بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
في مشروع (فطين عبد الوهاب) الجديد الخاص بالفيلم الكوميدى الغنائى خفتت درجة الكوميديا لحساب الاغنية الدرامية والتي تعيش في وجداننا إلى الآن بموسيقاها وتصويرها تماما كما تعيش الضحكات والبسمات لأفلامه الكوميدية الخالصة.
يستمر المشروع الجديد الخاص بالكوميديا الغنائية الى آخر أفلام (فطين عبد الوهاب)، والذى لم يحضر عرضه الأول في نوفمبر 1972 حيث توفى في 12 مايو 1972 فيلم (أضواء المدينة).
حيث يعود الى نجمته المفضلة (شادية) ليختم بها مشواره الطويل، يشاركها (أحمد مظهر)، الذى قولبه هو الآخر في قالب جديد مغاير لما عرف عن أداءه المعروف في (الناصر صلاح الدين و دعاء الكروان).
و غيرها من أداء رزين جاد ليقدم مشاهدا هزلية يتقافز فيها مقلدا حيوانات وطيور ليرضى جدة حبيبته.. الجدة التي يقوم بدورها (عبد المنعم إبراهيم) مستغلا نجاحه من قبل في دور (فتافيت السكر هانم).
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (2)
حشد (فطين عبد الوهاب) لهذا الفيلم جوقة من الكوميديانات الى جانب (عبد المنعم إبراهيم مثل (حسن مصطفى وسمير غانم وجورج سيدهم وإبراهيم سعفان وسلامة إلياس وسهير البارونى وعادل إمام ومحمد شوقى).
ليجمع كل مشهد بين وجهين كوميديين أو أكثر.. لم يكن هدفه من هذا الفيلم الكوميديا الخالصة بقدر استمراره في ترسيخ دعائم الفيلم الغنائى الكوميدى.
في (أضواء المدينة) نتابع (عايدة/ شادية) الفنانة الريفية المؤمنة بموهبتها وبمواهب فرقتها المتواضعة.. القادمة في لهفة إلى المدينة وأضوائها على أثر إعلان يطلب وجها جديدا لدور في فيلم سينمائى.
وحينما يستعرضها (المخرج/ أحمد مظهر) يبدى بالغ استيائه من هيئتها ومن (شرابها المدلدل).. تصاب (عايدة) بصدمة هائلة ويتملكها الغضب فتقرر الانتقام من المخرج بطريقتها الخاصة.
وعن طريق (إبراهيم سعفان) الذى يقدمه (فطين عبد الوهاب) في البداية على أنه أمير رومانسى يبكى على نغمات الكمان ويتحدث بلغة عربية ممزوجة بالتركية لنفاجا في النهاية أنه متقمص لهذه الشخصية.
لكنه في الحقيقة ابنا لجناينى قصر سافر أهله إلى الخارج وترك له والده أمر الاعتناء به لفتره، ليستغل الابن الموقف ويحيا فيه بخياله أميرا، بل ويقدم لعايدة وفرقتها القصر ديكورا للأحداث التي ينوون القيام بها انتقاما من المخرج.
(فطين عبد الوهاب) و(شادية)
فتقوم (شادية) بدور أميرة تركية حقيقية تعيش مع (جدتها التركية/ عبد المنعم إبراهيم) وخدمها، ومنهم عادل إمام المهتم بجمع بقايا السجائر حفاظا على النظافة والبروتوكول في الظاهر بينما يحتفظ بها ليدخنها في الخفاء.
ويأخذ كل من أفراد فرقتها دوره في التمثيلية المدبرة.. بالفعل تستطيع الفنانة الناشئة بموهبتها إقناع المخرج أنها أميرة تركية فيسعى جاهدا لتوقيع عقد معها للقيام بدور الأميرة في الفيلم معتبرا ذلك سبقا فنيا هائلا.
تتمنع الأميرة لمكانتها الاجتماعية، فيلاحقها حتى قصرها متوسلا لأفراد اسرتها في اقناعها بالقبول لتتسلمه (جدتها/ عبد المنعم إبراهيم) بالتنكيل، ونعته بالبهلوان وبطلبها أداءه لدور دجاجة وغيرها.
وكما يقدم (فطين عبد الوهاب) لغته السينمائية الخاصة بالكوميديا، فإنه يؤكد في تجربته الغنائية أن الأغنية ليست مجرد صوت جميل ولحن بارع، ويمكن اجتزائها من الفيلم دون التأثير على الأحداث و فهم بواطن الشخصيات.
وإنما هى خلايا حية من نسيج الفيلم لا يمكن اقتطاعها إلا بخروج الدم.. فمثلا بعد موقف سخرية المخرج من (شادية) وإهانتها نجدها تغنى ذاهلة مصدومة على موسيقى بطيئة حزينة (معبرة عن الجو النفسى للبطلة حركيا و موسيقيا ).
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (3)
بينما هى تغنى كلمات كوميدية بأداء باكى (قال ايه شرابى مدلدل.. و كاويه شعرى بمكوة رجل)، لتنتفض فجأة مع الموسيقى وكأنها تهم بضرب صديقتها من الانفعال متسائلة:
(ليه ما شتمتوش؟)، لترد زميلتها (أنا عارفه ليه؟!.. ليه ماضربتوش؟.. وماعورتوش.. ومكسرتوش.. و مدغدغتوش.. ومموتوش؟).. أغنية إذا تم نزعها تشوهت الأحداث وغابت الدوافع لما هو قادم.
الغريب أنه أثناء تصوير الأغنية كان الشراب الذى ترتديه البطلة بالفعل شراب مدلدل.. وتسريحة شعرها بدائية جدا، وأن المخرج بالفعل كان لديه الحق فيما يراه.
لكنها أيضا كان لديها الحق في أن ترى نفسها داخليا على غير تلك الصورة و إنما على الصورة التي تقتنع بها و تملأ خيالها.
(فطين عبد الوهاب) يوظف الموسيقى
كذلك في الحفل الذى حضرته وحضره المخرج نجد أغنية (روميو و جوليت) التي اختارت فيه في الحفل (أحمد رمزى) في ملابسه التنكرية كروميو لإغاظة المخرج وإثارة غيرته مع إهمالها المتعمد والتام له.
كذلك و هى ترتدى ملابس الأميرة وجواهرها تغنى بعظمة منبهرة بنفسها أمام المرآة (الماظ.. وذواق.. وحرير.. وكمان أناضولى خطير.. وأميره بنت أمير.. بحكى في اكبر صالونات.. بهوات.. باشوات.. أغوات).
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب) .. مصنع الكوميديا (4)
ليوظف (فطين عبد الوهاب) الكلمات بل واللحن والتوزيع الموسيقى كجزء من الأحداث وبواطن الشخصيات، وقد استعان في هذا الفيلم بالساحر الصاعد في عالم الموسيقى (الموسيقار/ بليغ حمدى).
ولو قدر لـ (فطين عبد الوهاب) عمرا أطول لأنشأ منصة صواريخ أخرى لإطلاق الملحنين و الموسيقيين.. وكشف جوانب مخفية فيهم حتى عنهم.
لكنه قضاء القدر أن تنتهى رحلة (فطين عبد الوهاب) الطويلة عند هذا الحد بعد عطاء لامحدود و يصعب تكراره في عالم الفن و السينما.