ليلة (روائع السنباطي).. كثير من الطرب قليل من السلطنة !
كتب : أحمد السماحي
عاش الجمهور السعودي والعربي خلال الساعات القليلة الماضية ليلة من ليالي الأغنية المصرية في المملكة العربية السعودية، حيث استمتع الملايين أمس الخميس بليلة (روائع السنباطي).
والتى احتفت بالموسيقار العملاق رياض (السنباطي)، وأقيمت على مسرح (أبوبكر سالم) ضمن فعاليات (موسم الرياض) برعاية المستشار تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية.
أحيا ليلة (روائع السنباطي) مجموعة من أقوى الأصوات المصرية هم (شيرين عبدالوهاب، أحمد سعد، إيمان عبدالغني، ريهام عبدالحكيم، مي فاروق)، فضلا عن المطرب التونسي صابر الرباعي، والمطرب المغربي فؤاد زبادي.
تفاعل الجمهورالضخم الذي حضر أو الجالس في البيوت العربية مع كل نجوم الحفل، وردد معهم أغنياتهم التى تعتبرمجموعة من روائع الطرب العربي.
بدأت ليلة (روائع السنباطي) بكلمة بسيطة للمذيعة سها نويلاتي التى طلت علينا بطلة بسيطة هادئة تتكون من فستان (فوشيا) راقي، ورحبت بالحضور.
إقرأ أيضا : في ذكرى رحيل السنباطي: ننفرد بنشر تفاصيل ملحمة (محمد علي) التى قام بتلحينها وغنائها
وباركت لقيادة المملكة ولكل محب اختيار الرياض لتنظيم معرض إكسبو 2030، وشكرت (جيا) على الإهتمام دوما بالفن العربي، ودعم كل مبدع.
وقالت: الليلة نحتفل باسم كبير وعمود من أعمدة الموسيقى العربية، موسيقار وملحن خلد أعماله الأصيلة في تاريخ الفن العربي، بروائع صنعها بأصالة وتراث ومقامات وجمل لحنية شرقية عميقة.
وأضافت: رحل (السنباطي) عن عالمنا منذ أربعة عقود، لكن إرثه الكبير مازال باقيا بيننا إلى اليوم..
الليلة هة أمسية للسلطنة والطرب مع روائع وإبداعات نسجها بأروع الأنغام، هنسمعها من أجمل الأصوات، مع كوكبة من نجوم العالم العربي..
وفي نهاية كلمتها رحبت بالأوركسترا، وقائد الأوركسترا المايسترو هاني فرحات.
زبادي يبدأ ليلة روائع السنباطي
بعدها بدأت الوصلة الأولى، التى عزف فيه الأوركسترا قطعة موسيقية من روائع رياض السنباطي الموسيقية، وأبداع في عزفها مجموعة من أمهر عازفي العود، فضلا عن بعض الموسقيين الأجانب.
بعد عزف هذه المقطوعة غنى المطرب المغربي الكبير فؤاد زبادي الذي برع في تقديم تراث المطرب الراحل محمد عبدالمطلب.
وفي ليلة (روائع السنباطي) غنى زبادي في الوصلة الأولى طقطوقة (يا ليلة العيد) كلمات أحمد رامي، فكانت بداية موفقة مع مطرب مخضرم في الأداء، والشدو الجميل.
ريهام عبدالحكيم.. أفرح يا قلبي
بعد استمتاعنا بزبادي، طلت صاحبة الصوت الساحر ريهام عبدالحكيم، وأبدعت في غنائها لرائعة (أفرح يا قلبي) التى شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1937 في أحد أفلامها من كلمات أحمد رامي.
وقد أجادت بنت الأوبرا المصرية ريهام عبدالحكيم، في أداء الأغنية بشكل دقيق، ومتقن، وعذب، فاكتسبت تصفيق جمهور الحضور سواء الموجود أو الجالس في البيوت.
صابر الرباعي وأروح لمين
بعد تألق ريهام عبدالحكيم في ليلة (روائع السنباطي) دخل المسرح صاحب الطلة المسرحية والحضور الغنائي الطاغي صابر الرباعي، الذي قدم رائعة عام 1958 أغنية (أروح لمين) كلمات الشاعر عبدالمنعم السباعي.
والحقيقة أنني في بداية الأغنية لم استمتع بأداء الرباعي للأغنية، حيث شعرت أنه لم يؤديها بالشكل الدقيق.
وابتعد بأدائه عن القوة المطلوبة في أداء الأغنية التى تصرخ فيها الحبيبة من ظلم حبيبها وتقول (أروح لمين؟!، وأقول يا مين ينصفني منك، ما هو انت فرحي، و انت جرحي، و كله منك).
لكن فجأة تحول سخطي على (الرباعي) إلى إعجاب شديد عندما بدأ يتجلى، ويغني بشكل مبدع قائلا:
(يطول بعدك، وأعيش بعدك على شوقي وأشجاني
ما بين ماضي، ما هوش راضي ينسيني وينساني
وبين حاضر ما هوش قادر يسليني فى حرماني
و أبات أنعي أنا ودمعي وأخبي دمع العين
وأداري من اللايمين لا يلمحو عنيا ويشمتو فيا)
بداية من هذا (الكوبلية) فتح صوت الرباعي، وتجلى وأبدع، وللأسف لم يكمل باقي الأغنية وأنهاها بهذا الكوبلية وترك المسرح والجمهور في حالة نشوة وطرب كبيران.
إيمان عبدالغني.. والقلب يعشق
بعد أداء الرباعي المليئ بالنشوة والطرب، اعتلت المسرح مطربة أخرى من مطربات دار الأوبرا المصرية، هي رائعة الصوت إيمان عبدالغني في ليلة (روائع السنباطي).
ورغم الخوف الشديد لأي مطرب من الغناء بعد صابر الرباعي، لكن أستطاعت إيمان عبدالغني، أن تبدع في غنائها لرائعة عام 1972 أغنية (القلب يعشق كل جميل) كلمات عبقري الكلمة بيرم التونسي.
وتألقت إيمان عبدالغني، وهى تغني هذه التحفة الغنائية التي تتحدث عن الحب الإلهي، وعن السلام الداخلي الذي يتحقق بزيارة مكة المكرمة..
وتنتهي الأغنية بمشهد يتخيل فيه الشاعر نفسه (وإن لم يقل ذلك) في الجنة، ويتمنى أن يكون مصير كل أحبابه مثل مصيره.
مي فاروق .. والأطلال
كان من حسن حظ جمهور ليلة (روائع السنباطي) أن تختتم الوصلة الأولى واحدة من أقوى وأعذب الحناجر الموجودة اليوم في الغناء، وهى مي فاروق، أو (وطن الغناء) التى سلطنت الحضور برائعة عام 1966 أغنية (الأطلال) كلمات إبراهيم ناجي.
وصالت مي فاروق وجالت وهى تنتقل من مقام لآخر في الأغنية، ومع كل (كوبليه) في هذه الدرة الغنائية، كانت مي تضيف من إحساسها وتجربتها في الغناء حتى وصلت بالجمهور إلى حد السلطنة الكاملة وهي تغني قائلة:
يا حبيبي كل شيئٍ بقضاء، ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا، ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فـإذا أنكر خل خله، وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته، لا تقل شئنا فإن الحظ شاء.
الوصلة الثانية من روائع (السنباطي)
كانت أضع يدي على قلبي بعد انتهاء مي فاروق من غنائها لأغنية (الأطلال) في ليلة (روائع السنباطي)، خوفا أن يظهر مطرب بعدها، لأنه سيتعرض لظلم كبير بعد غناء (وطن الغناء) خاصة أنها لا تغني أي أغنية ولكنها تشدو بـ (الأطلال)!.
لكن الحمد الله أن المسئولين في الحفل راعوا هذا وجعلوا مي تختتم الوصلة الأولى بهذه الدرة الغنائية الغالية التى حافظت على خلودها على مدى 57 عاما.
رائعة رباعيات الخيام
بدأت المطربة ريهام عبدالحكيم الوصلة الثانية في ليلة (روائع السنباطي) بغناء فريدة عصرها (رباعيات الخيام) التى شدت بها كوكب الشرق منذ 72 عاما، وهى من كلمات الشاعر المبدع أحمد رامي، والتى ترجمها من الشعر الفارسى لعمر الخيام.
وأبدعت (ريهام) وهى تغني هذه التحفة الغنائية الصعبة جدا والتى لايستطيع أي مطرب غنائها، وأشعلت المطربة المصرية المسرح مع نهاية الأغنية التى تقول:
ياعالم الأسرار علم اليقين ياكاشف الضر عن البائسين
ياقابل الأعذار عدنا الى ظلك فاقبل توبة التائبين.
شفت حبيبي رائعة عبدالمطلب
بعدها غنى فؤاد الزبادي، رائعة محمد عبدالمطلب (شفت حبيبي) ونظرا لتخصصه في غناء تراث عبدالمطلب، وغنائه لهذه الرائعة عشرات المرات من قبل، فاستطاع أن يبدع فيها أكثر من غنائه لأغنية (يا ليلة العيد).
أشواق .. رائعة (السنباطي) المنسية
من روائع رياض (السنباطي) المنسية والتى لا تذاع كثيرا قصيدة (أشواق) التى تغنى بها قديما، وأعادت ميادة الحناوي غنائها عام 1980.
هذه الأغنية رد اعتبارها المطرب صابر الرباعي، وتفوق على نفسه في غنائها، ونظرا لمعرفته بأن (السنباطي) هو ملحن (القفل)..
فلا يمكن أن يلحن جملة غنائية من غير أن ينهيها بقفلة ساخنة، معقدة تحتاج لصوت فيه ذبذبات معينة لتكون القفلة مثيرة وحارة.
لهذا أنهى الرباعي الأغنية بقفله تُدرس، وصعب أن يغنيها مطرب غير صابر الرباعي.
تكريم رياض السنباطي
بعد غناء رائعة (أشواق) صعد على المسرح (الكابتن محمد) نجل رياض (السنباطي)، حيث تسلم درع تكريم الموسيقار الخالد، وشكر السعودية، وهيئة الترفيه برئاسة تركي آل الشيخ.
بعد تكريم (السنباطي)، صعدت مي فاروق المسرح مرة ثانية واستقبلها الجمهور بالتصفيق الحار، فشكرته.
وغنت أغنية (لسه فاكر) كلمات الشاعر الصوفي عبدالفتاح مصطفى، والتى شدت بها أم كلثوم عام 1960، وأبدعت مي كالعادة في غنائها.
أحمد سعد ولعبة الأيام
بعد كل الرائعين الذين غنوا في ليلة (روائع السنباطي)، ظهر المطرب أحمد سعد صاحب الصوت الأندلسي وغنى رائعة وردة التى لا تنسى (يا لعبة الأيام) كلمات الشاعر علي مهدي.
والتى قدمت أول مرة في بداية الستينات، وتميز أحمد سعد في غنائها، وكانت قفلاته في كل كوبليه رائعة، ومخارج الحروف واضحة، وتجلى في كلمة (يا عيني) في نهاية الأغنية لكننا لم نشبع من غناء أحمد سعد في هذه الليلة!
شيرين عبدالوهاب ومشكلة في النفس
بعد غناء أحمد سعد لرائعة (لعبة الأيام) صعدت على المسرح المطربة شيرين عبدالوهاب التى أنقصت بعض الكيلو جرامات من وزنها، وكانت إطلالتها رائعة حيث ارتدت فستانا بلون أبيض جميلا.
بعدها قدمت مقطع من رائعة (عودت عيني) كلمات الشاعر أحمد رامي، والتى قدمت لأول مرة عام 1957، بعدها قدمت مقطع من أغنية (حيرت قلبي) كلمات أحمد رامي أيضا والتى قدمت عام 1961.
وبذلت شيرين عبدالوهاب مجهود كبير أثناء غنائهما في ليلة (روائع السنباطي)، وهذا المجهود وصل لنا، وهذه مشكلة! حيث شعرنا أنها لا تؤدي بشكل بسيط وعفوي وسلس، كما اعتدنا منها في غنائها لأغنياتها..
لكنها تتعذب وهى تؤدي ويجوز هذا راجع إلى أن (شيرين) لديها مشكلة في تنظيم النفس عند الغناء، وهذه المشكلة انعكست على أدائها فلم تكن موفقة في الغناء، وأثبتت أنها ليست مطربة أغنيات طويلة، ولكنها مطربة الأغاني القصيرة!
كثير من الطرب، قليل من السلطنة
الملاحظ في ليلة (روائع السنباطي) أنها لم تمنح كثير من المطربين الفرصة للسلطنة، خاصة أنهم يغنون روائع كلها محفورة في الوجدان، وفيها مناطق كثيرة للسلطنة والتجلي الغنائي.
لكننا لاحظنا أنهم قاموا بأداء الأغنيات بشكل جميل وعذب، ونظرا لأن الأغنيات مشغولة بالطرب والأصالة فهذا وضح جدا في أدائهم..
لكننا لم نستمتع ولم نحس أو نشعر بالسلطنة في كل الروائع التى قدمت، وظهرت قليلا في بعض الجمل عند بعض المطربيين.
هاني فرحات.. بطل روائع السنباطي
البطل الحقيقي في هذه الليلة المليئة بالطرب، والمشغولة بالأصالة اللحنية، كان المايسترو هاني فرحات، الذي بذل مجهودا جبارا، هو والأوركسترا الضخم الذي قدم أدائا رائعا خلابا.
خاصة أن ألحان رياض السنباطي صعبة وتحتاج إلى تمكن من كل العازفين في الفرقة، والحقيقة بفضل مهنية ومهارة هاني فرحات، قدم الأساتذة العازفين عزفا رائعا يُدرس في هذه الليلة الصعبة.