بقلم: بهاء الدين يوسف
من المفارقات التي لابد من التوقف أمامها بكثير من التحليل هى نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في ربح (معركة الإعلام) مع إسرائيل في مختلف دول العالم تقريبا ما عدا العديد من العواصم العربية، وهى مفارقة للعديد من الأسباب.
السبب الأول أن موقف الإعلام من أية أحداث تجري في غزة يتحول لأول مرة، حيث كان المعتاد في أغلب الاعتداءات الإسرائيلية السابقة أن يكون الإعلام العربي أول من يقف ويدافع ويتبنى وجهة نظر الفلسطينيين ضد المزاعم الاسرائيلية مقابل انحياز الاعلام الغربي الكامل لأكاذيب تل أبيب.
وفي العادة كانت تلك الأكاذيب تربح في (معركة الإعلام) قياسا على التأثير المحدود للإعلام العربي مقابل الانتشار المخيف لنظيره الغربي، لكن في (معركة الإعلام) الموازية لعملية طوفان الاقصى وتبعاته من الاعتداءات الصهيونية على المدنيين والعزل في غزة، انقلب الموقف تماما ورأينا صحفا غربية عريقة مثل صحيفة لوموند الفرنسية العريقة تنتقد أداء الحكومة الفرنسية وانحيازها الواضح لإسرائيل وتغاضيها عن جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الحفاضات الاسرائيلي في غزة.
إقرأ أيضا : مجازر إسرائيل في (غزة) توخز ضمير العالم!
بل وتتساءل عن كيفية تعامل الدولة الفرنسية مع المواطنين الذين يحاربون جنبا الى جنب مع جيش الدفاع الإسرائيلي بالمخالفة للقوانين الفرنسية التي تمنع مشاركة الفرنسيين في القتال ضمن صفوف جيوش دول أخرى، كما أن هناك عشرات الصحف الغربية المرموقة الأخرى التي نشرت موضوعات ومقالات تخلت فيها عن انحيازها التاريخي الأعمى لكل ما تقوله اسرائيل مهما بدا غير منطقي، في وقت افردت فيه بعض الصحف العربية مساحات عير قليلة للتقليل من أهمية ما قامت به المقاومة والتشكيك في إنها دمرت الشعب الفلسطيني لتحقيق أجندات دول أقليمية اخرى.
ربح (معركة الإعلام) الغربية
السبب الثاني هو التحول الغريب لموقف الإعلام العربي بشكل ملفت من المقاومة الفلسطينية في غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى بدرجة يكاد معها غير المتابع يشعر أن حماس وسكان غزة هم الذين يحتلون أراضي إسرائيلية، ويذيقون الشعب الإسرائيلي المسالم المقهور صنوف العذاب المتنوعة من تجويع وترويع وقتل، وهو موقف غريب مهما كانت الدوافع السياسية التي تقف ورائه، خصوصا حينما يتجاوز الأمر الخلافات السياسية العقائدية بين بعض الأنظمة العربي وحماس ليصل إلى استشهاد ما يزيد عن 20 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، بخلاف عشرات الآلاف الذين يواجهون الموت بسبب الجوع والبرد.
في هذا الوقت هناك سؤال يطرح نفسه بقوة حول أسباب نجاح حماس والمقاومة الفلسطينية في ربح (معركة الإعلام) الغربية لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟.
في اعتقادي أن السبب الأول هو دخول وسائل التواصل الاجتماعي في المعادلة الإعلامية بقوة هذه المرة، بحيث لم يعد المهتمون بمتابعة الأخبار ينتظرون ما تنشره الصحف أو تذيعه القنوات التي يملك أغلبها يهود غربيين، وحتى من يتابع الصحف والقنوات لايكتفي بها في ظل وجود مصادر متنوعة ومستمرة الأخبار والفيديوهات والصور على وسائل التواصل، وهذا تحديدا ما نجح:
أولا: في فضح محاولات بعض القنوات لتزييف الحقائق مثلما شاهدنا مراسلة قناة (سي إن إن) التي حاولت تمثيل تعرضها لاعتداء فلسطيني في بداية الحرب على غزة لولا أن كشفتها فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نجح في توصيل وجهة نظر وصوت المقاومة الفلسطينية إلى العالم عبر نشر ما تنتجه من فيديوهات وصور وخطابات ليعرف مئات الملايين حول العالم حقيقة ما ترتكبه إسرائيل في غزة من فظائع بعيدا عن عمليات التجميل التي تجريها الفضائيات الغربية لتلك الجرائم.
استعداد المقاومة لـ (معركة الإعلام)
السبب الثاني: هو نجاح المقاومة الفلسطينية في الاستعداد لـ (معركة الإعلام) بالتوازي مع استعدادها للمعركة العسكرية، حيث نجحت في التخطيط لتوصيل رسالتها الى العالم والرد بالأدلة على اية مزاعم اسرائيلية، مثلما حدث مؤخرا حين نشرت فيديو بعنوان (وصلتم متأخرين) تسخر فيه من تباهي تل أبيب بالكشف عن نفق من أنفاق حماس في غزة، وقبله فيديوهات الافراج عن بعض الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم منذ طوفان الاقصى، وتصوير المشاعر الودية ونظرات وكلمات الامتنان التي غلبت على الأسرى، وهو عكس ما وثقته مواقع التواصل عما تقوم به إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين لديها من تعذيب وإهانة وإذلال.
هذا التباين سهل على الشعوب الغربية معرفة حقيقة ما يدور في غزة وإدراك أن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية حق أصيل للشعب الفلسطيني الذي سرقت منه أرضه، بخلاف الأكاذيب التي كانت تروج لانهم شعب همجي إرهابي لا يريد السلام ويريد إلقاء اليهود في البحر.
لكن السبب الثالث في ظني يبقى هو الحد الفاصل في نجاح المقاومة في كسب (معركة الإعلام)، وأتحدث هنا عن صمود المقاومة اولا في المعركة العسكرية، وصمود الشعب الفلسطيني في غزة على الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في حقه، ما سمح بإطالة أمد المعركة ومن ثم اصابة الحكومة والجيش الاسرائيلي بحالة من الجنون جعلته يقع في أخطاء عديدة تم تسجيلها وتوثيقها ونشرها للعالم ليعرف من الضحية ومن المجرم.