مطربون لا يذكر الجمهور لهم إلا (أغنية) واحدة رغم كثرة إنتاجهم !.. (1)
كتب: أحمد السماحي
أحد أسباب نجاح المطرب وشهرته هو اختياره الجيد للـ (أغنية) التى يغنيها، وبحكم متابعتي للساحة الغنائية المصرية والعربية على مدى أكثر من 20 عاما، وعشقي للغناء، وامتلاكي لمكتبة غنائية تتضمن آلاف الأغنيات.
وجدت أن الاختيار الجيد للمطرب لأغنياته، موهبة تعادل موهبة الصوت الحلو، فكم من الأصوات الرائعة الموجودة بيننا حاليا لكنها لا تجيد اختيار ما يتناسب مع صوتها، وما يليق بصوتها، لهذا لا تحقق اختياراتهم الغنائية أي رد فعل في الشارع المصري.
فرغم كثرة عدد المطربيين على مدى تاريخ الأغنية، إلا أن بعضهم لم ينجح له في الشارع المصري وبالتالي العربي إلا (أغنية) واحدة أو أثنين على الأكثر، لهذا تم تصنيفهم بمطربيين الأغنية الواحدة.
وفي أحد الحوارات التى جمعت بيني وبين مطربنا الكبير (محمد رشدي) ذكر لي أن الأغنية الناجحة التى يرددها الشارع المصري لمطرب ما، رزق من عند ربنا، والمطرب الذي لا يردد له الشارع (أغنية) كأنه لم يغن!.
وأضاف عم محمد قائلا: (من نعم ربنا علي أنه رزقني بأغنيات ناجحة كثيرة، رددها معي وبعدي الشارع المصري، وبسبب نجاحها الشديد لفيت العالم كله، من هذه الأغنيات في البدايات كانت أغنيتي (أدهم الشرقاوي) و(قولوا لمأذون البلد).
بعدهما ردد الشارع المصري لي في الستينات والسبعينات والثمانينات أغنيات مثل (عدوية، تحت الشجر يا وهيبة، طاير يا هوا، ع الرملة، ميتى أشوفك، يا ليلة ما جاني الغالي، يا حسن يا مغنواتي، كعب الغزال، أنت مين) وصولا لـ (دامت لمين، وقطر الحياة).
منيرة المهدية.. أسمر ملك روحي
الحقيقة أن المتابع للساحة الغنائية يجد أن الشارع لم يردد لعدد كبير جدا من المطربيين إلا (أغنية) واحدة، رغم جمال أصواتهم وتقديمهم لعشرات الأغنيات.
بداية من اليوم سنتوقف كل أسبوع مع مجموعة من المطربيين قدموا عشرات الأغنيات لكن لم تنجح لهم في الشارع المصري إلا (أغنية) واحدة أو أثنين على الأكثر.
وكل أسبوع سنذكر مجموعة من المطربيين تنتمي إلى مرحلة زمنية واحدة، وهذا الأسبوع سنبدأ بمطربيين بمجموعة من أشهر مطربي العشرينات والثلاثينات والأربعينات.
فمن أوائل المطربين الذين لم يردد لهم الشارع إلا أغنية واحدة الست (منيرة المهدية)، سلطانة الطرب في عصرها، والتى تعتبر أول امرأة مصرية تقف على خشبة المسرح المصري.
وملأت الدنيا بغنائها في بداية القرن التاسع عشر، وقدمت عشرات من الأغنيات العاطفية والوطنية، لكن ما وصل للشارع المصري وظل في ذاكرة الجمهور هو أغنيتها (أسمر ملك روحي).
والثانية هي الـ (أغنية) الماجنة (إرخى الستارة اللي في ريحنا) التى لم تقتصر عليها فقط، بل تغنى بها عدد كبير من مطربي جيلها الرجال قبل النساء، ومنهم المطرب عبداللطيف البنا.
فتحية أحمد .. يا حلاوة الدنيا
(فتحية أحمد)، واحدة من أشهر مطربات القرن التاسع عشر، والتى نافست أم كلثوم على قمة الغناء في بداية القرن التاسع عشر، وبالتحديد في حقبة العشرينات.
ولدت (فتحية أحمد) في أسرة فنية، فوالدها هو أحمد الحمزاوي الذي لمع بقوة في نهاية القرن الثامن عشر كمطرب ومبتهل وملحن للأغاني الانتقادية والفكاهية.
وكون (ثلاثي الشيخ كعبولة)، لهذا لم يكن غريبا أن تكون ابنته (فتحية) مطرب حيث درست الغناء على يد أساطين اللحن منهم الشيخ أبوالعلا محمد.
واستمع إليها الشيخ سيد درويش وهى تلقي المقطوعات الغنائية البسيطة بين فصول مسرحيات الفنان نجيب الريحاني، وعلي الكسار.
وأعجب بصوتها ولحن لها (والله تستاهل يا قلبي) التى حققت لها شهرة مدوية، لكن الشيخ سيد طمع في الأغنية فطرحها بصوته على أسطوانات.
غنت فتحية أحمد مئات من الأغنيات وتميزت بصوت قوي وعذب جعلها قبلة لكبار أساطين التلحين مثل (الشيخ سيد درويش، دواد حسني، كامل الخلعي، صفر علي، زكريا أحمد، محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي) وغيرهم.
كما شاركت (فتحية أحمد) في عشرات من الأعمال المسرحية الغنائية الناجحة، وقدمت عروضها في بلاد الشام ومصر، لذلك سميت (مطربة القطرين).
ورغم تقديمها لمئات الأغنيات إلا أن الشارع المصري لم يردد لها إلا (أغنية) اسمها (يا حلاوة الدنيا) ألحان الشيخ زكريا أحمد.
أحمد عبدالقادر.. وحوي يا وحوي
يعتبر المطرب والملحن (أحمد عبدالقادر) من أشهر مطربين حقبتي الثلاثينات والأربعينات، درس الموسيقى، وحصل على دبلوم معهد الموسيقى العربية عام 1936.
قدم للساحة الغنائية مئات من الأغنيات كمطرب وملحن، وغنى باللغات الإنجليزية والفرنسية والتركية، وله أسلوب خاص في العزف على ألة العود.
لحن لنفسه معظم أغنياته تقريبا، كما لحن لعدد كبير من المطربيين مثل (رجاء عبده، هدى سلطان، نجاة، فايزة أحمد) وغيرهم، وأنتج بعض أغنياته الموسيقار محمد عبدالوهاب.
رغم غزارة إنتاجه الغنائي إلا أن الشارع المصري لم يردد له إلا (أغنية) شهيرة هى (وحوي يا وحوي) الطريف والغريب أنه ليس صاحب اللحن، ولكن صاحبه زميله مطرب وملحن الثلاثينات أحمد شريف.
نجاة علي.. وعش الهوى المهجور
(نجاة علي)، أو (نجية علي صيام) ولدت في 16 سبتمبر سنة 1914 بدكرنس محافظة الدقهلية، والتحقت بمدرسة دكرنس، وفي الحفلات المدرسية كانت تلقي الأناشيد.
ولفتت أنتباه ناظر المدرسة ومدرسيها، ولما جاءت (أم كلثوم) لتحيي حفلها في بلدة (ميت طريف) المجاورة لبلدتها رغب والدها أن تسمع صوت ابنته، فدعتها (أم كلثوم) لتجلس بجوار التخت الخاص بها.
ولما أعجبها صوتها دعتها لتغني معها في حفلها، وظلت تغني في حفلات القرى المجاورة إلى أن وصل صيتها إلى شركة (أوديون) لطبع الاسطوانات، فدعتها للحضور إلى القاهرة.
إقرأ أيضا : سامي فريد يكتت : نجاة علي .. أنصفتها ثومة.. وظلمها عبدالوهاب !
وهيأت لها دروسا في العزف على العود والموسيقى على يد (دواد حسني ومحمد القصبجي وصفر علي، وأحمد النجريدي)، بعدها سجلت أول أسطوانة لها بعنوان (سر السعادة) وحققت نجاحا كبيرا.
وكانت أول حفل ظهرت فيه عام 1929 واستمع إليها أحد أصحاب شركات الأسطوانات، فطلب من والدها أن تسجل له أسطوانة، وكونت فرقة لمصاحبتها في الغناء على مسرح الأزبكية سنة 1929.
وغنت معها أيضا في المحطات الإذاعية الأهلية مع مطربي الجيل الأول (صالح عبدالحي، ومنيرة المهدية) في افتتاح الإذاعة المصرية.
وحققت شهرة كبيرة جعلت الموسيقار محمد عبدالوهاب يشركها معه في بطولة فيلمه (دموع الحب) عام 1935، بعدها اشتركت في 5 أفلام سينمائية.
وكان الموسيقار الكبير رياض السنباطي يعمل في فرقتها عازفا للعود، قبل أن يتحول للتلحين.
وغنت للعديد من أساطين النغم منهم (محمد عبدالوهاب، زكريا أحمد، أحمد عبدالقادر، محمد فوزي، ومحمد الموجي).
ورغم تعاونها مع كل هؤلاء العباقرة لم ينجح لها في الشارع المصري إلا (أغنية) تدعى (فكراك ومش هنساك مهما الزمان قاساك) المشهورة باسم (عش الهوى المهجور) كلمات إمام الصفطاوي، ألحان أحمد صدقي.
رجاء عبده .. البوسطجية اشتكوا
(رجاء عبده)، أو (اعتدال جورج عبدالمسيح) مطربة مصرية ولدت في حي شبرا في 30 نوفمبر عام 1906، وتعلمت في مدرسة (نوتردام) بالزيتون.
أحبت ودرست الغناء وتعلمته على يد (الشيخ محمود صبح) الفنان الشهير صاحب الصوت الجهوري، وبدأت حياتها الغنائية في الإذاعات الأهلية إلى أن أنشئت إذاعة مصر عام 1934 فبدأت معها الغناء.
ذاع صيتها وقدمت عشرات الأغنيات، وحققت نجاحا من خلالهم جعل منتجين السينما يسعون إليها، حيث قدمت أول أفلامها (وراء الستار) عام 1937، وشاركها البطولة المطرب عبدالغني السيد.
إقرأ أيضا : تعرف على أغنية (رجاء عبده) التى كتبت في حانة حقيرة واشتراها (عبدالوهاب) بـ 10 جنيه !
بعد نجاح هذا الفيلم توالت أفلامها حيث قدمت 13 فيلما سينمائيا، آخرهم (حبايبي كتير)، وأشهرهم فيلم (ممنوع الحب) بطولتها مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
وعام 1946 أنتج لها محمد عبدالوهاب فيلم (الحب الأول) مع إكتشافه المطرب جلال حرب.
وفي هذا الفيلم قدمت الـ (أغنية) الشهيرة (البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي) كلمات أبوالسعود الأبياري، ولحن محمد عبدالوهاب.
كما قدمت أغنية أخرى من ألحان محمد عبدالوهاب حققت نجاحا كبيرا وقتها، وإن كانت سقطت من الذاكرة الجماعية الآن، وهي (اشهدوا يا ناس على ظلم الناس).
محمد أمين .. نور العيون
(محمد أمين)، مطرب لم يقدر له أن يضع قدرات صوته وشطارة أدائه فى المكان الذي يؤهله للوصول إلى الأسماع بشكل أكبر وأوسع، وربما كان السبب في ذلك يرجع إلى مرضه بالربو فى بداية الخمسينات، مما آثر على مشواره الفني.
كان المطرب (محمد أمين) يتميز بصوت حالم رومانسي، يجيد الغناء فى سلاسة وامتياز وفى المناطق المتوسطة من طبقات الصوت.
إقرأ أيضا : محمد أمين .. المطرب الذي تزوج فاتنات السينما
ودرجة صوته فى العلو تنتمي إلى درجات الخفوت وليس درجات الجهارة، قدم للسينما الغنائية 14 فيلما غنائيا، وأسس شركة إنتاج، وأنتج مجموعة من الأفلام السينمائية، كما قدم عشرات الأغنيات.
وتزوج من جميلات السينما المصرية (مديحة يسري، كاميليا، هدى شمس الدين)، ولم ينجح له إلا (أغنية) واحدة، وهى للمصادفة أول أغنية قدمها في مشواره الفني وهي (نور العيون يا شاغلني) التى لحنها من كلمات حسين السيد.
الأسبوع القادم نستكمل باقي الرحلة مع مطربي الأربعينات والخمسينات.