رسالة الجونة: حنان أبو الضياء
(مايو – ديسمبر) فيلم مبنى على الديناميكية المشحونة بشكل متزايد بين امرأتين، ويقترب من الزوج والصراع المتزايد مع زوجته التي أغرته عندما كان مراهقًا.
فيلم (مايو – ديسمبر) المعروض فى مهرجان الجونة فى دورته السادسة من إخراج تود هاينز وسيناريو لسامي بورش، استنادًا إلى قصة بورش وأليكس ميكانيك. المستوحاة من (ماري كاي ليتورنو).
تقوم ببطولة (مايو – ديسمبر) ناتالي بورتمان (إليزابيث بيري) كممثلة تسافر إلى سافانا، جورجيا ، للقاء ودراسة حياة المرأة المثيرة للجدل وجرايسي أثرتون يو (جوليان مور).
تلك التي من المقرر أن تلعبها قصة حياتها في فيلم عن علاقة استمرت 23 عامًا مع زوجها جو يو (تشارلز ميلتون)، والتي بدأت عندما كان عمره 13 عامًا.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (Family Portrait).. الدراما الأكثر غموضًا في االسرد والتصميمات البصرية
إن الإطار الدرامي لفيلم (مايو – ديسمبر) مقيد بإحكام ومغلق، ولا يخرقه هاينز أو يكسره ليسمح بدخول ثروة من التفاصيل التي تتضمنها القصة، والنتيجة جذابة ومؤثرة، لكنها مع ذلك تبدو غير مكتملة.
كلتا المرأتين تدوران حول بعضهما البعض وتحاولان السيطرة على بعضهما البعض.
الكثير من الأمر يتعلق بعملية الثقة، هو هدف إليزابيث المصرة على الغوص فى اعماق وتفاصيل الحياة الحقيقية لماري كاي ليتورنو.
وهى معلمة بمدرسة في سياتل حُكم عليها بالسجن لأكثر من سبع سنوات بتهمة اغتصاب طفل بعد أن بدأت الاعتداء الجنسي على تلميذاها في الصف السادس فيلي فوالاو في عام 1996.
وبطلة قصة (مايو – ديسمبر) ليتورنو، توفيت بسبب السرطان عن عمر يناهز 58 عامًا في عام 2020. والفيلم محاولة جادة للتعامل مع ثقافة التابلويد في التسعينيات
وفى الواقع أن (جوليان مور) استلهمت من حياة (ليتورنو) العديد من التاصيل عند بناء الشخصية، لاسيما في تطوير صوت جرايسي خلال أحداث الفيلم.
(مايو – ديسمبر).. مزيد من الخيال
بالطبع هناك مزيد من الخيال أضيف للقصة الحقيقية وخاصة أنها لم تظهر كعلاقة مدرسة بتلميذ ؛ ولكن صاحبة محل لبيع مستلزمات الحيوانات الاليفة والأسماك ومراهق فى الصف الدراسى السابع يعمل فى المحل أثناء العطلات.
(جريسى) خبازة تقوم أيضًا بتدريس دروس تنسيق الأزهار، جو فني أشعة سينية، لكن شغفه الحقيقي هو الفراشات الملكية، التي يقوم بتربيتها بمحبة وإطلاقها في البرية.
تتمتع (جرايسي) بأسلوب راقى وفخم، ويتحمل جو اللطيف العبا الأكبر فى حياتهما، وفى أحيان تتحول الى الأمر الناهى؛ ويبدو هذا عندما تأمره بإخراج (حشراته) من المنزل قبل وصول الشركة.
(إليزابيث) لديها قدر كبير من الطموح، أخبرت (جرايسي) أن لديها شيئًا لتثبته، لأنها تنحدر من عائلة من الأكاديميين الذين اعتبروها أذكى من أن تكون ممثلة.
إنها ليست مهتمة حقًا بهذا العالم، أو بجراسي أو العائلة، تفكر فقط بالنجاح الذي تأمل أن يحققه لها قصتهم، ومن غير المستغرب أن يكون حكمها الأخلاقي مشكوكًا فيه مثل نواياها الفنية.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: فيلم (الجدار).. تشريح العنصرية العالمية !
يوضح (هاينز) سريعًا أن كلا من (جرايسي وإليزابيث) متلاعبتان نرجسيان ويظل جو كبطاقة مخفية، غير محددة طوال الوقت تقريبًا ثم يتم الكشف عنها فى النهاية.
أحداث فيلم (مايو – ديسمبر)، تتوالى بينما (إليزابيث) تحاول التقرب من العائلة، فتكشف الحقائق غير المريحة للفضيحة التى عاشتها البطلة بسبب علاقتها مع المراهق، مما تسبب في ظهور مشاعر متناقضة كانت خاملة منذ فترة طويلة.
إننا أمام قصة رومانسية فاضحة في الصحف الشعبية، تصدرت قبل 20 عامًا عناوين الأخبار، حيث تمحور هوس الصحف الشعبية حول (جرايسي).
تلك التي بدأت في سن 36 عامًا علاقة غرامية مع (جو) البالغ من العمر 13 عامًا وهو زميل مدرسة ابنها جورجي، في متجر الحيوانات الأليفة حيث يعمل كلاهما.
والتي تم القبض عليها في عام 1992 وهى تمارس الجنس مع (جو يو)، مما أدى إلى إرسالها إلى السجن.
(مايو – ديسمبر).. عن تلك الفضيحة
بعد إطلاق سراحها، تزوجت جرايسي من (جو)، الذي يبلغ الآن 36 عامًا ولديهما ثلاثة أطفال، هم (أونور)، الذي يدرس في الكلية، والتوأم (تشارلي وماري)، اللذين على وشك التخرج من المدرسة الثانوية، ويستعد أولادهما للذهاب إلى الكلية.
تبدو العلاقة كأنه اتفاق غير معلن بين الطرفين للأستمرار؛ ولكن مع قدوم باحثة في تفاصيل العلاقة بين الزوجين بينما تستعد لتصوير قصة حياة (جرايسي) في فيلم (مايو – ديسمبر)، عن تلك الفضيحة.
تظهور الشقوق فى بنيان العلاقة الخاصة بين الزوجين؛ مما يجعل (جو) أن يعيد التفكير في ديناميكية علاقته مع (جرايسي).
تقوم (إليزابيث) بزيارة متجر الحيوانات الأليفة، حيث التقيت (جرايسي وجو) وعملا معا، رأت (إليزابيث) غرفة المخزن حيث تم القبض على (جرايسي، وجو) وهما يمارسان الجنس وتعيد تمثيل المشهد بمفردهما.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: زراعة الإنسان ليصبح شجرة فى (سماء بلاستيكية)
ويبدو أنها أصبحت شغوفة بتلك العلاقة؛ ثم تتحدث أيضًا مع زوج (جرايسي) الأول ومحامي الدفاع عنها وابنها (جورجي) الموسيقي الذى تأثرت حياته سلبيا بتلك الفضيحة فأقام علاقة عابرة مع شخص.
هؤلاء الاشخاص الذين قابلتهم (إليزابيث) يصورون (جرايسي) بطرق مختلفة، مؤكدين أنها ساذجة وسلبية، لكنهم يأكدون على مدى تدمير أفعالها على المحيطين.
تحضر (إليزابيث) المزيد من المناسبات العائلية التي سبقت تخرج التوأم من المدرسة الثانوية، بينما ينخرط جو في محادثة نصية خاصة مع صديقة من مجموعة فيسبوك مخصصة لهوايته في تربية فراشات الملك.
في مرحلة ما، يقترح (جو) أن يأخذا إجازة معًا، لكنها ترفضه بتذكيره بأنه متزوج، يتساءل مع والده كيف ستكون الحياة مع (جرايسي) بمجرد مغادرة جميع أطفالهم للالتحاق بالجامعة.
في أحداث فيلم (مايو – ديسمبر)
تقود (إليزابيث) بحسب أحداث فيلم (مايو – ديسمبر)، جلسة أسئلة وأجوبة في فصل الدراما في مدرسة التوأم الثانوية، تشعر (ماري) بالإهانة بشكل واضح عندما تقول (إليزابيث) إنها تستمتع بلعب شخصيات غامضة أخلاقياً.
يتشارك (جو وتشارلي) في الحشيش، حيث أخبر (جو) ابنه أنه لم يجرب الحشيش أبدًا، يتبادل الاثنين الأدوار نفسيا فيشعر المشاهد أن (جو) هو الابن الذى يصاب بانهيار ويبكي بين ذراعي (تشارلي).
ترافق (إليزابيث) العائلة لتناول العشاء في مطعم للاحتفال بتخرج التوأم.
بعد العشاء، يحاول (جورجي) ابتزاز إليزابيث بالحصول على وظيفة مشرف موسيقى في فيلم(مايو – ديسمبر)، مقابل تقديم تفاصيل عن حياة (جرايسي).
وعدم مقاضة الفيلم لأنه سيتناول حياتهما، لنكتشف من خلاله بعدا آخر فى حياة (جريسي) التى قاما أخوها الأكبر سناً بالاعتداء عليها جنسياً، ولقد توصل الى ذلك من خلال قراءة مذكراتها.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (في يومنا هذا).. عندما يصدمك المخرج من أول مشهد
تدعو (إليزابيث) جو إلى مكان إقامتها، حيث يعطيها رسالة كتبها له (جرايسي) في وقت مبكر من علاقتهما ويمارس الاثنان الجنس، وأخبرته أنه لا يزال لديه الوقت لبدء حياة جديدة بدون (جرايسي).
وينفعل (جو) لأول مرة؛ عندما قالت إليزابيث ان تجارب جو عبارة عن (قصة) عند العودة للبيت تكون المواجهة بين جو (جرايسي) ويتسأل باكيا بشأن بداية علاقتهما، وإذا كان (صغيرًا جدًا).
تقول (جرايسي) إنه هو الذي أغواها وأنه كان المسيطر، على الجانب الاخر نجد أن (إليزابيث) تقرأ الرسالة التي أعطاها لها (جو)، وتبدأ في تقمص دور (جرايسي) مقدم مونولوجا أمام الشاشة .
شخصية (جو) في (مايو – ديسمبر)
تبدأ شخصية (جو) بفيلم (مايو – ديسمبر) فى التحرر من القيد العاطفى لتلك العلاقة ولو بشكل جزئى ؛ فيطلق إحدى فراشاته الى الفضاء؛ ويقف باكيا متابعا تخرج التوأم من المدرسة.
وتكون مواجهة التحدى بين (جريسي) و(إليزابيث) عند المغادرة، حيث أخبرتها (جرايسي) أن (جورجي) اختلق لها قصة سوء معاملة إخوتها وأن علاقتها بجورجي جيدة، وانها تعيش فى أمان.
في موقع التصوير أعادت (إليزابيث) مشهد أغراء (جرايسي) لجو؛ وكان استخدام الأفعى رمزا لحالة الإغواء؛ وبينما كان المخرج راضيا على أدائها، طلبت (إليزابيث) إعادة اللقطة مرة أخرى، وكأنها تحاول بكل قوتها إدانة (جريسي) وأنها المسئوله على الايقاع بجو.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: رياح الحظ الساخرة التي لا يمكن التنبؤ بها فى (برج بلا ظل) !
إننا في فيلم (مايو – ديسمبر) أمام عمل يمثل عددًا لا يحصى من التناقضات وتعمد المزج بين السرد المباشر و الرمزية التى تسرى بين شريان القصة.
كأنه فرصة للتأمل الذاتي، والتصميم على التمسك بالخيارات التي أختارها الأشخاص لحياتهم.
بعض الصراعات الرئيسية في فيلم (تود هاينز) الجديد: (مايو – ديسمبر)، يتم سردها عملياً من خلف الكاميرا، وهى تطغى على صراعات أخرى تعتمد عليها القصة بالقدر نفسه.
ففي إحدى اللحظات الرائعة في فيلم (مايو – ديسمبر)، تعانق إليزابيث جرايسي؛ بينما الأخرى لا ترفع يدها في المقابل.
وفى الواقع لا يترك الفيلم أي لغز كبير ولا يسمح بأي غموض كبير، لأن (هاينز) يعرف أين يقف في كل لحظة ويريد التأكد من أن المشاهد يعرف ذلك أيضًا.