بقلم: محمود حسونة
عام (2023)، ليس كسابقه من الأعوام، ويمكن أن نطلق عليه عام كشف المستور وفضح أكاذيب ساسة يرفعون شعارات لا يؤمنون بها، وخداع فنانين يرددون دائماً أنهم مرآة مجتمعاتهم، وادعاءات إعلاميين فضحت مواقفهم الحقيقية حرب تجاه أوطانهم وتجاه عروبتهم الحرب الإسرائيلية الجائرة على أهل غزة.
في التاريخ الإنساني، أعوام فاصلة، تفضح المستور وتعري أكاذيب الساسة وولاة أمر العالم، وتكشف زيف الشعارات التي يرددونها و(الحقوق الإنسانية) التي يطالبون بها، ولكنهم أول من يتجاوزها عندما تتعارض مع مصالحهم ومع سياساتهم، وتؤكد أن كثير من تصريحات الكبار والمشاهير ليست سوى أقوال لخداع الرأي العام.
في بعض الدول العربية، كان عام 2011 وعام 2012 من الأعوام الفاصلة، التي فرزت الناس والشعوب تجاه وباء (الربيع العربي)، الذي جاءنا زلزالاً مدمراً يتخفى وراء إرادة الشعوب لهدم الدول، واستبدال أنظمتها بأنظمة أكثر ديكتاتورية على الشعوب وأكثر تبعية للهادمين الكبار الذين لا يبغون لمنطقتنا سوى الخراب ولشعوبها سوى التشرد.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (فنانون) لأجل وقف إطلاق النار !
في مصر كان عام 2011 من الأعوام الفاصلة، التي فرزت المصريين وأيقظت الخلايا النائمة التي تعيش بيننا وهم يريدون الانقضاض علينا وهدم دولتنا، غير واعين أنها هي التي صنعت التاريخ وقادت البشرية إلى التحضر.
وأنها الدولة الأقدم في العالم، وأنها تكاد تكون الوحيدة التي لم تتغير حدودها منذ آلاف السنين. اكتشفنا بيننا أناس يدعون حب الوطن وهم يتآمرون عليه في الخفاء، يبطنون قناعاتهم ولا يعبرون عن مكنون أعماقهم.
وعندما اندلعت شرارة 2011 ظهر المستخبي، و(بانوا بانوا بانوا على أصلهم بانوا) على رأي سعاد حسني والمبدع صلاح جاهين والموسيقار كمال الطويل في أغنيتهم الخالدة.
(2023).. عام فاصل للعرب
ومثلما 2011 عام فاصل في التاريخ المصري والعربي، فإن عام 2023 الذي نودعه بعد غدٍ عام فاصل في التاريخ العربي والتاريخ الإنساني، يعيد إلى الذاكرة ما حدث في العام 1948 الذي قضمت فيه الصهاينة بمعاونة بريطانيا والغرب جزء من أرض فلسطين وأقاموا عليه دولتهم المشؤومة.
وهجروا الفلسطينيين قسرياً بعد السطو على أرضهم وتاريخهم وتراثهم، واليوم من خلال الحرب الوحشية على غزة، وممارسات الجيش والمستوطنين على مدن وقرى الضفة، ومطالبات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن.
يسعى الصهاينة لقضم باقي الأرض الفلسطينية حتى يتفرغون بها لقضم ما أمكن من أراضٍ عربية أخرى لتحقيق الحلم الوهمي بدولة كبرى تمتد من النيل إلى الفرات ومن مكة والمدينة إلى لبنان.
في 1948 ارتكب الصهاينة مجزرة دير ياسين في القدس ومجزرة الطنطورة في حيفا، وعبر 75 عاماً ارتكبوا عشرات المجازر في فلسطين ولبنان وبحق الأسرى المصريين عام 1967.
وفي 2023 وعلى مدار أكثر من 80 يوماً يرتكبون مجازر نهارية وليلية في غزة بحق مستشفيات ومدارس وأطفال وشيوخ ونساء وصحفيين ومسعفين وعائلات تمت إبادتها بالكامل، لتصبح مجازرهم ملء السمع والبصر.
ورغم ذلك ينالون الدعم الأمريكي المطلق بدعوى (حق الدفاع عن النفس، فالإسرائيلي من وجهة نظر بايدن المتصهين وبلينكن الذي نسي أنه وزير خارجية أكبر دولة في العالم.
ولم ينس أنه يهودي صهيوني ومعهم معظم أركان الإدارة الأمريكية، التي أدارت ظهرها لحقوق الإنسان وأعمت عيونها عن المشاهد التي تتناقلها بعض المنصات الاجتماعية وقليل من الشاشات، وأغلقت أذانها أمام هدير الصرخات التي تجوب أركان العالم مطالبة بوقف هذه الحرب الظالمة.
باختصار أدارت أمريكا ظهرها للضمير العالمي ووأدت بالفيتو جميع محاولات المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار، ولا ندري كيف لدولة تساند دولة في إبادة شعب وهي تطالب بحقه في دولة مستقلة؟!
(2023) غير مأسوف عليه
في العام 2023 الراحل عنا غير مأسوف عليه، تم فرز الدول، ليكتشف الرأي العام العالمي أن العرب يروج مالا يؤمن به، وأنه يساهم في تفشي العنف والإرهاب، وأن أمريكا تقوده إلى الهاوية، وليكتشف الناس أن إسرائيل هي دولة البغي والعدوان وأنها فوق القوانين الدولية وفوق القيم الإنسانية.
مثلما اكتشف العالم زيف أمريكا والغرب، اكتشف أن في أمة العرب أناس لا يؤمنون بقيم العروبة، أناس من مختلف الفئات، ولعل الأكثر انكشافاً منهم هؤلاء الفنانين الانتهازيين الذين يسيئون للفن، ويؤكدون أن الفنان ليس دائماً ضمير مجتمعه وأمته.
لدينا فنانون لم يظهروا أي مواقف تجاه ما يحدث في غزة، وفنانون أداروا ظهورهم لها وهرولوا وراء فتنة المال التي يفتن بها صناع الترفيه، فنانونا النفعيون الضالون عن حقيقة الفن ودوره في أوقات أزمات الأمة.
ولدينا فنانون لا يبيعون جمهورهم ولا يتخلون عن أمتهم، تأثروا بالحرب واتخذوا مواقف معلنة وتحدوا إغراء المال وصناع الترفيه، وخسروا مادياً ولكنهم كسبوا أنفسهم.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: فنانون ماتت ضمائرهم في (غزة)!
ولدينا فنانون يتبرعون ويدعمون ويساندون أهل غزة في صمت وبل ضجيج، وفنانون يحاولون استغلال المأساة والاتجار بها، لدينا كل شيء، والجمهور أصبح يدرك جوهر كل فنان، ولم تعد تنطلي عليه محاولات خداعه.
أما الإعلاميون في عام 2023، فلدينا شخصيات تمكنت منها الوقاحة واستكثرت على الشعب الفلسطيني الوقوف في وجه المحتل الغاشم، إعلاميون مزيفون خدعوا الناس سنوات وسنوات.
منهم من اشتراه (صناع الترفيه) ومنهم من اشتراه العم سام، قبلوا أن يكونوا بضاعة تباع في سوق النخاسة البرامجية، يشترونهم بتكليفهم ببرنامج ومنحهم مرتبات خيالية حتى يكونوا عرائس ماريونيت في أيديهم، تنطق بما يريدون وتقول ما يملى عليها.
المستور كله لم ينكشف في عام 2023، والرأي العام كفيل بمحاسبة الجميع، ولعل 2024 تكون سنة الحساب العسير، حتى لا يواصل المخادعون خداع الناس.
mahmoudhassouna2020@ gmail.com