كتب: محمد حبوشة
لم تكتفي إسرائيل بآلاف الأطنان المتفجرة التي تطلقها يوميا في حربها ضد سكان غزة من المدنيين، بل أصبحت الحرب الدائرة في قطاع غزة مسرحا لتجربة أسلحة فتاكة جديدة تعتمد على (الذكاء الاصطناعي)، وذلك بعيدا عن أعين شاشات الفضائيات السيارة.
وفي مقدمة أسلحة (الذكاء الاصطناعي) المقدمة نظام (غوسبيل) الذي تسبب استخدام الجيش الإسرائيلي له في حصيلة كبيرة للقتلى الفلسطينيين.
وسلطت مؤخرا وسائل إعلام، منها صحف (الجارديان) البريطانية و(ليبراسيون) الفرنسية، ومجلة (972+) الإسرائيلية الضوء على توظيف تل أبيب للتكنولوجيا الحديثة في الحرب التي دخلت شهرها الثالث.
ووفق مسؤولين أمنيين، فإن إسرائيل خاضت حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة خلال معاركها مع الفلسطينيين في مايو 2021، ثم توسعت في الحرب الحالية، كما جاء في مجلة (972+).
جاء في تقرير لصحيفة (الغارديان) منذ أيام، أن الجيش الإسرائيلي يستخدم برنامج ذكاء اصطناعي يدعى (غوسبيل) مرتبط بوحدة استخبارات عسكرية سرية.
إقرأ أيضا : حرب (المستشفيات) تعري العدو الصهيوني أمام العالم!
يتم تغذيته بالبيانات ثم يختار الأهداف المراد قصفها خلال الحرب على غزة، والتي أتاحت فرصة غير مسبوقة لاستخدام هذه الأدوات في مسرح عمليات واسع.
وسبق أن علق الجيش الإسرائيلي على هذا الأمر، قائلا إن عناصر تلك الوحدة، ينفذون (هجمات دقيقة على البنية التحتية المرتبطة بحماس، ويتم إلحاق أضرار كبيرة بالعدو، مع خسائر من جهة المدنيين).
قدم تحقيق أجرته (972+) ونشرته قبل أيام، تفسيرا لسقوط آلاف القتلى والمصابين الفلسطينيين من المدنيين خلال الحرب، وهو أن الاستخدام الواسع الناطق لنظام (غوسبيل).
ونقلت المجلة الإسرائيلية عن ضابط مخابرات سابق، القول إنه يسهل بشكل أساسي إنشاء (مصنع اغتيالات جماعية).
ووفقا لمصادرها كذلك، فإن الاستخدام المتزايد للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، مكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ غارات على منازل يعيش فيها أعضاء من حماس.
ويمكن أن تقتل عائلات بأكملها، ومع ذلك، فإن شهادات فلسطينية تتحدث عن أنه هاجم أيضا مساكن ليس بها أي جماعة مسلحة.
(الذكاء الاصطناعي) في حرب شاملة
بدورها قالت صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية، السبت، إن الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنيات (الذكاء الاصطناعي) لشن حرب شاملة في قطاع غزة يستطيع بها تقدير عدد الضحايا المدنيين في القصف.
وأوضحت أن الخوارزميات التي طورتها إسرائيل، أو شركات خاصة، تعد أحد أكثر طرق القصف تدميرا وفتكا في القرن الـ21.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي ادعى قيادته ما سماه (حرب الذكاء الاصطناعي) الأولى.
وذلك من خلال استخدام 3 خوارزميات، هى (الكيميائي)، و(غوسبيل)، و(عمق الحكمة)، وذكرت نظاما عسكريا آخر تستخدمه يطلق عليه (مصنع الإطفاء).
ويستخدم الجيش الإسرائيلي هذه الخوارزميات لتحليل عدد كبير من البيانات الاستخباراتية، وتقدير تأثيرات الخيارات الإستراتيجية المحتملة بسرعة.
إقرأ أيضا : مواقع التواصل تفضحهم.. إنهم يقتلون (أطفال غزة) في المهد بدم بارد!
نظام (غوسبيل) هو جزء من منظومة متكاملة يستخدم فيها الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لمهام الرصد والاستطلاع والتتبع والتعرف على الأماكن، مثل رصد الأنفاق وتحليل البيانات اللحظية، كما كانت تعمل (إيجل آي) وغيرها.
و(غوسبيل) جزء من نظام الاستطلاع الجوي المتكامل لإسرائيل، ويعتمد على طائرات بدون طيار (UAV) للقيام بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في السماء.
وتتميز طائرات (غوسبيل) بالقدرة على الطيران لفترات طويلة وارتفاعات عالية وسرعات متوسطة، وهى تعمل بدون طيار؛ حيث يتحكم الطيارون في الأرض في حركة الطائرة.
تستخدم إسرائيل طائرات (غوسبيل) بشكل واسع في عدة مجالات، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة الحدودية، ورصد النشاطات العسكرية والاستطلاع العسكري، كما يمكن استخدامها أيضًا في توجيه الضربات الجوية ودعم العمليات العسكرية الأخرى.
هذا ويثير استخدام الجيش الإسرائيلي لبرامج ذكاء اصطناعي متطورة في عدوانه على قطاع غزة، الكثير من الجدل بشأن دقة بياناتها وقدرتها على تحديد الأهداف، وفقا لما ذكرت صحيفة (الجارديان) البريطانية.
وصقل الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة سمعته فيما يتعلق بالبراعة التقنية، وقد قدم في السابق ادعاءات ولكن لا يمكن التحقق منها حول تسخير التكنولوجيا الجديدة.
فبعد حرب غزة في مايو 2021، قال المسؤولون إن إسرائيل خاضت (حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي) باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.
(الذكاء الاصطناعي) وتفنية (الإنجيل)
وأتاحت الحرب الأخيرة فرصة غير مسبوقة للجيش الإسرائيلي لاستخدام مثل هذه الأدوات في مسرح عمليات أوسع بكثير، وعلى وجه الخصوص.
لنشر منصة صنع الأهداف بالذكاء الاصطناعي تسمى (الإنجيل) خط إنتاج الأهداف التي شبهها المسؤولون بـ (المصنع) والتي ساهمت بشكل كبير في تسريع العمليات القاتلة.
وكشفت صحيفة (الجارديان) تفاصيل جديدة عن (الإنجيل) ودوره المركزي في حرب إسرائيل في غزة، والمخاوف المتزايدة بشأن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون مع توسع الجيوش المتقدمة في جميع أنحاء العالم في استخدام الأنظمة الآلية المعقدة والمبهمة في ساحة المعركة.
إقرأ أيضا : قصف (المستشفى المعمداني) يحرك ضمير العالم، ولكن؟!
في أوائل نوفمبر، قال الجيش الإسرائيلي إنه تم تحديد (أكثر من 12.000) هدف في غزة عبر قسم تحديد الأهداف.
وقال أحد المسؤولين، واصفا عملية الاستهداف: (إننا نعمل دون أي تنازلات في تحديد هوية العدو وماهيته، نشطاء حماس ليسوا محصنين بغض النظر عن المكان الذي يختبئون فيه).
وتعد أنشطة القسم الذي تم تشكيله عام 2019 في مديرية المخابرات التابعة للجيش الإسرائيلي سرية، ومع ذلك، زعم بيان قصير على موقع جيش الدفاع الإسرائيلي أنه يستخدم نظامًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي يسمى (حبسورا – الإنجيل باللغة الإنجليزية) في الحرب ضد حماس (لإنتاج الأهداف بوتيرة سريعة).
وقال الجيش الإسرائيلي إنه (عبر الاستخراج السريع والآلي للمعلومات الاستخباراتية، أصدر الإنجيل توصيات مستهدفة لباحثيه بهدف المطابقة الكاملة بين توصية الآلة والتعرف الذي يقوم به الشخص)
أكدت مصادر متعددة مطلعة على عمليات الاستهداف التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في ظل وجود (الإنجيل)، قائلة إنه تم استخدامه لإصدار توصيات آلية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه في أنهم نشطاء في حماس أو الجهاد الإسلامي.
وفي السنوات الأخيرة، ساعد قسم الأهداف بالجيش الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات لما قالت المصادر إنه يتراوح بين 30 ألف إلى 40 ألف من المسلحين المشتبه بهم، إذ لعبت أنظمة مثل (الإنجيل) دورا حاسما في بناء قوائم الأفراد المسموح باغتيالهم.
وقال (أفيف كوخافي)، الذي شغل منصب قائد الجيش الإسرائيلي حتى ينايرالماضي: إنه (بمجرد تفعيل هذه الآلة) في حرب إسرائيل مع حماس التي استمرت 11 يومًا في مايو 2021، سجلت 100 هدف يوميا.
ولوضع ذلك في الاعتبار، في الماضي كنا ننتج 50 هدفًا في غزة سنويا، والآن تنتج هذه الآلة 100 هدف في اليوم الواحد، ويتم مهاجمة 50% منها.
(الذكاء الاصطناعي) والطائرت المسيرة
لا يعرف على وجه التحديد ما هي أشكال البيانات التي تم استيعابها في (الإنجيل)، لكن الخبراء قالوا إن أنظمة دعم القرار القائمة على (الذكاء الاصطناعي) للاستهداف ستحلل عادة مجموعات كبيرة من المعلومات من مجموعة من المصادر.
مثل لقطات الطائرات المسيرة (بدون طيار) والاتصالات التي تم اعتراضها، وبيانات المراقبة والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة.
كما تم التأكيد على دقة الضربات التي أوصى بها (بنك أهداف الذكاء الاصطناعي) في تقارير متعددة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
إقرأ أيضا : مجزرة (المستشفى المعمدانى) تشعل غضب نجوم مصر والعرب
وذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، أن الوحدة (تتأكد قدر الإمكان من عدم وقوع أي ضرر للمدنيين غير المشاركين).
وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير سابق لصحيفة الجارديان إن النشطاء يستخدمون قياسا (دقيقًا للغاية) لمعدل إخلاء المدنيين للمبنى قبل وقت قصير من الغارة.
(نحن نستخدم خوارزمية لتقييم عدد المدنيين المتبقين، إنه يعطينا اللون الأخضر والأصفر والأحمر، مثل إشارة المرور).
ومع ذلك، قال الخبراء في (الذكاء الاصطناعي) والنزاعات المسلحة الذين تحدثوا إلى صحيفة (الجارديان)، إنهم يشككون في التأكيدات على أن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي قللت من الضرر الذي يلحق بالمدنيين عبر تشجيع الاستهداف الأكثر دقة.
وأوضح (ريتشارد مويس)، الباحث الذي يرأس منظمة المادة 36، وهى مجموعة تقوم بحملات للحد من الأضرار الناجمة عن الأسلحة: (انظر إلى المشهد المادي في غزة، إننا نشهد تسوية واسعة النطاق لمنطقة حضرية بالأسلحة المتفجرة الثقيلة، لذا فإن الادعاء بوجود دقة وضيق في استخدام القوة لا تدعمه الحقائق).
ووفقا للأرقام التي نشرها الجيش الإسرائيلي في نوفمبر، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، هاجمت إسرائيل 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في المنطقة الساحلية المكتظة بالسكان.
وبالمقارنة، في حرب 2014، التي استمرت 51 يوما، ضرب الجيش الإسرائيلي ما بين 5000 إلى 6000 هدف.
الأنظمة القائمة على (الذكاء الاصطناعي)
وقالت مصادر مطلعة على كيفية دمج الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي في عمليات الجيش الإسرائيلي، إن مثل هذه الأدوات ساهمت بشكل كبير في تسريع عملية تحديد الهدف.
وقال مصدر عمل سابقا في قسم الأهداف: (نحن نجهز الأهداف تلقائي ونعمل وفق قائمة مرجعية، إنه حقا مثل المصنع..
نحن نعمل بسرعة وليس هناك وقت للتعمق في الهدف، وجهة النظر هي أنه يتم الحكم علينا وفقا لعدد الأهداف التي نتمكن من تحقيقها).
وأوضح مصدر منفصل للصحيفة، أن (الإنجيل) سمح للجيش الإسرائيلي بإدارة (مصنع اغتيالات جماعية).
إذ (يتم التركيز على الكمية وليس على الجودة)، بالنسبة لبعض الخبراء الذين يبحثون في (الذكاء الاصطناعي) والقانون الإنساني الدولي، فإن تسارعا من هذا النوع يثير عددا من المخاوف.
وبين (مويس)، أن هناك خطرا من أنه عندما يعتمد البشر على هذه الأنظمة، فإنهم يصبحون تروسا في عملية ميكانيكية ويفقدون القدرة على النظر في مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين بطريقة مجدية.
ومع كل ما تحشده إسرائيل من تقنيات، فالحقيقة أن التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به اسرائيل في مجال (الذكاء الاصطناعي) لا يساعدها على إدامة الاحتلال وحسب.
بل يساعدها أيضا على أعادة تشكيل رؤيتها لطرق إدارتها للحرب – لا سيما من خلال استخدامها للطائرات بدون طيار، أو المركبات الجوية الآليةUAVs.
وتعتبر طائرة النسر الذهبي الآلية، الخفيفة الوزن وغير المكلفة اقتصاديا، مثالا ممتازا على الأسلحة الإسرائيلية المعززة بـ (الذكاء الاصطناعي).
حيث تستخدم طائرات النسر الذهبي الآلية تقنيات الذكاء الاصطناعي في التصويب على الأهداف الثابتة والمتحركة وتتبعها بسلاسة ودقة في الوقت الفعلي، مما يضمن توجيه ضربات دقيقة للهدف على الأرض أو في الجو، بغض النظر عن ظروف الإضاءة.
(الذكاء الاصطناعي) تساؤلات أخلاقية
وفي النهاية: يثير استخدام إسرائيل للأسلحة المعززة بـ (الذكاء الاصطناعي) تساؤلات أخلاقية عن قدرة التكنولوجيا على تسهيل العنف وزيادة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم بينما لا تتكلف اسرائيل أي تكلفة بشرية تذكر في حربها ضد الفلسطينيين.
لكن استخدام اسرائيل لتقنيات (الذكاء الصناعي) في انتهاك حقوق الإنسان لا يقتصر على الفلسطينيين وحسب، فإسرائيل هي واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم.
وتعتمد العديد من الأنظمة القمعية حول العالم على برامج التجسس الإسرائيلية الصنع في مراقبة معارضيها.
كما تستثمر إسرائيل في تطوير أنظمة أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل (LAWS)، وبدأت بتصدير اسلحتها تلك إلى كل من تشيلي والصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وتركيا.
يكشف استخدام إسرائيل لتقنيات (الذكاء الاصطناعي) عواقب الاعتماد على الجهود الفردية لكل دولة على حدة في تنظيم التقنيات الجديدة وحماية حقوق الإنسان.
وبعبارة أخرى، فإن الافتقار إلى مبادئ إرشادية وأطر أخلاقية وقانونية دولية يتفق عليها العالم فيما يتعلق باستخدام تقنيات (الذكاء الاصطناعي) من شأنه أن يقوي شوكة الحكومات الاستبدادية.
وبعد كل ما مضى: ترى هل استخدام (الذكاء الاصطناعي) حتى في تزييف الحقائق الدامغة من جانب جيش العدو سيكتب له التفوق في حربه الحالية في غزة؟.
ظني أن إرادة الله عز وجل هى أكبر من أي تفوق تكنولوجي، فضلا أن هناك فرق بين أهداف جيش يسعى لاحتلال مزيد من الأرض، وبين مقاوم يسعى لتحرير بلادة من براثن هذا العدو المغتصب.