أشهر الشماس المسدس في وجه شقيقاتها فطلبت (صباح) الطلاق (3)
كتب: أحمد السماحي
لم يكن الحلم أو الكابوس الذي حلمت به (صباح) مجرد حلما، ولكنه كان واقعا حيث وقع في حياة (صباح) أعنف مأساة يمكن أن تقع في حياة نجمة ساطعة تسلط عليها الأضواء من كل مكان، وتترقب الصحافة أي خبر عنها.
وقع لـ (صباح) مأساة مروعة زلزلت حياتها وكيانها، وملأت حياتها السعيدة الهانئة بالألم والدموع، وأي مأساة أعنف من أن تختارها الأقدار لتكون أختا لأوديب الذي قتل أمه، ليس في أسطورة سوفوكليس، وإنما في الحياة.
وهنا أترك المؤرخ الفني المصري (محمد السيد شوشة) يحكي لنا ما شاهده بنفسه حيث يقول : (لقد قابلت صباح في ذلك الوقت، وكان ذلك في شهر سبتمبر عام 1947 وكانت تمثل أحد أفلامها الكوميدية الغنائية مع محمد فوزي في ستديو الأهرام.
وكان نبأ مصرع أمها يملأ كل الصحف التى أبرزته في صدر صفحاتها الأولى حيث كتبت (شقيق صباح يقتل أمه وعشيقها بالرصاص).
وصحيفة أخرى تقول: (هروب انطوان فغالي قاتل أمه وعشيقها)، وثالثة تقول : (البوليس يبحث عن شقيق صباح القاتل الهارب)، ورابعة تنشر : (كيف قتلت والدة صباح وعشيقها بيد ولدها!).
وغيرها من تلك العناوين الضخمة اللافتة للأنظار، الأمر الذي جعلني أعتقد أن صباح تعلم كل شيئ، وأنها في حاجة إلى العزاء، فدخلت عليها حيث كانت تجلس في غرفة المكياج.
ولكن نجيب الشماس عندما رآني نهض بسرعة، وانتحى بي جانبا، وقال في همس: أرجوك لا تذكر شيئا أمام صباح عن الحادث فهي لا تعرف شيئا!.
وأنا أمنع عنها كل الصحف التى تشير للحادث، وأمزق كل خبر فيها يشير إليه من قريب أو بعيد، وكانت بيدي صحيفة فنية، فأخذها مني وقدمها لها بعد أن نزع منها الصفحة التى كانت تشير للحادث.
صباح يغمى عليها في الباخرة
يستكمل محمد السيد شوشه حديثه قائلا : ولكنني بالرغم من إخفاء الشماس خبر مقتل والدتها لمحت مسحة من الحزن في عيني صباح.
حيث كانت تحس بشعور غامض مبهم نحو شيئ قد حدث يخفيه عنها الناس، فإن عيونهم كانت تفضحهم، فتقرأ فيها سرا مجهولا تريد أن تعرفه).
هنا إنتهى (محمد السيد شوشه) من ذكرياته، ونستكمل باقي قصة غرام (صباح ونجيب الشماس) كما تم تجميعها من العديد من مجلات الأربعينات.
ظل الكابوس الذي ترى فيه (صباح) أمها غارقة في دمها، وأخوها (انطوان) يغسل ايديه في دم أمها يطاردها، ويتمثل لها هذا الكابوس في يقظتها ومنامها.
وكانت في كل مرة تقوم من نومها فزعة، ويكرر نجيب الشماس سؤالها مالك يا جانيت؟ فتقول له نفس الحلم الفظيع يا نجيب!.
إقرأ أيضا : ثورة الأب على غرام (صباح) ونجيب شماس، ومقتل الأم على يد ابنها! (2/3)
وبمجرد أن أنتهت (صباح) من تصوير فيلمي (أنا ستوتة) و(صباح الخير) طلبت من زوجها أن تسافر إلى لبنان، وفي الباخرة المتجه إلى لبنان كان لابد أن يخبر نجيب زوجته بما حدث لأمها.
وعندما اقتربت الباخرة من بيروت، صارحها (نجيب) بالحقيقة شيئا فشيئا، فصرخت قائلة: هل ماتت أمي؟ فقال لها: إن كل ما رأيته في أحلامك كان صحيحا، ثم روى لها الحادث الذي أخفاه عنها شهرين كاملين.
وهنا غابت الدنيا عن وجهها ووقعت مغشيا عليها، وعندما فاقت شعرت أنها أتعس مخلوقة على ظهر الأرض، إلى درجة أن هذا الحادث.
وكما ذكرت (صباح): (لم يبرح خيالي، فبالرغم من أنني لم أره في الحياة، إلا أنه تجسم لي في المنام، وجعل حياتي كلها جحيما لا يطاق).
(صباح) تُهرب شقيقها إلى البرازيل
ما أن وصلت (صباح) إلى منزلهم في لبنان، ورأت شقيقاتها الصغار حتى أغمى عليها مرة ثانية، وعندما فاقت وجدت زوجها ووالدها وشقيقاتها وابن عمها الصغير حولها.
كانت هذه الأيام أسوأ ما عاشته (صباح) حيث فقدت أمها، والبوليس يطارد أخاها الوحيد الهارب في الجبال، ليلقي القبض عليه بجريمة القتل، مأساة دامية، مثلت فيها صباح دور الأخت والبنت الضحية المجني عليها، وعلى اسمها وسمعتها.
ولكنها بقلبها الطيب الذي لا يعرف الحقد غفرت لأمها، وقالت: (يرحمها الله فقد أخطأت)، كما غفرت لأخيها أنطوان وقالت: (مسكين لقد أخطأ بسبب وشايات الناس).
ثم راحت تبذل المساعي للعثور عليه، وإنقاذ رقبته من سيف العدالة، ولم يهدأ لها بال حتى عثرت عليه، وقامت بتهريبه إلى البرازيل.
إقرأ أيضا : قصة غرام (صباح) مع الأمير الكويتي (عبد الله المبارك الصباح) !
وصرحت (صباح) وقتها وقالت في أسى لمن حولها: (لقد ماتت أمي وبقى أخي، فهل أتركه هو الآخر ليموت، وأفقد الأثنين، كما فقدت من قبل أختى الكبرى برصاصة طائشة).
كان هذا هو منطق (صباح) في الحديث عن تلك المأساة الهائلة التى مثلتها على مسرح الحياة، وهي التى لا عهد لها بتمثيل المآسي على الشاشة!.
(صباح) وفيلم (بلبل أفندي)
بعد أن اطمأنت صباح على هرب شقيقها (أنطوان) إلى البرازيل، طلبت من والدها الذي كان يمثل دور المجني عليه، أن يجلس مع شقيقاتها وابن عمها، ولا يتركهم لحظة على أن ترسل له ما يطلبه من مال!
فوافق الأب الذي كان سببا في هذه المأساة، حيث كان يترك زوجته الشابة في بيروت، وينزل هو إلى القاهرة بحجة أنه لابد أن يكون بجوار ابنته (صباح) في كل خطوة حتى لا يضحك عليها أحد من نجوم السينما المصرية!
وهو في الحقيقة كان يرتاد الملاهي الليلية وينفق ما تكسبه ابنته على راقصات مصر في هذه الملاهي.
رجعت (صباح) إلى مصر لارتباطها ببطولة فيلم (بلبل أفندي) مع الفنان ذائع الصيت (فريد الأطرش).
وبمرور الأيام بدأت (صباح) تنشغل بعملها، وبمجرد انتهائها من تصوير أي فيلم في مصر تأخذ أول باخرة، وتسافر إلى بيروت لتطمئن على شقيقاتها الصغار وابن عمها المسؤولة عنهم.
(صباح) حبيبة الوسط الفني
بدأت الأمور تستقر، وما خفف على (صباح) مأساتها احتضان وحب الوسط الفني في مصر لها، ففي كل أسبوع لديها سهرة في بيت زميل فنان وزوجته، هذا الأسبوع عند (كوكا، ونيازي مصطفى).
وفي الأسبوع الثاني عند (مديحة يسري، ومحمد فوزي)، وفي الأسبوع الثالث عند (أحمد بدرخان وزوجته)، وفي الأسبوع الرابع عند (عبدالسلام النابلسي) وهكذا.
الشيئ الذي بدأ ينغص على صباح سعادتها هو غيرة زوجها، الذي لم يكن أقل من الأب في فرض القيود عليها، وحرمانها من مكاسبها، وليس هذا فقط.
ولكن كان (نجيب الشماس) يريد منها في الوقت الذي لا يوجد لديها تصوير أن تلازم بيتها، ولا تخرج منه، ولا تزور أحدا، ولا يزورها أحد!.
حاصرها، وأصبح يراقب حركاتها، ويتتبع خطواتها، وكانت تذهل من أنه كان يعرف كل شيئ عنها، متى خرجت؟، متى دخلت؟، متى عادت؟، أين ذهبت؟، وخيل لها في وقت من الأوقات أنه يؤجر ناس يراقبونها ويعملون عيونا عليها.
ذات يوم حضر والدها إلى مصر وطلب أن تقابله بعيدا عن زوجها في ساعة معينة في محل الحلواني (أسديه) بشارع فؤاد، وذهبت إلى الموعد ففوجئت بالشماس جالسا مع أبيها، تراجعت إلى الوراء فزعة، كيف استطاع الشماس أن يعثر على أبيها؟!
حمل (صباح) كاد يطيرها سعادة
ازداد فزع صباح وخوفها من حب نجيب الشماس الذي يضيق عليها الخناق، وأثناء ذلك علمت أنها حامل، وكادت أن تطير من السعادة.
ووجدها (نجيب الشماس) فرصة أن يهرب بالمرأة التى أحبها إلى حيث لا عيون، أو إلى حيث يقل عدد العيون تماما كما يهرب الصياد بسمكة شهية من مطاردة أسماك القرش بالأستقرار على شاطئ بعيد.
و(نجيب الشماس) اختار طرابلس شمال لبنان لإقامته مع (صباح) حتى تنجب، فالمدينة تبعد كثيرا عن بيروت، وفي طرابلس مرت الأيام ببطأ إن فتحت النافذة راح يصرخ، ويغلق النافذة، إن تحدثت في التليفون يسألها مع من كنت تتحدثين؟!
وامتدت ثورته إلى أهلها ومنعهم من دخول بيتها، وذكر (الشما) السبب لصباح : (أنه يستتقل دمهم)، وكان نفس الأمر يذكروه الأهل تجاه (الشماس)!
ووقعت (صباح) في حيرة بين زوجها، وأهلها، وفي التاسعة صباحاً من يوم الخميس 23 يونيو 1949، كانت ولادة ابنها البكر (صباح) في مستشفى الدكتور (وهيب النيني) في طرابلس حيث كانت الولادة على يد الدكتورة (مي سعادة).
الشماس يرفع المسدس على شقيقاتها
فرحت صباح بمولد ابنها (صباح) ومرت الأيام سريعا، وبدأ المنتجون في مصر يطلبون صباح للعمل في أفلام جديدة، فسعدت صباح بهذه الأتصالات، ولكن الشماس كان يرفض.
وكان حجته في هذا ابنه (صباح) الرضيع فهو لا يريدها أن تمثل حتى يبلغ الطفل الرابعة أو الخامسة من عمره، وأفهمته صباح أن هذا مستحيل، فلو نفذت طلبه هذا، فهذا إعدام بالنسبة لها.
فهي في عمر الزهور وأوج الشباب والجمال، ومحبوبة من الجمهور، ومطلوبة من شركات الإنتاج، لكنه أصر على موقفه!
وفي إحدى الأيام قررن شقيقاتها وابن عمها زيارتها في طرابلس، وما إن رآهم الشماس حتى صرخ فيهن: (بره.. بره)!
واندفعت الشقيقات إلى الباب، خائفات والدموع لا تزال تبلل وجوههن، فهبت (صباح) واقفة بينهن وبينه وقالت له: (إذا خرجت شقيقاتي من بيتي فاعمل حسابك أني سأخرج أنا أيضًا).
فصرخ الشماس: (ماذا تقولين؟)، وهنا أشهر مسدسه وصوبه إلى صدر (صباح) وقال: (إذا سرت خطوة واحدة من هنا قتلتك)!
فأفلتت منهم شقيقتها الصغرى (نجاة)، وجثت على ركبتيه وقبلتهما وقالت له: (لا تقتل أختي، ما إلنا غيرها!)
تأمل الشماس (نجاة)، ثم تأمل وجه (صباح)، وأعاد المسدس إلى وسطه مرة أخرى، وكانت النتيجة أن غادرت الشقيقات إلى بيروت، وبقيت (صباح) في طرابلس.
(صباح) تثور على الشماس
بعد مغادرة الشقيقات انتفضت (صباح) في وجه (الشماس) وقالت له: أنك تستطيع أن تفعل بي ما تشاء، ولكن أن تمنعني من أهلي فهذا مستحيل، مستحيل، إن أهلي وشقيقاتي، و(سعاد) من نوع خاص، حياتي وروحي وكل شيء في هذه الدنيا.
حاول (الشماس) أن يطيب خاطرها، ويحتضنها، لكنها تركت المكان ودخلت غرفة النوم، وبعد دقائق عادت وطلبت منه نقودها التي معه، ولكن رفض رفضا باتا فطلبت الطلاق.
فاشترط (الشماس) أن تتنازل عن نقودها التى معه، حتى يطلقها، وبالفعل حدث هذا، وتم الطلاق، وغادرت (صباح) منزل الزوجية في طربلس وعادت إلى الحرية والانطلاق وإلى شقيقاتها في بيروت.