(محمد العبادي): أحداث غزة استفزتني لتقديم مونودراما (وحدي)، وأعادتني إلى المسرح
كتب: أحمد السماحي
منذ 27 عاما بعد مسرحيته الأخيرة (عرار) هجر النجم الأردني الكبير (محمد العبادي) خشبة المسرح إلى الشاشة الصغيرة، وبات التليفزيون بيته الأصلي، وارتضى فضاءه الضيق موطنه.
ربما لأن المسرح لم يعد يقدم له الإشباع الفني أو الأدوار الدسمة، بعد أن أهدر المسرح في السنوات الأخيرة فنون الأداء المسرحي، وحول الممثل إلى أراجوز، والممثلة إلى دمية مصبوغة آلية، شيمتها الكذب والتصنع والرقص.
ولأن (محمد العبادي) ينتمي إلى جيل الكبار في المسرح، ولأنه إنسان حقيقي، يحترم إنسانيته وجمهوره، لهذا فقده المسرح حين فقد هويته.
لكن (محمد العبادي) عاد كأروع ما تكون العودة، فأخذ بالألباب، واتقد ليل الأردن المسرحي المعتم بوهج موهبته، وبريق حضوره، وبساطته الآسرة.
إقرأ أيضا : محمد العبادي : أعتبر (الأرض) واحدا من أعظم أعمال العلايلي!
عاد (محمد العبادي) من خلال المونودراما المسرحية (وحدي) التى تسرد حكاية فلسطين منذ عام 1948 وحتى الآن، عن نص الكاتب الفلسطيني توفيق فياض (بيت الجنون)، فإذا مسرح (محمود أبوغريب) يشرق بنور ليس ككل الأنوار.
نور وصفه الشعراء الرومانسيون بأنه النور الذي لا يشرق على الأرض أو البحر، لكنه يشرق على العقل والقلب فقط، وذلك لأنه نور الإبداع.
وحول (محمد العبادي) كلمات العرض إلى شموس وقذائف وأسلحة مقاومة، ونسج من كلماته ونبض مشاعره من اختلاجات الجسد وخفقاته، ومن نبرات الصوت ودفقاته قصيدا سيموفنا رائعا.
وحدث أثناء العرض تلاحم بين الفن والحياة، وتدفقت شحنات الصدق من خشبة المسرح إلى الصالة فتأثر كثير من الجمهور وبعضهم بكى.
عن ظروف تقديمه لهذا العرض الذي عرض في الفترة من 18 إلى 21 ديسمبر الجاري، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، وبالتعاون مع نقابة الفنانيين الأردنيين، دق (شهريار النجوم) باب نجمنا الكبير (محمد العبادي).
وكانت لنا هذه التصريحات الخاصة جدا:
غياب (محمد العبادي) 27 عاما
في البداية أكد النجم الأردني الكبير (محمد العبادي) سعادته البالغة بتقديم هذا العرض، الذي أعاده إلى المسرح الأردني بعد غياب 27 عاما بعد آخر أعماله المسرحية (عرار) للمخرج الراحل خالد الطريفي، التى قدمت عام 1996.
وأضاف: أن ما يحدث الآن من أحداث إجرامية يرتكبها بوحشية وإجرام العدو الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية استفزه جدا وأثر فيه.
وبحكم أنه يؤمن أن الفن رسالة، وأن الفنان يقع على كاهله عبئا ثقيلا من مسئولية المقاومة والتنوير، فوجد لزاما عليه أن يفعل شيئا في هذه الظروف الصعبة.
ويكون العمل له علاقة بما يحدث في غزة من قتل، ودمار، وتشريد، كما نشاهد على الفضائيات، وبحث في ذاكرته عن نص مسرحي قوي يعيده إلى المسرح.
إقرأ أيضا : بعد تألقه في مسلسل “الخوابي”.. محمد العبادي خايف من الكوميديا!
نص تكون كلماته صادقة، وحارقة بنور الحق، ومتقدة بنار الثورة والحب، ومتفجرة بشعلة الفكر الحر المستنير، وبعد طول بحث تذكر نص الكاتب الفلسطيني توفيق فياض (بيت الجنون) فقرر تقديمه.
ويستكمل النجم الأردني الكبير (محمد العبادي) كلامه قائلا: ورغم صعوبة النص الذي يجمع بين الشعر والحوار النثري، ويغلب عليه الشعر أكثر، لكن جمال وروعة النص، والرسالة التى يحملها جعلته يتغاضى عن صعوبته وتعبه، وصعوبة الأداء، والحركة، ويقدمه.
والحمد الله ربنا وفقه وأشاد النقاد بالعرض، وطيبت كلماتهم خاطره، وأزالت كل التعب الذي تعبه على مدى أيام العرض الأربعة، سواء تعب جسدي أو معنوي، حيث عاش أدق تفاصيل الشخصية التى كان يجسدها.
وتفاعل الجمهور مع العرض وأثر فيهم حتى أن بعضهم كان يبكي أثناء العرض، وترك العرض أثرا في نفوسهم، وأعتقد أنه سيظل عالقا بأحداثه فترة طويلة في ذاكرتهم.
(محمد العبادي) يقدم مونودراما
وعن شعوره في أول ليلة عرض خاصة والعرض يشهد عودته للمسرح بعد 27 عاما قال (محمد العبادي): لا أخفي عليك يا صديقي العزيز، شعرت بالقلق والتوتر.
وكان السؤال الذي يلح على ذهني قبل الوقوف على خشبة المسرح: هل أنا مازلت قادرا على الوقوف على خشبة المسرح في هذا السن، في (مونودراما) لشخص واحد لا يوجد غيره على المسرح وعليه أن يستخدم كافة أدواته المسرحية؟!
ورغم الصعوبة الشديدة للتجربة حيث أن التمثيل المسرحي أشبه بالرجل الرياضي الذي يتوقف فترة عن التمارين الرياضية، وعليه حتى يعود أن يتمرن كثيرا حتى تعود إليه لياقته البدنية.
هذا بالضبط ما مررت به، لكن تحديت نفسي وأحببت أن أكون على قدر المسئولية، وأحببت أن أثبت لنفسي، ولغيري من الجمهور والنقاد والزملاء أنني مازلت قادرا على العطاء، والحمد الله كللت التجربة بالنجاح وصفق لها الجمهور، وأثنى عليها النقاد.
وأضاف نجمنا العربي الكبير: أعتقد أنه لا يوجد فنان في العالم تعدى الـ 78 عاما، واستطاع الوقوف على خشبة المسرح في هذا السن، وقدم نصا معقدا كله صراع ما بين نفسه، وما بين ما يحدث في فلسطين من عدوان.
حيث يسرد النص حكاية فلسطين من عام 1948، حتى الآن، مرورا بكل ما يحدث مع الشعب الفلسطيني من ظلم وقهر وعدوان.
وصرح (محمد العبادي) صاحب الرصيد الذهبي من الأعمال الفنية: أن نجاح العرض فتح شهيته، لتقديمه مجددا في بعض محافظات الأردن وعمان، حيث طالب كثير من الجمهور الذي لم يشاهد العرض بعرضه مجددا، وبإذن الله سنقدمه بناء على طلب الجمهور خلال الفترة القادمة.