بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
توقفنا في الحلقة السابقة عند الموقف الذي يقول فيه (أبو السعود الإبياري) في مسرحية مسرحية (آخر زمن): تفكر الزوجة في أن تفصل لزوجها بيجامة عند الخياطة – تمهيد ثان – وقبل وصول الزوج تذهب مع الخادم (حنطور) إلى الخياطة لإحضار البيجامة – تمهيد ثالث.
وعند وصول الزوج يكون البيت خاليا – تمهيد آخر – حيث يلاحظ في غرفة النوم حركة غريبة، وعند دخوله الغرفة يلمح ظهر رجل يقفز من النافذة الى الشارع.
ونسكتمل في هذه الحلقة حكايات (أبو السعود الإبياري) مع مسرح بديعة على النحو التالي:
تساور (زنهار بك) بحسب رؤية (أبو السعود الإبياري) الشكوك في زوجته – اسم زنهار تلخيص لدوافع الشخصية – بعد فترة وأثناء اختباء (زنهار) لمتابعة ما يحدث في بيته يصل الخادم حنطور فيما يوحى بكونه عاشق ثان لزوجته.
وأثناء اختبائه يعثر (زنهار) على خطاب غرامى من امرأة إلى رجل لتتضاعف شكوكه.
وحين وصول زوجته و ظهوره لها تقدم له البيجامة فيلبسها ليجدها قصيرة جدا فتتأكد لديه الشكوك بوجود عشيق ثالث، لكن الحبكة وعقدها تبدا في التفكك حينما نكتشف ان من قفز من الغرفة كان لصا سرق بعض المقتنيات.
وأن الخطاب الغرامى الذي رأه (أبو السعود الإبياري): كان من الخادمة لزوجها حنطور تعبيرا عن تقديرا لموقفه بالعمل نيابة عنها و أن البيجامة جاءت قصيرة نتيجة خطأ الخياطة كونها لزبون آخر.
في الموسم الصيفى لعام 1937 و في كازينو الكوبرى الإنجليزي كتب (أبو السعود الإبياري) مسرحية (نينتى خالتي)، واستعراض (الحى الصينى) من تلحين فريد غصن وسكتش (العلمو نورن).
وقد شارك بديعة في هذه الأعمال العديد من النجوم و منهم (بشارة واكيم و تحية كاريوكا و تيتى)، في نفس الموسم كتب (أبو السعود الإبياري) مسرحيات أخرى منها (فرع طنطا، المقرمش، الأستاذ حمص، السكرتير الخاص).
بعد أن تم تغيير اسم (صالة عماد الدين) إلى (مسرح الهمبرا)، كتب (أبو السعود الإبياري) العديد من الاسكتشات منها (الكرسى الكهربائي)، ومسرحيات مثل : (يا أنا يا هو، شاى بالصودا، الحب التلاميذى، ممنوع البصبصة)، ومونولوج (النور الأحمر).
(أبو السعود الإبياري) يكتب لبديعة
عام 1939 استأجرت (بديعة مصابنى) مسرح الماجيستيك بعماد الدين وأطلقت عليه اسم (كازينو و كباريه بديعه) ليكتب له (أبو السعود الإبياري) مسرحيات عدة منها: (جراح الحب، بشرة خير).
اذا تناولنا (بشرة خير)، فنجد أنها فكاهة تاريخية بطلها الرجل الثرى (سندس) الذى يحب جاريته ( لؤلؤة)، والتي تبادله الحب.
يتعرض (سندس) فجأة للإفلاس ودفع مبلغ أو الدخول للسجن فيضطر إلى بيع (لؤلؤة) الى الأمير (يرمب) وعندما يشتد به الشوق يذهب الى قصر الأمير متنكرا ويعمل عنده رئيسا للحرس.
تبوء محاولات (سندس) بالفشل في الانفراد بلؤلؤة في مفارقات كوميدية، فيلجأ إلى ايهام الأمير أن أعداء على أبواب المدينة، فيهرع الأمير وجنوده الى هناك لينفرد سندس بلؤلؤة.
يعود الأمير وقد أدرك الخدعة فيأمر بحبسهما سويا لكنه بعد فترة يرق قلبه لهما ويفرج عنهما ليتزوجا.
في ذات الموسم يكتب (أبو السعود الإبياري) لبديعة مسرحيات قدمتها على مسرح (كازينو الكوبرى الإنجليزي) منها: (عريس بروشتة، نبيه جدا)، واستعراض (باريس في مصر).
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: اضحك ، كركر.. مع (أبو السعود الإبياري) والسعادة (1)
يواصل (أبو السعود الإبياري) عام 1940 كتابة مسرحياته لفرقة بديعة: (99 مقلب، ماتخافش من الستات، جنان اصلي، و بطيخه هاتتجوز، سكان محترمين).
وإذا تناولنا (سكان محترمين) كمثال آخر على تطور المسرح المصرى على يد (أبو السعود الإبياري) من تمهيد للأحداث، وخلق دوافع تحرك الشخصيات، وتجمع العقد الفرعية في عقدة رئيسية تمثل ذروة الحدث، والنهاية.
وكل ذلك في اطار كوميدى يستند الى هندسة الكوميديا وقوانينها من تناقض ومبالغة وعدم مباشرة ومفاجئة العقل بما لا يتوقعه لفظيا وحدثا.
نتابع في (سكان محترمين) صاحب فندق يريد بيعه بسبب الكساد وانصراف الزبائن، لكنه لايستطيع بيعه خاليا من الزبائن، فيسـتأجر بعض الكومبارسات ليمثل كل منهم قاطن بغرفة وبشخصية مميزة.
استعرضات (أبو السعود الإبياري)
لتتوالى الأحداث من تناقض طبيعة الشخصيات وماهى مكلفة بتمثيله، وهى باحترافية الكتابة (فرشة) واسعة لمفارقات كوميدية هائلة.
وأضاف (أبو السعود الإبياري) عام 1943 استعراضات منها (الهوانم ضد الرجالة، وآخر مودة)، وكلاهما من ألحان فريد غصن.
تلاها العديد من المسرحيات والاستعراضات من آواخرها (عصافير الجنة، ليلة في الأرجنتين)، بطولة (بديعة مصابنى وإسماعيل ياسين وثريا حلمى وكيتى).
وقد ثار خلاف شهير بين (أبو السعود الإبيارى) وبديعة، حين دعا (النحاس) ومن ضمنهم الفنانين، من خلال مشروع الدفاع الوطنى إلى التبرع ولو بإيراد ليلة واحدة لهذا المشروع المضاد للوجود الانجليزى.
ورغم إلحاح (أبو السعود الإبياري) على بديعة بالقبول إلا أنها رفضت بشكل قاطع مما دفعه للاستقالة من الفرقة.
و لأنه كان الكاتب الأول لأعمالها رضخت بديعة بعد وقت وأعلنت تبرعها للمشروع الوطنى ليعود (أبو السعود الإبياري) للفرقة.
غير أنه بعد فترة قصيرة كانت الحرب العالمية قد اشتعلت و صار الفتح – فتح زجاجات الشمبانيا و البيرة للجنود الإنجليز رواد الكازينو – أهم من عرض المسرحيات، لتعود من ذات الفصول الثلاثة إلى ذات الفصل الواحد إلى المشهد الذى لا يتعدى الدقائق العشر.
توقفت (بديعة) عن العمل تماما عام 1951، وباعت كازينو الأوبرا إلى منافستها اللدود (ببا عز الدين) لتخرج بعدها من مصر عائدة الى لبنان لتقيم في بيت وسط مزرعة خاصة وتموت في إحدى المستشفيات عام 1974.
أما (أبو السعود الإبيارى) في هذه الفترة من الأربعينات فقد وجد نفسه في غير مكانه ليبتعد عن فرقة (بديعة) التي أصبح أفقها أضيق من طموحاته الإبداعية متجها إلى طريق جديد آخر.. طريق السينما.