للمبدع (صلاح منصور).
وهو على فراش مرضه الأخير فيقول: عندما كان في مرضه الأخير طريح الفراش، زرته، فقابلت عنده شقيقه المخرج المسرحي (جمال منصور).
والذي كان يعيش في قطر، ويعمل مدربا للتمثيل هناك، وكان صلاح منصور في حالة طيبة تسمح له بتجاذب الحديث مع شقيقه الذي وصل به الحديث إلى أن قال لشقيقه: تلاميذي في قطر قدموا بنجاح حبيبك (هاملت).
وقدموها بشكل متميز للغاية، وأجاد الولد الذي أدى (هاملت) إجادة بالغة، فتذكرتك، وتذكرت كيف كان دورك المفضل؟!
وعند ذكر (هاملت) تحركت لدى (صلاح منصور) ذكرياته عندما أداه هاويا، ثم بعد الاحتراف، وكيف كان يلقنه لتلاميذه وهو مدرس ثم موجه، ثم مدير لإدارة المسرح المدرسي؟
وكيف كان يشرح لهم أبعاد الدور الذي يعشقه الكثيرون من ممثلي العالم، ويغوص بهم في أعماقه، ليتمكن من يُقدم على أدائه من ابرازه للمشاهدين في أفضل وأكمل صورة.
إقرأ أيضا : سر هروب (صلاح منصور) من الاستديو، ولماذا حاول اليمنيين قتله؟!
وراح (صلاح منصور) يتسلسل في الحديث إلى شقيقه (جمال) لدرجة أننا توقعنا أنه خف من مرضه.
وفجأة قال له: هل تعلم أنني برغم ما حققت من نجاح في شخصية (هاملت) لا أزال أعتقد أنه لا لدي الكثير من اللمسات بعد هذه الخبرة الطويلة يمكنني أضافتها لو أنني لعبته مرة أخرى؟
وأجابه شقيقه (جمال) باندهاش: معقولة جديد ايه اللي حاتضيفه يا صلاح؟ أنت عصرت الدور، أنت امتصيت رحيقه وأفرزته للناس بصدق الإحساس، لقد قفلت هذا الدور باسمك إلى عشرات السنوات القادمة.
هنا تحامل (صلاح منصور) على جسده الواهن المثقل بالمرض، وترك الوسادة التى كان يتوسدها وانتصب في السرير في نصف جلسة.
وقال لشقيقه: لو أتيح لي أن ألعب دور (هاملت) من جديد لقدمته على هذا الشكل!.
وراح (صلاح منصور) يتقمص دور (هاملت) ويمثله وهو في سرير المرض على النحو الذي تصوره، ومثل وهو جالس منهوك القوى المنولوجات الفردية لـ (هاملت) أجزاء من هذا المشهد، وأجزاء من ذاك.
وخاف عليه شقيقه (جمال) وطلب منه أن يرحم نفسه من انفعالات الدور المرهق، وأن يتذكر أنه مريض، لكن (صلاح منصور) رفض!.
وانطلق يرفع حنجرته الواهنة، ويخفضها تبعا لمراحل الدور رافضا الكف عن هذا الإجهاد حتى شبع تمثيلا فسكت.
ويختم (عبدالله أحمد عبدالله) حديثه قائلا: يوم العزاء قال لي شقيقه جمال منصور بعد أن عدت أنت إلى البيت، وبعد أن بعث الحياة في (هاملت) من جديد على سرير المرض، نام نوما هادئا.
ولم يستيقظ بعدها، وكما يموت الزمار وصباعه يلعب، مات (صلاح منصور) و(هاملت) ينقح عليه ويلح عليه!