بقلم: حنان أبو الضياء
فيلم (الجدار) أو (The Wall) يعد بمثابة تشريح لا يتزعزع لتفاهة الشر، الجدار له صدى باعتباره رمزا معاصرًا يتعامل مع شياطين العنصرية العالمية و الخوف من الآخر.
(الجدار)، هو بطبيعة الحال الذى يرفع الحواجز بين الناس، ومن خلاله ينظر مخرجه (فيليب فان ليو) إلى الطابع الغامض وغير القابل للإصلاح للعنصرية في قلب دورية الحدود الأمريكية، التي شرعت في مطاردة؛ هى في المقام الأول مطاردة لأي شخص (آخر) ضد أفكارك.
فيليب فان ليو صنع اسمه لأول مرة من خلال عمليين مهميين، الأول: (اليوم الذي رحل فيه الله)، حيث يتمحور حول امرأة شابة من التوتسي هربت في الغابة ذات ليلة، بعد أن دمرها موت أطفالها.
والثاني: (مخلص) الذى تم اختياره في برلين، وهو عبارة عن عائلة تحاول البقاء على قيد الحياة على الرغم من القنابل، بينما تكون شقتهم محاصرة بشكل أساسي.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: رياح الحظ الساخرة التي لا يمكن التنبؤ بها فى (برج بلا ظل) !
وفى فيلمه الذى يعرض ضمن مهرجان الجونة السادس (الجدار)، والذي عُرض لأول مرة عالميًا في مهرجان بروكسل السينمائي الدولي، يستكشف المخرج مناطق جديدة إنسانية وجغرافيًا وسينمائيًا.
إننا في (الجدار) أمام بطلة لاتتعاطف معها منذ الدقيقة الأولى، (جيسيكا كوملي) التى تعمل كحرس حدود، وتراقب الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
بالنسبة لها، يعد هذا شأنًا عائليًا، حيث كان والدها ووالدتها يراقبان الحدود، أو بالأدق يطاردان الأشخاص الذين حاولوا عبورها.
على عكس (خوسيه)، وهو أحد أفراد مجتمع (توهونو أودهام)، الذي يسافر أيضًا عبر الحدود لمساعدة المهاجرين الذين يعانون من الجفاف والذين يتعرضون لسوء المعاملة على يد الشرطة والصحراء.
في (الجدار) نعيش تفاصيل (خوسيه)
إننا في (الجدار) نعيش تفاصيل خوسيه (مايك ويلسون)، حيث يعطى الماء للمهاجرين حتى لا يموتوا، ويقوم بتسليم الطعام للمهاجرين الجالسين على الأرض، يعطيهم الطعام، ويزودهم بالماء.
وهذا ما فعله لمدة اثني عشر عاما فى الحقيقة وسط العديد من المصاعب فعلى الجانب المكسيكي من المحمية، لديك عصابات المخدرات، على الجانب الآخر توجد دورية الحدود.
تبدأ قصة (الجدار) معها وتبدأ بالتقاطها رجل من أمام المتجر ليمارس معها الجنس مقابل المال، وتلبسه غطاء على وجهه قبل أن تذهب به إلى بيتها ،لأنجاز مهمته الجنسية وهى تعامله بمنتهى الازدراء والتعالى.
تبدو حياة (جيسيكا) قاسية وقاحلة مثل سهول أريزونا الصحراوية، في هذا الجو الخانق، يبدو أن عواطفها قد تم ضبطها تمامًا، كل ما تبقى هو الكراهية العنيدة والعنصرية العميقة، القائمة على الإيمان الأعمى بالنظام.
تجسد (فيكي كريبس) تفاهة الشر بقوة مذهلة ودقة، يمكننا أن نتخيل الممثلة التي تمشي على سلك، وتلعب دور امرأة مشبعة بالكراهية بشكل لا يمكن علاجه، ولكنها أيضًا وحيدة بشكل مرضي وغير سعيدة للغاية.
جسم (جيسيكا) مليئ بالوشم، غاضبة طوال الوقت، تمارس الرياضة وتضرب الجدران.
أما (مايك ويلسون)، ناشط من أمة (توهونو أودهام) هنا في دوره الأول، يفرض وجوده ويساعد على إعطاء الحياة لقصة فيها الكراهية من الآخرين يسود.
إن إيمان (جيسيكا) بتفوقها العنصري، يتمركز عندما ترى في وجه الرجل الذي تقتله بدم بارد قبل أن تتجه نحو الرجل العجوز.
(خوسيه)، وهو أمريكي أصلي حكيم يجرؤ على مناقضة رأيها ، الذى تراه أقل من إنسان، وأقل من أمريكي “حقيقي”، يردد أصداء العديد من أمثالها.
المعتقدات، ومظاهر العنصرية المستوطنة المتفشية في جميع أنحاء العالم، على هذه الحدود وعلى غيرها.
(الجدار) يطرح الأسئلة
فيلم (الجدار) يطرح أسئلة حول شخصية جيسيكا عميلة حرس الحدود الفاسدة التى أطلقت النار على مهاجر، أن شخصيتها هى التي ضغطت على الزناد.
ولكن من أعطاها السلاح لتضغط الزناد؟، ومن أعطاها الرصاصة لتضعها في البندقية؟ أعطتها الكراهية السلاح، وأعطتها العنصرية الرصاص.
لذلك كان الأمر متروكًا لها لضغط الزناد، حيث كان هناك نظام كراهية عنصري كامل.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (في يومنا هذا).. عندما يصدمك المخرج من أول مشهد
وهذا لم يعد خيالا، هذا هو الواقع، لذا فهي قصة يجب أن تُروى، أنه قصة من واقع الحياة.
الطريف أن (فيكي كريبس) حاولت إقناع المخرج (فيليب فان ليو) باختيار شخص آخرأمريكى لأن هناك العديد من الممثلين في أمريكا يقومون بالدور.
وليس من الضروري أن تلعب دور (جيسيكا كوملي)، لكنه أقنعنها من خلال توضيح أنه يريد أن تكون القصة صادقة كما في القصص الخيالية، والتي تحتوي أيضًا على شخصيات لا تشعر وكأنها من هناك.
الجدار).. مثير للاهتمام
ولهذا السبب نحن نصدقها، ونتبعها، فيلم (الجدار) فى الحقيقة مثير للاهتمام لأن فيليب جرؤ على عرض وجهة النظر هذه من زاوية أوروبية.
الفيلم يسلط الضوء على المشكلة، وربما من المثير للاهتمام أن الضوء يأتي من مكان محايد.
المشهد الإنساني الحقيقي الوحيد عن الجانب الجيد للبشر هو العلاقة بين هذا الطفل حفيد خوسيه والحصان.
حيث يقول البشر: (أنا إنسان، وأنت حصان)، فالحصان أقوى من الإنسان، إذن ما هي العلاقة بين الحصان والإنسان؟، يمكن للإنسان أن يقول: (أنا أقبل قوتك؛ أنا أضعف، لكن دعني أساعدك في وعيي..
إذا ركبت فوقك، أستطيع أن أرى أبعد وأقول لك أين يجب أن تبطئ أو تتوقف، يمكنني أن أعطيك الماء، ويمكنني الاعتناء بك، لذا فإن العلاقة بين الخيول والرجال ترمز إلى ما يمكن أن يفعله البشر على هذا الكوكب.
(فيليب فان ليو)، هو مخرج أفلام وكاتب سيناريو ومصور سينمائي بلجيكي، لقد ظهر لأول مرة في عام 2009 مع فيلم The Day God Walked Away.
في عام 2017، كتب وأخرج فيلم Insyriated، والذي عُرض لأول مرة في (مهرجان برلين السينمائي الدولي السابع والستين).
وفي جوائز ماجريت الثامنة، فاز الفيلم بجميع الجوائز الست التي تم ترشيحه لها، وتعادل الرقم القياسي جوائز ماجريت لمعظم الجوائز التي فاز بها (إلى جانب السيد لا أحد)، بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل مخرج لفان ليو.