(عبدالرحمن الخطيب) الذي أعجبت بألحانه أم كلثوم، ومؤلف السلام الملكي السعودي !
كتب: أحمد السماحي
تعرض الموسيقار الموهوب (عبدالرحمن الخطيب)، لظلم فادح، حتى أنه لا يوجد صورة واحدة له على شبكة الإنترنت!
وهذا الظلم كان هو سببا فيه، بسبب ظروف خارجة عن إرداته، حيث سافر للسويد في منتصف الخمسينات، لتكملة تعليمه الموسيقي، وتزوج واستقر هناك.
وانقطعت صلته بمصر حتى زارها عام 2002 أثناء افتتاح مكتبة الأسكندرية، بعدها عاد إلى السويد وتوفي هناك.
ولد (عبدالرحمن الخطيب) في الأسكندرية يوم 22 فبراير عام 1922، في جو ديني روحاني، فوالده الأستاذ (محمود كامل عبدالرحمن الخطيب)، كان مدرسا للغة العربية بمدرسة رأس التين بالإسكندرية.
وفضلا عن ذلك كان الوالد يتمتعا بصوتا عذبا جميلا، وكان قارئا هاويا للقرآن الكريم، وكان الجد (عبدالرحمن الخطيب المحلاوي) أحد شيوخ الأزهر وله كتب عديدة.
تزوج محمود كامل الخطيب، وأنجب 9 أولاد، منهم ست بنات، وثلاثة شباب، وكلهم ورثوا الصوت العذب من والدهم، وهم (فوزية، ونعيمة، وجزال، ونرجس، وعواطف، وأميرة).
(عبد الرحمن الخطيب) وفايدة كامل
أما الشباب فهم (عبدالرحمن، ومحمد، وفوزي)، وقد عرف الوسط الفني أربعة من هؤلاء العائلة، لكن عرفهم بأسماءهم المركبة والمختلفة عن بعضهم، وهم (عواطف محمود كامل) التى عرفناها باسم (فايدة كامل).
الثاني هو (عبدالرحمن الخطيب) الملحن وأستاذ الموسيقى الشرقية بمعاهد السويد، و(محمد سليمان جميل)، الذي عرفناه باسم (سليمان جميل) الفنان والناقد الموسيقي، الذي بدأ حياته الفنية عازفا لآلة (القانون).
إقرأ أيضا : نكشف لأول مرة المحذوف من أغنية “دع سمائي” لفايدة كامل
ولحن العديد من الأغنيات لمطربين الإذاعة، نذكر من هذه الأغنيات نشيد (ليس للعدوان أرض) كلمات الشاعر الثوري كمال عبدالحليم، وغناء فايدة كامل.
(عبد الرحمن الخطيب) وأميرة كامل
أخيرا السوبرانو العالمية (أميرة كامل) رائدة فن الأوبرا، وشقيقة (عبد الرحمن الخطيب)، والتى تعهدها فترة الموسيقار (عبدالحميد توفيق زكي) بالغناء المصري المتطور، وسجلت معه في الإذاعة المصرية.
وإذاعة فرنسا (القسم العربي) العديد من الألحان، وقدمت في بدايات التليفزيون مع عبدالحميد توفيق زكي كملحن بعض الألحان، والاسكتشات الغنائية، والأوبريتات المصرية ذات الطابع الشرقي.
منها (استعراض الريف) الذي قامت ببطولته أمام (الباريتون) يوسف صباغ، وكذلك الأوبرا الصغيرة (مواكب النصر) التى قامت ببطولتها مع (علية عبدالمنعم، وجمال سالم، وجمال الدين محمد).
تفرغت بعد ذلك أميرة كامل للأوبرا، وأصبحت السوبرانو الأولى في الشرق العربي، ومثلت دور (عايدة) في الستينات مع فرقة أوبرا ايطالية زائرة.
كما أدت الدور في فرق عالمية وعرض في إيطاليا، والسويد، ويوغوسلافيا، والاتحاد السوفيتي.
(عبدالرحمن الخطيب).. المطرب
أحب (عبدالرحمن الخطيب) الغناء من والده الذي كان يجمع أولاده التسعة ويغني لهم، وفي فترة الصبا وبعد انتهائه من تعليمه الثانوي التحق بالمعهد الملكي للموسيقى.
وبدأ مشواره كمطرب حيث غنى من تلحينه أغنية حققت شهرة كبيرة في الأربعينات، وطرحت على أسطوانات بعنوان (الحب كأس في ايدين الناس) من كلمات أحمد شفيق كامل، يقول مطلعها:
الحب كاس في أيدين الناس
والناس بتسأل فين الكاس
بين الرموش والجفون فيه كاس بيداعب عنيك
يا هالتري راح هيخون، ولا راح يعطف عليك
وفي نفس الفترة لحن وغني(عبدالرحمن الخطيب) أغنية (هيلا هوب) من كلمات (حيرم الغمراوي)، وحققت انتشارا كبيرا بين الشباب، كما قدم أغنيات أخرى مثل (انت وأنا والهوى، عيد رمضان، اللقاء القريب) وغيرها.
وجذبته السينما ليغني في أفلامها، فغنى في أكثر من فيلم منهم (بين نارين) حيث غنى موال (يا أهل الغرام إسمعوني)، وأغنية (هوَ بعينه، بعينه، بس شغلني بنظرة عينه).
وفي فيلم (على قد لحافك) غنى (الحلو والمر) من كلمات (أبوالسعود الإبياري)، وفي نفس الفيلم لحن للفنان إسماعيل ياسين (آه م الحب وآه م المر، لاتنين غلب وكرب وغم، وجوزوها له) كلمات أبوالسعود الأبياري أيضا.
عبدالرحمن الخطيب الملحن
بعد سلسلة من الأغنيات القليلة الناجحة التى قدمها (عبدالرحمن الخطيب) بصوته تفرغ للتلحين لشقيقته المطربة (فايدة كامل)، فقدم لها العديد من الأغنيات منها (ليالي القمر، طير تايه) كلمات إبراهيم رجب، (قولي إسمك ايه) كلمات محمد حلاوة.
ومن أشهر أغنياتهما في هذه الفترة الأغنية الجميلة (أنا فوت 16 سنة) كلمات عبدالفتاح مصطفى والتى يقول مطلعها:
يا قلبي قولي هنعمل ايه في الحب، ده اللي بيحكوا عليه
بتقولي اسكت، اسكت ليه، هو الكلام في الحب حرام
ولا أنت ناسي مين أنا، ده أنا فوت 16 سنة.
وحققت الأغنية نجاحا كبيرا، بعدها قدم لها لحن آخر حقق نجاحا أكبر من خلال أغنية (أيوه بحبك) كلمات محمد علي ماهر، التى يقول مطلعها :
أيوة بحبك ده الكلمة الحلوة اللي في بالك
طمن قلبك واسألني في مرة هقولهالك
أيوة بحبك.
(عبدالرحمن الخطيب) والنشيد السعودي
قدم عبدالرحمن الخطيب أهم عمل موسيقي في مشواره وهو (السلام الملكي السعودي) الذي خلد اسمه.
وعن هذا النشيد يقول للكاتب السعودي (علي فقندش) في جريدة (عكاظ): (في عام 1949 جاءتني دعوة من صديقي الأمير عبدالله الفيصل للعمل كمذيع في الإذاعة السعودية.
وكل يوم كنت آتي من مكة المكرمة حيث أقيم فيها إلى جدة، وكانت الإذاعة محدودة وكان البث فقط على الهواء وذلك لرفع الآذان والابتهالات فقط.
وكنت أقوم بالكثير من مهام الإذاعة وأعود يوميا إلى مكة المكرمة، فجأة وصلتني رغبة الأمير عبدالله الفيصل في أن أرافقه إلى الأمير منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع.
ومن ثم إلى حضرة جلالة الملك الموحد عبدالعزيز آل سعود، بعد أن عرفني على والده جلالة الملك فيصل، وكان يومها نائبا للملك في الحجاز (المنطقة الغربية) .
وكانت المملكة تستعد لعودة مقاتليها مع الجيوش العربية في فلسطين بعد حرب عام 1948، ويومها فوجئت بطلب من سمو وزير الدفاع بعملة قطعة موسيقية يفتتح بها الحفل الذي سيكون في اليوم التالي.
وطلب مني أن أقوم بتأليفها في نفس الليلة، وكان الأمر مفاجأة بالنسبة لي، وكانت ليلة ليلاء لكن في نهاية الليلة انتهيت من تأليف السلام.
وفي اليوم التالي كنت مع الفرقة نعزف السلام في الحفل كافتتاح له، ولم يكن يدور بخلدي لحظة أن اختيار المليك المؤسس سيوقع عليه كسلام رسمي خاص بالمملكة.
حيث صدر قرار باعتماده سلاما رسميا وكنت فخورا بهذا جدا).
أم كلثوم و(عبد الرحمن الخطيب)
قبل الاعتداء الثلاثي على مصر وقبل سفره للسويد، قدم (عبدالرحمن الخطيب) بجوار ألحانه لفايدة كامل عدة ألحان لـ (نجاة علي، ورجاء عبده، وعصمت عبدالعليم)، وغيرهم.
وأعجبت كوكب الشرق أم كلثوم بألحانه، وطلبت أن يلحن لها، وبالفعل أعطته كلام للشاعر محمد علي أحمد بعنوان (بعد الأوان بزمان) وبعد انتهائه من اللحن، اجتمع بالسيدة أم كلثوم وأسمعها ما لحنه وكانت تهتز طربا وهى تسمع اللحن منه.
لكنها بعد أن استمعت إلى اللحن طلبت تغييرات في بعض المفردات من الشاعر محمد علي أحمد، لكنه رفض تعديل ما طلبته منه.
التدريس في معاهد السويد
في هذه الفترة وبالتحديد عام 1954 جاءت لـ (عبدالرحمن الخطيب) فرصة لاستكمال تعليمه الموسيقي في ايطاليا، وبالفعل سافر للدراسة هناك، وترك كل شهرته التى حققها في القاهرة .
وفي إيطاليا تعرفت بزوجته السويدية وتزوجها، بعدها حدث العدوان الثلاثي على مصر، فاضطر للسفر مع زوجته إلى السويد، وهناك وجد ترحيبا كبيرا من أهل زوجته.
ونالت البلد إعجابه فظل بها، وعمل في تدريس الموسيقى في واحد من أكبر معاهدها الموسيقية.
ولم ينزل إلى مصر إلا على فترات متباعدة، آخرها كان عام 2002 في افتتاح مكتبة الأسكندرية، بعدها عاد إلى السويد وتوفي هناك عام 2013.
وبعد كل الإنجازات الموسيقة التني قدمها الموسيقار الكبير الراحل (عبد الرحمن الخطيب) وأبرزها (النشيد الملكي السعودي)، ألا يستحق التكريم من جانب المملكة العربية السعودية في إطار تكريماتها لرواد الموسيقى العرب؟.. نتمنى ذلك.