بقلم: محمد شمروخ
مع نبأ وفاة الفنان الكبير (أشرف عبد الغفور) – رحمه الله، انتابنى حزن يوازى حزن فقد نجم كبير من نجوم الدراما، بظن البعض أنه لم يكن من بين نجوم صفوف الصف الأول من نجوم التمثيل سواء في السينما أو فى التلفزيون أو في المسرح.
فلعل الذين اعتقدوا هذا، لم يدركوا ما كان قدمه (أشرف عبد الغفور) من أدوار بطولة أولى في عقدى السبعينيات والثمانينيات، في مسلسلات تلفزيونية كانت حديث الناس.
ولعله بلغ من تأثير مسلسل (وعاد الماضي) سنة 1979، أن بعض الشباب كانوا يتعمدون السير على طريقة بطل المسلسل (على) الذي كان يعرج في مشيته وصارت بدلته الجينز الزرقاء الأولى موضة في تلك الأيام!
إقرأ أيضا : ريهام عبد الغفور .. وجه ملائكي يدخل قلوب الناس دون استئذان
وعلي هو أحد الشخصيتين (يسرى وعلي) اللتين قام أشرف عبد الغفور بتجسيدهما معا في نفس المسلسل على طريقة “دكتور جيكل ومستر هايد” في الفيلم المأخوذ عن رواية للأديب الإنجليزي الشهير (روبرت لويس ستيفنسون) من بطولة (سبنسر تريسي ولانا تيرنر وإنجريد برجمان).
أو على طريقة (ناهد – مرفت) في فيلم (بئر الحرمان) المأخوذ عن رواية إحسان عبد القدوس، بطولة (سعاد حسنى ومريم فخر الدين ونور الشريف ومحمود المليجي).
وفي كل ليلة، طوال الثلاثين حلقة التى استغرقها عرض المسلسل، كان المشاهدون يترقبون الأحداث حتى آخر مشاهده في حلقته الأخيرة.
ومسلسلات أخر ى؛ سباعية أو ١٣ أو ١٥ حلقة؛ على عادة عدد حلقات مسلسلات تلك الفترة.
(أشرف عبد الغفور).. صف أول
فليس هناك من محل للشك، في أن (أشرف عبد الغفور)، كان يتمتع بمميزات ممثل (صف أول) بتدقيقه في اختياراته للأدوار وإتقانه بتجسيد الشخصيات الدرامية أو التاريخية، على مدى رحلته في عالم التمثيل في كل مراحل حياته.
وكان من أهم ممزاته كممثل هو دقة إتقانه اللغة العربية، حتى لكأنه عندما يتحدث بلسان الشخصية، يأخذك بأدائه إلى الفترة التى تدور فيها أحداث المسلسل الذي يشارك فيه بالبطولة، فكأنه يخترق بك حاجز الزمن لتعيش معه في زمن شخصياته!
وإن كان (أشرف عبد الغفور) لا يحسب من نجوم الشباك، الذين يقومون بأدوار البطولات المطلقة ويتلهف عليهم المنتجون ويفرض اختيارهم الموزعون وأصحاب شركات المقاولات الفنية والوكالات الإعلانية.
إلا أن نجومية الشباك هذه ليست مقياساً للقيمة ولا حتى للحكم على مستوى دقة فن الأداء في التمثيل، فالنجومية (السوبرية) لها شروط كثيرة، يمكن بسهولة أن تجد من بينها ما لا علاقة له بإتقان فنون التمثيل ولا الإخلاص للمهنة!
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: ريهام عبد الغفور.. سيدة الشاشة التلفزيونية
ولا نريد الخوض في مثل هذه الأسباب وطبيعتها وخلفياتها، ولا ننكر أن كثيراً من النجوم السوبر استحقوا بلوغ مكانتهم عن اقتدار، وأن لمعان نجوميتهم كان حصيلة رحلة كفاح شاقة.
إلا أننا نستطيع أن ندعى بالمقدار نفسه من الإصرار على أن هناك نجوما لم يستحقوها إلا بتوافر تلك الأسباب التى لا نريد الخوض فيها.. ولعلك فهمت!
لكن (أشرف عبد الغفور) كممثل، كان نجما حقيقياً وإن كان لا يحسب من النجوم (السوبريين) الذين احتلوا الصف الأول، إلا أنه لا جدال أنه كان من بين نجوم هذا الصف أو معهم يدا بيد وخطوة بخطوة!
كيف ذلك؟!
الأمر ليس لعبا بالألفاظ ولا تعمدا للألغاز، لكن الفارق يتمثل في الوجود (بين) و(مع).
فـ (أشرف عبد الغفور) حقا نجم (بين) النجوم ومعهم.
لأنه في هاتين الـ (بين) والـ (مع) لم يلمع وحده، بل هو يساهم كذلك في زيادة لمعان النجوم الذين يشاركهم التمثيل ويقف معهم وبينهم!
أظنك فهمت ما أرنو إليه؟
فكما هو معروف لدينا جميعاً، فإن كثيراً من رموز التمثيل العظماء؛ على المسرح أو في الشاشتين الصغيرة أو الكبيرة أو الإذاعة؛ لم يكونوا نجوم شباك ببطولات (سوبرية)، ولا كانوا يسعون إليها.
فلم يكن (عبد الوارث عسر ولا حسين رياض ولا زكى رستم ولا محمود المليجي ولا عادل أدهم)، ولا كثير غيرهم منذ بداية عصور التمثيل وحتى الآن، من هذه الفئة المتصدرة للشبابيك.
(أشرف عبد الغفور) ليس له هنة
غير أنك عندما تجدهم يؤدون أدوارهم وهم يقفون بجوار كثير من نجوم الشبابيك، أمام الكاميرات، تجدهم وقد تحولوا إلى أساتذة أمام من يشاركهم التمثيل.
وإذا بالمقارنة بين أداء أى منهم مع النجم (السوبرشباكي) ترى هذا الأخير قد يتضاءل في المشاهد بجوارهم، وربما تجده أحياناً لا يجد لنفسه سبيلا إلا بأن يصير خلال العمل الفنى، تلميذاً يتعلم من أدائهم!
وأكثر ما أعجبني في رحلة الفنان النجم الكبير (أشرف عبد الغفور)، أنه طوال تاريخه التمثيلي الممتد من ستينيات القرن العشرين وحتى عشرينيات القرن الواحد والعشرين، في السينما أو المسرح أو التلفزيون.
لم تؤخذ عليه هنة أو تنسب إليه سقطة أو حام في دائرة الإسفاف أو وقف على حافة التسطيح، فهناك كثير من النجوم لجأوا إلى كل أو بعض ما سبق لتحقيق أحلامهم بالنجومية.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: ريهام عبد الغفور .. مهرجان القاهرة للدراما ظلم موهبتها عمدا !
فإن كان الممثل القدير يشترط فيه الإتقان في العمل، فإن النجومية لا تأبه كثيرا لهذا الشرط، فما من نجم من نجوم السوبر، إلا وله هنات وسقطات ولا يتردد في أن يسلم نفسه للتسطيح أو الإسفاف.
إن كان أى منهما يصلح وسيلة سريعة أو يسهم بشكل ما في زيادة لمعانه واتساع شهرته.
لكن يمكنك بمراجعة أدوار (أشرف عبد الغفور)، وإلى الشخصيات التى جسدها؛ لا سيما التاريخية منها؛ أن تدرك قيمة وتقيس قامة هذا النجم الكبير!
لقد ترك (أشرف عبد الغفور) تراثاً فنيا حقيقياً يؤكد أن التمثيل ليس مجرد وسيلة لكسب شهرة بلاقيمة أو نجومية فارغة المضمون، بل إنه نجح باقتدار في أن يحفظ للفن احترامه وللفنان كرامته.
لأنه آمن به كرسالة للتنوير الحقيقي وليس مجرد بريق خاطف يلفت الانتباه في الظلام، لكن سرعان ما ينطفئ ويتلاشى تحت سطوع الشمس الحقيقية التى اختار نجمنا الراحل أن يحقق مكانته العالية كفنان أصيل وكنجم حقيقي.
استحق حب الجماهير التى أفزعها الحادث الذي توفى فيه قبل أيام!
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.