كتب: محمد حبوشة
غيب الموت، المنتجة (ناهد فريد شوقي) صباح أمس الثلاثاء، وغابت عن الدنيا بشكل مفاجئ لم تشكو في الفترة الأخيرة من أي أمراض، ورحلت في هدوء عن 73 عاما، كما رحلت والدتها هدى سلطان في هدوء.
وقد شهدت جنازتها التي أقيمت اليوم بمسجد الشرطة بمنطقة الشيخ زايد حضورا كبيرا، حيث حضرت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني، وشقيقتها الفنانة رانيا فريد شوقي، بينما لم تتمكن ابنتها ناهد السباعي من الحضور حيث تتواجد في لبنان لتصوير أحد أعمالها الفنية.
يجدر بي أن أقول: لقد أتقنت الراحلة (ناهد فريد شوقي) استخدام المكون الفنى والسينمائى للقوة الناعمة بفاعلية وبراعة لإحداث تغييرات داخل مجتمعات، انطلاقا من إيمانها العميق بأن الإعلام والثقافة والإنتاج السينمائى جزء من القوة الناعمة.
فالصورة والشاشة والفيلم والكلمة باتت من وجهة نظر (ناهد فريد شوقي) بإمكانها السيطرة على الوعى، وقد تمكنت تلك القوى النافذة من التأثير فى مجريات الأمور فى أنحاء كثيرة من العالم.
عبر سردياتها الفنية المتقنة جدا أصبح العقل المغتصب والوعى الزائف من وجهة نظر (ناهد فريد شوقي) بمثابة القنبلة التى تمكنها من تدمير الدول المستهدفة دون تحريك أى سلاح عسكرى أو تكلفة بشرية.
من هنا، اكتسبت صناعة الصورة أو الإنتاج السينمائى أهمية كبرى في خيال (ناهد فريد شوقي) لإحداث تغييرات فى الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية، عبر تأكيد ما يتم إنتاجه من أفلام على صحة ما يتم تداوله من أخبار كاذبة.
وترى (ناهد فريد شوقي) أن السينما تعطى المشاهد قدرات على التحرك من خلال ما يشاهده، ومقارنته بما يتم تداوله حوله على أرض الواقع، وهو الأمر الذى اكتسب قوة تأثيرية خصوصًا مع التطور التقنى الذى شهدته السينما فى الآونة الأخيرة.
فالإنتاج السينمائى، سواء التجارى أو الذى عمل بوعى على غسل العقول بهدف اغتصابها دون أدنى مقاومة قد أتم دوره بنجاح فى الفترة التى سبقت أحداث يناير 2011.
(ناهد فريد شوقي) وعت السينما مبكرا
ولعل المنتجة الراحلة (ناهد فريد شوقي) قد وعت مبكرا إلى أهمية الإنتاج السينمائي من خلال توصيل رسائل ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية، لذا لعبت دورها فى الوصول بمجتمعاتها إلى لحظة الفوضى والانفجار.
فالسينما – بحسب ناهد فريد شوقي – تعد حقلا واسعا يحمل العديد من الرسائل الضمنية التى تتمثل فى الإشارات والإيحاءات المختلفة، ومع التطور التكنولوجى فى التصوير والمكساج والحيل.
ومن هنا نجحت (ناهد فريد شوقي) فى استغلال السينما للسيطرة على عقل كل مواطن، سواء بالحوار أو الديكورات أو الموثرات الصوتية، فأصبحت السينما بذلك تنشر أفكارا وقضايا متنوعة تتماشى مع طبيعة الأحداث الكاذبة أو التشويهية التى يتم نشرها أو بثها.
ترى (ناهد فريد شوقي) أنه من المفترض: أن السينما تستوحى قصصها من واقع المجتمع، فتقوم بنقل الصورة فى الواقع وترسيخ صورة القضية التى تريد معالجتها بطريقة أو بأخرى عن طريق تغيير الفكرة أو إعادة بنائها بشكل إيجابى، هذا إذا ما كانت ترغب فى لعب دور إيجابى فى تشكيل الوعى.
أما أن تقوم السينما بعرض سلبيات مجتمعها على طول الخط، وتجنب إبراز ما يشهده من تطورات إيجابية تنموية، بل عندما نجدها تتجاهل كل ذلك، وتعود لعرض صورة تقلل من شأن مجتمعها، فى لحظة يشتبك فيها مجتمعها مع العديد من التحديات.
فهنا نجد أنفسنا أمام تفسير من إثنين؛ بحسب (ناهد فريد شوقي): إما أن البعض ارتضى أن يستمر فى مهمته كوكيل لهدم وطنه، وإما أنه منفصل عن عالمه ولا ينظر لمجتمعه إلا من زاوية تعكس ما يحلم أن يصل به الأمر لوطنه.
(ناهد فريد شوقي).. وواقعية المعالجة
وإذا كان البعض يرى أن ما تقدمه السينما للمجتمع ليس له حجم ثقافى وتوعوى فى التأثير نحو إحداث تغيير سياسى و اجتماعى، إلا أن ما يعنينا هو أثرها التراكمى، الذى يمكن أن يقوض من جهود دولتها، ويبخس شعبها حقه فى نضاله التنموى.
فالتأثير والتغيير يحدثان من خلال التأثير التراكمى للأفلام السينمائية، وتقمص بعض الشخصيات، بل وتوجيه السلوك نحو الحرق والتدمير، وذلك عبر طريق طويل يتم خلاله تشويه المؤسسات، وزرع اليأس والإحباط، والتشويه الكامل للمجتمع بقيمه وهويته.
فليس مطلوبا منك – تقول ناهد فريد شوق – لكى تكون مبدعا ألا ترى إلا كل ما هو قبيح فى مجتمعك ومؤسساتك، ولا علاقة لهذا الأمر بحرية الرأى والتعبير، تلك الشماعة الواسعة الفضفاضة التى ارتضت نخبة من سينمائيينا أن تعلق عليها تعاملها الدرامى مع مجتمعها.
وتنظر (ناهد فريد شوقي) إلى أنه لا علاقة للأمر أيضا بواقعية المعالجة، حيث من الثابت أن بعض الإنتاج السينمائى، لا علاقة له بواقع المجتمع المصرى، ولا بالمدى الذى شهده من نمو وتطور طوال السنوات القليلة الماضية.
والذى أكدت معالجته الدرامية، عبر إسقاطات واضحة، أن القائمين على الإنتاج والتأليف والسيناريو والإخراج، لذا ترى (ناهد فريد شوقي) أن المنتجين منعزلين تماما عن مجتمعهم.
وهو أمر يمكن ربطه بما قدموه من إنتاج سينمائى، وما احتوى عليه من معالجة لا يمكن فصلها عن تصورات واضحة لاستهداف وطنهم من خلال واقع مزيف، يعيدون من خلاله اجتهادات مستمرة لشحن المواطنين مرة أخرى على غير أهداف دولتهم الوطنية ولا مصلحتها القومية.
وهو الأمر الذى اصطدم بتنامى الوعى السياسى، واستبصار الكتل الأهم المستهدفة بنوايا ومخططات من يحركون هؤلاء من خلف الستار، سواء عبر إنتاج مشترك مباشر أو مستتر.
(ناهد فريد شوقي).. وبناء الوعى
بناء الوعى من وجهة نظر(ناهد فريد شوقي): لابد وأن يكون عملية تراكمية ممتدة تتوارثها الأجيال، وينشأ عليها جيل بعد الآخر، ولا يجب أن يترك الأمر لخيال يدعى الواقعية والإبداع لتشويه صورة المجتمع تحت دعاوى حرية الرأى والتعبير.
تلك التى يمكن أن يستغل نبلها لتدمير أوطان كاملة، وبناء الوعى لا يعترف بأنصاف الحلول، ولا يقبل بالبقاء فى المنطقة الرمادية، ولا يمسك بالعصا من المنتصف، وعلينا جميعًا أن نتصدى للمحاولات المتجددة للنيل من وعى الشعب المصرى، بعد سقوط الأقنعة والكشف عن تجهيلهم وتضليلهم لوعيه الجمعى.
يقينا، تقول (ناهد فريد شوقي): نواجه مقاومة شرسة، وستستخدم ضدنا كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لإثنائنا عن قضيتنا العادلة فى حرب الوعى، تلك التى تنتصر لنا فيها دولة تبذل أقصى جهدها لملاحقة تحديات العصر الذكى فى العالم.
وهو قدر وضريبة على هذا الجيل أن يتحملهما، ويشعر مواطنوه بأهمية دورهم فى التصدى لهذه المخططات الممنهجة لهدم وتشويه أوطانهم، ويجب على الواقعيين فى هراء أفلامهم الإبداعى أن يتيقنوا أننا لن نسمح لهم باغتصاب عقولنا مرة أخرى.
(ناهد فريد شوقي)، هى ابنة المطربة والممثلة (هدى سلطان)، وملك الترسو (فريد شوقي) التي تعلقت بوالديها وقصة حبهما المعروفة لدى الوسط الفني، وأختها هى الفنانة الجميلة والمبدعة رانيا فريد شوقي، إلى جانب أختيهما عبير ومنى فريد شوقي.
وتزوجت ناهد فريد شوقي، من المخرج الراحل مدحت السباعي، وأنجبت منه الفنانة ناهد السباعي، ومحمد السباعي المتزوج من أية سماحة، كما أنجبت رجل الأعمال فريد المرشدي من زوجها الأول، والذي توفي قبل أعوام في حادث سير.
بدأت ناهد فريد شوقي، إنتاج الأعمال الفنية بالتعاون مع والدها الذي قدم دور البطل في أولى تجاربها بفيلم (البؤساء) عام 1978، وتوالى الأعمال الفنية التي تعاونت فيها مع والدها، بعد هذا العمل.
منها فيلم (حكمت المحكمة 0 1981)، وفيلم (الجريح – 1985)، وكانت أفلام ناجحة ونالت إعجاب الجمهور حين عرضت، ولم تجمع بين والديها إلا في فيلم (الجريح) ولكن كل منهما كان في مشهد لم يقابل الآخر، حيث كانا منفصلين حينها.
تعاونت ناهد فريد شوقي مع والدها أيضا، في فيلم (امرأة آيلة للسقوط)، بطولة الفنانة (يسرا) الذي عرض في 1992، وختمت تعاونها معه بسهرة تلفزيونية واسمها (لقمة القاضي) وعرضت عام 1996.
(ناهد فريد شوقي) تكمل مشوار والدها
استكملت (ناهد فريد شوقي) الإنتاج الفني دون وجود والدها بطلا في أعمالها، وقدمت عددًا من الأعمال الناجحة، منهم فيلم (هيستريا)، بطولة أحمد زكي الذي عُرض في 1988.
وحقق العمل نجاحا كبيرا والفيلم كان بطولته هو و(عبلة كامل)، وبه العديد من المشاهد المحفورة في ذهن المشاهد حتى اليوم، من ضمنها طريقة مشهد (عبلة كامل) التي قدمت دور (وداد)، و(زين) الرجل الذي أحبته، وهى تقف خلف باب مغلق هو جاء ليقابلها، وجلس بجوارها حتى الصباح ليأخذها ويتناولا الفطار معا.
ومن أعمال (ناهد فريد شوقي) البارزة أيضا في السينما فيلم (من نظرة عين)، بطولة منى زكي الذي حقق نجاحا كبيرا، ونال إعجاب الكثيرين، والعمل شارك فيه (هدى سلطان، أحمد راتب، ماجدة الخطيب، جميل راتب، سوسن بدر).
وختمت ناهد فريد شوقي مشوارها الفني، بالعودة إلى حب العائلة كذلك، حيث أنتجت فيلم (اللعبة الأمريكاني)، بطولة ابنتها (ناهد السباعي)، وشارك في العمل أحمد فهمي، شيماء سيف، انتصار، عارفة عبدالرسول، شيماء سيف، وهو من تأليف زوجها مدحت السباعي، وإخراج مصطفى أبوسيف، وعرض العمل في 2019.
(ناهد فريد شوقي) تجيد الاختيار
كانت (ناهد فريد شوقي) موفقة باختيار الأعمال التي تسجل في تاريخها أنها أنتجتها، ومن تجاربها الهامة كذلك مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي)، الذي ضم عبلة كامل ونور الشريف.
وظل المسلسل حتى اليوم يعيش بين الجمهو، ويحبه الكبار والصِغار، تتداول مشاهده و(إفيهاته)، كأنها (تريند) حديث، بالرغم من أن العمل مر على إنتاجه سنوات طويلة، حيث أنتجته في 1996.
كما أنتجت (ناهد فريد شوقي) مسلسل (زي القمر – 2000)، ومسلسل (7 شارع السعادة – 2008، (حديث الصباح و المساء – 2001)، (حد السكين – 2003).
كما وزعت العديد من الأفلام السينمائية، ومنها فيلم (لا تبكي يا حبيب العمر1979، الطاووس 1982، الصعاليك 1985، من خاف سلم 1987، إحنا اللي سرقنا الحرامية، فرسان آخر زمن)
أنتجت الراحلة العديد من السهرات التليفزيونية، أبرزها (نونة الشعنونة 1994، إخراج إنعام محمد علي، (لقمة القاضي 1996)، إخراج جمال عبدالحميد، (اللحظات الأخيرة 2000)، إخراج أحمد يحيى .
وفي النهاية لابد لي أن نرفع أيدينا للمولي عز وجل أن يتغمد المنتجة الكبيرة (ناهد فريد شوقي)، التي كانت تعتبر من أهم منتجي الوسط الفني، كما تعد صاحبة عطاء فني وإنساني يشهد له الجميع.
حيث وجدت نفسها أمام تحديات صعبة ومسئولية ليست هينة في تحقيق نجاحها وتميزها كونها تنتمي لأسرة فنية عريقة كابنة للعظيم فريد شوقي والعظيمة هدى سلطان.
ولكنها كانت على قدر التحديات والمسئولية واستطاعت بجدارة أن تقدم لحياتنا كمنتجة مجموعة من أروع وأشهر الأعمال التي ستظل خالدة في تاريخ الفن المصري والعربي.