كتب: محمد حبوشة
في عالم الدراما التليفزيونية المصرية يأتي لنا مسلسل (بطن الحوت)، على منصة (شاهد) حاملا في طياته قصة ملتوية ومعقدة تجمع بين العناصر الاجتماعية والدينية والجريمة، كما أنه يستلهم قصته من قصة قابيل وهابيل، ويرسم صورة معاصرة للتحديات والصراعات التي قد تنشأ في المجتمع اليوم.
صحيح أن مسلسل (بطن الحوت) يتناول قضايا اجتماعية حديثة ويعكس الواقع بشكل مباشر، حيث يتناول قصة شاب ملتزم دينيا (ضياء) يجسد شخصيته (محمد فراج) بشكل مميز.
يجد هذا الشاب نفسه وسط مواجهات معقدة تتعلق بالجماعات السلفية وتجار المخدرات، يظهر الصراع الأسري بين الشخصيات، خاصة بين الأخوين اللذين تتصاعد حولهما الأحداث.
ويمتاز مسلسل (بطن الحوت) بتصويره في حارات شعبية، ما يمنح العمل طابعا شديد الواقعية ويظهر زحمة الحياة اليومية في الشوارع المصرية، هذا الاختيار يسهم في نقل الجمهور إلى أجواء تعكس الواقع بشكل أدق.
وربما لا يقتصر (بطن الحوت) على إعادة سرد قصة قديمة بل يقدم رؤية معاصرة تربط بين الماضي والحاضر، ويجعل الجمهور يتأمل في قضايا اليوم بضوء جديد، وهو ما يجعل المسلسل إضافة للدراما المصرية.
حيث يمزج بين التشويق والتأمل في قضايا اجتماعية ملحة، ويأخذنا في رحلة تركب فيها الماضي والحاضر على سفينة الدراما الرائدة، لكن تبقى الأسئلة حائرة حول مسار الأحداث فيه وما إذا كان الشاب الملتزم سيتمكن من الحفاظ على مبادئه في وجه التحديات التي تواجهه، أم يستسلم لضغوط الحياة؟
(بطن الحوت) عن قصة واقعية
أحداث مسلسل (بطن الحوت) مأخوذة عن قصة واقعية، من حياة بعض تجار المخدرات، والأحداث تبدأ في منزل (سماح أنور) والدة (باسم سمرة، ومحمد فراج)، ويختار كل منهما طريقا ليسير فيه.
قرر (هلال/ باسم سمرة) العمل في مجال تجارة المخدرات ليكسب منه مالا وفيرا، ينفق به على منزله، ولكن (ضياء/ محمد فراج) اختار الابتعاد عن هذا الطريق، حتى دخل شقيقه السجن، واضطر فراج لاستكمال مسيرة شقيقه.
(لا تبكي على شيء قد ذهب).. جملة سمعناها في الحلقة الأولى بمسلسل (بطن الحوت)، وتعتبر إسقاطا على بطل من أبطال العمل وهو هلال ـ باسم سمرة – صاحب الحكم الظالم والديكتاتوري، أعطى لنا جرعة قوية في الحلقات الأولى، لا يوجد فيهم أي مط بالأحداث.
فقد رأينا في الحلقات الأولى كادرات مختلفة من مدير التصوير يوسف بارود، وحوار مختلف من محمد بركات، وقصة محكومة صنع المؤلف والمخرج أحمد فوزي صالح، ويسرد العمل قصة الشقيقان قابيل وهابيل.
(ناقص تقول أنا أحيي وأميت).. حوار ذكي يبين مدى الاختلاف بين الشقيقين، هذا ما عرضته الحلقة الأولى من (بطن الحوت)، والذي وضحت لنا مدى الاختلاف بين الشقيقين وهم هلال ـ باسم سمرة وضياء ـ محمد فراج اختلافهم في الطباع وطريقة الحديث.
فجاء حوار بين الشقيقين مهم على مائدة الطعام، إذ قال هلال: مش معنى إنك مش فاهم دماغي شغاله ازاي يبقى أنا غلط، ليرد عليه ضياء: كفاية أنت ناقص تقول أنا أحيي وأميت.
ويأتي بعدها مشهد لـ (هلال/ باسم سمرة) يبين جبروته أكثر.
فيوضح للمشاهد أنه يريد المزايدة على شقيقه (ضياء)، فيرد عليه: (سيدنا خضر قتل عيل صغير قام سيدنا موسى قال إنه خرج عن الشرع)، ليرد عليه ضياء: (معاذ الله أنا مش سيدنا موسى ولا أنت سيدنا خضر).
ظهرت ملامح شخصية (هلال/ىباسم سمرة) من أول حلقة في (بطن الحوت) ليتضح للجمهور شخصيته المليئة بالجبروت والظلم الذي هو يراه منتهى العدل والإنصاف وأيضا الشرع.
فرأينا المخرج (أحمد فوزي صالح) يرمي إسقاط على شخصية هلال، وهى مجموعة جمل مكتوبة وشبه لوحة فنية في الشارع، مكتوب عليها: (العدل فين يا محكمة في الأرض ولا في السما).
ليأتي بعدها مشهد لـ هلال وهو يحكم في جلسة عرب بمنتهى الظلم ويغصب واحدة على الزواج من شقيق زوجها.
(يادنيا هلس.. المال والسلطة لا تدوم ولازال الجبروت موجود)، هذا ما نراه نرى في الحلقة الثالثة من مسلسل (بطن الحوت) في لحظة القبض على هلال بسبب المخدرات، وأثناء دخوله لسيارة الترحيلات نسمع أغنية بصوت (جهاد سعد الدين).
الأغنية تقول: (يادنيا هلس بلسان حلو كلمينا)، لنرى أن ليس شيء يدوم في هذه الحياة، ورغم جبروت هلال وسيطرته على كل شيء إلا أنه يدخل السجن، ولكن مازال جبروته بداخله.
إبداع (فراج) في (بطن الحوت)
على مستوى الأداء تألق (محمد فراج) في دور (ضياء العمري) حيث قدم أداء قويا يبرز مدى اندماجه مع الشخصية، ويظهر تفاعله المذهل مع التحولات التي تمر بها شخصيته، بما يجسِّد التناقضات بين الالتزام الديني وضغوط الحياة.
بفضل إبداع (فراج) في (بطن الحوت)، يتمكن المشاهد من فهم تطورات طابعه والتعاطف مع تحدياته بحيث ظهر بشكل مميز ولوك يشبه شخصية الشيخ (مؤنس) في مسلسل (لعبة نيوتن)، التي قدمها العام قبل الماضى مع الفنانة (منى زكي)، ولكنه هنا في بيئة مختلفة.
(باسم سمرة).. فنان استثنائي
أداء (باسم سمرة) يتسم بالقوة والتميز، حيث يظهر بروعة في فن التمثيل، يبدو أن الدور مخصص له بشكل فريد، حيث يقنع الجمهور بشكل ملحوظ ويتقن تجسيد الشخصية بشكل يثير الرهبة.
(باسم سمرة) يظهر كفنان استثنائي، ويقدم أداء لا مثيل له، يعكس أداؤه لشخصية هلال تفرده واحترافيته، ويبني شخصيته بطريقة مقنعة لدرجة تجعله يبرز بشكل لا يضاهي غيره.
تميز أداء (أسماء أبو اليزيد)
تميز أداء (أسماء أبو اليزيد) في (بطن الحوت) بتعدد الأبعاد والتناقضات، حيث تقدم أسماء صورة جذابة لشخصية قوية ومستقلة، تجمع بين الشجاعة والطموح في سعيها لتحقيق النجاح الشخصي والاستقلال المالي.
وعلى الرغم من قسوة طموحها، يبرز جانب طيب في شخصيتها عبر تفاعلها مع شقيق طليقها، حيث تظهر قوة عاطفيّة غير متوقعة، فتنقلب الأحداث عندما تجد في شخص غير متوقع الحنان والدعم الذي فقدته في والدها وطليقها.
ويظهر ذلك كمفتاح لفهم عمق شخصيتها والتحديات التي واجهتها في العلاقات العائلية، يضيف هذا الجانب الرومانسي إلى تعقيد شخصية أسماء ويعزز قوتها وقدرتها على التكيف مع مفارقات الحياة.
(سماح أنور).. تحدي الصورة التقليدية للأم
تجسيد (سماح أنور) لشخصية الأم في (بطن الحوت) يتميز بالتعدد والتنوع، حيث تتحدى الصورة التقليدية للأمهات في الدراما المصرية.
فظهرت في دور الأم التي لا تعدل بين أبنائها، فالشخصية معقدة وغير تقليدية، مما يثير فضول المشاهدين حول تفاصيلها وتحولاتها.
ويكتب حسن الأداء لكل من الفنان القدير(عبد العزيز مخيون)، والفنان (حسن العدل) في دوريهما المميزين في مسلسل (بطن الحوت)، وكذلك (عصام عمر) في دور جديد عليه، على عكس شخصيته في مسلسل (بالطو)، وأيضا (حسن أبو الروس) في دور (ديشا).
ويبدو لافتا للانتباه أداء الفنان السوداني (محمود السراج)، الذي بدا منذ فترة في تسجيل حضورا مميزا في الدراما المصرية، على مستوى الصوت ولغة الجسد المعبرة جدا.
موقف غريب من (بطن الحوت)
في موقف غريب، قررت نقابة المهن التمثيلية برئاسة أشرف زكي، تغريم الشركة المنتجة لمسلسل (بطن الحوت) مليون جنيها، ومنعت التعامل مع مخرج المسلسل (أحمد فوزي صالح)، وأضافوا أن من يتعامل مع المخرج يتعرض لعقوبة تصل إلى الشطب من النقابة.
وكل ذلك بسبب إظهار الشاب الشهير بـ (كروان مشاكل) غير العضو بنقابة المهن التمثيلية، وأكد اتحاد النقابات الفنية على عدم تشغيل غير الأعضاء بالنقابة إلا بموجب تصريح، والسماح للمواهب الجديدة بالظهور، وهذا موقف أعتبره متعسفا من مسلسل (بطن الحوت).
ومن هنا أشيد ببيان شعبة الإخراج التي أصدرته في تضامنها مع (أحمد فوزي صالح)، مخرج مسلسل (بطن الحوت) بعد أزمة استعانته بـ (التيك توكر) مروان مشاكل، في الحلقة الأولى من العمل.
وقالت شعبة الإخراج، في بيانها: (تعرب شعبة الإخراج بنقابة المهن السينمائية عن استيائها الشديد من القرارات المتعجلة التي خرجت باسم نقابة المهن التمثيلية بخصوص التعامل مع الأزمة المفتعلة لمسلسل بطن الحوت).
ورأت الشعبة أن تلك القرارات (جاءت دون أي سند قانوني أو لائحي لتنظيم مثل هذه الأمور، واتسمت بالمبالغة والانفعالية الشديد)، وأعلنت عن تضامن الموقعين على هذا البيان الكامل مع المخرج (أحمد فوزي صالح).
سلبيات مسلسل (بطن الحوت)
وكما ذكرت النقاط الإيجابية في مسلسل (بطن الحوت)، خاصة أنه لفت نظري طريقة التقديم بالشخصيات وكل واحد يركز في حياته، وأيضا نقطة إيجابية أخرى وهى التركيز على ماضي الشخصية.
إلا أن (بطن الحوت) لايخلو من السلبيات التي جاءت في المشهد الافتتاحي كان سيئا للغاية فكيف يمكن أن توجد سارة في الصحراء تحاصرها مجموعة سيارات ما يوحي بأن من يقود هذه السيارة أنه هالك لا محالة.
وفي فترة زمنية تتجاوز خمس دقائق من الاشتبكات العنيفة ومع ذلك لا يموت، وهو أمر يفتقد للحبكة الجيدة بحيث يقتنع المشاهد.
كما أن هناك شخص نجا من حادث الصحراء وذهب لكي يشعل البيت في منطقة شعبية مفروض أنه معروف من يدخلها خاصة إذا كان غريبا، كما أن موت (مرعي) بشكل مفاجئ لم يكن منطقي.
كما لايبدو منطقيا أيضا عملية القبض على (هلال) في الحلقة الثانية، خاصة أنه تخلص من كيس المخدرات قبل الوصول للكمين، فليس هناك سبب عقلاني للقبض عليه ويقضي 15 يوم في السجن، دون سند قانوني يقضي بحبسه.
أيضا باقي عناصر مسلسل (بطن الحوت) من موسيقى واختيارات الأغاني لم تخدم على بعضها البعض، كما أن التصوير ليس موفقا في بعض الكادرات، لكن ربما كانت سخونة الأحداث وتصاعدها بشكل ما تدفع لمتابعة مشاهدة المسلسل الذي أعتبره جيدا إلى حد ما.