بقلم: بهاء الدين يوسف
من المفارقات الملفتة بدرجة تثير الدهشة وربما الإعجاب تزامن المجازر الإسرائيلية الوحشية في غزة مع طرح فيلم (قتلة زهرة القمر) في دور السينما العالمية في نهاية أكتوبر الماضي بعدما بدأت آلة القتل الصهيونية المدعومة من آلة النفاق الأمريكية في الكشف عن وجهيهما القبيحان.
ويعد فيلم (قتلة زهرة القمر) حلقة جديدة في سلسلة أفلام المخرج الأمريكي صاحب الضمير الحي (مارتن سكورسيزي) التي تهدف في مجملها لفضح نفاق السياسيين الأمريكيين الذي يرفعون شعارات لايؤمنون بها في الواقع.
مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والتعايش السلمي في حين أنهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى كلاب سلطة لا يتورعون عن القتل والتشريد والتحالف مع أحقر العصابات من أجل سرقة ثروات الغير وكذلك الاستيلاء على السلطة أو البقاء فيها.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: فيلم سينمائي.. يفضح العلاقة بين (أمريكا) وإسرائيل
نظرة على التاريخ الفني لسكورسيزي تكفي لمعرفة موقفه من النفاق الرسمي الأمريكي، بداية من فيلم (سائق التاكسي) مع (روبرت دي نيرو) الذي يعد شريكا فنيا للمخرج حيث ينحدر الاثنان من أصل إيطالي وهو ما سهل التفاهم بينهما فيما يبدو.
في فيلم (سائق التاكسي) الذي فاز بجائزة مهرجان كان يستعرض (سكورسيزي) قصة مقاتل سابق في فيتنام يعمل كسائق تاكسي في نيويورك ومعاناته في الاندماج مع المجتمع من جديد كمواطن عادي.
وليس بطلا من أبطال الحرب كما زرع في رؤوسهم من قبل الإدارة الأمريكية وأجهزتها الاستخباراتية لتجميل مشاركتهم في ذلك الغزو البربري.
كما قدم (سكورسيزي) مجموعة أفلام تفضح التناقض بين الشعارات المثالية والواقع الانتهازي في أمريكا أشهرها: (المغادرون، عصابات نيويورك، ذئب وول ستريت، والايرلندي).
البطء المتناهي في (قتلة زهرة القمر)
كان القاسم المشترك بين أنجح أفلام المخرج العجوز أن أحداثها تجري في نيويورك التي يعتقد بعض النقاد أنها تمثل بؤرة الشر في العالم في عقل سكورسيزي.
عودة إلى فيلم (قتلة زهرة القمر) لنقف عند واحدة من أبرز الملاحظات الإخراجية فيه وهى الطول المبالغ فيه لمدة العرض، بجانب البطء المتناهي في عرض المشاهد بحيث يشعر المشاهد أن الفيلم كان يمكن تكثيف أحداثه في ساعتين على الأكثر.
لكن في المقابل يمكن تفهم وجهة نظر (سكورسيزي) بخصوص العرض البطيء هى رغبته في نقل المشاهدين الى مواقع وتواريخ الأحداث الحقيقية في بداية القرن الماضي، من خلال عرض الأحداث بنفس رتم الحياة الذي كان سائدا في ذلك الوقت.
يؤخذ على مخرج فيلم (قتلة زهرة القمر) عدم التعمق بشكل كافي في شخصيات قبيلة (الأوساج)، وتفسير دوافعهم العاطفية والنفسية في التعايش مع مجتمع البيض والزواج منهم رغم معاناتهم من انتهازية البيض وسلوكياتهم الإجرامية، ويبدو أنه اكتفى بانتقاد تلك السلوكيات من وجهة نظر محايدة.
إقرأ أيضا : (قتلة زهرة القمر).. فيلم يكشف عنصرية الأمريكان قديما وحديثا !
أداء الممثلين في فيلم (قتلة زهرة القمر) كان مبهرا كالعادة لكن الأمر الملفت هو نجاح الممثلة (ليلي جولدستون) وهى أمريكية من السكان الأصليين في خطف الكاميرا من نجوم كبار بقيمة (دي نيرو ودي كابريو).
حيث تفوقت عليهما بدرجة لفتت انتباه العديد من النقاد ودفعت بعضهم لانتقاد (سكورسيزي) لعدم منحها مساحة أكبر على الشاشة بدلا من التركيز على شخصيتي هيل (دي نيرو) وارنست (دي كابريو).
أنتوني لين الناقد (بمجلة نيويوركر) كتب عن أداء (جلادستون) إنه كان الأكثر إقناعا بين كل الشخصيات الرئيسية في الفيلم دون شك، كما كتب (جاستن تشانج) إنها استطاعت بابتسامتها الباهتة طوال الأحداث في خلق مشاعر عاطفية لدى المشاهدين أكثر مما يستطيع كثير من الممثلين فعله في مونولوج كامل.
في المقابل لم يكن أداء (ليوناردو دي كابريو) في توهجه المعتاد مثلما اعتاد في معظم أفلامه السابقة، صحيح إنه قدم أداء مميزا لكنه لم يكن استثنائيا، وفي مشاهد الجزء الأخير من الفيلم وبدء تحول الأحداث ضده وصولا الى محاكمته، حيث يمكن ملاحظة وقوعه في فخ تقليد الممثل العملاق الراحل (مارلون براندو).
تشابه بين (دي كابريو) و(مارلون براندو)
في أغلب مشاهد الجزء الثاني من فيلم (قتلة زهرة القمر) وبدء محاكمة (أرنست بوكهارت) ثم محاولة الشرطة الفيدرالية استقطابه للشهادة ضد عمه (وليام هيل).
يقدم (دي كابريو) تعبيرات وجه قريبة جدا لدرجة التشابه مع تلك التي اشتهر بها (مارلون براندو) في الجزء الأول من ثلاثية فرانسيس كوبولا الخالدة (الأب الروحي) خصوصا حركة الشفاه المنتفخة.
أما (روبرت دي نيرو) فقدم واحدة من أدواره المميزة التي لا يشعر بها المشاهد العادي من فرط البساطة والتلقائية التي يمثل بها، لكنك عندما تنتهي من مشاهدة الفيلم لن يكون من السهل عليك نسيان دور وليام هيل وكم التآمر والخسة التي تمتع بها.
وفي هذا يمكنني أن أشهد أن دي نيرو قدم هذه المعاني على الشاشة بشكل يتفوق في اتقانه على ما يقدمه الكثير من السياسيين المنافقين في الواقع.