بقلم: بهاء الدين يوسف
من أكثر المشاهد المستفزة للمشاعر الإنسانية منذ بدء عملية طوفان الأقصى الفلسطينية وما تلاها من مجازر ترتكبها (إسرائيل) ضد المدنيين في غزة، هى تعاطف أعداد غير قليلة من الغربيين مع المعتدي وتصديق روايته التي يمكن لأي طفل أن يرى فيها من الثغرات ما يقوده للاقتناع بزيفها.
وقد كان مقززا انتشار الرواية الخائبة التي روجتها (إسرائيل) في بداية عملية الاجتياح الإرهابي لغزة عن ارتكاب مقاومي حماس لمجازر ضد الأطفال الرضع والنساء وتلفيق صور معدلة بالفوتوشوب بشكل يفتقد للاحترافية.
مثلما كان مقززا الانتشار الواسع لفيديو الممرضة التي ادعت أنها فلسطينية وتعمل في (مستشفى الشفاء) وتزعم فيه أن حماس تسيطر على المستشفى وتهدد كل العاملين فيها، في حين أن مواقع متخصصة في تحليل البيانات المرئية والصوتية.
كشفت أن الفتاة التي ظهرت في الفيديو غير عربية من الأصل فضلا عن أن أصوات الانفجارات المزعومة التي تقوم بها حماس مركبة في الفيديو.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: الصورة أصدق إنباءً من أكاذيب (إسرائيل)!
أمام هذا وذاك يبقى السؤال الذي يثير مشاعر ملايين العرب حول سبب ارتماء الغرب بشكل عام في أحضان الأكاذيب الاسرائيلية، وعدم مبالاة الملايين هناك بسماع الجانب الآخر من الرواية حين يتعلق الأمر باليهود مهما بدا الجانب الذي يرويه أحفاد (تيودور هيرتزل) مهترئا فاقدا للمصداقية؟!
اعتقد أن السر وراء ذلك في أمرين مهمين خطط اليهود لهما منذ عشرات السنين ونجحوا في خططهم بدرجة امتياز، الأمر الأول: هو السيطرة على العديد من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا في المواطنين الغربيين.
والثاني هو الهيمنة على هوليوود حيث قبلة الباحثين عن التأثير في عقول مليارات البشر حول العالم من خلال السينما الأمريكية الأوسع انتشارا عالميا.
السيطرة على وسائل الإعلام كانت من أوائل الخطط التي وضعها اليهود في بداية سعيهم لإقامة دولتهم المشؤومة، حيث تذكر الوثائق أن المشاركين في المؤتمر الصهيوني الأول الذي أقيم عام 1897 ان مخططهم لاقامة الدولة لن يكتب له النجاح إذا لم يستطيعوا السيطرة على وسائل الإعلام العالمية خصوصا الصحافة.
وبالفعل نجح اليهود في السيطرة على الكثير من وسائل الإعلام في أوروبا وأمريكا، كما يذكر الباحث خضر جيدر في دراسته الميديا اليهودية (ملحمة التضليل الكبرى في السيطرة على العالم).
إسرائيل تسيطر على عشرات الصحف
ففي بريطانيا على سبيل المثال سيطروا على عشرات الصحف مثل (التايمز، والصنداي تايمز)، وذكرت إحصائية نشرت عام 1981 إلى أن مجموع ما توزعه كل يوم 15 صحيفة بريطانية واقعة تحت السيطرة الصهيونية في بريطانيا وخارجها يبلغ حوالي 33 مليون نسخة.
وفي أمريكا تطبع ما يقرب من 1759 صحيفة يتلقفها 61 مليون أمريكي، بالإضافة إلى 668 صحيفة أسبوعية وكلها يسيطر اليهود سيطرة كاملة على نصفها، وسيطرة أقل على النصف المتبقي.
أما في مجال الشبكات التليفزيونية فحدث ولا حرج حيث يسيطر اليهود بشكل كلي على أهم القنوات وأكثرها مشاهدة في الغرب سواء الاخبارية او المنوعات والدراما حيث يملك اليهودي الأسترالي (روبرت مردوخ) مجموعة من تلك القنوات مثل (فوكس نيوز وفوكس دراما) وغيرها.
إقرأ أيضا : إسرائيل تستهدف (الصحفيين) لحجب حقيقة جرائمها البشعة !
كما أن أهم ثلاث قنوات تلفزيونية أمريكية وهى (إيه بي سي، سي بي إس، إن بي سي) يسيطر عليها اليهود منذ إنشائها.
إذ سيطر على (إيه بي سي) ليونارد جولدينسون، وسيطر على (إن بي سي) ويليام بالي، ثم لورنس تيش، وكلاهما يهوديان، كما كان أغلب العاملين في تلك القنوات من الصحافيين والإداريين والفنيين من اليهود.
لهذا كله لم يكن من المستغرب على المتابعين للإعلام الأمريكي بشكل دقيق انحيازه المخجل لـ (إسرائيل)، وتبنيه الروايات الإسرائيلية الكاذبة والمهترئة.
بل ومحاولة بعض القنوات تجويد خدمتهم للدولة الصهيونية من خلال المبادرة بتلفيق حوادث وهمية مثلما رأينا مراسلة قناة (سي إن إن)، وهى تتلقى تعليمات من منتج المحطة لتدعي تعرضها لهجوم من مقاومي حماس.
لكن الأهم في اعتقادي هو ما كان يحدث قبل عملية (طوفان الأقصى) والمجازر الإسرائيلية التي تلتها، حيث دأبت كل وسائل الإعلام المملوكة لليهود على تشكيل وعي الغربيين بما يخدم أهداف ومخطط قادة الصهيونية.
ما جعل من السهل على تلك الوسائل ترويج أكاذيبها في زمن الحرب بين ملايين المشاهدين والقراء.
الجانب الثاني الذي نجح اليهود في السيطرة عليه هو صناعة السينما في هوليوود وكذلك الدراما التليفزيونية.
شخصية اليهودي في (أوبنهايمر)
وكنت قد كتبت مقالا قبل شهور عن (صورة اليهودي المثالي في الدراما الأمريكية) بشكل عام، وكيف أن الأفلام والمسلسلات تستطيع انتقاد أي مسؤول أو سياسي أمريكي بمن في ذلك رئيس الدولة هناك وتسخر منه.
لكنها تحرص على تقديم شخصية اليهودي دائما في صورة مثالية مثلما حدث مع (أوبنهايمر) مبتكر القنبلة النووية حين صوره الفيلم كعالم عبقري نبيل في حين أن حقيقته هى ما جاءت على لسان أحد أبطال الفيلم، وهو أنه كان مغرورا متغطرسا شهوانيا.
ومثل وسائل الإعلام نجح اليهود في السيطرة على ستوديوهات الإنتاج السينمائي في هوليود من خلال أسر يهودية تحكمت في صناعة السينما كما يقول الكاتب الأمريكي (نايل جابلر) في كتابه (في مملكة أحلامهم.. كيف أسس اليهود هوليود؟).
حيث كتب أن مؤسس شركة (20 سنتشري فوكس) هو (وليام فوكس) من يهود النمسا، بينما أسس أربعة أخوة شركة (وارنر بروذرز) هم أولاد اليهودي البولندي (بنجامين وارنر).
وكان (لويس ماير) الروسي المنحدر من عائلة يهودية هو صاحب شركة (مترو جولدن ماير)، أما شركة (باراماونت) الشهيرة فيمتلكها اليهودي (هودكنسون).
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جولدا).. كذبة إسرائيلية سينمائية جديدة
كذلك في مجال الشبكات التليفزيونية المتخصصة في الدراما يسيطر اليهود تقريبا على أغلب المحطات المهمة في أمريكا مثل CBS يرأسها اليهودي (لاري تيش)، وABC التي يملكها كل من (تيد هيربرت وليوناردو جولدنسن وستو بلومبرج).
وهم من اليهود وFOX و MTV التي يرأسها اليهودي (زومنر ريد ستون) وغيرهم، وكذلك وشركات الإنتاج الفني مثل سوني بيكتشرز التي يرأسها اليهودي جون بيترز وشركة (كانان فيلمز) المملوكة لليهوديين (مناحيم جولان ويورام غلوبس).
هكذا إذا خطط اليهود منذ عقود للسيطرة على وسائل تشكيل الرأي العام العالمي وأخضعوها لما يخدم مصالحهم ومصالح دولة إسرائيل، فماذا فعل العرب لمقاومة ذلك؟!
أخشى أن أصدمك أنهم لم يكتفوا بعدم فعل أي شيء بل أن بعض الدول هرولت لإنشاء شركات إنتاج وسيطة تقوم بالإنفاق على إنتاج بعض أعمال تلك الشركات اليهودية وهذا حديث آخر.
في الحلقة القادمة نستكمل: لماذا تنجح (إسرائيل) عادة في كسب معارك الدعاية؟!