بقلم: بهاء الدين يوسف
أول ما يخطر على بالك حين تشاهد فيلم (جولد) Golda، الذي يفترض إنه يحكي عن رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة (جولدا مائير)، هو سؤال عن سبب إنتاج الفيلم ناهيك عن توقيت عرضه الذي لا يمكن أن يكون أسوأ.
لا توجد أسباب مقنعة لإنتاج فيلم عن (جولدا) في هذا التوقيت، فضلا عن أن الفيلم لا يقدم قراءة في شخصية رئيسة الوزراء السابقة بقدر ما يركز على حرب أكتوبر التي يطلق عليها اليهود (حرب يوم كيبور).
ويرصد أداء (جولدا) وبقية المسؤولين الإسرائيليين خلال الحرب وصولا الى مثولها أمام (لجنة أجرانات) للتحقيق في وجود تقصير من رئيسة الوزراء أو المسؤولين العسكريين في الاستعداد للحرب.
فيلم (جولدا) الذي يمتد لحوالي 100 دقيقة ولعبت بطولته النجمة الكبيرة (هيلين ميرين) واحد من أكثر الأفلام فشلا في السنوات الأخيرة، سواء من ناحية القيمة الفنية كسيناريو واخراج ورؤية سينمائية.
كذلك من ناحية الإيرادات حيث أخفق صناعه في تحقيق أكثر من 5.8 ملايين دولار رغم عرضه في جميع أنحاء العالم ومنها في 883 دور عرض في أمريكا وحدها، وربما ساهم في هذا الفشل التجاري تزامن عرض الفيلم عالميا مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
فيلم (جولدا) يمثل سقطة فنية
كثير من النقاد الغربيين رأوا أن فيلم (جولدا) يمثل سقطة فنية مهمة في مسيرة (هيلين ميرين) المهنية، وهى التي نالت جائزة الأوسكار عن تجسيدها لشخصية ملكة إنجلترا (إليزابيث الثانية) عام 2007 في فيلم (الملكة).
ظني الشخصي أن مخرج الفيلم، الإسرائيلي المقيم في أمريكا (جاي ناتيف) كان هدفه من الاستعانة بهيلين إضفاء اللمسة الأنثوية التي تتميز بها الممثلة البريطانية على شخصية جافة دموية مثل (جولدا مائير) أملا في أن يكسبها تعاطف المشاهدين.
لكنه فشل في ذلك ربما لعدم وجود مواقف إنسانية حقيقية لرئيسة الوزراء السابقة، رغم محاولته (حشر) مشاهد إنسانية مثل إظهار تعاطفها مع سكرتيرتها التي فقدت ابنها المجند في حرب أكتوبر، لكن حتى هذا التعاطف ظهر باردا خاليا من اللمسة الإنسانية التي يمكن أن تثير التعاطف.
بعيدا عن التقييم الفني لفيلم (جولدا) فقد استرعى انتباهي بعض الجمل الحوارية التي وردت بين المشاركين في العمل وتعد بمثابة رسائل مبطنة لمن يريد أن يفهمها.
أولى تلك الجمل قول (جولدا) لأحد قادة الجيش: (لو توقف العرب عن الخوف منا سينتهي وجودنا على تلك الأرض)، وهي قناعة تبدو راسخة لدى المسؤولين الاسرائيليين عبر الأجيال.
حيث تشبه تصريحات (نتنياهو) منذ بدء العدوان الاسرائيلي الحالي على غزة بأن وحشية الاعتداءات تهدف لمنع الفلسطينيين من تكرار ما فعلوه في عملية (طوفان الأقصى).
(جولدا) وعدم تعاون (هنري كيسنجر)
حوار ثان يكشف قدرة الاسرائيليين على ابتزاز المسؤولين الأمريكيين بكل الطرق، حيث تعترض (جولدا) على عدم تعاون (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الديانة مع إسرائيل وتباطؤه في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها خلال حرب أكتوبر المجيدة، وتهدده بأنها ستترك إدارة الحرب وتسافر لزيارة أمريكا.
عندما يبدي (كيسنج) اندهاشه من تلك الخطوة وأنها ستثير قلق وذعر اليهود في أمريكا ترد عليه بأن هذا هو الهدف من الزيارة، ما يجعله يتراجع ويبلغها أنه سيرسل عدة طائرات حربية في اليوم التالي.
حوار ثالث جمع بين (جولدا) ومترجمتها الشخصية التي لعبت دورها الممثلة الفرنسية (كاميل كوتين) حين تطلب منها جولدا أن تقتلها بنفسها إذا دخل القوات المصرية والسورية تل أبيب: (لا تسمحي لهم بان يأخذونني حية).
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جولدا).. كذبة إسرائيلية سينمائية جديدة
وفي مشهد آخر يرصد حالة الرعب التي أصابت (موشيه ديان) وزير الدفاع الإسرائيلي في الساعات الأولى من عبور الجيش المصري لقناة السويس، وكيف أصيب بصدمة نفسية أفقدته توازنه لدرجة محاولته تجنب حضور اجتماعات مجلس الحرب هناك لولا الحاح (جولدا) عليه بالحضور.
أهمية هذه المشاهد تتمثل في كونها اعترافا إسرائيليا بأن أي هجوم عربي عليهم يصيبهم بالرعب ويستدعي إلى أذهانهم كل مخاوفهم القديمة من تلاشي دولة الاحتلال، لكنهم محظوظون بوجود العديد من المسؤولين في الدول المحيطة الذين لا يؤمنون بهذا أو يعرفونه لكنهم يقنعون شعوبهم بعكسه لترسيخ شعور الاحباط لديهم.
أخيرا فقد قرأت بعض المقالات النقدية العربية للفيلم رأته حلقة من حلقات الدعاية والتزوير الصهيونية لأحداث تاريخية معروفة، وهو أمر اعتادت (تل أبيب) على ممارسته لكن المصيبة في اعتقادي إننا كشعوب ومبدعين عرب في الجهة المقابلة ليس لدينا معلومات موثقة ورسمية معلنة تمكننا من دحض تلك الأكاذيب.