بقلم: محمد شمروخ
عامان مرا على رحيل الأستاذ (وحيد حامد)، ومع هذه الذكرى تم التركيز على إعادة أعمال السيناريست العظيم، لتتناوبها القنوات التلفزيونية وفي القلب منها المتخصصة في الأفلام العربية.
والحقيقة أن تركة (وحيد حامد) التى أورثها لجمهوره العريض، تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها وتحليلها.
والسمة الرئيسية التي تميز الكثير أفلامه، أنها قابلة للمشاهدة لأكثر من مرة، وفي كل مرة تشعر وكأنك ترى الفيلم للمرة الأولى، فتستحضر نفس الاهتمام والتأثر والحزن والفرح والسخط والتعاطف والغضب والرضا مع المواقف المتتالية في الفيلم.
ومن أهم مزايا (وحيد حامد) أنه يخرج من الشخصيات العادية، مواقف ومشاعر غير عادية، فترى التعبيرات البسيطة تنم عن حكم عميقة في المواقف والشخصيات والمفارقات بين الدموع في التراجيديا والضحك في الإفيهات الكوميدية التى نرددها في حواراتنا اليومية.
ولا أدرى أكان مخرجو وممثلو أفلامه محظوظين به أم هو الذي كان محظوظاً بهم؟!
إقرأ أيضا : محمد شمروخ يكتب: إعلام (أحمد سعيد) .. من يملك الإدانة؟!
فقد رسم (وحيد حامد) الشخصيات على الممثلين وكأنهم فصلوا لها تفصيلا، فهو في ذلك كأنه يعيد تكوين الممثل على الدور، فتراه ملائما مع الشخصية وكأنها هى التى تؤديه وليس العكس!
لكن أعتقد أن (وحيد حامد) والمخرجين والممثلين والموزعين، كانوا محظوظين أيضاً، بذلك العهد الممتد طوال حياته كسناريست سواء للأفلام التى كتب قصتها أم الأفلام التى كتب لها السيناريو.
فجراءة طرح قضايا وموضوعات الأفلام إحقاقا للحق، تحسب في نسبة معتبرة منها إلى العهد السياسي الذي أنتجت وعرضت فيه هذه الأفلام.
فهناك أفلام بلغت غاية من الجراءة مثل فيلم البرئ الذي أنتج سنة ١٩٨٦، وكذلك الفليم الأكثر جرأة (كشف المستور)/ والذي مازلت متعجباً من كيفية خروجه على هذا النحو، وعلى قريب من الدرجة نفسها أو يزيد عنها.
جاءت أفلام مثل (المنسي واللعب مع الكبار والإرهاب والكباب والنوم في العسل وطيور الظلام ومعالي الوزير وقط وفار)، وإن كان هذا الأخير أنتج في سنة 2015.
لكن باقى الأفلام كلها كانت في عصر الرئيس الأسبق الراحل حسنى مبارك.
(وحيد حامد).. وشجاعة الطرح
وحتى فيلمى الراقصة والسياسي من تأليف إحسان عبد القدوس أو عمارة يعقوبيان من تأليف علاء الأسوانى، جاء العرض السينمائي في كليهما بسيناريو (وحيد حامد)، فحافظ على شجاعة الطرح وعبر عنه وكأنه المؤلف نفسه هو الذي وضع السيناريو!
الغريب أن كل ذلك تم في ظل عهد قامت عليه ثورة شعبية كبرى، وكان (كبت الحريات) هو أهم ما تذرع به المطالبون برحيل مبارك، حتى صدر التصريح الشهير من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأن (على مبارك أن يرحل الآن.. والان يعنى الآن!).
وكانت حجة أوباما بصفته رئيس مجلس إدارة الكرة الأرضية والعضو المنتدب من المجموعة الشمسية، أن مبارك كان ديكتاتورا قامعا للحريات.
واسمحوا لى هنا بأن أتحول من محاولات طرح رؤى فنية، تاركاً الأمر للنقاد المتخصصين، حول أفلام (وحيد حامد) الجريئة، والتى تم الإشارة فيها إلى (الرجل الكبير) في أكثر من حوار بالتصريح أو التلميح، وأطرح رؤية بعيدة عن التقييم النقدى.
فلابد أن يعطى كل ذي حق حقه، فأفلام (وحيد حامد) التى عرضت على الشاشات، لهى شهادة تجعل من الضرورة أن يراجع الكثيرون موقفهم حيال عهد مبارك وأسباب الثورة عليه، مع الأخذ في الاعتبار بأن هناك أخطاء فادحة.
لكنى هنا لا أناقشها، لأنى هنا بصدد نفى الافتراء على عهد مبارك بوصم أنه كان عهدا قامعا لحرية التعبير، خاصة وأنه بعد 19 يوماً من الآن، ستحل ذكرى ثورة يناير التي أسقطت مبارك وكادت الأحداث بعدها تسقط البلاد في هوة عميقة ما لها من قرار!
يمكن كذلك أن نقبل بوصف ما حدث بأنه هامش الحرية (فلنمررها هامشا) الذي سمح به حسنى مبارك، فكان بمثابة تنفيس وصار أحد أهم أسباب طول العهد المباركى!
لكن مع ذلك، فعلى أن أتقدم بالشكر والتقدير لهذا الهامش الذي زود السينما المصرية بمثل هذا السيناريست العظيم، فكانت مثل هذه الأفلام، كذلك أشدد في الإشادة بمثل هؤلاء المخرجين والممثلين لأنهم
كانوا شجعانا تحملوا المسئولية إلى درجة المغامرة، لكن جاءت النتائج في صالح الجميع واستمتعت الجماهير بهذا العقد الفريد من درر الشاشة الكبيرة عن طريق الأستاذ وحيد ككاتب أو كسيناريست أو كمنتج.
(وحيد حامد).. ومبارك
كما أن أكثر ما يجعلنى أقف احتراما لتاريخ الأستاذ (وحيد حامد) – رحمه الله، هو أنه عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك – رحمه الله، لم يركب الموجة التى ركبها الكثير من الناس، حتى الذين استفادوا وحققوا نجوميات وثروات خلال عهد مبارك.
بل وفي خضم الغضب على عهد مبارك، نجد (وحيد حامد) يدلى بتصريح لصحيفة الشرق الأوسط بأنه (لا يستطيع أن يتطاول على الرئيس مبارك)، قال (وحيد حامد) هذا في وقت انهالت فيه السكاكين الحادة و(التلمة) على مبارك وعهده!.
وزاد (وحيد حامد) بذكره وشكره مواقف إيجابية لا تنسي صدرت من مبارك تجاهه، خاصة في مرضه الذي استدعى سفره إلى الخارج، وقرار مبارك بعلاجه على نفقة الدولة.
قال الأستاذ (وحيد حامد) هذا ولم يكن مضطراً لقوله، بل ربما كان سيتعرض بسبب هذا القول، لنهش الأسنان المسنونة حينئذ على كل من لا يقذف مبارك بكومة حجارة، فضلاً عمن يحاول الدفاع عنه!.
كشف الأستاذ (وحيد حامد) أيضاً أنه خدم جندياً في القوات الجوية في فترة تولى مبارك قيادتها، وكان الأستاذ في حل من أن يذكر ذاك!
إقرأ أيضا : محمد شمروخ يكتب: حلقة (بكرى) عن (حرب أكتوبر).. عندما يحكم الهوى !
بل أذكر مناقشة ساخنة أوشكت أن تتحول إلى مشادة على الهواء بين الأستاذ (وحيد حامد) وبين أحد الإعلاميين المشهورين من المنقلبين على مبارك بعد طول تأييد!
فالأستاذ (وحيد حامد) – رحمه الله، كان فنانا حقيقيا جندياً مخلصاً لوطنه عارض في شجاعة، وقال لا لكثير من السلبيات الاجتماعية والسياسية، لكنه لم يزايد بها ويصدق التعبير الفني الجميل عرض الأمراض التى عانى منها واقع الناس.
فيحسب له أنه لم يتاجر بآلامهم في أفلام ومسلسلات صارت من علامات الأعمال التمثيلية التى ارتبطت بذكرياتنا وواقعنا فكانت بالأمس وكأنها اليوم.
فلم يتلاعب (وحيد حامد) بآمالهم، حين حانت فرص التجارة والتلاعب للمتاجرين والمتلاعبين!
فصار (وحيد حامد) علامة في تاريخ الدراما المصرية واستحق بجدارة أن يكون علامة بارزة كتبت بحروف من نور على الشاشات الصغيرة والكبيرة وفى ذاكرة الناس جميعاً.