بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
أعلنتُ الأسبوع الماضى أنى ضد إدراج منصة نتفيلكس ضمن قائمة الشركات الغربية التي ينادى مناصرو قضية (فلسطين) بمقاطعتها لدعمها الكيان الغاصب.
فلقد تفردت منصة (نتفيلكس) عن جميع المنصات بإتاحة مجموعة من الأفلام التسجيلية التي تتحدث عن قضية (فلسطين) بعد التأكد من وحشية إسرائيل التي قامت بتصفية عرقية و إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة.
وهو موقف شجاع و نادر الحدوث في الإعلام الغربى، فلم نجد منصة أخرى على الإطلاق – بما فيها المنصات العربية – قد قامت بمثل هذا التصرف، برغم تعاطف بعض أصحاب تلك المنصات مع قضية شعب فلسطين.
أحد الأفلام التي عرضتها المنصة مؤخرا هو فيلم (أطفال شاتيلا) الصادر عام 1998 للمخرجة (مى المصرى) المولودة عام 1959 في الأردن لأب من نابلس وأم أمريكية، وعاشت طفولتها بين بيروت وعمان.
إقرأ أيضا : السينما السورية عالجت قضية (فلسطين) بصورة تتفوق على المصرية ! (2)
وارتبطت بالسياسة مبكرا، لأنها نشأت داخل أسرة تهتم بالشأن السياسى الفلسطيني ليس بحكم الأصول العائلية فحسب، ولكن لأن والدها (منيب المصرى) كان على صلة بكبار قادة منظمة تحرير (فلسطين).
كما أنه شغل منصب وزير الأشغال في الأردن في منتصف السبعينات ، كما رشح عام 2008 لتولي رئاسة حكومة فلسطين.
وعندما اتمت ابنته الثانية (مى) دراستها الثانوية استهوتها السينما، فقامت بدراستها في الولايات المتحدة لتعود بعد تخرجها إلى بيروت في عام 1981.
ومع بدء الاجتياح الإسرائيلى للبنان قامت بتصوير بعض اللقطات في ظل ظروف خطيرة استخدمتها فيما بعد في أفلامها: (تحت الأنقاض – 1983، الزهور البرية – 1986، وجيل الحرب – 1989)
وفي عام 1986 تزوجت من المخرج (جان شمعون) وأسست معه شركة (نور للإنتاج) التي قدمت من خلالها اكثر من 15 فيلم تتحدث جميعها عن مصاعب الحرب وأثرها الدامى على الناس البسطاء خاصة في (فلسطين).
حيث تستعرض حياة الناس تحت وطأة القصف، ومحاولتهم الحفاظ على إنسانيتهم وسط الدمار.
مجازر مخيمات (فلسطين)
ولذا كان لها أسلوبها المختلف الذى مكنها من الحصول على أكثر من 60 جائزة عالمية من مهرجانات سينمائية دولية، وأعتبرت رائدة من رائدات صناعة السينما التسجيلية في العالم العربى.
وإذا كان الفيلم يحمل اسم (شاتيلا)، فإنه بالطبع يحيلنا إلى ذلك المخيم للاجئين الفلسطينيين المقام في لبنان، والذى تعرض لمجزرتين الأولى تمت في عام 1982. حيث حاصرت القوات الإسرائيلية مخيمى (صبرا وشاتيلا)، ومنعت الدخول أو الخروج منهما لتفرض عليهما عزلة عن العالم أجمع.
وخاصة الصحافة ووسائل الإعلام، لتتيح لمجموعات لبنانية تنتمى لحزب الكتائب اللبناني و جيش لبنان الجنوبى – الذى كان عميلا لإسرائيل – القيام بمذبحة لمدة ثلاث أيام متواصلة.
راح ضحيتها مايقرب من 3500 قتيل من النساء والأطفال والشيوخ أغلبهم من الفلسطينيين، ولكن من بينهم كان هناك لبنانيين أيضا.
وبعد اكتشاف العالم للمذبحة ودور الجيش الإسرائيلى فيها و أمام ضغط دولى، تشكلت في إسرائيل لجنة تحقيق خاصة يرأسها رئيس المحكمة العليا وسميت اللجنة باسمه (لجنة كاهان) للتحقيق في المذبحة.
إقرأ أيضا : سينما (فلسطين) تشرب من نفس كأس ظلم القضية ! (1)
وصدرت نتائج اللجنة بإدانة (إريل شارون) وزير الدفاع وقتها لأنه لم يسع لإيقاف المذبحة بل سهل حدوثها. واستقال شارون من منصبه نتيجة للضغط الدولي
ولكنه لم يُحَاكَم رغم ثبوت التهم عليه، وفيما بعد عاد رئيسا للحكومة الإسرائيلية ليقوم بمجازر أخرى و لكن في (فلسطين) !!
أما المجزرة الثانية التي تمت في مخيم (شاتيلا) فقد وقعت بعد الأولى بثلاث سنوات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قامت حركة أمل و اللواء السادس فى الجيش اللبناني بحرب على مخيمات (فلسطين) امتدت لشهر كامل.
وخلال حصار لك المخيمات أضطر الجوع سكان المخيمات أن يأكلوا القطط والكلاب، وذات يوم تم نسف أحد الملاجئ، وكان يوجد به مئات الشيوخ والأطفال والنساء مما تسبب فى موتهم جميعا.
ليخرج بعدها سكان المخيم من المخابئ ليجدوا بيوتهم قد تهدم 90 % منها، وفقدوا 3100 بين قتيل وجريح، وتم تهجير 15 ألف من اللاجئين أي 40% من سكان المخيمات.
الهجمات على شعب (فلسطين)
وفى عام 1998 تعود (مى المصرى) إلى المخيم لتعطى الكاميرا لطفل وطفلة هما (عيسى و فرح) لتصوير حياتهما، ومعرفة كيف يريان عالمهم الخاص.
الطفل (عيسى) يعيش مع جده ولديه صعوبات في التعلم، ربما كانت ناتجة عن صدمته بسيارة مسرعة سببت له جروحا خطيرة.
أما الطفلة (فرح) فتعيش مع والديها وشقيقتيها، وكلاهما فقط أفرادا من عائلته في المذابح والهجمات التي توالت على شعب (فلسطين) منذ النكبة الكبرى وحتى تصوير الفيلم.
ولذا تتشكل ذكرياتهما من أحداث عنيفة و أحاسيس بعدم الأمان و سرعة فقدان الأحبة و الأقرباء.
تقول والدة (فرح) إنه عندما يخبرها أطفالها بأحلامهم تشعر (بالحرج والخوف من صدمتهم بالحقيقة).
فليس هناك مستقبل في ظل ظروفهم، أي مستقبل من الممكن أن تنتظره في ظل فقر يسيطر على كل شيئ و لا يوجد منه مفر.
ومع ذلك، فإن كلا الطفلين لديهما أحلامهم الخاصة التي لم يقتلها الفقر بعد و لم تمحها الظروف، فيعيشان في خيال لم يقدر على كسره الواقع.
فتقول (فرح) أن التخيل هو الشيئ الرئيسى حتى لو كنت ترسم طائرا فقط، أما (عيسى) فلديه حلم بأن يصبح أميرا في حكاية ما من دنيا الخيال.
وخلال الفيلم يسأل الطفلان كبار السن عن شعورهم حيال مغادرة (فلسطين)، وعندما سئل رجل عجوز عما يريد أن يقوله للجيل الجديد من الفلسطينيين، قال: يجب ألا تنسى (فلسطين) أبدا، عدنى بذلك.
وتقول: معظم التقييمات عن فيلم أطفال شاتيلا، بينما يتم التركيز على حياة الأطفال في هذا الفيلم الوثائقى، إلا أنه ليس مناسبا للأطفال.
بل هو مناسب للناضجين المهتمين بالتعرف على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والحياة في مخيمات اللاجئين، والآثار الدائمة للحرب.
تحية لمنصة (نتفيلكس) التي أتاحت لنا هذا الفيلم وقامت بما لم تقم به المنصات العربية في وقتنا الحالي، ىفي ظل معاناة أهل (فلسطين).