بقلم: مجدى صادق
(شهد أمين) أيقونة من أيقونات السينما السعودية، فقد استطاعت بفيلم روائى واحد هو (سيدة البحر) أن تصبح فى مصاف المخرجات السينمائيات المبدعات وأن ترشح المملكة فيلمها (سيدة البحر) فى مسابقة جوائز الأوسكار 2021 والعديد من المهرجانات العالمية!
درست (شهد أمين) السينما فى لندن ونيويورك، رغم أنها مولعة بالهوية العربية فهى تتحدث العربية الفصحى و(معجونة) بالتاريخ العربى الذى اعتبره (مخزون درامى) لم يقدم بالشكل اللائق بعد!
فالسينما مثلما تقول (شهد أمين) هى البحث عن تلك الهوية من خلال لغة البصر!
عندما كانت تشاهد (شهد أمين) مسلسل المخرج السورى الشركسى (نجدت إسماعيل أنزور) حول قبائل (الكواسر) لم يكن عمرها وقتها قد تجاوز العشر سنوات.
حين حلمت أن تكون مخرجة وتسير على دربه لمواجهة (التابوهات) والفكر الدوجماجى المتسلط لواقع تقول عنه عندما قدمت فيلما الطويل سيدة البحر (سرد قصصى تتقدم بنا ولاترجعنا الى الوراء)!
كانت (شهد أمين) مشاهدة دؤوبة فى طفولتها للسينما الأمريكية وأفلام هوليوود، وأيضا افلام (الإنيميشن) اليابانى رغم أن ازمة (الواقع و الهوية)، كانت دائما تلح عليها وهى تحلم بالسينما !
عندما عادت (شهد أمين) من دراسة إخراج الفيديو من لندن عملت كمخرجة مساعدة فى الإعلانات والأفلام الوثائقية، إلا أن هذا لم يشبع رغبتها حين ذهبت إلى نيويورك لتدرس كتابة السيناريو.
وقد أخرجت أفلاما قصيرة مثل (موسقانا، ونافذة ليلى) الذى عرض فى الكثير من المهرجانات السينمائية العربية والأجنبية، وحصد أفضل فيلم بمهرجان (سينغافورة السينمائى).
ثم فيلم (حورية وعين – 2013)، وهذا الفيلم هو الذى منحها (صك) الحماس لتقدم أول أفلامها الطويلة بجرأة شديدة (سيدة البحر) كتابة وإخراجا هذا العالم (الدستوبى الخيالى).
(شهد أمين) تلامس الواقع
وهذا الواقع المرير والمخيف لقرية تعتمد على الصيد ويحكمها تقاليد وطقوس لتقديم إناثهم كقرابين لمخلوقات غريبة فى البحر هذه السريالية السينمائية مثلما تقول المخرجة السعودية (شهد أمين) تلامس الواقع الذى عاشته تلك الفتاة الصغيرة (حياة).
تلك التى تفتقد معانى (الحياة) التى تواجه بها الهيمنة الذكورية وتلك الموروثات الغريبة التى اقتحمتها شهد أمين بشجاعة الفكرة والصورة والرسالة ليصبح فيلمها الاول فى قائمة افضل افلام السينما السعودية.
وهذا تحقق لـ (شهد أمين) منذ عرضه الأول فى سبتمبر 2019 ضمن فعاليات الدورة السادسة والسبعين من مهرجان (فنيسيا السينماىى الدولى)، كما حصد جائزة (التانيث البرونزي) بمهرجان (أيام قرطاج السينمائى) فى دورته الثلاثين.
إقرأ أيضا : مجدي صادق يكتب: مسامير (مالك نجر) !
كما عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2019 فى دورته 41، وهو فيلم من بطولة (أشرف برهوم ويعقوب الفرحان وفاطمة الطائى)، وكانت (حياة) الفنانة (بسمة حجار) على مدى 74 دقيقة.
استخدمت فيه المخرجة السعودية تكنيك سينمائى يمزج ملامح القصة باللونين الأبيض والأسود، إذ نجحت (شهد أمين) أن تخرج قصة فيلمها خارج المكان والزمان ليكون مناسبا لكل عصر.
لذا استخدمت الأبيض والأسود ليعطى عمقا، فهى – مثلما قالت – (حالة سينمائية) محملة بالمرجعيات الثقافية والموروثات التقليدية وحرفية الصراع فى تحطيم تلك الموروثات الدستوبية بحثا عن عالم أقرب إلى اليوتوبيا بعيدا عن تلك الخرافات!
وقد اختارت (شهد أمين) صاحبة القصة والإخراج عالم البحر رمزا إلى المرأة المكبلة بالقيود والخرافات والكبت!
لم تكن الأسطورة الإغريقية القديمة عام (1000 ق.م) حين ظهرت أول قصص الحوريات البحرية عندما أحبت الإلهة (أتارجاتيس) أم الملكة الآشورية (سميراميس) أحد البشر ثم قتلته بغير قصد.
(شهد أمين).. إبداع (سيدة البحر)
فمن تلك الميثولوجيا الإغريقية التي قرأتها (شهد أمين) مصادفة هو من منحها إبداع (سيدة البحر)، الذى حاولت به أن تبعد عن الصورة النمطية فى طرح القصة.
وكان من الصعوبة وقد درست الكتابة والإخراج معا أن تجمع بين ماهو (فانتازي) أو (ميثالوجي) وماهو واقعى حيث حملت قصة فيلم (سيدة البحر) بعضا من جينات (شهد أمين).
والذى كان يحمل اسم (حراشف)، إلا أنه تغير للاسم الحالى (سيدة البحر) مجسدا ومعبرا عن الجانب الإيجابى لشخصية الفيلم الذى تم تصويره فى سلطنة عمان ليعرض تجاريا فى 2023 .
لم يكن الفيلم الروائى القصير (حورية وعين) بعيدا كل البعد عن (سيدة البحر)، فهو يحكى قصة ابنة صياد أبوها يجلب لها لؤلؤا من البحر لتكتشف أن اللؤلؤ ياتى إليها من (حوريات البحر).
حيث الميثالوجيا التى استخدمتها للمرة الأولى كى تجسد قصتها وحكايتها (سيدة البحر) من خلال الأسطورة والفانتازيا التى يختفى كل ماهو واقعى ورائها.
ويبدو أن عالم الأساطير بما فيه من رمزية أصبح ملاذ (شهد أمين) المخرجة السعودية لكتابة قصة فيلمها القادم!