بقلم: بهاء الدين يوسف
لأول مرة منذ بداية العدوان الإسرائيلي البربري على غزة في الثامن أكتوبر الماضي أجد نفسي مهتما بموضوع (نجوى إبراهيم) بعيد نسبيا عن الأحداث والمآسي التي يعيشها أهلنا هناك.
وإن كان هناك قاسم مشترك هو أعداء الحياة الذين يريدون أن يحيوا بمفردهم في الدنيا ويستكثرون على غيرهم الحياة رغم أن هؤلاء (الغير) أكثر عطاء وقيمة وانسانية بالطبع من أعداء الحياة.
تأثرت بما تعرضت له الإعلامية الرائدة جميلة الوجه والروح السيدة (نجوى إبراهيم)، التي عرفناها منذ طفولتنا البعيدة بوجهها البشوش الذي لا يعرف غير الابتسام لدرجة أن الكثيرين اعتقدوا أنها تعيش في سعادة دائمة.
ونسوا أن ابتسامتها لا تعكس شعورا حقيقيا بالفرح بقدر ما تعبر عن إعلامية ملتزمة بتقاليد الزمن الجميل، تعرف أن حزنها لها وحدها بينما من حق مشاهديها أن يروا ابتسامتها الدائمة حتى لو كانت كاذبة.
لهذا كان من الصادم جدا بالنسبة لي أن يكون هناك متنمرين يتربصون بـ (نجوى إبراهيم) يستكثرون عليها أن تستمر في تقديم برنامجا تليفزيونيا وهى تقترب من الثمانين – أطال الله في عمرها.
إقرأ أيضا : نجوى إبراهيم .. جمعت المجد من طرفيه في الإعلام والفن
ويستكثرون عليها وجهها الجميل وهى في هذا العمر دون أن يدركوا حقيقة بسيطة وهى أن روحها وبساطتها هى التي تحافظ على ملامح وجهها من آثار الشيخوخة.
بينما بعض أعداء الحياة أو أكثرهم تشيخ وجوههم وتتجعد ملامحهم وهم في الأربعينات من أعمارهم بسبب كميات الغل والحقد التي يحتفظون بها تحت جلودهم.
لم أحظى بالتعرف بـ (نجوى إبراهيم) طوال مشواري المهني، فلم تتقاطع طرقنا نهائيا، لكنني لم أسمع يوما تورطها في فضائح من أي نوع طوال مسيرتها المهنية التي تناهز الستين عاما.
ولم نسمع عن دخولها في مشاجرات مع زميلات له في زمن لم يكن فيه سوى قناتين يتيمتين.
(نجوى إبراهيم).. 60 عاما من المهنية
ولمعرفة قيمة التزامها عليك أن تتخيل أن تقضي 60 عاما من حياتك المهنية دون أن تقع في خطا واحد يحسب عليك أو ترتكب تصرفا مقصودا أو غير مقصود تلتقطه الصحف الصفراء لابتزازك مثل الانفعال على عامل أخطأ أو مشاهد يتحرش بك في الشارع مثلا.
الصورة الايجابية الافتراضية التي تكونت لدي عن (ماما نجوى) عززتها قصص صديق لي عمل معها في مجلة (كلام الناس) التي كانت ترأس تحريرها في بداية تسعينات القرن الماضي.
إقرأ أيضا : (الرصاصة لا تزال في جيبي).. درة أفلام نصر أكتوبر 1973
حيث كان الصديق حديث التخرج يجيد الإنجليزية باقتدار، لكنه لم يكن يملك أي خبرة صحفية، وحدث أن رشحه أحد ليعمل مترجما في المجلة التي كانت تحت التأسيس في ذلك الوقت.
وذهب لمقابلة (نجوى إبراهيم) متوقعا أن تصرفه بحجة عدم امتلاكه خبرة صحفية، لكنه فوجئ بها تستقبله بلطف وتواضع وتقرر أن تمنحه فرصة تقديم بعض الأعمال قبل الحكم عليه.
ويقول صديقي إنه لم يسمع منها يوما تأنبيا أو لوما وإنما على العكس كانت دائما تشيد بالصحفيين العاملين في المجلة، مثلما كان مكتبها مفتوحا لهم على الدوام.
أما النقطة التي غلبت على كل ما عداها فهى ما فعلته حين عرفت إنه قدم أوراقه للعمل مذيعا في الإذاعة الإنجليزية الموجهة.
(نجوى إبراهيم).. ولجنة الاختبار
حيث بادرت من نفسها ودون طلب منه بالاتصال برئيس لجنة الاختبار تزكيه، وتطلب منه الاهتمام به ومنحه فرصة لإبراز قدراته التي تعرفها بحكم عمله معها.
وأصيب الصديق بصدمة إيجابية حين عرف بعد الاختبار من رئيس اللجنة بما فعلته (نجوى إبراهيم) دون أن تستعرض ما فعلته عليه أو امام زملائه في المجلة.
أو تأتي على ذكر ما قامت به لأحد، وكانها كانت تؤدي واجبا عليها وليست تقدم جميلا إنسانيا يندر أن يقدمه أحد في ذلك الزمان.
هل يختلف هؤلاء المتنمرين أعداء الحياة عن جيش الاعتداء الاسرائيلي؟!
أعتقد أن الاجابة: إنهم يتشابهون في الكثير من الأوجه، أولها أن كلاهما يعتقد أن مفاتيح الحياة والموت والسعادة والشقاء بيده يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، في حين أن هؤلاء وأولئك هم أقل الناس حقا في الحياة، فما بالك بالتحكم في مفاتيحها.
الوجه الثاني هو ذلك التلذذ المريض لدى الجانبين برؤية آلام وعذاب غيرهم، حيث يبدو وكأن هذا يعوضهم عن أوجه النقص العديدة التي يعانون منها.
أما الوجه الثالث والأخير فهو أن أعداء الحياة والاسرائيليين المتطرفين مكانهم محفوظ في مزبلة التاريخ، مهما حاولوا القفز على ظهور الناجحين للبقاء تحت الأضواء، فهذا قد ينجح لوهلة خصوصا في زمن الترند لكنه بشكل مؤكد لن يطول.
احسنت كالعاده في التعبير عن ما بداخل الواحد أمام سيل من طوفان الطاقة السلبيه من هؤلاء البشر الكاره لكل ماهو جميل و انيق و مصدر للأمل و حب الحياة .. جراح الكتابه بهاء يوسف تحياتي