(أحمد شفيق كامل): عبد الوهاب كان ثوريا وأم كلثوم تخشى الجديد (2/3)
* مشواري مع الأغنية بدأ في الأربعينات وأنا طالب في المرحلة الثانوية مع صديق يدعى (سعد زغلول حجازي) مهندس ومطرب وملحن
* أغنية (ليلة بعادك) أول أغنية لحنها لي عبدالوهاب لكنها لم تخرج للنور
* كتبت (عيش معايا) ليقوم بغنائها محمد عبدالوهاب، لكنها خرجت بصوت نجاة وألحان كمال الطويل
* جمال عبدالناصر منع أغنية (باسم مين) لأم كلثوم وأخواتها حتى يمنع التلاسن بين المحطات الإذاعية المصرية والسورية
أجرى الحوار: أحمد السماحي
مازالنا مع مشوار الشاعر المبدع (أحمد شفيق كامل)، الذي يعتبر رمز من رموز الكلمة، وقدم العديد من الروائع التى لا تنسى للمكتبة الغنائية التى تشهد على قوة موهبته.
وذلك على الرغم من أن ما قدمه (أحمد شفيق كامل) من أغنيات ملء السمع والبصر، فهو يُعد من مظاليم الفن، حيث لا يذكره أحد سواء في ذكرى ميلاده في التاسع من يونيو، أو ذكرى رحيله يوم 31 أغسطس.
ولم يحظ بما يستحقه من التقدير الأدبي لدى النقاد والدارسين والباحثين والفنانين، وأجهزة الدولة الثقافية المنوطة بالتسجيل والتدوين والتكريم!.
وبقى اسم (أحمد شفيق كامل) مجرد اسم مشهور يكاد يكون مجهول الهوية والقيمة لدى الكثيرين من الأجيال الجديدة سواء كانوا من العامة أو المتعلمين أو حتى المثقفين.
في الحلقة الماضية توقفنا عند نشأة (أحمد شفيق كامل)، وأبرز أغنياته التى قدمها، وعمله كسفير لمصر في عدة دول عربية وأجنبية.
وهذا الأسبوع نستكمل المشوار من خلال حوار قمت بإجرائه مع شاعرنا الكبير أحمد شفيق كامل عام 2001 في مجلة (الأهرام العربي)، ونسترجعه لأهميته الشديدة، ولأنه لا يوجد نسخة منه على شبكة الإنترنت.
* مبدعنا وشاعرنا الكبير متى بدأ مشوارك مع الأغنية؟
** (أحمد شفيق كامل) بعد صمت ثواني قال وهو يسرح بعيدا: بدأ في الأربعينات وأنا طالب في المرحلة الثانوية مع صديق يدعى (سعد زغلول حجازي) مهندس ومطرب وملحن.
وفي هذا الوقت كانت الإذاعة تأتي بأحد الهواة وتمنحه وصلة غنائية لمدة ربع ساعة كل يوم جمعة في برنامج بعنوان (ركن الأغاني الشعبية).
ومن خلال هذا (الركن) أو البرنامج قدمنا العديد من الأغنيات الناجحة.
وأعجب بأشعاري مطرب الأربعينات الشهير (عباس البليدي) فتعاونت معه في أغنية بعنوان (دايما تقول بكره) لقيت نجاحا كبيرا.
مما شجع المطربة (نجاة علي) وكانت ثاني مطربة بعد أم كلثوم على أن تتعاون معي في أغنيتين الأولى بعنوان (طيفك وخيالي) والثانية قصيدة بعنوان (الشاطئ) والاثنتان لحنهما أحمد عبدالقادر.
(أحمد شفيق كامل) وعبد الوهاب
* يعتبر لقاؤك بالموسيقار محمد عبدالوهاب محطة مهمة في مشوارك الغنائي كيف التقيتما؟
** (أحمد شفيق كامل): منذ طفولتي، وأنا أعشق عبدالوهاب، وأعتبر نفسي حتى الآن وهابي السمع، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 بحوالي خمسة أيام رحلت والدتي.
وبعد اجتيازي هذه المحنة كتبت أغنية بعنوان (ليلة بعادك) وفي هذا الوقت كانت تربطني صداقة وطيدة بالشاعر الغنائي (مصطفى عبدالرحمن) الذي أعجب بكلمات الأغنية، وأخذها مني وعرضها على الموسيقار محمد عبدالوهاب دون أن يخبره بأنني صاحبها، وأعجب بها عبدالوهاب، وظن في البداية أنها كلمات أحمد رامي.
لكن (عبدالرحمن) قال له إنها من كلمات (أحمد شفيق كامل)، فطلب عبدالوهاب أن يغنيها، وبدأ في تلحينها لكنه لظروف خاصة به لم يكملها.
ومازالت أحتفظ بالجزء الذي لحنه، وبعد هذه الأغنية لحن من كلماتي عدة أغان بدأها بنشيد (قولوا لمصر تغني معايا في عيد تحريرها) بمناسبة عيد الجلاء.
وتوالت الأغاني بيننا سواء كمطرب أو كملحن مثل (يا جمال النور والحرية، تحت القنابل، الوطن الأكبر، ذكريات، إنت عمري، أمل حياتي) وغيرها.
* ما مدى صحة أن نشيد (قولوا لمصر) الذي غنته مجموعة الفنانيين اختصرت منه أبيات؟
** (أحمد شفيق كامل): هذا صحيح لأنني في العديد من الأغاني أكتب الأغنية من أبيات كثيرة ثم اختصر منها.
فمثلا من الأبيات التى اختصرتها في نشيد (قولوا معايا) وندمت عليها كوبليه عن جمال عبدالناصر يقول:
كم مستعمر جه واستعبد هنا أجيال،
ألفين سنة محكمناش مصري قبل جمال
(أحمد شفيق كامل) وأم كلثوم
* لماذا لم يحدث لقاء عاطفي عبر كلماتك وألحان وصوت محمد عبدالوهاب؟
** (أحمد شفيق كامل): كنت أتمنى هذا، لكن حظي سيئ معه عاطفيا، فمثلا: كان من المقرر أن يغني لي (أنت عمري).
لكن عندما طلب منه الرئيس جمال عبدالناصر أن يلحن أغنية لأم كلثوم، وجد أن كلمات (أنت عمري) تصلح لتكون بداية اللقاء معها، فأعطاها إياها، وبعد عدة أعوام كان سيتم بيننا لقاء عاطفي جديد عبر أغنية (عيش معايا).
وبدأ عبدالوهاب تلحينها، لكنه أصيب في حادث، وبعد شفائه تكاسل عن تلحين الأغنية، فلحنها كمال الطويل وغنتها (نجاة الصغيرة)، وما زلت أحتفظ أيضا بالتسجيل الذي يغني فيه عبدالوهاب مطلع أغنية (عيش معايا).
* هل كانت (أنت عمري) أول لقاء بينك وبين سيدة الغناء العربي أم كلثوم؟
** (أحمد شفيق كامل): لا أول لقاء بيننا كان عام 1961 أثناء انفصال مصر عن سوريا عبر الأغنية الوطنية (باسم مين) من ألحان رياض السنباطي.
وكنت قد كتبت في نفس ليلة الانفصال أكثر من 10 أغنيات تندد بما حدث، وتعبر عن غضبي وصدمتي.
وفي صباح اليوم التالي اتصل بي (عبدالحميد يونس) مدير الإذاعة يطلب مني سرعة الحضور لمقابلة أم كلثوم التى طلبت مني أغنية عن الانفصال فعرضت عليها (باسم مين) وكان اللقاء.
(أحمد شفيق كامل) وعبد الناصر
* ولماذا منعت الأغنية؟
** (أحمد شفيق كامل): بقرار سياسي من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي وجد أن كل المحطات الإذاعية المصرية والسورية تهاجم بعضها البعض، فأراد أن يحتوي الموقف ويضع حدا للهجوم على القومية العربية.
* هل عانيت من تدخل أم كلثوم في كلمات أغانيك؟
** (أحمد شفيق كامل): لم تصل المسألة إلى حد المعاناة، لكن حدث أن طلبت مثلا في أغنية (باسم مين) في المقطع الذي يقول (غضبانين من إيه، ومن مين الغضب يا مخدوعين) طلبت أن أغير كلمة (يا مخدوعين) بكلمة (يا ثائرين).
وأصررت على ما كتبته، وشرحت لها ما أقصد، فتفهمت الموقف، وتحقق ما أردت، وفي أغنية (أنت عمري) استبدلت عبارة (شوقوني عنيك) بعبارة (رجعوني عينيك).
وفي نفس الأغنية طلبت أم كلثوم تغيير كلمة (اللي بيشابي) من جملة (من حنان قلبي اللي بيشابي لحنانك) طلبت تغييرها إلى (من حنان قلبي اللي طال شوقه لحنانك).
وفي أغنية (أمل حياتي) طلبت تغيير كلمة (شفايفك) في جملة (أبات وأصحى على شفايفك) إلى (ابتسامتك) فأصبحت الجملة (أبات وأصحى على ابتسامتك) .
حيث رأت أم كلثوم أن المعنى الذي كتبته معنى حسي أو جنسي فطلبت حذفه.
* ما الفرق في التعامل بين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم؟
** (أحمد شفيق كامل): محمد عبدالوهاب كان ثوريا حتى على نفسه، ويحب الجديد في الكلمة واللحن، عكس أم كلثوم التى كانت تخشى الجديد وتتردد كثيرا قبل أن تقدم عليه.