كتب: محمد حبوشة
تابعت عن كثبث على شاشات التلفزيون أحوال (أسرانا) من الفلسطنيين الذين تم الإفراج بموجب صفقة بين حماس وإسرائيل، وكان يعتصرني الألم جراء الوحسية واللإنسانية التي لقيها أطفال فلسطين من الأسرى الذين قبعوا لسنوات طويلة في سجون إسرائيل.
قصص يشيب لها الولدان جاءت على لسان السجينات من أبناء فلسطين خلف القضبان الحديدية التي تخلو من إنسانية لـ (أسرانا)، وليس ذلك في مخالفة واضحة للقانون الالزامي المواثيق الأمم المتحدة، بل بمخالفة صريحة للإنسانية.
اكتظت الشاشات العربية ليلة أمس بمظاهر الاحتفال الفلسطنيين بعودة الأسرى في وقت ضيقت فيه الشرطة الإسرائيلية على المحررين وحرمتهم من الاحتفال بطرد أقاربهم من بيوتهم، بينما في الطرف الآخر اكتست الشاشات الإسرائيلية بأهازيج الفرح لخروج أسراهم.
وتبد المفارقات المذهلة، ففي الوقت الذي كانت تتعهد فيه حركة (حماس) بمعاملة الأسرى الإسرائيليين طبقا لمفهوم المعنى الدقيق لمصطلح أسرى الحرب طبقا لما ورد في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني والفقه الإسلامي الذي يحض على معاملة الأسير بطريقة إنسانية.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: في (الأرض المحتلة).. العار لقتلة الأطفال!
وفي هذا ترى (حركة حماس) أن أسرى الحرب هم الأشخاص الذين يتم إلقاء القبض عليهم مؤقتا من طرف العدو في نزاع مسلح ليس لجريمة ارتكبوها، وإنما لأسباب عسكرية.
فهذا التعريف يتميز بجملة من الخصائص تتوفر في اصطلاح أسرى الحرب بناء على ما تقرره المواثيق الدولية، حيث أنه يضمن للعسكريين من رعايا الدول المتحاربة وللأفراد المدنيين الذين يكتسبون هذه الصفة من القانون الدولي إذا ما وقعوا في قبضة الخصم الانتفاع من وضع أسرى الحرب.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجعل الأسر مجرد إجراء مؤقت، إذ يعادون إلى أوطانهم فور انتهاء العمليات الحربية، باعتبارهم أشخاص محتجزين لا لارتكابهم أفعال مجرمة، وإنما نتيجة أعمال يجيزها القانون الدولي.
وحمل هؤلاء الأشخاص لصفة أسير الحرب يقتضي بالضرورة واجب المعاملة الإنسانية لشخصهم وحمايتهم من الاعتداء والتمتع بالضمانات والامتيازات المقررة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.
عقيدة (حماس) مع الأسرى
أن الهدف من الأسر في عقيدة (حماس) هو هو منع المحارب من الاستمرار في القتال، بغية إضعاف القوة العددية للخصم، وليس توقيع الجزاء عليه والثأر منه.
وتحرص حركة (حماس) على أن يحتفظ الأسرى بكامل أهليتهم المدنية التي كانت لهم قبل وقوعهم في الأسر، ولا يجوز للدولة الحاجزة تغيير ممارسة الحقوق التي تكفلها تلك الأهلية سواء في داخل أراضيها أو خارجها، إلا بمقدار ما تتطلبه دواعي الأمن.
وتلتزم حركة (حماس) الحاجزة للأسرى الإسرائليين) بتوفير الرعاية الصحية والغذائية لأسرى الحرب على الوجه التالي.
توفير الطعام والملبس بالقدر الكافي مجانا، وكذا تقديم العناية الطبية التي تتطلبها الحالة دون مقابل، واتخاذ كافة التدابير الصحية الضرورية لتأمين نظافة المعسكرات.
بالإضافة إلى إجراء فحوصات طبية للأسرى مرة كل شهر، وذلك من أجل مراقبة الحالة العامة لصحة الأسرى ونظافتهم، وكشف الأمراض المعدية.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: (أطفال إسرائيل) يرضعون الإجرام في المدراس!
في هذا الوقت، يواجه (أسرانا) الفلسطينيين لدى سلطات الإحتلال الإسرائيلية ظروف معيشية صعبة، حيث يتعرضون لأبشع صور التعذيب والعزل والاحتجاز في أماكن نائية لا تتوفر فيها الشروط المحددة في القانون الدولي الإنساني كما سبق توضيح بعض منها.
فتعذيب (أسرانا) الفلسطينيين جريمة انتهجتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية في سجونها رغم توقيعها وتصديقها على العديد من المواثيق الدولية التي تحرم التعذيب، وقد جاء تحريم هذا الأخير في أكثر من موضع.
يحشرون (أسرانا) في غرفهم طيلة 23 ساعة في اليوم، فلا يخرجون إلا لساعة واحدة، قطعوا عنهم أي اتصال خارجي، وأوقفوا زيارات الأهل والمحامين، كما أوقفوا عمل لجان الأسرى، قناة التواصل معهم، وأعادوا التواصل الفردي معهم.
ألغوا التلفزيونات، فليس بإمكان الأسرى سماع الأخبار، أقفلوا أجهزة الهاتف العموم، وكيلا تبقى لديهم إمكانية اتصال عبر أجهزة الهاتف النقال المهربة، قطعوا التيار الكهربائي عن الغرف فلم يعد بمقدورهم شحن هواتفهم وأبقوها فقط للإضاءة.
معاملة غير إنسانية لـ (أسرانا)
قطعوا الماء الساخن، خفضوا وجبة طعام واحدة من الوجبات الثلاث، سحبوا المواد الغذائية في الأقسام، وقلصوا كمية الطعام التي يتم إدخالها لهم وجعلوا نوعية الوجبات أسوأ لـ (أسرانا).
وقطعوا الكانتين كيلا يكون بإمكانهم التعويض وشراء طعام على حسابهم، بدأوا في إضافة إجراء جديد يومياً هو قطع الكهرباء والماء، وهناك معلومات عن اعتداءات جسدية واستفزازات مستمرة وعمليات تفتيش متكررة.
إلى جانب العزل القائم بحق (أسرانا) من قبل، فقد فرض عليهم عزل إضافي منذ السبت بمستويات مختلفة، وذلك جزء من سلسلة إجراءات انتقامية اتخذها الاحتلال بحقهم في إطار جريمة (العقاب الجماعي).
وعليه فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: ما مدى شرعية هذا الإدعاء الإسرائيلي؟
نلاحظ تمادي سلطات الاحتلال الإسرائيلية في انتهاكاتها للقوانين الدولية حيث وصل بها إلى حد سن تشريعات قانونية تبرر بواسطتها تلك الانتهاكات.
وكمثال على ذلك، في سنة 1996 أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية عدة قرارات سمحت بموجبها لمحققي أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام الضغط الجسدي، وأسلوب الهز بعنف ضد الأسرى أثناء أسرهم لإجبارهم على الإدلاء باعترافات. وبررت قراراتها بهذا الشأن أنه يكون في حالات الضرورة القصوى.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب عن سينما صهيون) .. (وودي آلن) لم يذهب إلى إسرائيل! (7)
هذا على مستوى التعذيب الجسدي والنفسي إبان الاستجواب، أما بخصوص أماكن الأسر التي من المفترض أن تتوفر فيها كل مناحي الإنسانية، فإن (أسرانا) الفلسطينيين يقبعون في أماكن لا تتوفر فيها أدنى المتطلبات الإنسانية.
حيث الاكتظاظ التام، وسوء الطعام وقلة النظافة وسوء مجاري الصرف الصحي وانتشار الرطوبة والبرد الشديد، وقلة الأغطية إضافة إلى قلة التهوية وعدم دخول الشمس والهواء النقي إلى الغرف، ما نتج عنه الإصابة بمشاكل صحية خطيرة.
هذا بالإضافة إلى كون السجون والمعتقلات الإسرائيلية تفتقر إلى عيادات صحية مناسبة، وأحيانا لا توجد، كما لا يتم إجراء العمليات الجراحية لـ (أسرانا) المرضى في الوقت المناسب.
وهذا بدوره يشكل تهديدا كبيرا على وضعهم الصحي وحياتهم، أضف إلى ذلك عدم تقديم العلاج المناسب للمرضى حسب طبيعة المرض وما تتطلبه الحالة المرضية، كما يتم حرمان ذوي الأمراض المزمنة من أدويتهم كنوع من أنواع العقاب.
ولم يقتصر الأمر على سياسة الإهمال الطبي، بل قد استخدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأسرى كحقول تجارب لبعض الأدوية.
من خلال ما سبق يتبين أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تنتهج العكس تماما لما نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الملحق بها لعام1977، في تعاملها مع أفراد المقاومة الفلسطينية.
بل تعاملهم (أسرانا) حسب ادعاءاتها كمخربين وإرهابيين، وتعمل على محاكمتهم أمام محاكمها على هذا الأساس.
يعاملون (أسرانا) كإرهابيين
وتستند إسرائيل في تبرير موقفها هذا إلى مجموعة من الحجج والاستنباطات التي توافق توجهاتها ليس إلا، كما سيتم توضيح ذلك في الفقرة الموالية.
لم تكتف سلطات الإحتلال الإسرائيلية بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، بل عملت على تقنين تلك الانتهاكات.
وفوق كل هذا وذاك، استمرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتشريع قوانين عنصرية تعسفية غير مسبوقة بحق (أسرانا) الفلسطينين، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والتشريعات الدولية ومبادىء حقوق الإنسان، ومن أبرز هذه القوانين:
قانون منع تقصير فترة السجن للأسرى الفلسطينيين: صادقت الكنيست الإسرائيلية بالقراءتين الثانية والثالثة يوم 25 /12/2018 على قانون ينص على منع سلطات الاحتلال تقصير فترة السجن للأسرى الفلسطينيين.
وهذا يعني أنه لا يمكن لأي من (أسرانا) الفلطسينيين الاستفادة من هذا الإجراء بعد قضاء ثلثي مدة محكوميته.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب عن (سينما صهيون): أفلام (وودي آلن).. يهودية بشكل لا يصدق (6)
قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام: أقرت الحكومة الإسرائيلية يوم 14/6/2015 مشروع قانون يمكن سلطات الاحتلال من إجراء التغذية القسرية للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام؛ وصادقت الكنيست عليه في 30/7/2015.
واعتبر هذا القانون من أخطر القوانين التي تهدد حياة (أسرانا) المضربين عن الطعام، الذي يعد (حسب الصليب الاحمر الدولي، واتحاد الأطباء العالمي) نوعاً من التعذيب وتهديد حياة المضرب، وإجراء غير أخلاقي، ويتنافى مع الاعراف المهنية والطبية.
وحظر اتحاد الأطباء في إسرائيل هذا القانون، واعتبره نوعا من التعذيب وينطوي على مخاطر صحية؛ وحث كافة الأطباء في إسرائيل على عدم الامتثال لهذا القانون؛ ومنع الأطباء المشاركة في عمليات إطعام للأسرى بالقوة دون إرادتهم.
مشروع قانون إعدام الأسرى: بتاريخ 2/6/2015 قدمت الكنيست مشروع قانون جديد ينص على إعدام أسرى فلسطينيين؛ بحجة إدانتهم بعمليات قتل فيها إسرائيليون.
وقد قدم المشروع عضو كنيست من حزب (إسرائيل بيتنا) وتم تفعيله على ضوء انضمام ليبرمان للحكومة الإسرائيلية، بالتوافق على إعادة طرح مشروع قانون الإعدام للأسرى بتاريخ 19/5/2016.
صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى يوم 3/1/2018 على ما يسمى (مشروع قانون إعدام منفذي العمليات).
قوانين مجفحة ضد (أسرانا)
إن مشروع القانون ينص على أن يأمر وزير الدفاع الإسرائيلي قائد قوات الجيش في المنطقة بأن صلاحية هيئة المحكمة العسكرية في المنطقة بأن تحكم بالإعدام دون اشتراط اجماع الهيئة.
بل تكتفي بالأغلبية العادية؛ وأن ليس لأي محكمة تخفيف عقوبة من صدر عليه حكم إعدام نهائي من المحكمة العسكرية في المنطقة؛ وأن القانون يسري فقط على الفلسطينيين دون سواهم.
هذا القانون اعتبر شرعنه للقتل والاغتيالات والتصفية الميدانية، ويؤكد أن إسرائيل دولة (أبرتهايد) يتحكم بها عنصريون، وينتهك التزامات إسرائيل القانونية والدولية التي تشترط وجود محاكمات عادلة واحترام كرامة الإنسان الأسير.
مشروع قانون حرمان الأسرى من التعليم: قدمه عضو الكنيست روبيرت ايلتوف من حزب (إسرائيل بيتنا)، وينص على أن الأسير الفلسطيني الأمني ليس من حقه الدراسة في مؤسسة التعليم العالي.
ويطالب مشروع القانون بتعديل لوائح السجون بعدم منح الأسرى فرصة التعليم.
مشروع قانون احتجاز جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية: مشروع قانون احتجاز جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، توازي حجم المخصصات التي تدفع كإعانات للأسرى والشهداء.
إقرأ أيضا : حنان أبو الضياء تكتب: (سينما صهيون).. (كيرك دوجلاس) مفتونًا بدراسة التوراة (5)
مشروع قانون منع زيارات أسرى منظمات فلسطينية تحتجز إسرائيليين: قدم عضو الكنيست أورون حزان يوم 18/6/2017 مشروع قانون يحظر زيارة أسرى فلسطينيين ينتمون لتنظيم فلسطيني يحتجز إسرائيليين، ومنع زيارة المحامين ومندوبي الصليب الأحمر لهم.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعمل جاهدة لتشريع عنصريتها في تعاملها مع (أسرانا) في سجونها، وتتنافس جهات التشريع في ذلك، علما بأن سلطات الاحتلال تطبق ما يحلو لها من إجراءات تعسفية بحق الأسرى بغض النظر هناك تشريعات بذلك أو بدون تشريعات.
ومما سبق يتضح لنا قبح هذا العدو في تعامله الإنساني لـ (أسرانا) الفلسطنيين، بيما (حماس) تحرص على معاملة أسراهم بشكل إنساني يتفق مع كافة المواثيق والقوانين الدولية، ومن ثم يبرز هنا الفرق بيننا وبينهم، والذي ينبغي أن نبرزه في أعمالنا الدرامية خلال الفترة القادمة لتأكيد دور القوى الناعمة في توثيق أهم أنواع الميلودراما الإنسانية.