بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
عندما وصلنا إلي الفندق في جدة استعدادا لمناسك (الحج)، اقترحت زوجتي أن نتجه إلي مكة لنطوف حول الكعبة وننتهي من طواف القدوم، ركبنا الباص الخاص بالفندق، بعد أن انتهينا من الطواف، كان و لا بد لنا أن نعود إلي الفندق لنستريح.
سألنا أكثر من رجل شرطه عن موقف الباصات..لم يرد علينا أحد، لأنهم علي ما يبدو ملوا من كثرة الأسئلة اعتمدنا علي أنفسنا.. وجدنا أمامنا سلالم كثيره..استعملناها في النزول، لنجد أنفسنا وسط ماكينات مياه وكهرباء و صرف صحي.
كدنا أن نصاب بالصمم من كثرة الضجيج، بكت زوجتي من التعب..أخيرا استطعنا وبعد عناء أن نصل إلي السلم، لنعود إلى منطقة الصفر، بحثنا عن المكان الذي يقف فيه الباص فلم نجده.
في أول بداية رحلة (الحج) أوقفنا سيارة أجره قديمه جدا، رغم أن كل سيارات الأجره هناك جيدة.. أخبرت السائق الذي كان يجلس بجانبه شخص آخر أنني مصري، و أريد أن أذهب إلي الفندق، قام بغمز الشخص الذي بجانبه و قال لي: هاخد منك 100 ريال!
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: (الحادث المروع) وصوت انفجار الكاوتش !
وأخيرا اتفقنا علي 50 ريال.. ملامحهما غليظة.. تذكرت أنني تعاملت مع أهل مكة قبل ذلك، وأن هناك فرق شاسع بينهم و بين سكانالمدينة.
قال لي السائق: طالما أنت مصري هاخد الأجره منك الأول، لم تعجبني لهجته، أخبرته أن كل ما معي عملات فئة 100 ريال، قال لي: سأأخذها منك وأعطيك الباقي 50 ريال.. بس سلمني 100 ريال الأول.
سألته عن بلدته رغم معرفتي بها: أخبرني أنها مكة، أبلغته أنني لن أسلمه مليما واحدا قبل أخذي الباقي مقدما، لأنني غير واثق فيه!، وأوصلنا إلي مكان يبعد عن الفندق بمسافه دون أن نعرف لأن الغريب أعمي.
إسترحنا.. وجلست في انتظار الأستاذ سمير رجب الذي أحبه والذي رافقنا لرحلة (الحج).. عند وصوله قابله كل الذين كانوا يهاجمونه في غيابه بالأحضان و القبلات، كان معه زوجته، إنسان بشوش ومحب للجميع.
استقبلني بترحاب شديد وهو يقول لي: الوحيد في مصر غيري اللي لسه بيكتب بقلم حبر، لاحظت أثناء تناولنا الإفطار، أو الغذاء، أو العشاء، أن هناك بعض الشخصيات البسيطه جدا من حيث الملبس، وطريقة الأكل و الملامح.
قلت لزوجتي أنهم مليونيرت بالتأكيد، والدليل على ذلك أنهم قادمون لـ (الحج) بأريحية وهم نزلاء في هذا الفندق بأسعاره الخيالية والمجنونة.. تعرفت علي أحدهم، طلبت منه أن يأخذ عنواني.. وكانت المفاجأ: أخبرني أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
(الحج) علي نفقة الملك فهد
من مناقشاتي معه أخبرني أنه حضر لـ (الحج) علي نفقة الملك فهد، لفوزه هو وكل من معه من رجال ونساء في مسابقة القرآن الكريم، حيث قام أولادهم بحل أسئلة المسابقة و إرسالها بأسمائهم.
الفقر واضح جدا في ملابسهم، و طريقة اختيارهم للأطعمه من البوفيه المفتوح، سألته: هل يقبل كل من معك أن أساعدهم ماديا؟، أخبرني أنه موافق، وأنه سيسأل المجموعه التي معه ويبلغني بردهم.
في نفس اليوم أخبرني أنهم وافقوا بالإجماع على قبول المساعده لظروفهم الصعبة تبرعت بمبلغ، ثم أبلغت الأستاذ سمير رجب فدفع مبلغا يساوي المبلغ الذي دفعته.
إمتنع بعض الذين معي عن الدفع لدرجة أن هناك رئيسا لصحيفه حزبيه معروفه قال لي: هو احنا لاقيين ناكل يا عم ابراهيم.. سيبنا في حالنا و النبي.
أبلغتني زوجتي أنها ستساهم معي في مبلغ عندما علم الأستاذ سمير بذلك أعطاني مبلغا بإسم السيده زوجته.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: هذا الطبيب الكلب يسب (مصر) !
جلسنا جميعا في بداية مناسك (الحج): الأستاذ سمير رجب، والأستاذ جمال بدوي، والأستاذ محمد صالح، والأستاذ محمد الهواري، والأستاذ أبو الوفا، و الأستاذ إبراهيم عابدين، والأستاذ ممدوح الليثي الذي كانت إقامته هو و زوجته في القصر الملكي.
كنت لا أفترق عن الأستاذ سمير رجب الذي أحببت فيه ضحكته الصافيه، وقلبه الرقيق، و خفة دمه الواضحهة
في مني و المزدلفة كنا نذهب سويا لزيارة زوجاتنا في الخيام المخصصه لهن.. نجلس معا لتناول طعام الغذاء.. أمامنا خروف كامل.. وكميه أخري من اللحوم فوق صينيه كبيرة عليها كميه من الأرز، أجلس معه ومعنا الأستاذ جمال بدوي.
لا تستهلك إلا كمية بسيطة، بعدها يأتي العمال لوضع كل ما في الصينية في جوال الزباله البلاستيكي، و هكذا فعلوا في كل الصواني الموجودة، وتمر الأيام.
ويظل الأستاذ إبراهيم عابدين، مراسل الإذاعه البريطانيه يقول لنا: أن الملك يعرفه شخصيا، وأنه الوحيد الذي سيدعوه لتناول الغذاء معه و..و..و..
مقابلة الملك فهد
كانت المفاجأة الأستاذ علي القاضي جاء ليخبرنا أنني ومعي الأستاذ سمير رجب مدعوان لمقابلة الملك فهد وتناول الغذاء مع جلالته، كاد أن يغمي على الأستاذ إبراهيم عابدين، الذي أعلن أن الاختيار تم هذا العام بطريقة عشوائية.
كنت مضطرا أن أقول له: أن الذي وجهت إليهما الدعوة هما شاعر كبير هو أنا، وصحفي كبير هو الأستاذ سمير رجب، جاء من يخبرنا أن مقابلة الملك ستكون بملابس خاصة جلباب أو بدلة كاملة.
صممت على الذهاب بتيشرت وبنطلون ولم يعترض أي أحد على ذلك، ارتدى الأستاذ سمير رجب بدلة وصلنا القصر الملكي، كان من المفروض أن يصافحنا الملك مع كل الذين تمت دعوتهم من الدول العربية
لكنهم اعتذروا لنا لظروف الملك الصحية، أعلنوا وصول الملك في سيارة جيب سوداء، رأيناه عن بعد و هو يقف، وملامح الإرهاق واضحة على وجهه ووقفته.
سبقناه إلي قاعة الطعام، وجدنا الأستاذ ممدوح الليثي هناك، حيث أخبرنا أن زوجته قد وقعت وتم تجبيس قدمها، ظل يضحك مع العمال الذين يقدمون لنا الطعام من المصريين، ومنهم شاب إسمه بيبو.
ظل يسأله عن ميوله الكرويه.. الملاعق من ذهب.. الأطباق أيضا.. والجدران.. و كل من حولنا.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: الأمير (فيصل بن فهد) يطمئن على صحتي
أذكر أننا أثناء عودتنا من مني والمزدلفة في بداية مناسك (الحج)، صمم أحد رؤساء التحرير الحزبيين أن نتجه أولا إلي الكعبة لأن زوجته لم تكمل الطواف الأول.
كنا في غاية الإرهاق.. طلبنا منه أن يوصلنا الباص إلى الفندق ثم يتجه به هو وزوجته إلي الكعبة فرفض.. عند عودتنا اصطدم به الأستاذ محمد صالح الصحفي بالأهرام، حيث تدخلنا لإنهاء الموضوع.
في المكان المخصص للنساء كانت هناك سيده كبيرة في السن من الإسكندريه.. قام أحد أحفادها بالاشتراك في مسابقة لإذاعة القرآن الكريم باسمها، حيث فازت برحلة حج.
سيدة تصرخ أمام الكعبة
هذه السيدة وأثناء طوافها حول الكعبة سمعناها وهى تصرخ قائلة لشخص خلفها: حتي في الكعبة يا وسخ يا ابن الكلب!، وظلت تضربه بيدها إلي أن تمكن من الهروب.
قلت لها: ماذا فعل؟، أخبرتني أنه تحرش بها جنسيا، وارتكب بعض الأشياء التي لا يصح أن يفعلها حول الكعبة.
بعد أن تم الطواف حول الكعبه، كتب صحفي كان معنا أن الأبخره التي خرجت من أفواه الحجاج في أثناء تأدية مناسك (الحج) كتبت على السماء بخط واضح.
قلت له أنني كنت بجانبه، و لم أشاهدها، قال لي: بس أنا شفتها!
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان: رجاء النقاش.. مساهمه إنسانيه نبيلة في علاجي
كنت كلما تعرض الأستاذ جمال بدوي لغيبوبة سكر أتفرغ له حتي تنتهي، ومع ذلك اصطدمت به أكثر من مرة.
السوق مخنوق حواديت..
دكاكين مش عاشقه البيت
وانا جيت.. علشان حبيت..
أشرب وياكى الشاى
مش تايه .. ولا مرجوف ..
ولا حاسس جنبك خوف
على بعد الشوف ملهوف..
على طفل اليوم الجاى
………………………….
أنا إيه من غيرك .. نسمه..
مش لاقيه خدود لحبيب
لو يوم نتحدى القسمه..
عمر الأحزان ما تطيب
يا طبيب القلب الجايب..
جوابات الطير الغايب
مش تايه.. ولا مرجوف ..
ولا حاسس جنبك خوف
على بعد الشوف ملهوف..
على طفل اليوم الجاى
………………………….
السوق بينادى علينا ..
واحنا أطفال فى السوق
هايبيعوا ويشتروا فينا ..
إزاى يا عبير الشوق
يا ام الرمان متزوق ..
لبحور القلب يِروَّق
مش تايه.. ولا مرجوف..
ولا حاسس جنبك خوف
على بعد الشوف ملهوف..
على طفل اليوم الجاى
………………………….
اتدارى فى زاوية بعيدة
تحت جناح المحبوب
جوه عيونك تنهيدة..
بتخلى مشاعرى تدوب
نشترى لكن ما نبيع ..
ولا يوم فى الزحمه نضيع
مش تايه .. ولا مرجوف..
ولا حاسس جنبك خوف
على بعد الشوف ملهوف ..
على طفل اليوم الجاى
………………………….
الحب لا يمكن أبدا ..
يا حبيبتى هايصبح فرصه
بيخلى العالم أحسن ..
ولا يوم يتباع فى البورصه
ولذلك قلت نكون..
القدوه لكل الكون
مش تايه.. ولا مرجوف ..
ولا حاسس جنبك خوف
على بعد الشوف ملهوف..
على طفل اليوم الجاى.