نهاية حزينة بين (شريف سلامة وتارا عماد) في مسلسل (العودة)
كتب: محمد حبوشة
لست أدري لماذ يصر كتاب الدرما الصعيدية أن تقتصر قضاياها على الثأر وتجارة الآثار والتنقيب عن الذهب، وشغل أذهاننا بمطاردات وفتن وضغائن لا قبل لنا بها، كما جاء في مسلسل (العودة).
علما بأن هذا الصعيد برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب من كل ما تنسبه له المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية حتى تلك التي صاغ حواراتها شاعرنا (الصعيدي) عبد الرحمن الأبنودي.
ما هكذا تورد الأبل يا صناع مسلسل (العودة)، فقد كان ولم يزل صعيد مصر بئرا مترعة بالأسرار في حياة المصريين، لا أحد يستطيع فك شفرتها وحل ألغازها وفهم المفارقات المحاطة بقدر هائل من سوء النوايا سواء في الفهم أو التعامل.
مسلسل (العودة) يطرح نفس السؤال الجدلي التقليدي: وهو: لماذا يظل هذا (الصعيد) مرتعا للعصبية القبلية والغضب الاجتماعي؟، ولماذا يقدم ذلك (الصعيدي) على القتل سواء في جرائم الثأر أو تجارة الآثار؟
كما أن مسلسل (العودة) يفجر السؤال الأهم: لماذا يغرق الدم حقول الصعيد؟، وإلى متى سيظل هذا الوضع قائما؟، وهل هناك صلة بين الثأر وتجارة الآثار والتنقيب عن الذهب وشغل أذهان الناس بالكنز المدفون؟
وهل تغيرت الأعراف الاجتماعية الصارمة التي طالما حكمت الصعيد بقبضة حديدية طيلة قرون مضت؟، وهل هناك بارقة أمل في أن تتغير هذه الإشكالية المزمنة ذات يوم؟
يبدو أنه لا مفر من أن تكون البداية بالثأر، ومن خلال واحدة من أبرز قضاياه التي لا تزال قائمة حتى اليوم بين عائلتي (البلابيش والحميدات) بقرى مركز دشنا بمحافظة قنا في أقصى الجنوب.
وربما لا يعرف الكثيرون أنها بدأت بحادث (تبول)! ، ورغم وجود أسباب أخرى معلنة أكثر وجاهة إلا أن ذلك يعكس عشرات الدوافع والجوانب فى التكوين الإجتماعى الخاص لشخصية الصعيدي.
وهنا لا بد من وقفة لقراءة سريعة في قواعد الثأر وأعرافه وحساباته، حيث ترتبط بالثأر لدى قبائل الصعيد معتقدات وتقاليد شديدة الخصوصية من أبرزها كما بدا لنا في (مسلسل العودة): قدسية الثأر بمعنى كونه واجباً مقدسا.
(العودة).. وروح القتيل
فالمسئول عن الأخذ بالثأر أو من يعرف بـ (ولي الدم) أو صاحبه، لا يتوانى عن القيام بهذه المهمة، مهما كلفه ذلك من مشاق، بل ربما يذهب (ولي الدم) لأبعد من هذا حينما يقرر أن يفرض على نفسه سلوكاً متقشفاً
كما يسود اعتقاد راسخ لدي بسطاء الصعيد أن روح القتيل تخرج من القبر ليلا لتصرخ مطالبة بالثأر ممن قتله، وأن هذه الروح لن ترقد في سلام حتى يثأر لها ذووها، وكثيراً ما تلعب نساء القبيلة الصعيدية دور (المحرض) في هذا الأمر.
إذ لا تكف العجائز عن رواية أحلامهن بأنهن رأين في الأحلام فلانا (القتيل) وهو يصرخ أو يبكي بحسرة لأنه لم ينجب رجالاً يثأرون له، وتمتزج الخيالات بالحقائق، وتمضي النسوة العجائز من التحريض إلى تقريع وتبكيت شباب العائلة.
إقرأ أيضا : شريف سلامة : كره الجمهور لـ (سيف الدندراوي) أسعدني، وانتظروا (ورق التوت)
بما لهن من سطوة واحترام كبيرين داخل الأسرة الصعيدية التقليدية، كما قد يصل الأمر لحرمان الأزواج والزوجات من بعضهم البعض، والويل والثبور لمن يبدي أي اعتراض على تدخل (الجدات) اللاتي يتعمدن النوم في غرف أبنائهن وزوجاتهم حتى تحول بين الرجل وزوجته .
ربما لم يشهد مسلسل العودة تحريضا ما من جانب النساء أو الجدات، ولكن (آدم/ شريف سلامة) ظل شغله الشاغل طوال الحلقات أخذ ثأر شقيقه (يحيى/ تامر نبيل) حتى أنه أهمل حياته الشخصية وأضاع حبه لـ (كيان/ تارا عماد) في سبيل الانتقام لأخيه.
و(آدم) هنا يركن إلى السائد في الأعراف والتقاليد الصعيدية أن الحق في الثأر لا يتقادم أبدا مهما مر من الزمن، (فصاحب الدم) أو وليه، يترتب له الحق في الانتقام من غريمه في الحال إذا استطاع لذلك سبيلا.
وإذا لم يستطع ، كان له الحق في الثأر في أي وقت لاحق متى سنحت له الفرصة، وربما امتدت الفترة الزمنية حتى بعد وفاة (ولي الدم) ، فينتقل هذا الحق أو بتعبير أدق ذلك الواجب لذريته.
الأعراف القبلية في (العودة)
فليس ثمة ما يمنع في الأعراف القبلية في الصعيد ولو بعد عشرات السنين بحسب مسلسل (العودة) الذي شهد صراعا جاء هذه المرة كمسلسل صعيدي باهتا من حيث الأداء إلا قليلا من جانب (حمزة العيلي وليد فواز، محمد عبد العظيم، محمد رضوان، عايدة فهمي).
هؤلا أجادوا في الأداء، بينما أخفق (شريف سلامة، وتارة عماد) اللذين لم يبديا أية حرارة حتى لقاءتهما الرومانسية، بينما ضرب (عصام السقا) كل قواعد التمثيل لشخصية العمدة التي برع فيها كبار ممثلينا وعلى رأسهم الراحل العظيم (صلاح منصور).
لا أنتقد عدم فهم التركيبة الصعيدية ودراسة مكنوناتها وقولبتها في زي محدد ولهجة معينة وتقديم صورة نمطية للشخص الصعيدي، ولكن أنتقد تكرار التيمة وإهمال قضايا حيوية داخل المجتمع الصعيدي على حساب الثأر وتجارة الآثار التي أصبحت ممجوجة.
ويبد لي أن كثيرا من الكتاب والمخرجين لا يريدون التعب والعمل على دراسة الشخصية الصعيدية، فيلجأون للكليشيهات الجاهزة، ويصنعون مسلسلا مأخوذة أفكاره من مسلسل آخر يتحدث عن الصعيد، ووصل الأمر إلى الحوار ذاته، يؤخذ من دراما سابقة وحتى بعض المشاهد تصبح مكررة ومستهلكة.
إقرأ أيضا : شريف سلامة : الرعب جذبني فى فيلم (عمار)
وبالنسبة لمسلسل (العودة)، فتدور الأحداث في إطار صعيدى حول (آدم) الذي يعود لبلده الأقصر بعد اختفاء شقيقه (يحيى) في ظروف غامضة ليبدأ رحلة البحث عنه.
وخلال البحث تتجدد علاقة الحب القديمة بين (آدم وكيان) التي لم يستطع الزواج منها قبل سفره لعدم قبول أهلها لتجمعهم الأحداث مرة أخرى، وتذهب الأحداث لمصير (يحيى) بعد ظهور دلائل على قتله وأن سر اختفائه هو خريطة قديمة لمنجم ذهب.
لكن على الرغم من ذلك لم يحافظ (آدم) على علاقة حبه لـ (كيان)، فقد حالت الظروف إلى نهاية حزينة بالطلاق بينهما.
(ماستر سين) مسلسل العودة
وعلى الرغم من أداء شريف سلامة المتشنج وبرودة أداء (تارا عماد) إلا أن مشهدا واحدا هو المواجهة بينهما في نهاية الحلقة (30) أعتبره (ماستر سين)، على مستوى جودة الأداء، وجاء على النحو التالي:
كيان: جاي ليه يا آدم.. مش مكفيك اللي عملته ولا جاي تشمت فينا؟
آدم: أشمت.. جاي عشانك يا كيان !.. احنا قعدنا سنين طويلة نستنى اليوم اللي يجمعنا فيه تحت سقف واحد، معقول بعد كل ده نخسروا بعض ؟!
كيان: الدنيا مابترجعش لورا.. انت ضيعتني بدل المرة عشرة.. حبسة أخوي متجيش حاجة جنب كسر قلبي.. انت قطعت بينا الأمل.
آدم: انت مراتي واللي بينا ما يخلصش بكلمة !
كيان: مراتك على الورق وبس.. اتكتب علينا نبقى أغراب حتى ولو كنا حتى متجووزين.. حكمة ربنا اللي فهمتها متأخر.. محدش عارف لو كنا خلفنا العيل كان مصيره حيبقى ايه؟.. حيعيش كيف؟ وأبوه ساجن خاله!
آدم: هاشم هو اللي ظلم روحه.. كنتي عايزاني أعمل ايه.. أداري عنه؟.. روحي لوميه هو اللي مشي في السكة الغلط.
كيان: كل واحد بيختار طريقه.. وأنا اخترت مكنش ليك.. طلقني يا آدم.
آدم: لا الأيام كفيلة تصلح اللي بينا.
كيان: ده قراري ومفهوش رجعة.
آدم: كيان.. انتي طالق.
يذهب (آدم) مهزوما ومكسورا على حبه الذي ضاع، بينما كيان تقف حزينة على قصة حبها التي تحدت فيها عائلتها وكللت بالزواج في النهاية، لكنها سرعان ما انتهت بالطلاق.