بقلم: محمد شمروخ
لو كان الأمر متعلقاً بالحياة الشخصية لهما، لما كتبت حرفا واحداً، عن هذا الموضوع، لكن زواج السيد (أحمد طنطاوي) كسياسي مصري كان يزمع ترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية في مصر، من السيدة (رشا قنديل) مذيعة قناة الـ (بي بي سي) البريطانية المشهورة، أمر لا يمكن أن يكون شخصيا!
فقبل إعلان هذا الزواج بعدة أشهر، كان (أحمد طنطاوي) يعلن عن عزمه خوض الانتخابات في تحد ظاهر للرئيس السيسي.
بعد خصومة أكثر ظهوراً بدأت منذ أن كان السيد السياسي عضواً في مجلس النواب السابق وأبدى اعتراضه علنا تحت قبة البرلمان وبناء عليه اكتسب شعبية واسعة في أوساط بعض التيارات السياسية وغير السياسية المعارضة للرئيس السيسي.
وكانت هذه الشعبية الناتجة عن هذا الموقف، هى التى شجعته لكى يسعى مبكراً كى يمد عينيه إلى كرسي الرئاسة.
و(أحمد طنطاوي) كأي سياسي، بل وكأى مواطن مصري من حقه أن يحلم ويخطط لتحقيق حلمه بالوسائل الشرعية.
وفي سبيل ذلك عقد تحالفات وأجرى اتصالات وعقد صفقات وقام بسفريات، لعرض نفسه كبديل يلقى تشجيعا من التيارات المعارضة في الداخل والخارج.
وبدأ (أحمد طنطاوي) في التحرك المبكر لذلك من بيروت إلى إستانبول إلى لندن، وبعد عودته إلى البلاد بعد رحلة سفر طويلة، نزل إلى الشارع قبل الإعلان عن بدء موعد إجراءات الانتخابات الرئاسية من الجهة الرسمية المختصة، ليلتقط الصور بين أنصاره في تمهيد واضح لما أزمع عليه.
وحتى هذه اللحظة كان ما يجرى طبيعياً، رغم أن التيارات التي وقفت وراء الدفع به، كان بينها وبين التيار الذي أتى منه (أحمد طنطاوي)، ثارات تاريخية، حيث كان قادما من التيار العربي الناصرى.
بينما كان أكثر داعميه من جماعة الإخوان التى لا تعترف لا بعروبة ولا بناصرية!. لكن على أى حال كان التيار الناصرى قد أصيب بالتفسخ منذ وقت طويل، حتى لما لاحت لهم فرصة العودة بعد 25 يناير.
وخاض السيد (حمدين صباحي)، كرمز ناصري، الانتخابات الرئاسية في 2012، لم يقتنص الناصريون به الفرصة للتكتل من جديد بعد أن أنهكتهم الخلافات الداخلية وشردت شملهم فصاروا شيعا وأحزابا متناثرة!
لكن وقوف الإخوان وخصوم الرئيس السيسي من بعض النشطاء السياسيين، وراء المرشح المحتمل الجديد كانت له دوافعه التى لا تخفى.
(أحمد طنطاوي) ومذيعة البي بي سي
سين سؤال: لكن ما علاقة هذا بالزواج الذي تم بين السياسى (أحمد طنطاوي) ومذيعة البي بي سي؟!
جيم جواب: إن كان مستساغا أن يتحالف خصوم الأمس من كتلة الإخوان المتوحدة وكتل الناصريين المتفرقة، وكذلك مع شذاذ من اتجاهات أخرى.
كما هو من شأن السياسة، فإن الذي لم أستطع استساغته ولا هضمه، هو التقارب الذي حدث بين السيد (أحمد طنطاوي) كمرشح محتمل سابق وبين هيئة البي بي سي!.
فلا يمكن أن يكون هناك قبول ولو مرحليا، بسيرة جمال عبد الناصر الذي مازال حتى الآن هو أكبر عدوا لبريطانيا وللغرب ما بعد الكولينالى.
لا تخفى ذلك البي بي سي العربية التى كشفت السنوات الأخيرة، أنها الذراع السياسية لبريطانيا فى دول العالم العربي.
بل إن العداء العنيف والتحريض الذي مارسته بريطانيا من خلال البي بي سي أو بقية القنوات المناهضة للسيسي (التى وجدت من لندن ملاذا آمناً بديلاً عن إستانبول بعد التقارب التركى المصري) ضد عبد الناصر تجربة وتاريخا.
لم يقتصر ذلك على الفترة الناصرية وحدها، بل كان الخطاب الواضح للبي بي سي العربية، يؤكد أن نظام عبد الناصر امتد منذ 23 يوليو من سنة 1952 وحتى الآن.
على الرغم من الفوارق الهائلة بين الحقب التالية لعبد الناصر سياسياً واجتماعيا وإيدلوجيا.
فعلى الفروقات التصدعية بين تلك العهود في الاختلافات الصارخة في سياسات جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك وعبد الفتاح السيسى.
إلا أن البي بي سي كانت تدعم وتغذي وترسخ الاتجاه الذي وحد بين هذه العهود، فقط بالخلفية العسكرية، ذلك لأن الجيش المصري هو الذي تخرج فيه هؤلاء جميعاً وهو الجيش الذي تسبب في جلاء القوات البريطانية عن مصر.
بل حتى لو اختلفت سياسات الرؤساء نظرا لاختلاف الظروف المحيطة بكل عهد، فهى تراهم ثمار تجربة يوليو المعادية لسياسات الغرب الاستعماري وما بعد الاستعماري.
وكانت السيدة المذيعة في برامجها تتجاوز دورها الإعلامي وتمارس دوراً سياسياً صريحاً في معارضة السيسي بوصفه امتدادا لتجربة يوليو!
كان ذلك واضحا من لهجة المذيعة التى لم تخف حنقها الشخصي وتحريضها العلنى.
ولا يمكن تجاهل أنها وصفت التخلص من الصحفي السعودى (جمال خاشقجي) بأنه (قتلوه كما لو كان مصرياً)، فخرج منها هذا التعبير دليلاً على تلمس كراهية النظام المصري والهجوم عليه حتى في وقائع لا تمت إلى مصر بأى صلة!
كذلك في حرصها على الانتقال إلى حيث المكان الذي تم تدبيره لإقامة مؤقتة، لإجراء لقاء تلفزيوني للمقاول (محمد على) صاحب الدعوات الشهيرة.
والتى صارت فيما بعد هزلية – للثورة على السيسي، وتم التعامل معه وتقديمه على أنه زعيم سياسي شعبي يمكن أن تؤدى دعواته الثورية إلى تغيير النظام المصري!
تجربة السيد (أحمد طنطاوي)
ولم يثمر ذلك اللقاء إلا عن التأكيد على أن البي بي سي تمارس دورها للدفع إلى زعزعة الاستقرار في مصر بأى وسيلة ومع أى شخص، حتى لو بدا ممثلاً كوميديا على غرار تجربة نجاح الكوميديان (زيلينسكي) الأوكراني!
كذلك كانت بي بي سي العربية تفتح فضاءاتها لرموز جماعة الإخوان وكل معارضى السيسي على اختلاف انتماءاتهم السياسية والإيدلوجية، لا بوصفهم مناهضين للسيسي فحسب.
بل لأنهم من رافضي تجربة جمال عبد الناصر عدو بريطانيا الأول والذي كانت له مع البي بي سي وقائع تاريخية وصلت إلى حد التلاسن وتبادل السباب العلنى!
والذي يجعلني أشعر بالأسى من وعلى تجربة السيد (أحمد طنطاوي)، هو أنه انجرف نحو تحقيق هدف وتخلى من أجله عن انتمائه الناصرى دون أن يعلن التبرؤ من هذا الانتماء!
مع أنه كانت أمام (أحمد طنطاوى) فرصة هائلة لكى يؤسس تيارا معارضاً داخلياً يمارس المعارضة الحقيقية بوسائلها الشرعية عبر تجربة حزبية أو تمثيل برلماني أو تأثير إعلامى ولو بوسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
بطرق لا أثر للتحريض فيها، بل كان يمكن كشف ومناقشة أى شيء دون الانزلاق لسياسة تحريضية قائمة على الخصومة المباشرة.
لقد أصابتنى الصدمة مع نبأ الزواج، فلو كان الذي تزوج هو (أحمد طنطاوي) و(رشا قنديل) لوجب تقديم التهنئة إليهما من تمنياتي بالحياة السعيدة بالرفاء والبنين.
لكن الذي تزوج هو الناصرى السابق بالسياسة البريطانية الحالية أو قل بالسياسة المعادية لجمال عبد الناصر، لا بل للدور المصري الذي تفرضه حقائق الجغرافيا وضرورات التاريخ.
وهذه سياسة بريطانية أمريكية مشتركة ترفض ممارسة أى دور مصري بعيد عن تأثيرها المباشر وتعمل على تشويهه وربما العمل على الإطاحة به.
وكأن الذي يحكم في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن هما (إيدن) في 10 داونينج ستريت في لندن، و(جونسون) في البيت الأبيض في واشنطن!، وقد علمتنا التجارب أن هذه السياسات لم تزل باقية مهما تغيرت الأسماء.
لا خلاف أن هناك فروقا هائلة في الخلفيات الثقافية والإيدلوجية بين العروسين، لكن بعد فشل تحقيق حلم الرئاسة، جعل اللذين أعلن عن زواجهما منذ أسبوع أو أكثر، هما (أحمد طنطاوي) و(رشا قنديل)، وليس (أحمد ورشا)!
مع ملاحظة أن استخدامى الألقاب الرسمية التى ينادى بها في البروتوكولات أو في المطارات له دلالته التى لا تخفى عليك عزيزى القارئ الذكى!
فبربك أخبرني: كيف لناصرى عروبي اشتراكى وحدوى، أن يتزوج من ربيبة الثقافات الغربية الليبرالية والتى تنظر إلى بيئة الشرق العربي والإسلامي على أنها لا تنتج التخلف والإرهاب؟!
ومع ذلك: لن أتحدث قبول هذه الربيبة لتكون (الزوجة الثانية) ذات المظهر اللندنى (النيو ليبرالي)، بينما الزوجة الأولى – كما يقولون – هى أخت فاضلة منتقبة؟!
وكما ذكرت، فالأمر ليس فيه أى شخصنة، بل دلالة على تناقضات صارخة في قلب المشهد الثقافي وليس السياسي فحسب!
وسواء كانت إعلامية في قناة إنجليزية أو محاضرة في جامعة أمريكية، فهى ربيبة ثقافة مغايرة تسعى لفرض نفسها بقوة!
ولكن دعونا الآن لكى نطرح سؤالاً يبدو حالياً بلا معنى، بيد أنه قد يكشف الكثير في مشروع (طنطاوى – قنديل المشترك).
والسؤال هو: ماذا لو كان السيد (أحمد طنطاوي) قد كسب السباق الرئاسى الذي دعمته لندن، هل كانت ستتم هذه الزيجة ثم تصبح السيدة (قنديل) هى (رشا طنطاوي) سيدة مصر الأولى؟!
مع ضرورة أن تتذكر جيداً أن هذا السؤال لم يعد له معنى الآن ولا في المستقبل!