ماذا حدث لـ (عبدالوهاب) في لبنان ودمشق أثناء عرض (الوردة البيضاء)؟!
كتب : أحمد السماحي
كان ظهور فيلم (الوردة البيضاء) لمطرب الملوك والأمراء (عبدالوهاب) حدثا كبيرا في مصر والعالم العربي.
ففي مثل هذه الأيام من عام 1934 كان لا حديث للشارع العربي إلا على (عبدالوهاب) وفيلمه الجديد والأول (الوردة البيضاء) الذي عرض يوم 4 ديسمبر 1933.
وكان فيلم (الوردة البيضاء) من تأليف وإخراج محمد كريم، وبطولة كوكبة من نجوم هذه الفترة وهم (سليمان نجيب، سميرة خلوصي، دولت أبيض، محمد عبدالقدوس، زكي رستم) وغيرهم من الفنانيين.
تعالى بنا عزيزي القارئ نعود إلى يوم 5 يناير عام 1934 ونطالع مجلة (الصباح) العدد 380 والذي كانت تتصدر صورة الغلاف الفنانة الجميلة (ماري كويني) ونقرأ ماذا حدث لـ (عبدالوهاب) في لبنان ودمشق وفلسطين؟!
(عبدالوهاب) في بيروت
يقول مراسل (الصباح) : كان من المنتظر أن يصل الأستاذ (عبدالوهاب) إلى بيروت ظهر يوم الأربعاء في 27 ديسمبر فيقضي ليلة فيها، ثم يسافر في اليوم التالي إلى دمشق لحضور العرض الأول لشريطه الجديد (الوردة البيضاء).
ولكن القطار الحديدي تأخر في الطريق بين القنطرة وحيفا، لأن قطار شحن حاد عن الخط فسبب تأخير قطار الركاب مدة خمس ساعات، فلم يصل الأستاذ (عبدالوهاب) إلا مساء الأربعاء.
وقد ذهبت صباح الخميس إلى مقابلته باسم (الصباح) والترحيب به، وتهنئته على نجاح فيلمه في بيروت، فوصلت منزل السيد (جبران بيضا) حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا، فكان الأستاذ لا يزال نائما.
واستقبلتني السيدة النبيلة مدام (جبران بيضا) أحسن استقبال، وفي هذه البرهة جرى حديث بيني وبين السيدة (ثريا) قرينة الخواجا (جبران بيضا)، فعرفت أن الأستاذ (عبدالوهاب) جاء من القاهرة برفقة الأديب الكبير الدكتور (نبيل بيضا) ومدامته الألمانية، والسيد (جبران بيضا).
ورافقهم من حيفا السيد صلاح العكاوي الذي استأجر فيلم (الوردة البيضاء) لعرضه في فلسطين خلال سنة كاملة، وهناك وليمة غذاء تكريمية كانت تنتظر الأستاذ (عبدالوهاب) في منزل السيد (جبران بيضا).
وعندما تأخر القطار وعرفت ربة الدار بالتأخير من البرقية التى بعث بها إليها السيد (جبران بيضا) أخذ المدعوون إلى الوليمة يأكلون ويشربون، ويتأسفون على حرمانهم من الإشتراك في تكريم نابغة الغناء والتمثيل.
ولكن وليمة أخرى أقيمت في المساء للأستاذ (عبدالوهاب) تجلت فيها أريحية أسرة (بيضا) أصحاب الدار.
ودعى إليها نفر غير قليل من وجهاء اللبنانيين في مقدمتهم (جورج بك ثابت) نائب بيروت، ووزير الداخلية سابقا، والوجيه عمر بك الداعوق، وقائد الدرك اللبناني الكولونيل الشيخ خليل الخازن وعقيلاتهم وغيرهم من الأعيان.
وبعض رجال الصحافة، وكانت الوليمة خاصة، وطلب المدعوون وكلهم معجب بفن الفنان المصري أن يسمعهم (عبد الوهاب) بطل (الوردة البيضاء) بعض أغاني شريطه، فأنشدهم بصوته الساحر بعض أغنيات الفيلم.
ومنها (ضحيت غرامي)، و(جفنه علم الغزل) فأسكرهم من دون خمر بسحر صوته، وأدهشهم، وأطلق أيديهم تصفيقا وإعجابا وتقديرا.
ولما كان الأستاذ تعبا من السفر، فما انتصف الليل حتى انصرف المدعوون وكلهم السنة شكر للسيد (جبران بيضا) وقرينته الفاضلة الذين أتاحا لهم الإجتماع بمطرب الملوك والأمراء، وبطل السينما المصرية الجديد.
وطوال السهرة كانت البرقيات ترد من دمشق على السيد (جبران بيضا) تستفسر عن موعد وصول الأستاذ (عبدالوهاب) إليها، لأن الدمشقيين يستعدون لإقامة مهرجان كبير لإستقبال بطل شريط (الوردة البيضاء).
وعلى رأسهم النائب الوطني (فخري بك البارودي)، وقد علمت أنه ما كاد يصل الأستاذ عبدالوهاب إلى المدينة الفلسطينية في طريقه إلى بيروت حتى كان تلامذة المدارس في استقباله على المحطة، فحيوه بالهتاف.
وقدموا له طاقات الذهور على أنواعها مما كان له أجمل أثر في قلب المطرب والممثل المصري، ثم طلب التلاميذ إليه عرض شريطه في حيفا بأقرب وقت فوعدهم بذلك.
(عبدالوهاب) في دمشق
وقد كان الأستاذ عبدالوهاب يود أن يحضر عرض (الوردة البيضاء) الأول في حيفا، ولكنه لن يستطيع ذلك لأن العرض الأول لفيلمه في الإسكندرية سيكون موعده في يوم 10 يناير القادم في سينما (ريالتو).
بعد وصول (عبدالوهاب) إلى دمشق قال مراسل (الصباح) هناك : بمجرد وصول الأستاذ عبدالوهاب قابله على بعد مسافة طويلة من حدود دمشق (فخري بك البارودي)، والأستاذ (نجيب الريس).
وكثيرون من طلبة الحقوق، وطلاب آخرون، وقد استقبلوه بالهتاف والتصفيق، وقد ابتدأ عرض فيلم (الوردة البيضاء) يوم الخميس 28 ديسمبر الماضي وكان الإستقبال على مشاهدته في دمشق عظيما جدا.
وقد هتفوا كثيرا للأستاذ عبدالوهاب، وثاني يوم ذهب مطرب الملوك والأمراء وقابل فخامة رئيس الجمهورية.
وقد طلب بعض الوجهاء الكبراء إقامة حفلة تكريم للأستاذ عبدالوهاب لمناسبة نجاح الفيلم فوعدهم الأستاذ بتلبية الدعوة إن لم يسافر إلى فلسطين لأشغال هامة.
وقد ذهب الأستاذ إلى بيروت لزيارة الأستاذ (بشارة الخوري) الشاعر الكبير، ومؤلف قطعة (جفنه علم الغزل).
وربما سافر الأستاذ منها إلى فلسطين لإقامة يومين ثم يواصل السفر إلى مصر لحضور العرض الثاني في مصر بسينما فؤاد يوم 11 يناير، والعرض الأول في الإسكندرية بسينما (ريالتو) يوم 10 يناير.
وربما لا يوزع في مصر هذا العدد من (الصباح) إلا ويكون الأستاذ محمد عبدالوهاب قد وصل إلى مصر.