في يوم ميلاده تعرف على رأي العندليب في صوت (هاني شاكر) الذي تحدى الزمن !
كتب :أحمد السماحي
يؤمن الفنان الكبير (هاني شاكر) أن الفن رسالة سامية؛ والفنان الملتزم هو حامل مبادئ تلك الرسالة وخير موصل لها ولبنودها الراقية؛ ولهذا تظل تصرفاته وسلوكياته دائما تحت أنظار جماهيره وعاشقي فنه.
ومعروف أن الفنان الكبير والقدير أمير الغناء العربي (هاني شاكر)، هو واحد من القلائل أو النادرين في زماننا ممن يقبضون على جمر الأخلاق والسلوكيات الحميدة.
وكم من فنانين حازوا الكثير من الشهرة والمجد؛ لكنهم ضاعوا في زوايا النسيان جراء ممارسة داء التعالي والغرور الذي يصيب ضعاف النفوس البشرية.
إقرأ أيضا : هاني شاكر : القوى الناعمة قادرة على إذابة جليد الخلافات بين الدول
المتابع لمسيرة (هاني شاكر) الغنائية على مدار أكثر من نصف قرن من الغناء يلاحظ أنه ينطلق من قاعدة: (إن العمل الفني جيد من الناحية الجمالية أو له قيمة جمالية، يختلف عن القول أن لديه القدرة على التأثير في الناس لجعلهم أفضل من الناحية الأخلاقية).
الاستماع الى الصوت العذب والغناء الجميل شيء مثير ومفرح، إلا أن الأحاسيس التي يختبرها من يترجم بصوته اللحن والكلمة، لا يعرفها سوى من خاض تجربة الغناء بنفسه وتعرّف إلى حلاوة وقع صوته في أذنه وكيانه كـ (هاني شاكر).
ولأن (هاني شاكر) صاحب مشاعر صادقة لا يرضى لجمهوره إلا كلمات منتقاه راقية و ألحانا عذبة ورسالة خالدة ، فلقب أمير الغناء العربي لم يكن من فارغ، بل جاء جراء مشوار طويل و تاريخ حافل بالنجاحات.
ولعله هنا ليس فقط أمير الغناء العربي، بل هو أمير الحب السامي والعطاء الفني والغنوة الطربية والشبابية والوطنية والإنسانية، غنى فأبدع فأمتع فطلع جيل وراء جيل تربى على إحساسه ونبل مشاعره.
عيد ميلاد (هاني شاكر)
نحتفل اليوم الخميس بعيد ميلاد أمير الغناء العربي (هاني شاكر)، صوت القلب العربي في أروع دقاته، وأشرف من حمل النغم في قلبه وعقله، وجعل الأغنية صلاة وعشق وثورة.
قدم (هاني شاكر) مئات من الأغنيات التى تعاون فيها مع كبار الشعراء والملحنيين على مدى نصف قرن، عبر فيها عن فرحنا وحزننا، عن حبنا وآهاتنا، وقاوم من خلالها أحباطنا، وحقن وجداننا بمصل القوة والتفاؤل.
منذ غني (هاني شاكر) أغنيته الأولى (حلوة يا دنيا) وأعقبها بـ (كده برضه يا قمر، وسيبوني أحب، وقسمة ونصيب، وبقولك ايه، والهوى جراح، ووصلنا لفين..
وميل يا حب، وصدقيني، وهو اللي اختار، وتصادف الأيام، وتسلم لي عيونه، ما تبعديش، بحبك، غرباء)..
مرورا بـ (حكم الهوى، مش بعتب عليك، إيه ياللي باحبك، كتبت لي السنين، حكاية كل عاشق، مشتريكي، لو كنت غالي عليك)..
وصولا لـ (علي الضحكاية، شاور، تخسري، وليه ما نحلمش، وبحبك يا غالي، وجرحي أنا، والحلم الجميل، وياريتني، وأحلى الليالي، وكله يهون، وبحبك أنا).
في كل هذه الأغنيات الرائعة وغيرها كان صوت هاني شاكر يهطل منه الحنان والأنس والمحبة، وطبطب علينا، وطيب خاطرنا بالموسيقى العذبة التى تغذي الروح وتثري الوجدان، والكلمة التى صنعت لنا دنيا من الأحلام.
موهبة (هاني شاكر)
(هاني شاكر) موهبة كبيرة ساطعة منذ طفولته في منتصف الستينات، وعندما ظهر في بداية السبعينات كشاب صغير كانت الساحة الغنائية حافلة بأساطين الغناء، وعشرات المواهب.
هذه المواهب التى أقل موهبة فيها كانت أجمل من أكبر مغني حاليا!، إلا أنهم لسبب أو لآخر سقطوا في الطريق، ولم يحققوا ما حققه هاني شاكر من شهرة ومجد واستمرار.
واستمرار ونجاح (هاني شاكر) ليس صدفة، ولا ضربة حظ، ولا مساندة من ثري عربي، ولا من رجل أعمال ذائع الصيت، ولا من صحافة مشبوهة، ولا فضائيات كاذبة!
إقرأ أيضا : هاني شاكر ينهي عصر غربان (المهرجانات) الغارقة في ظلام الجهل والتردي!
ولكن استمرار (هاني شاكر) سهر ليالي، وتعب ومجهود، وموهبة كبيرة، ومواكبة، واختيارات غنائية ناجحة، وإصرارعلى النجاح.
وإصرار (هاني شاكر) على النجاح، وعلى التمسك بلونه ضرب المثل على قوة الإرادة التى هى جزء من قوة الشخصية، ففي الوقت الذي اندلعت فيه مؤخرا أغنيات (المهرجانات) كالنار في الهشيم.
صمم (هاني شاكر) على أن يتحدى هذا اللون، وجمهور هذا اللون الذي يعرف أنه غير رشيد فيما يختص بالأذواق الغنائية، ونجح في التحدي، وفرض لونه الذي يجيده، لانه كان يعلم بحكم خبرته أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح، ولا يبقى إلا ما ينفع الناس.
ومع الأيام تساقط مؤديين المهرجانات، ولم يشعر أحد بسقوطهم، ولا غيابهم، لأنهم كانوا (نكتة)، و(نكتة بايخة، ورخيصة) مرت في تاريخ الغناء المصري الأصيل.
(هاني شاكر) صوت يتحدى الزمن
من خلال متابعتي لمشوار هاني شاكر أشعر أن الشهرة الكبيرة التى يتمتع بها ألقت بعض الظلال على القيمة الحقيقية لصوته بدلا من أن تلقي عليه الأضواء.
وأشعر أحيانا بأن معظم الناس ومن فرط ما أصبح الاستماع إلى (هاني شاكر) عادة وجزءا عاديا من حياتنا اليومية، لم يلتفتوا إلى تحدي أوتار صوته لقوانين الطبيعة في نمو الخلايا البشرية.
فبينما تعرضت أوتار أصوات عظيمة مثل (محمد عبدالوهاب، ووردة، وصباح) وغيرهم إلى تغييرات جذرية جعلت مثلا محمد عبدالوهاب يتوقف عن الغناء المتواصل.
ويكتفي بتسجيلات محدودة مع آلة العود، وبينما شاخ صوت وردة وصباح، فإن التغييرات التى طرأت على صوت (هاني شاكر) طفيفة للغاية، وأهمها انخفاض الطبقات المرتفعة في صوته.
وتغلب (هاني شاكر) على هذه التغييرات بخبرته الغنائية، ومازال يمتعنا بصوته العذب الجميل.
شهادة موثقة من العندليب
في عام 1974 أجرت مجلة (الشبكة) حوارا مطولا مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ تحت عنوان: (بصراحة متناهية مع عبدالحليم حافظ).
وفي هذا الحوار سألته الزميلة (هيفاء جارودي البابا) عدة أسئلة، وهى لماذا لا تصرح بحقيقة عمرك؟، ولماذا لا تضبط مواعيدك؟، ولماذا لا تغفر إساءة صديق؟
ولماذا ترضى وتغضب على بليغ حمدي؟، ولماذا حاربت فهد بلان؟، ولماذا تقف ضد (هاني شاكر)؟
لن أكتب طبعا إجابة العندليب على كل هذه الأسئلة وغيرها، وسأكتفي فقط برده على سؤال (هاني شاكر)، حيث سألته الزميلة الصحفية:
* يقال بأنك تشهر سلاحك الآن في وجه (هاني شاك)ر، فما وجه الصحة في هذا القول؟
** فقال بلهجة دفاع شديدة مصحوبة بابتسامة رسمت على وجهه علامة استفهام: وأحاربه فين؟! وتابع مازحا: وحياة ربنا، وأبونا وأمنا، أنا ما عملت حاجة! فـ (هاني شاكر) شاب منطلق يقيم الحفلات، ويشترك في الأفلام، وصحته المادية عال العال.
* هل لنا أن نعرف رأيك فيه؟
** مطرب موهوب، أتمنى له الخير والنجاح.
* ألا تعتبره استمرارا لصوت عبدالحليم حافظ؟
** كان من الممكن أن أعتبره استمرارا فيما لو عدنا مئتي سنة إلى الوراء، أما الآن فالاستمرار موجود بفضل الإذاعة والاسطوانات، وكلما انفرد الفنان بشخصية مستقلة كان كسبا جديدا للفن.
ثم أضاف: هنالك مسألة مهمة في ظهور النجوم الجديدة، فالمقارنات التى يتعرضون لها خطأ لأنها لا تكون في صالحهم، لا من ناحية الغناء ولا من ناحية التمثيل.
فالفنان القديم يقدم في كل موسم أغنية، بينما الموهوب الجديد يقدم كذا أغنية في السنة، عوضا عن أن الفن يحتاج إلى وجوه جديدة غير مقلدة تستطيع أن تملأ الفراغ الذي يحدثه ابتداء مني إلى كل الفنانين المطربين والملحنيين.
تحية حب لهاني شاكر
(هاني شاكر) عالم ما أعرضه وما أعمقه، وهذه السطور ليست تمجيدا له في يوم ميلاده، ولكنها كلمة صغيرة مليئة بالحب والحق عن نجم كبير فرض نفسه على المصريين والعرب.
ودخل تاريخهم من أوسع الأبواب، وإذا أردنا أن نكتب قصة (هاني شاكر) مع الفن والحياة لاحتجنا إلى مجلد ضخم قد تنتهي صفحاته قبل أن تنتهي سطور القصة.