بقلم: محمد حبوشة
قبل أن يشرع الكاتب (محمد سليمان عبد المالك) في مسك قلمه ليخطه على صفحة بيضاء، معلنا بذلك كتابة عمله الدرامي، فلابد و أن يكون قبل كل شيئ محتشدا بالعالم الدرامي الذي فكر فيه و رآه في مخيلته رأي العين .
فالكاتب (محمد سليمان عبد المالك) عادة ما يحدد الموضوع الذي قرر معالجته دراميا، وربما هذا التحديد قد يستغرق وقتا طويلا في تحديد الحدث Action أولا؛ سواء كان مصدره اجتماعي أو تاريخي أو حتى أسطوريا، أو غير ذلك من المصادر التي عرفناها.
و في ذلك الحدث، نجد أسماء شخصيات (محمد سليمان عبد المالك)، تسلك سلوكا محددا و تخوض معارك حياتية من أجل الحصول على شئ ما.
ولكل شخصية من شخصيات (محمد سليمان عبد المالك)، (سواء صادقت البطل أو عادته) مجموعة من المواصفات الجسمية و الاجتماعية و النفسية، حيث يقوم (عبد المالك) بوضع هذه الحكاية في مخيلته بشخصياتها و أماكنها و زمانها.
(محمد سليمان عبد المالك) يعايش شخصياته حتى يصل إلى درجة يشعر فيها أنه يعرف هذه الشخصيات معرفة عن قرب، و يشعر بحالة المكان والزمان كأنه عاش فيه من قبل.
ويظل الكاتب (محمد سليمان عبد المالك) حاملا لعالم الحكاية في مخيلته، حتى يصل إلى الوقت الذي يشعر فيه أنه يجب أن يخرج هذا العالم الى النور في صورة درامية حية.
إقرأ أيضا : (زينهم).. دراما لايت كوميدي تخفف من حدة رعب الموت والجريمة !
ويعنى (محمد سليمان عبد المالك) جيد بالحبكة الدرامية التي تعني: ترتيب الأحداث كما تقع في المسلسل، وخلالها يضع الكاتب تصورا أو خطة يوضح فيها مسار الشخصية الرئيسة والهدف الذي تسعى إليه ومن تعاونه من شخصيات ومن تعوقه أو تعارضه، بحيث تبدو خريطة الحدث واضحة أمام عينيه.
ثم يبدأ (محمد سليمان عبد المالك) كما لاحظت في مجمل أعماله، أنه يشرع في تقسيم هذه الخطة الى وحدات، تشكل كل منها موقفا، ويبدأ في كتابة كل موقف، معتمدا على معايشته لكل شخصية في هذا الموقف الدرامي أو ذاك حتى ينهي جميع مواقف المسلسل معتمدا على مراحل الحبكة الرئيسة.
تظل الشخصية الدرامية حبيسة الكاتب الدرامي (محمد سليمان عبد الملك)، ثم تتحول إلى طورها الثاني وهو الدور، وأخيرا تتحول الى شخصية مرة أخرى، ولكن من لحم ودم هذه المرة خلال الأداء التمثيلي .
ملامح شخصيات (عبد المالك)
وللشخصية الدرامية جملة من الملامح لدي (عبد المالك)، هى: الملمح الجسدى للشخصية، الملمح الاجتماعي للشخصية، الملمح النفسي للشخصية، الملمح الدرامي للشخصية .
ومن هنا يدرك المؤلف الدرامي (محمد سليمان عبد المال) أن الدراما تؤثر في القيم والأذواق بل والكلمات، فكثير من أعمالها تتحول إلى أحاديث بين الناس، وأفكار تتحرك في المجتمع يتداولها أشخاص كثر.
ومن ثم يسعي في أعماله الاجتماعية على وجه الخصوص، إلى جذب الجمهور المستهدف، من خلال الحرص على عدم تناول موضوعات لا تدخل في نطاق خبراتهم المباشرة.
ثم التركيزعلى التناقضات الاجتماعية التي يعيشها الجمهور المستهدف لإقناعهم بوجود خلل في منظومة القيم التي يعتنقونها، وأيضا عرض نماذج بشرية مثالية ومؤثرة تعتنق أنساقا وقيما تناقض القيم الأصلية للجمهور المستهدف.
ولأن المسلسلات تعد من أهم أشكال الدراما التلفزيونية، ويكمن تأثيرها في أنها تخلق جسرا من الترابط العاطفي بين الأبطال والمشاهدين، إذ يتحول أبطال المسلسل إلى رفقاء روحيين يأخذون حصة لا بأس بها من تفكير الناس وعواطفهم ويحتلون مكانا في مناقشاتهم.
إقرأ أيضا : راجعين يا هوى .. مسلسل مبهج وسط غيامات النكد الرمضاني !
لذا ينتهج (محمد سليمان عبد المالك) أسلوب الأديب الرحل (أحمد خالد توفيق)، الذي يقول أن (تمثيليات التلفزيون تجذب بعض الناس ليس لحبھم للدراما، ولكن لأنھا تتاح لھم نوعا بارعا من التلصص على أحوال وبيوت الآخرين).
وفي هذا الصدد يشير الروائي الأسباني (جورج سانتيانا) أن الفارق بين القصة الروائية والقصة الدرامية هو: (أن الروائي يرى الأحداث عن طريق أذهان الآخرين، في حين أن كاتب الدراما يتيح لنا رؤية أذهان الآخرين عن طريق الأحداث).
فالدراما – على حد قوله – تجسد ثقافة البشر، ونفوسهم، ودواخلهم، وتحولهم إلى حس مشاهد، لكنها لا تجسد الواقع بحذافيره ولكن تضخم أجزاء فيه لصالح الفكرة التي تسعى لبثها.
ولعل لجوء (محمد سليمان عبد المالك) إلى تحويل بعض الأعمال الأديبة (راجعين يا هوى) مثالا: ينطلق من باب المحاكاة باعتبار أن المحاكاة فعل إنساني مرتبط بالمحيط الطبيعي الذي لا حدود لها.
إن المحاكاة أمر فطري موجود للناس منذ الصغر، والإنسان يفترق عن سائر الأحياء بأنه أكثرها محاكاة وأنه يتعلم ما يتعلم بطريق المحاكاة.
ويرى أحد الباحثين أن (أرسطو) أخذ مصطلح المحاكاة عن أفلاطون، وحاكاه في وصفه للعمل الفني بأنه محاكاة لأفعال نبيلة، كموضوع الملحمة والتراجيديا، أو بأنه محاكاة لأفعال دنيئة كموضوع الكوميديا.
لكنه أغنى المحاكاة وعمقها حتى اقتصر مفهومها عليه، بالإضافة إلى أنه غير جزئيا التصنيف القولي، الذي يحدد معنى المحاكاة الأفلاطونية، ولم تعد المحاكاة أحد قولي التمثيل والسرد، بل أصبحت قولا يشمل التمثيل والسرد كأجزاء نوعية منه.
(عبد المالك) ومحاكاة العالم الحسي
ولم يعد موضوع المحاكاة الأرسطية محاكاة العالم الحسي كما عند أفلاطون، بل أصبح محاكاة الإنسان بأخلاقه وانفعالاته وأفعاله، وبهذا رفض أرسطو نظرية المحاكاة السلبية كلها، لأن الواقع ليس في موضوعات الشعر من حيث هو واقع.
بل من حيث هو ممكن، وخصوصا من حيث مشابهة الحقيقة، التي هي المقولة الأساسية، التي تأتي قبل الواقع وقبل الممكن، وهى المقولة التي تحكم علاقة الشعر بالواقع، والعمل الأدبي بالطبيعة.
ظني أن (محمد سليمان عبد المالك) يفهم جيدا أن الدراما المقدمة في التلفزيون تعد من أهم الأشكال البرامجية المحببة لدى الجمهور، (فالدراما التلفزيونية من أهم ما يربط المشاهد بالشاشة الصغيرة لأنها العماد الرئيسي في التسلية المنزلية الميسرة.)
كما يدرك محمد سليمان عبد المالك) أن الدراما التلفزيونية قد أضحت أهم ما يربط المشاهد بالشاشة الصغيرة، وتطورت خلال العقود الستة الماضية لتكون العماد الرئيسي في التسلية المنزلية الميسرة، على مستوى العالم.
كما أنها مادة فريدة ومحببة لملء عدد ساعات الإرسال الطويلة، وتطلق هذه التسمية على الأعمال الدرامية التي تكتب خصيصا للتلفزيون.
إقرأ أيضا : (خالد النبوي) سينجح في (إمبراطورية ميم) لهذه الأسباب !
وإن كان التلفزيون يرتبط بالجماهير التي يتوجه إليها، فإن موضوع التمثيلية التلفزيونية التي يقدمها (محمد سليمان عبد المالك) ينبغي أن يعبر عن حياة الجماهير ومشاكلهم لما يتميز به هذا الجهاز من قدرة على الإيحاء ولفت الانتباه والإقناع.
وهذا ما يرتبط مع أهداف المدرسة في الفن والتحليل الوظيفي للإعلام، حيث أنه من الضروري أن ينبع موضوع التمثيلية التلفزيونية من العلاقات، التي تجمع الأفراد بالمجتمع.
إنها مرآة الحياة، من وجهة نظر (عبد المالك)، لذا تجد أعماله انعكاسا للاهتمامات الخاصة بالبشر، كما أنها قادرة على ربط خبرات الأفراد بالبناء الأخلاقي والقيمي، وتكون قادرة على توسيع تعاطف المشاهدين، وجذبهم بعيدا عن قيود الواقع.
ويبقى هدفه الأساسي هو أن تقود الدراما التلفزيونية إلى رؤية متعمقة أعظم في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد من التشويق والتعاطف والإثارة، كما اتضح لي مؤخرا من خلال مسلسلاته (باب الخلق، رسايل، خيط حرير، وعد، ممالك النار، مذكرات زوج)، ومؤخرا (صوت وصورة، زينهم).
(عبد المالك) ودراسة الطب
ولد (محمد سليمان عبد المالك) في دولة الكويت، وانتقل إلى بلده مصر ليقيم في مدينة الإسماعيلية ويستهل دراسته الجامعية في كلية الطب بجامعة قناة السويس.
بدأ بالكتابة وهو ما يزال في الصف الثاني الابتدائي، حيث كان يتعاون مع بعض زملائه في الفصل لإعداد مجلات وقصص مصورة، قبل أن يتطور أسلوبه الأدبي خلال المرحلة الإعدادية.
وعن عمر 14 عاما فقط، وتحديدا في عام 1993، قامت مجلة (كل الناس) الأسبوعية بتقديمه كأصغر مراسل صحفي، عندما نشر له تحقيق صحفي وأكثر من مقال آنذاك.
وبعد تجربته المبكرة في عالم الصحافة انتقل إلى الشعر والمسرح واهتم بالموسيقى، وكانت له بعض الأعمال الشعرية المهمة مثل (مرثية فارس، اذهبي، كلمات بيجماليون الأخيرة، ىبين الحب والقسوة).
ولكن برغم مواهبه المتعددة، ظلت الكتابة وما تزال شغفه الأكبر، فقد تعرف (محمد سليمان عبد المالك) إلى عالم روايات مصرية للجيب عندما كان في التاسعة من عمره، خلال إجازة صيفية في مصر.
فبدأ بقراءة سلسلتي (ملف المستقبل ورجل المستحيل)، ومنهما انتقل إلى بقية السلاسل الأخرى، لكن النقلة الجذرية في حياته كانت عام 1998، عندما استجاب لإعلان المؤسسة العربية الحديثة في صحيفة (الأهرام) المصرية، والذي كان يطلب انضمام مؤلفين جدد إلى فريق مؤلفي روايات مصرية للجيب.
وعن عمر لم يتجاوز العشرين عاماً بعد، خطى محمد خطى الدكتور نبيل فاروق قبل حوالي 15 عاماً، فتقدم برواية (دماء في المعبد) والتي كتبها خصيصاًلهذا الغرض، مستوحياً أجواءها من التاريخ الفرعوني الذي كان مفتوناً به منذ سنوات دراسته الثانوية.
ومن بين مئات المشتركين والمرشحين، فاز مع مجموعه قليلة من المؤلفين الجدد الذين انضموا معا لإنتاج سلسلة جديدة لم تكن سوى سلة الروايات، ونشرت قصة (دماء في المعبد) فيها تحت سلسلة (لوتس).
جدارة (محمد سليمان عبد المالك)
لكن محمد سليمان عبد المالك انفرد وبجدارة من بين الأقلية التي فازت معه، ونجح في رسم أسلوب محبب حاز على إعجاب القراء والنقاد معاً، فنال الحصة الأكبر من رصيده في السلسلة الجديدة.
فبدأ بكتابة سلسلة جديدة فيها تحت اسم (مغامرات – س)، كما استلم من الدكتور شريف شوقي سلسلة المكتب رقم (19) فواصل كتابتها تحت اسم وبطل جديدين في سلسلة المكتب رقم (17).
بخلاف أعماله الروائية والشعرية قدم (محمد سليمان عبد المالك للشاشة التلفزيونية عدة أعمال منها: (أولاد الليل، وتامر وشوقية – 2007، كافيه تشينو (سيت كوم) – 2008، القطة العميا، عصام والمصباح (رسوم متحركة – 2010)، أبواب الخوف – 2011.
وفي عام 2012 قدم مسلسل (باب الخلق)، اسم مؤقت – 2013، فرق توقيت – 2014، وعد (مسلسل) 2016، الحصان الأسود – 2017، رسايل، ومليكة (مسلسل) 2018.
في عام 2019 قدم (محمد سليمان عبد المالك مسلسله التاريخي ممالك النار، الذي قدم رد قويا على الدراما التركية التي تزيف الدور العربي في الدولة العثمانية، كما مسلسل (خيط حرير – 2020)، وفي عام 2023 قدم (صوت وصورة، وزينهم).
وغير أعمال الدراما التلفزيونية له أعمال في الدرما الإذاعية مثل مسلسلات (فراولة – 2009، بابا زعيم عصابة، سهم الزيتون طلع – 2010، لسان عصفور، رومانسية بالأرانب 2012، يخلق من الشبح أربعين – 2015).
كما قدم (محمد سليمان عبد المالك) للسينما عدة أفلام، منها (عزبة آدم – 2009، وشد أجزاء – 2015).
نجم مسلسلات (الأوف سيزون)
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للأديب والشاعر وكاتب السيناريو (محمد سليمان عبد المالك)، الذي أصبح مؤخرا نجم مسلسلات (الأوف سيزون)، والتي تتمتع بطابع اجتماعي يعبر عن هموم الإنسان المصري والعربي.
ولعله يبدو ملحوظا أن (محمد سليمان عبد المالك) هو واحد كتاب هذا الزمن المتميزين في طرق أبواب القضايا الشائكة، وآخرها موضوع الذكاء الاصطناعي الذي تناوله بعمق في مسلسل (صوت وصورة).
كما يبدو لافتا أيضا تناوله لأجواء المشرحة في مسلسل (زينهم) بطريقة تخلط بين الكوميديا الخفيفة والرومانسية العذبة في قالب اجتماعي جاذب، فنال إشادة الجمهور والنقاد، وهاهو يعود للأدب من جديد في رمضان القادم من خلال مسلسل (إمبراطوية ميم).