* ستيفن سبيلبيرج أبًا لخمسة أطفال وأراد أن يتربوا على هوية يهودية قوية (17)
بقلم: حنان أبو الضياء
يعشق (سبيلبيرج) إبراز الجانب اليهودي فيه، ليس عبر أعماله اليومية فقط، ولكن أيضاً من خلال أفلامه، فصانع أفلام (قائمة شندلر، إنقاذ الجندي رايان، ميونخ، لينكولن)، لا يوفر فرصة يدعم فيها الأفكار الصهيونية عبر تصوير مشاهد بعينها.
إنه (سبيلبيرج) مؤسس جمعيّة خيريّة تُعنى بدعم المجتمع اليهودي وتنظيمه سمّاها (رجال الصلاح)، قامت هذه الجمعيّة في عام 2006، بالتبرع بمبلغ مليون دولار دعماً لدولة الاحتلال في حربها على لبنان.
أطلق اسم (سبيلبيرج) على أكبر أرشيف مرئي يهودي، وهو (أرشيف ستيفن سبيلبيرغ للأفلام اليهودية) كتكريم له.
أسست الجامعة العبرية في القدس ذلك الأرشيف عام 1960، ثم أعلنت منظمة الصهيونية العالمية عن اعتباره المخزن الرسمي لأفلامها.
لم يتقاض (سبيلبيرج) دولاراً واحداً عن عمله في فيلم (قائمة شندلر)، بل قام بالتبرع بكافة أرباحه إلى صالح مؤسسة (المحرقة)، والتي تهتم بتسجيل شهادات حول المحرقة النازية ممن عاشها ثم أرشفة هذه التسجيلات.
أنشأ (سبيلبيرج) هذه المؤسسة بنفسه بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، فيما يعتبر أن فيلم (قائمة شندلر) هو أقرب أفلامه إلى قلبه.
يميل دوما إلى الإشارة إلى أن اليهود مكروهون في كل بقاع الأرض ويتبني الفكرة الصهيونية الداعمة بالهجرة نحو البلد (التي تفيض لبناً وعسلاً).
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (ستيفن سبيلبرج).. اليهودى الذى عبر عن نفسه في العديد من أفلامه (15)
أوضح (سبيلبيرج) اختياره مشهداً يقوم فيه ناجون من المحرقة اليهودية بزيارة قبر أوسكار شندلر الحقيقي ليكون نهاية فيلمه الشهير (قائمة شندلر) Schindler’s List.
قال (سبيلبيرج): (كان إنكار الهولوكوست يتصاعد مجدداً حينها، وهذا هو السبب الكامل لقيامي بصناعة الفيلم في عام 1993، كانت تلك النهاية وسيلة لتأكيد أن كل شيء في العمل كان حقيقياً..
لم أصنع أي فيلم على الإطلاق يوجه بهذه المباشرة رسالة اعتقدت أن العالم بحاجة إلى سماعها، إنه يحتوي على رسالة ضرورية باتت مهمة اليوم أكثر مما كانت عليه في عام 1993، لأن معاداة السامية أسوأ بكثير اليوم مما كانت عليه عندما صنعت الفيلم).
(سبيلبيرج).. و(قائمة شندلر)
ذكر (سبيلبيرج) أيضاً أن (قائمة شندلر) هو تكريم لوالديه إضافة إلى يهوديتهما المشتركة وهويتهما اليهودية.
أثناء إحدى زياراته لبولندا للحديث مع بعض الناجين من المحرقة، قال (سبيلبيرج): (إن كنت يهودياً اليوم، في الواقع إن كنت أي شخص يؤمن بحرية الدين وحرية التعبير، فأنتم تعلمون أننا مثل مجموعات أخرى نواجه اليوم شياطين التعصّب).
معرباً عن تخوّفه بأن معاداة السامية عادت لتزداد في جميع أنحاء العالم بعد أكثر من 70 سنة على المحرقة.
أمّا في أحد المشاهد الختامية لفيلم (لينكولن) يحن إلى صهيونيته، متجاوزا حادث اغتيال (لينكولن) الذي نفذه يهودي، واكتفى بالإعلان عن موت الرئيس دون رؤيتنا للطريقة التي مات فيها.
وينحدر القاتل (بوث) من عائلة يهودية هاجرت من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، وهو ممثل مسرحي عمل مع أنصار الكنفدرالية ضد الرئيس (لينكولن).
وقام باغتياله في 14/4/1865 بناء على تعليمات من (جودا بنيامين) عضو المجلس الأول ليهود شمال أميركا ومدير حملة الحرب الأهلية لعائلة روتشيلد، انتقاماً من الرئيس.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب عن (سينما صهيون): يهودى الشتات بين متحول (وودي آلن)، وصعلوك (تشابلن).. (14)
(سبيلبيرج) يحمل الفيلم أفكاره هو؛ فعندما يستقل (لينكولن) وزوجته عربة بعد أن تمت الموافقة على قانون تجريم العبودية وإعلان انتهاء الحرب الأهلية في البلاد.
يميل الرئيس إلى زوجته فيخبرها بأنه يشتاق إلى الذهاب (إلى القدس والسير في أزقة البلدة القديمة؛ حيث مشى كل من سليمان وداوود).
لينضم المشهد إلى قائمة (سبيلبيرج) الصهيونية، بالدعوة الصريحة إلى اعتبار فلسطين هي الأرض المقدسة من وجهة النظر التوراتية. فذكر لينكولن لكل من النبي سليمان والنبي داوود يعطي ملامحاً واضحة لطبيعة هذا الحنين الديني للأراضي المقدسة، والذي ربطته الصهيونية كحركة في كافة أدبياتها عن الدولة والوطن المنشود.
فهذه الذريعة الدينية التي صنعتها التوراة المحرفة في العقل اليهودي، تغلغلت في صدر كل يهودي من أجل تثبيت حقوق شرعية تبرر وجودهم في هذه الأرض، وتحقيق النبوءات التوراتية بالعودة إلى فلسطين.
(سبيلبرج).. والصراع اليهودي
وفي المشاهد الختامية لفيلم (قائمة شندلر) الصادر عام 1993، ويحكي الفيلم قصة الصراع اليهودي من أجل البقاء إبان الحرب العالمية الثانية بعيون رجل أعمال اسمه (شندلر) يقوم بمواجهة قائد نازي.
فيساهم بأمواله في إنقاذ أكثر من 1000 يهودي عبر توظيفهم للعمل في مصنع لأواني الطبخ.
في المشهد الأخير يأتي جندي سوفييتي على ظهر حصان إلى بوابة المصنع ليجد اليهود مستلقين هناك على الأرض.
يخبرهم بأن الجيش الروسي قد حررهم، فيسألونه أين نذهب؟، فيرد بأنه لا يعلم، لكن من المؤكد أن لن يذهبوا نحو الشرق، فإنهم مكروهون هناك، ولا نحو الغرب فهم أيضاً مكروهون هناك.
ثم يسألون عن الطعام، فيشير بيده نحو مكان بعيد ويقول: (أليست هذه القرية التي هناك؟)، لنرى بعدها جموع اليهود وقد تكاتفوا يداً بيد وبدأوا المسير نحو تلك (القرية)، وقد توسطهم (سبيلبيرج) نفسه.
فالإشارة بأن اليهود مكروهون في كل بقاع الأرض والتي تبعها توجيه صارخ إلى قرية فيها طعام هو إشارة واضحة إلى تبني الفكرة الصهيونية بالهجرة نحو البلد (التي تفيض لبناً وعسلاً).
وقد جاء مشهد الهجرة على وقع أنغام نشيد (قدس الذهب) العبري، وهو نشيد إسرائيلي صدر عام 1967 يتحدث عن حنين اليهود لمدينة القدس وعدم قدرتهم على الوصول إلى بلدتها القديمة.
هدف هذا النشيد إلى إعادة الانتباه إلى مركزية القدس صهيونياً.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب عن (سينما صهيون): أفلام (وودي آلن).. يهودية بشكل لا يصدق (6)
قصيدة (قدس الذهب)، تكشف عن مكانة القدس الوجدانية في الشعر العبري المعاصر، والفكر اليهودي، خاصة وأن المظاهر العنصرية الإسرائيلية تجاه العرب الفلسطينيين حاضرة بقوة داخل المجتمع الإسرائيلي.
من خلال التلاعب بالكلمات والتعابير التي استخدمتها الشاعرة في القصيدة، لتؤكد مكانة القدس (الشرعية) الراسخة في الوجدان اليهودي، والفكر الصهيوني، وادعائها الباطل بالحق التاريخي.
خاصة وأن قصيدة (قدس الذهب) تحظى بشهرة واسعة ومكانة متميزة على المستوى الجماهيري والنقدي في المجتمع الاسرائيلي، وأصبحت أقرب إلى النشيد الوطني الرسمي لإسرائيل.
حيث أنها تعد إحدى قصائد (ناعومي شيمر) الحماسية الأولى التي عكست وجهة النظر الإسرائيلية تجاه القدس بأنها مدينة يهودية خالصة لا مجال لقسمتها، فهي نشيد الإسرائيليين في كل مناسباتهم الاجتماعية والسياسية والقومية.
(سبيلبرج).. و(إنقاذ الجندى رايان)
فى (إنقاذ الجندى رايان) يركز الفيلم على تقديم أنه استياء يهودي ضد الفاشيين الألمان في الخنادق، أخذ الجنود الألمان سكينا قتلوا، وقال: (لقد كان شباب هتلر سكين، سكين الخبز الآن اليهودي).
وفى السيرة الذاتية التي تم إصدارها حديثًا، (سبيلبيرج): حياة في الأفلام لمولي هاسكل، يتعمق في الحياة اليهودية للمخرج الشهير وتأثير طفولته على عدد لا يحصى من أفلامه الحائزة على جوائز.
منذ سنوات مضت، وقبل إصدار (قائمة شندلر مباشرة)، تحدث (سبيلبيرج) بصراحة عن جذوره اليهودية وعن آماله لأطفاله.
عندما كان طفل كانت عائلة (سبيلبيرج)، انتقلت من أوهايو إلى أريزونا إلى كاليفورنيا، وكانت في كثير من الأحيان العائلة اليهودية الوحيدة في الحي.
(لقد شعرت بالحرج، وكنت أشعر بالخجل من نفسي. كنت أدرك دائمًا أنني متميز بسبب يهوديتي، في المدرسة الثانوية تعرضت للضرب والركل، أنوف دامية، كان الأمر مريعا).
لقد فقدت عائلة (سبيلبيرج) عائلتها في الهولوكوست؛ وكان لديهم عدد من الأقارب الذين ماتوا في بولندا وأوكرانيا.
وفي سن السادسة والأربعين، اتخذ (سبيلبيرج) خطوة شجاعة في رحلته اليهودية من خلال حشد الشجاعة للعودة إلى آلام وظلام المحرقة من خلال إعداد (قائمة شندلر).
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: اليهود وطنوا (سينما صهيون) في وسط القدس! (3)
لقد عُرض عليه المشروع قبل عشر سنوات، لكنه لم يشعر بأنه مستعد لمواجهة التحدي العاطفي والروحي الهائل الذي تطلبه منه إنتاج فيلم عن المحرقة.
جاء اختيار إنتاج الفيلم في وقت من حياة (سبيلبيرج) عندما بدأ كونه يهوديًا يأخذ المزيد من التركيز الشخصي، في تلك المرحلة، كان (سبيلبيرج) أبًا لخمسة أطفال وأراد أن يتربوا على هوية يهودية قوية.
قال المخرج: (أنا أتقدم في السن، ربما هذه هي الطريقة الأكثر صدقًا للتعبير عن الأمر، عندما ولد أطفالي، اتخذت قرارًا بأن يتربوا كيهود وأن يحصلوا على تعليم يهودي).
تحولت زوجته الثانية (كيت كابشو) إلى اليهودية بعد أكثر من عام من الدراسة مع حاخام أرثوذكسي، بعد ذلك بوقت قصير، تم لصق الميزوزا على مداخل جميع منازل ومكاتب (سبيلبيرج).
(سبيلبيرج).. ومطبخ كوشير
وقام (سبيلبيرج) ببناء مطبخ كوشير منفصل في الطابق السفلي من منزله في لوس أنجلوس حيث كانت والدته (ليا أدلر) تطبخ وجبات العطلة للعائلة.
تحدثت والدته (ليا) في كثير من الأحيان عن أن ستيفن لم يكن طالبًا عظيمًا أو يتمتع بشعبية كبيرة، ولكن حتى عندما كان طفلاً، كان دائمًا يرى الأشياء بشكل مختلف عن أي شخص آخر.
يتذكر (سبيلبيرج) كيف كانت والدته تتحدث معه عن الهولوكوست حتى عندما كان طفلاً صغيراً.
(عندما كنت صغيراً جداً، أتذكر والدتي تخبرني عن صديقة لها في ألمانيا، عازفة بيانو عزفت سيمفونية غير مسموح بها، فصعد الألمان على خشبة المسرح وكسروا كل أصابع يديها، لقد نشأت مع قصص النازيين الذين كسروا أصابع اليهود).
في ولاية أوهايو، قامت جدة (سبيلبيرج) بتدريس اللغة الإنجليزية للناجين من المحرقة. تحدث (سبيلبيرج) عن كيفية تعلمه للأرقام من أحد الناجين من محتشد أوشفيتز الذي استخدم الوشم المحروق على ذراعه لتعليم (سبيلبيرج) الشاب.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (سينما صهيون).. أول خطوة فى الاستيطان (1)
يتذكر (سبيلبيرج) قائلاً: (كان يشمر عن سواعده ويقول: (هذا أربعة، وهذا سبعة، وهذا اثنان، لقد كان هذا هو مفهومي الأول للأرقام، كان يقول دائمًا: (لدي خدعة سحرية).
وأشار إلى ستة، ثم حرك مرفقه وقال: (الآن أصبح الرقم تسعة) بطريقة غريبة، تعود حياتي دائمًا إلى الصور المحيطة بالهولوكوست..
لقد كانت المحرقة جزءًا من حياتي، فقط بناءً على ما كان سيقوله والداي على مائدة العشاء، لقد فقدنا أبناء عمومتنا وخالاتنا وأعمامنا).
اليوم لدى (سبيلبيرج) سبعة أبناء وثلاثة أحفاد، ويقول إن إعداد (قائمة شندلر) كان نقطة التحول عندما قرر إنشاء شيء (من شأنه أن يؤكد يهوديتي لعائلتي ولنفسي).
ولا يزال يتحدث حتى اليوم عن كيف أدى تحول زوجته إلى اليهودية قبل زواجهما عام 1991 إلى تجديد التزامه باليهودية وتعليم أبنائه اليهودي.
(سبيلبيرج).. وحب إسرائيل
في تلك المرحلة بدأت عائلة (سبيلبيرج) في الاحتفال بجميع الأعياد اليهودية وإضاءة الشموع ليلة الجمعة.
لقد أعطوا أطفالهم طقوس الحانة والخفافيش، وقد قام (سبيلبيرج) بتربيتهم على حب إسرائيل وارتباط قوي بجذورهم اليهودية.
لقد تحدث (سبيلبيرج) بشكل علني ومتكرر على مر السنين عن دعمه لإسرائيل وتفانيه في مواصلة تعليم المحرقة.
(كيهودي، أنا أدرك مدى أهمية وجود إسرائيل لبقائنا جميعا، ولأنني فخور بكوني يهوديًا، أشعر بالقلق من تزايد معاداة السامية ومعاداة الصهيونية في العالم. خمس ولايات فقط تفرض تعليم المحرقة في مدارسها.
سأستمر في الدعوة إلى فرض برامج التعليم بشأن المحرقة في جميع الولايات الخمسين، وأن تكون برامج تعليم التسامح شرطًا لتخرج خريجي المدارس الثانوية.